; القضية الإسلامية في المغرب العربي | مجلة المجتمع

العنوان القضية الإسلامية في المغرب العربي

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 07-أكتوبر-1980

مشاهدات 22

نشر في العدد 500

نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 07-أكتوبر-1980

·أين الحسن الثاني مما يجري عنده؟!

·الأحكام الجائرة في قضية ابن جلون كانت سبباً لاضطرابات واسعة في المغرب.

·جمعية الشبيبة الإسلامية تربوية، ووسائلها: الحسنى والدعوة بالمعروف.

قضية الشبيبة الإسلامية في المغرب العربي جزء من مأساة المسلمين في كل مكان خلال الثلث الأخير للقرن العشرين، حيث تشتد الهجمة العالمية ضد أي مظهر من مظاهر الانبعاث الحضاري للإسلام في أواخر هذا القرن، ولقد صدرت قبل أيام الأحكام المنتظرة في قضية مقتل الشيوعي -عمر بن جلون- بعد تأجيل ومماطلة استمرا ما يقرب من خمسة أعوام. وهي القضية التي اتهمت بها جمعية الشبيبة الإسلامية ونحن هنا سنفتح ملف الجمعية بهذه المناسبة؛ لنتعرف إلى الخلفية التاريخية والأرضية الفكرية التي تنطلق منها، فما قصة جمعية الشبيبة الإسلامية في المغرب؟ وما قضيتها؟ وإلى أين سينتهي الصراع المحتدم الآن بين الاتجاه الإسلامي والسلطة؟!

البداية:

المغرب العربي كله، وعبر تاريخه الإسلامي، كان القاعدة الصلبة للفتح الإسلامي الذي انتقل شمالا باتجاه أوربة. وفي مراكش بالذات، وبعد أن وقف عقبة بن نافع وقفته المشهورة تلك هناك، جاء من يتابع مسيرة الفتح المباركة، فبرزت أسماء موسى بن نصير وطارق بن زياد وغيرهما... حتى إن العدوة الثانية أخذت اسم الفاتح الأول، فسميت جبل طارق!.... وحين بدأ الانحدار السياسي والعسكري يضرب المسلمين في شبه جزيرة إيبرية «الأندلس» لاختلافهم المخزي كان المغرب كله القاعدة الصلبة للنجدة السريعة التي جاءت على يد يوسف بن تاشفين، وأخرت سقوط الأندلس في أيدي الفرنجة الهمجيين!!

وللمرة الثالثة يصبح المغرب قاعدة للمهاجرين المسلمين الذين فروا بدينهم من مجازر محاكم التفتيش الإسبانية المتوحشة: فالإسلام في المغرب - حسب وقائع التاريخ - أصيل وقوي. وضارب الجذور في الأرض، وهو يؤتي أكله في كل حين، ولذلك ذاق الاستعمار الفرنسي والإسباني والإيطالي الويل والثبور على أيدي الثوار المسلمين من المغاربة، وما استقلال الجزائر عنا ببعيد...

والشعب المغربي مسلم بالفطرة، وتروى بهذا الصدد حكايات عجيبة، ولكن الاتجاه المتكامل لحركة الإسلام في العصر الحديث الرامية إلى استئناف الحياة الإسلامية وتحكيم شريعة الله في الأرض، لم يأخذ شكله الحركي الواعي إلا في أواخر الستينات، حين ظهرت إلى الساحة المغربية جمعية الشبيبة الإسلامية.

الشبيبة المغربية:

إنه على الرغم من وجود بعض الاتجاهات الإسلامية داخل بعض الأحزاب المغربية «كالاستقلال مثلا» إلا أنها لا تأخذ طابع الشمول ونقاوة التوجه!! ولأن العالم إسلامي كله يغلي وتضج فيه العواطف والأفكار متجهة إلى تطبيق الشريعة وتحكيم كتاب الله، دون تهاون ولا تخاذل؛ ولأن هذا العالم قد جرب مختلف الدعوات والعقائد التي جاءت بها مختلف الأحزاب والحركات والانقلابات، وصدمته النكسات والهزائم المتوالية، ولأن المجتمع المغربي بالذات قد أصابه الانحراف على عدة مستويات في الاقتصاد والأخلاق والاجتماع والسياسة والعقائد بتأثير الشيوعية والقومية والوجودية الداخلية، والمؤسسات المشبوهة من

ماسونية وصهيونية وروتاري.... لكل ذلك - مع عدم وجود الحركة الإسلامية المتكاملة - برزت إلى الوجود الشبيبة الإسلامية المغربية، متبنية فكر الحركة الإسلامية الأم التي سبقتها وهي حركة الإمام الشهيد حسن البنا -رحمه الله-، ولقد بدأت الحركة تأخذ امتدادها في صفوف الشعب المغربي وخاصة المثقفين، حين طرحت برنامجها بقوة.

·مجلة أمريكية يسارية: تحرض على الاتجاه الإسلامي، وتطالب بتصفيته في المغرب؟!

المبادئ والوسائل والغايات:

 نستطيع أن نستشف صورة عامة لبرنامج الحركة من خلال بيان وجهه إلى الشبيبة المغربية رئيسها الأستاذ عبد الكريم مطيع. في وقت بدا فيه، وكأن العنف قد أخذ يلقي بشيء من الجهامة على وجه الحركة الأصيل النبيل، وفيه يبين:

1 - مهمة المسلمين في الدنيا: وهي العبادة المبنية على توحيد الله -سبحانه- واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وموالاة من وإلى الله ورسوله، ومعاداة من عاداها! 

٢ - أسلوب الجماعة في العمل للدعوة المنطلق من خمسة أسس وهي:

1- فهم العقيدة الإسلامية فهمًا سليمًا.

2- فهم الواقع المطلوب تقويمه.

3- وضع منهج متكامل يرفع الواقع إلى مستوى العقيدة.

4 - توفير الطاقات البشرية التي ستطبق المنهج.

5- ربط هذه الطاقات برباط المحبة في الله.

6 - الموقف من المحن والشدائد: الاعتقاد بأنهما سنة من سنن الدعوة وقدر من أقدار الله، يميز بها الخبيث من الطيب. 

وأن اختلاف القلوب من أهم أسباب الهزيمة ! لذلك تعمل الجماعة على التخلق بأخلاق أهل سورة العصر «الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق والصبر»

المؤامرة!!

لم يرق لأعداء المسلمين هذا التوجه الواضح نحو الإسلام عند الشبيبة، فبادروا من اليمين إلى اليسار، لشن الحملات المغرضة والدسائس، ضد الجماعة حتى وصل الأمر إلى التحرك لتصفية الحركة وبترها!! وخاصة بعد أن أخفقت مشاريع تحالف قدمها اليمين واليسار على حد سواء.

ولقد استغلت هذه الجهات حادثة مقتل المحامي الشيوعي عمر بن جلون، واتهمت الحركة بمقتله، مع أن المتهم بقتله معتقل ومعترف في جميع مراحل التحقيق بأنه لا يعرف الشبيبة المغربية؟؟ ولقد ساعدت العناصر اليسارية المندسة في الأجهزة الأمنية والسياسية على تأكيد الاتهام وملاحقة الجماعة واعتقال بعض أعضائها وخاصة الأخ إبراهيم كمال نائب الرئيس، ومنع الأخ عبد الكريم مطيع رئيس الجماعة من دخول المغرب، حتى في حالة وفاة أمه في غيابه!!

والتصفية:

إنه على الرغم من براءة الجمعية من مقتل بن جلون - كما يقول المحامي الإسلامي الذي دافع عنها الأستاذ شوكت التوني، فإن السلطات في المغرب مصرة على اضطهادها، والسبب الأساسي في ذلك هو الخوف من نفوذ الجمعية؛ ولذلك فإن اليسار بين والمتغربين يجمعهما - على الاختلاف - هدف واحد هو محاربة الجمعية واضطهادها:

وبالتالي تصفية قواعدها، ولكن الأيام أثبتت أنه مهما أتحدث القوى ضدها - أقوى وأثبت على الحق، فلقد حاول اليسار جرها إلى المعارك الجانبية بالاتهامات الباطلة، ولكنها ظلت سائرة في طريق الدعوة والإرشاد والتربية والتوعية رغم المضايقات، ولا أدل على ذلك من النشاط الذي أقامته الشبيبة في مسجد الحي الجامعي بمدينة فاس - مهد الإسلام والعلم - من مهرجانات خطابية وتوجيه نداءات وتوزيع منشورات وبيانات تدعو للعودة إلى الإسلام وكذلك الأمر في الرباط والدار البيضاء...

ولكن هذا النشاط بشكل عام كان مرصوداً من اليسار العالمي والمتأمرك، فلقد حذر مقال المجلة جون أفريك «الأمريكية اليسارية!!» بعددها الصادر في ١٩٧٩/١٢/٢٦ من الحركة، وحرض على ضربها حين قال: «المغرب الدولة المجاورة لتونس والجزائر، لم تفلت من هذه القاعدة مراسلنا يؤكد وصول الموجة الإسلامية إلى بلاد الحسن الثاني لدرجة أن السلطة متحيزة في شأنها، وأنه إذا لم تواجه بموقف أكثر صرامة، من موقف تونس، فإنها ستلجأ إلى العنف السري!!» أن هذا الكلام يبين موقف السلطة من العمل الإسلامي وخططها لضربه، ويبين الخوف الذي أصاب المعسكرين على حد سواء.

القضية والأحكام:

وأخيرًا، هل ألقي الستار على هذه القصة الدامية التي استمرت حوالي خمس سنوات؟! وهل كانت الأحكام التي صدرت في قضية ابن جلول خلال الأيام الماضية عادلة إلى الدرجة التي لا تسمح بإثارة ردود فعل مختلفة تجاهها، لا ينقلب الأمر إلى مضاعفات خطيرة تبلغ حد الصدام؟!

لقد نشرنا الأحكام في العدد الماضي - أخبار المجتمع الإسلامي، وقد تراوحت بين الإعدام والحكم بالمؤبد والبراءة، ولكن هذه الأحكام جاءت صدمة لجماهير المسلمين حتى شبهها بعضهم بمحكمة الدجوى قاتل سيد قطب؛ لأن المسلمين كلهم مقتنعون ببراءة الجماعة، ولذلك حصلت بعض الاضطرابات في المغرب نتيجة لذلك، نرجو من الله أن يرفع الغمة عن المسلمين حتى ينعموا في ديارهم بالأمن والحرية والعدالة... والسلام.

الرابط المختصر :