; القرآن العظيم وسر هجمات أعداء الإسلام عليه في القديم والجديد | مجلة المجتمع

العنوان القرآن العظيم وسر هجمات أعداء الإسلام عليه في القديم والجديد

الكاتب محمد محمود الصواف

تاريخ النشر الثلاثاء 12-أكتوبر-1982

مشاهدات 10

نشر في العدد 590

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 12-أكتوبر-1982

القرآن العظيم كتاب الله الخالد ودستوره الماجد ومعجزة النبي الكبرى، وحجة الله البالغة ولا إسلام بدون قرآن إذ القرآن عماد الإسلام ودستور الإسلام، ونور الإسلام وحجة الإسلام، أنزله الله ليكون برهانًا وضياء للناس وبين لهم فيه ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم وما فيه سعادتهم في دينهم ودنياهم، ولما للقرآن من مكانة عظيمة في نفوس المسلمين، فقد وجه أعداء الإسلام سهامهم إلى القرآن، وجعلوه الهدف الأول في هجماتهم لمكافحة الإسلام، ونحن نذكرها وإن باءت كلها بفضل الله بالخيبة والفشل وكان مثلهم كمثل من هاجم جبلًا أشم بذرات من التراب والوحل يريد بها اقتلاع الجبل من جذوره فكان موضع الهزء والسخرية والإشفاق على ذهاب عقله وامتلاء قلبه بالحقد الدفين. 

نذكرها ليطلع عليها شبابنا ويروا أساليب أعدائنا في طرق محاربتنا ومحاربة عقائدنا، وكتابنا الذي هو أمامنا ونور أبصارنا، وبصائرنا في الحياة، ودستور ربنا إلينا وحجة نبينا وحبيبنا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم فنقول وبالله التوفيق:

لقد تعرض القرآن الكريم منذ أقدم العصور بل منذ نزوله حتى اليوم تعرض لمطاعن ومفتريات وشبه واتهامات وتزوير وتحوير وأكاذيب، تحمل معها حجج النفاق والكفر لأصحابها. 

بهذه الحملات بل واستمرت الحملات والمطاعن تنتقل من جيل إلى جيل ومن ميدان إلى ميدان حتى جاء الاستشراق والمستشرقون والتبشير والمبشرون، والاستعمار والمستعمرون واليهود الصهيونيون، وإذا بالنغمة تتكرر وإذا بالسيوف تشهر، وإذا بالمطاعن تنشر، فتارة يتهمون القرآن بالتناقض، وتارة باللحن، وأخرى بفساد النَّظم، ورابعة بإنكار الإعجاز، وخامسة أنه من صنع النبي إلى ما شاء لهم الحقد والهوى، من ألوان الُّتهم، حتى لم يتركوا عيبًا إلا نسبوه إلى القرآن، وألصقوه به، وقد استوى في ذلك القدماء والمحدثون والشرقيون والغربيون، وأود أن أنقل هنا مَثَلين وقولين أحدهما لشرقي والآخر لغربي من هذه الأقوال المسمومة.

يقول المستشرق الذي يعتبر من أئمة المستشرقين وهو يهودي خبيث يقول عن القرآن في بحثه عن نمو العقيدة الإسلامية وتطورها واسمه جولد تسيهر:

«ومن العسير أن نستخلص من القرآن نفسه مذهبًا عقيديًّا موحدًا متجانسًا، وخاليًا من المتناقضات ولم يصلنا من المعارف الدينية، الأكثر أهمية وخطرًا، إلا آثار عامة، نجِدُ فيها -إذا بحثناها في تفاصيلها- أحيانًا تعاليم متناقضة، ورسالة النبي الدينية تنعكس في روحه بألوان مختلفة باختلاف الاستعدادات السائدة في نفسه إذ كان لزامًا على علم الكلام المنسق أن يتولى منذ أول الأمر حل الصعوبات النظرية الناشئة عن مثل هذه المتناقضات..؟!» 

هذا قول رجل من رجال الاستعمار الغربي وكان هو وزملاؤه المستشرقون غير المنصفين أركانًا للاستعمار ومعاول لهدم معاقلنا، وحصوننا، ليدخل من ثغراتها الاستعمار الغادر.

وإليكم قولًا آخر لرجل من الشرق لتروا كيف اتَّحد الشرق والغرب في مكافحة الإسلام ولم يتفقوا إلا في محاربتنا، وإلا فمتى اتفقت روسيا وأمريكا وإنجلترا؟ يقول الكاتب الروسي المعاصر الذي جاهر الإسلام والقرآن بأشد أنواع العدوان واتهم القرآن بأوضع البهتان فقال:

«... ويقول القرآن: إن الله خلق جميع الحيوانات من الماء، ثم يذكر بعد ذلك في سبع آيات مختلفات أن الله خلق الإنسان خلقًا، ثم هو في الوقت نفسه يناقض نفسه بنفسه سبع مرات، فيقول في مرة أن الله خلق الإنسان من التراب، وفي مرة ثانية من الطين، وفي مرة ثالثة من الفخار، ورابعة من الصلصال، وخامسة من صلصال الفخار وسادسة من حمأٍ مسنون، ومرة سابعة من الماء وهي كلها متناقضات تؤكد أن تأليف القرآن لم يتم في زمن واحد ولا على يد مؤلف واحد. 

ويحلو للمستشرق اليهودي أن يبدي ويعيد في مسألة التناقض كما أثار في كتابه العقيدة والشريعة في الإسلام مسألة المُشْكَل والمتشابه في القرآن الكريم. ليخلص من ذلك كله إلى الغمز في القرآن والطعن فيه وتكرار اتهامه بالتناقض وكلامه هذا، وفي كل موطن من كتابه -سالف الذكر- المشحون بالطعن في الإسلام والتشكيك في القرآن لا نَبِين فيه براءة البحث -كما يزعمون- ولا نزاهة العلم ولا إخلاص النية وسلامتها، بل يتناثر الحقد والشر والباطل والزور من أَلْسِنَة أقلامهم حين يكتبون عن الإسلام، وإنهم لَيفقدون أعصابهم، وينسون مقامهم العلمي، وترتج نفوسهم، وتضطرب قلوبهم حينما يشغلون أنفسهم بالبحوث الإسلامية وأحقاد العصور هي التي ملأت الصدور، وأملت عليهم هذا الحقد والغيظ الذي لم يستطيعوا كظمه، في كل حالاتهم. يقول المستشرق جولد تسيهر في كتابه العقيدة والشريعة «ومثل هذا النقد للقرآن كان صوابًا خلال الجيل الأول التالي لظهوره إلى درجة أنه لم يكتف بأن يهتم خصوم الإسلام بكشف مواطن الضعف فيه فقط بل ذهب الأمر إلى درجة أن البحث في التناقضات الظاهرة في القرآن أصبح موضع حديث بين المؤمنين أنفسهم، وسنرى فيما بعد في مثال بشأن تعليم أساسي في الدين، وهو مسألة الجبر والاختيار، كيف أن الأدلة للرأي وضده قد استقيت من القرآن نفسه».

وهكذا لا يدع هذا الكافر الغادر والعدو الفاجر فرصة تمر إلا انتهزها وقذف سمه القذر من أطراف قلمه ليغمز القرآن في كيانه، ويطعنه في بنيانه، ليصيبه في وحدته وتماسكه كأنه موكل بذلك وهو فعلًا موكل، فهؤلاء عملاء للاستعمار موكلون بتوهين عُرَى الإسلام وتشكيك المسلمين في دينهم بمختلف الوسائل والطرق.

وإلا فما ذنب القرآن العظيم إذا ما وجد العلماء والباحثون والفقهاء أدلة للرأي وضده؟ وإذا اختلفوا فإنما اختلافهم تبعًا لاختلاف اللغة أو اختلاف المفهوم أحيانًا وهل يُعد هذا عيبًا للقرآن وهو كتاب الكمال، والبيان والحق والجمال؟

فما ذنب القرآن إذا أول المتأولون في مثل قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ﴾ (طه: 5) فما ذنب القرآن إذا انحرفت بعض الفهوم عن المعنى الظاهر للاستواء وهو صريح واضح وأولوه بمعنى الاستيلاء واستدلوا بقول الشاعر:

قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف أو دم مهراق 

ورحم الله الإمام مالك ورضي عنه فقد كان كلامه كلام العلماء البررة الأتقياء حيث قال: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة».

وما ذنب القرآن العظيم -وهو المبرأ من كل نقص- إذا نتج عن مثل هذا الفهم والتأويل تباين في قضية التشبيه والتجسيم؟! والكيفية، والذات والصفات وغيرها مما أثاره علماء الكلام وأطالوا الكلام فيه بما لم يكن من مصلحة الإسلام ولا في صالح المسلمين، بل أضر أكثر مما نفع وهدم أكثر مما بني.

أما مسألة الجبر والاختيار بالنسبة إلى أفعال العباد، والعدل والظلم بالنسبة إلى صفات الله عز وجل، فقد وجد فيها المستشرقون مجالًا واسعًا للكلام المسموم. في الطعن بالإسلام وكتاب الله العظيم، ولقد أتاحت لهم الخصومات التي نشأت بين أهل السنة وأهل الاعتزال أن يثيروا مسألة الحرية الإنسانية والعدالة الإلهية بطريقة خبيثة تجعل القرآن مجالًا للتناقض والاضطراب وهو كل ما يهدفون إليه في كتاباتهم عن الإسلام.

وهذه القضية -قضية التناقض وغيرها- ليست قضية اليوم، بل هي قضية الأمس وقضية الغد كذلك، وعلماؤنا الأولون رحمهم الله لم يتركوها، بل وقفوا لها بالمرصاد، ولكل ما يُثار من الكلام حولها، وأعدوا له الردود المفحمة. وعلى رأس هؤلاء العلماء ابن قتيبة رحمه الله، وأجزل له المثوبة فقد نصب نفسه، ووضع قلمه القوي وعلمه الغزير العميق لرد شبهات المبطلين والمتهمين من أمثال هؤلاء المستشرقين في القديم والحديث والأعداء هم هم وكأنهم تواصوا بهذا الشر؛ لذا فالرد عليهم في القديم هو الرد عليهم في الجديد وقد كان كتاب تأويل مشكل القرآن لمؤلفه ابن قتيبة رحمه الله من خير الكتب ومن أوائل الكتب في رد هجمات الطاعنين على كتاب الله العزيز.

الرابط المختصر :