العنوان القبول بالتعددية سبيل إلى «فك أسر» المبادرات وإطلاقها
الكاتب هشام جعفر
تاريخ النشر الاثنين 01-فبراير-1999
مشاهدات 11
نشر في العدد 1335
نشر في الصفحة 44
الاثنين 01-فبراير-1999
مطلوب من التنظيمات الإسلامية: احترام التعددية في مناخ من الثقة الكاملة واعتماد الشورى آلية لحسم الخلافات.
تتعالى الأصوات الآن داخل التنظيمات والحركات منادية بضرورة إطلاق المبادرات ولزوم فتح الأبواب الموصدة والنوافذ المغلقة على مصراعيها.
والحقيقة أن هذا النداء يرتبط بشروط موضوعية وذاتية تغذيه وتدعمه، إلا أنه في الوقت نفسه هناك مجموعة من السنن التي تحكمه، والحديث عن الشروط والسنن اللازمة لإعمال المبادرات وإطلاقها «فرض الوقت» ضرورة، حتى تحدث هذه المبادرات نقلات نوعية كبرى في الواقع تؤدي بالحركات والتنظيمات للخروج من أزمتها.
الشروط الموضوعية التي تفرض ضرورة إطلاق المبادرات مبعثها – في حقيقة الأمر – الفترة الانتقالية التي نحياها في جميع المجالات، وعلى كل المستويات، فالواقع الذي نحياه هو واقع انتقالي بكل معاني كلمة انتقالية، بمعنى أن هذا الواقع يشهد تحولات كبرى في المجالين السياسي والاقتصادي، كما في المجالين الاجتماعي والثقافي... إلخ، وعلى المستوى المحلى كما على المستوى الدولي الإقليمي، وفي جانب الحركات والقوى السياسية والاجتماعية، كما في جانب الدولة والحكومات.
هذه الفترة الانتقالية تشهد ميلادًا جديدًا أو طورًا جديدًا، مختلف بدرجة كبيرة عن الطور السابق... مختلف عنه نوعيًا وكميًا.
وهكذا، فإن الواقع الذي تعرفه مرتحل وهناك واقع جديد يتشكل الآن تتبلور ملامحه وتبرز تضاريسه وتستقر فيه مراكز ثقل مختلفة عن سابقتها، ولقد صاحب هذه الفترة الانتقالية، بل ربما بسببها حركة مراجعات كبرى لكثير من المسلمات والبديهيات التي تصور العقل البشري أنها من الثوابت التي لا يمكن تصور حياة بدونها.
الفترة الانتقالية، وحركة المراجعات الكبرى تفرضان على الجميع إطلاق المبادرات في محاولة للاستجابة للواقع الذي يتغير والمستجدات التي طرأت، وهذا يجرنا إلى الحديث عن الشروط الذاتية أو ما يتعلق بأزمة التيارات والقوى الفاعلة في الأمة، تلك الأزمة التي كان أبرز مظاهرها عدم القدرة على الاستجابة المناسبة والفاعلة للتحديات استجابة تحرك وتعبئ، وتوقظ وتلهم، ولقد جعلت هذه الأزمة ملامح وتضاريس الواقع الجديد، تتشكل خارج الأطر والأدوات والتنظيمات والأحزاب القائمة مظاهرة التدين – على سبيل المثال – أصبحت الآن تتم وتتكون وتنمو خارج المؤسسات والتنظيمات والجماعات القائمة.
غياب الاستجابة المكافئة للمرحلة أدت إلى حدوث تجاذبات و اختلافات ناتجة أساسًا عن الاختلاف بشأن الواقع المرتحل، وما يحمله الواقع الجديد من دلالات، وقد تطورت هذه الظاهرة – ظاهرة التجاذبات والاختلافات – في بعض التنظيمات والحركة إلى تفكيك غير منظم ساعدت عليه سياسات العولمة، وضغوط وتحركات داخلية وخارجية.
مناخ المبادرات: المبادرات هي التي عادة ما تحدث نقلات كبرى في حياة الأمم والشعوب والجماعات والحركات وهي عادة ما تكون محل خلاف أو عدم اتفاق بين الأطراف المختلفة، وإلا لما كانت مبادرة، لذا فإن المبادرات تحتاج إلى شيوع مناخ من الثقة الكاملة، ولكن يظل الأهم أن المبادرة – بعد إطلاقها وانطلاقها – تحتاج إلى بلورة رؤية تعطي لها مضمونًا تأصيليًا عميقًا، وربما لا يكون من قام بإطلاق المبادرة هو الأجدر بتحقيق ذلك.
إن فهم طبيعة المبادرات باعتبارها تحمل قدرًا من الاختلاف حولها مبعثه في حقيقة الأمر مسألة على جانب كبير من الأهمية في التصور المستقبلي للتعامل مع الاختلاف، وهي ضرورة إدراك التعددية داخل الكيان الواحد، فالتعددية باتت حقيقة واقعة في المجال السياسي، كما في المجال الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وفي الحالة الإسلامية كما في غيرها.
التعددية تعني التسليم والاعتراف بالاختلاف التسليم به واقعًا والتسليم به حقًا للمختلفين لا يسع حرمانهم منه، إن هذا التعريف يعطي للتعددية مشروعية، ويستلزم الاعتراف بهذه المشروعية التسليم بحق المختلفين في التعايش مع بعضهم البعض، والتعبير عن اختلافاتهم بحرية، فالتعددية في جوهرها تعني ثلاثة أشياء:
١- الاعتراف بوجود تنوع في مجتمع ما .
٢- احترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من خلاف واختلاف في المفاهيم، والألسنة والمصالح، وأنماط الحياة، والاهتمامات، ومن ثم الأولويات والآراء ووجهات النظر.
٣- إيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك كله بحرية في إطار مناسب وبالحسنى، وبشكل يحول دون نشوب صراعات.
والاعتراف بالتعددية والقبول بها يفرض منهجًا في النظر إلى كثير من الأمور ومنها بالطبع الخلاف أو الاختلاف الناشئ عن إطلاق المبادرات، فعدم الاعتراف بالتعددية والقبول بها سيجعل الخلاف الناشئ عن المبادرات سبيلاً «للتفرق المذموم» وليس سبيلاً «للاختلاف المشروع»، وخاصة في ظل المعطيات الثقافية القائمة في واقعنا التي تستند إلى الفكر الشمولي الذي يطرح فقط صيغة إما أو أي إما أن تلحق بي، أو تكون عدواً لي.
الحالة الحوارية وإطلاق المبادرات
إن خلق الحالة الحوارية داخل الكيان الواحد هو أحد أهم آليات إدراك التعددية والاختلاف وهي سبيل فحص المبادرات والآراء ووجهات النظر، التي سنكتشف بعد قليل من الفحص والحوار أن كثيرًا مما يطلق عليه مبادرات لا تعدو أن تكون احتجاجات أو أراء سطحية غثاء لا ينفع الناس، إلا أن الأهم أن الحالة الحوارية بمستوياتها المتعددة من شأنها أن زخمها، وتصنع الرؤية التي هي أساس العمل في الرؤية الإسلامية ﵟفَٱعۡلَمۡ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُﵞ (محمد: ١٩) فكثير من المبادرات التي تطلق لخدمة الجهود الإصلاحية في الأمة لا تتوافر لها مقتضياتها ومستلزماتها: إذ إن مقتضيات أي عمل أو أية مبادرة هي رؤية لحكمه، وموارد بشرية مؤهلة ومدربة لممارسته وأوضاع مؤسسية تشرف عليه وتقيمه وتدعمه وموارد مالية تكافئه، وأهمها على الإطلاق – فيما تصور – الرؤية الحاكمة التي تجعل اختيار أي عمل أو إطلاق أية مبادرة هو اختيار واع تحكمه الثوابت والمحددات ولا يفرضه علينا الواقع [على سبيل المثال هل كان إطلاق مبادرة دخول العمل السياسي من قبل الحركة الإسلامية في الثمانينيات اختيارًا واعيًا أم مبادرة فرضتها الظروف، ظروف الواقع؟!]، وهذا الاختيار الواعي من شأنه أن يتحول إلى وعي جماعي وليس وعيًا مناصرًا على عدد من الأفراد، ويجعل كل مكون من مكونات العمل يحتل وزنه وثقله في منظومة العمل الكلية، فلا يطغى جزء على حساب أجزاء أخرى، ولا يختزل مكون من المكونات بقية المكونات [تأمل كيف اختزل العمل السياسي الحركة الإسلامية مكونات كثيرة من مكونات مشروعها التغييري الإصلاحي].
وإذا كان الحوار هو سبيل فحص المبادرات وتبلورها بعد إطلاقها، فإن الشورى هي سبيل إدراك التعددية وتغذيتها، فالشورى تتأسس ضمن ما تتأسس على التعددية، كما إن إقرار الشورى باعتبارها منهج حياة قبل أن تكون آلية لاتخاذ القرارات وحسم الخيارات المتعددة والآراء المتباينة من شأنه أن يقوى التعددية فيجعلها تعددية صحية، لا تتحول إلى اقتتال وصراع.
الخلاصة إذن هي: إن الاعتراف بالتعددية واحترامها داخل الكيان الواحد، وإيجاد الصيغ التنظيمية والإدارية المناسبة للتعبير عن هذا التعدد، وفي ظل شيوع مناخ من الثقة الكاملة واعتماد الشورى منهج حياة والية لحسم الخلافات والآراء المتعددة هو فيما أتصور سبيل حل مشكل الخلاف والاختلاف داخل التنظيم الذي ينشأ في كثير من الأحيان نتيجة إطلاق المبادرات وإلا فإن المتوقع في ظل ضغوط العولمة وتحدياتها المزيد من التفكيك للعرى التنظيمية، فالعولمة تؤدي فيما تؤدي إليه إلى مزيد من التضخم في الكيانات الكبيرة والاندماج بينها (الشركات متعدية الجنسية – البنوك ..) ومزيد من التفكيك للكيانات الصغيرة والضعيفة وخاصة في عالم الجنوب [تأمل كيف تتفكك الدول عالم الجنوب الضعيف وتبرز القوميات داخلها].
وتبقى نقطة أخيرة هي تلك التي تخص دور القيادة في إطلاق التغيير، فالقيادة لها دور في ضرورة تبنيها للمبادرات حتى يقدر لها النجاح وإحداث التغيير، ولكن هذا التصور يجعل من السلطة محور التغيير ليتضخم دورها فتقضي على المبادرات بعد ذلك.
إن تبني القيادة للمبادرة أو السماح بها أو إيجاد مناخ يحض الأفراد على إطلاق مبادراتهم شرط من ضمن شروط موضوعية كثيرة ضرورية للتعامل مع المبادرات، وأهمها في تصوري مدى توافر شروطها داخل القاعدة العريضة من الأفراد، فالأفراد وقناعاتهم هم الذين يعطون للمبادرة شكلها وحجمها في الواقع، كما أنهم يفرضون قيوداً ومحددات على مبادرة القيادة، بل يستطيعون – بوعي وبدون وعي – أن يفشلوا أي مبادرة للقيادة.
إن هذا التصور، ناهيك عن أنه يتفق مع سنن التغيير القرآني التي تعلي من شأن تغيير ما بالأنفس وتجعله مقدمة وشرطاً أساسياً لتغيير الواقع، فإنه يؤكد أيضًا على أولوية التغيير الثقافي والتربوي العميق في صفوف الحركات والتنظيمات بل والأمم والشعوب، لأن هذا النوع من التغيير هو سبيل نجاح المبادرات.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عبدالعالـي حسانـي: «مجتمع السلم» تتبنى مشروع الوحدة بين أبناء الحركة الإسلامية كافة بالجزائر
نشر في العدد 2182
32
الثلاثاء 01-أغسطس-2023