العنوان الكنيسة الغارقة في الشذوذ.. لماذا تصر على التنصير؟!
الكاتب شعبان عبد الرحمن
تاريخ النشر السبت 27-مارس-2010
مشاهدات 14
نشر في العدد 1895
نشر في الصفحة 12
السبت 27-مارس-2010
«باسمي وباسم الكنيسة الكاثوليكية أعرب عن شعوري بالخجل والأسى.. ولا يسعني سوى أن أشارككم خوفكم والشعور بالخيانة الذي انتاب الكثيرين منكم لدى علمكم بهذه الأفعال الآثمة والإجرامية.. وكيفية تعامل سلطات الكنيسة في أيرلندا معها... لقد عانيتم كثيرًا.. وأنا أقدم لكم بالغ أسفي».
هكذا قطعت كلمات «بنديكت السادس عشر» بابا الفاتيكان يوم السبت 20/3/2010م صمت الكنيسة قرونًا طويلة على جرائم الاعتداءات الجنسية من القساوسة والرهبان على الأطفال والنساء، وهي الاعتداءات التي تفشت بين قادة الكنيسة في أوروبا وأمريكا وغيرها بصورة مريعة، واكتنفتها جرائم مرعبة بحق المعتدى عليهم، دون موقف عملي من رأس الكنيسة طوال السنوات الماضية.
المناسبة كانت صدور تقرير حكومي أيرلندي كشف عن تفاصيل أكثر من 300 حالة تحرش داخل الكنيسة ارتكبها الكهنة الأيرلنديون منذ عام 1975م.
ورغم أن هذا الاعتراف من قبل البابا يعد أول سابقة في تاريخ الكنيسة يعترف فيها البابا بخطاب رسمي مكتوب بتلك الجرائم المخزية، إلا أنه اكتفى بـ «الشعور بالخجل والإعراب عن الخيانة» من قبل المجرمين دون أن يعلن عن إجراءات عملية لعقاب المذنبين كنسيًّا وجنائيًّا، ودون أن يعلن عن إصلاحات شاملة لتطهير الكنيسة من ذلك الوباء.. فماذا تفيد كلمات الاعتذار والضحية ما زالت غارقة في عارها والمجرم ما زال يمارس مهامه وسطوته داخل الكنيسة؟!
وهذا ما حدا بمنظمات غربية تمثل الضحايا وتدافع عن قضيتهم للإعراب عن استيائها، فقد نقل الموقع الإلكتروني لصحيفة «آيرش تايمز» عن «ماييف لويس» من منظمة «وان إن فور»، وهي منظمة خيرية أيرلندية، قولها: «نشعر أن الخطاب لم يعالج مخاوف الضحايا.. إن البابا تحدث عن تقصير الكنيسة الأيرلندية وتجاهل دور الفاتيكان»...
وقال عدد من المراقبين في أيرلندا: «لم يكن أمام الكنيسة من خيار آخر، حيث إن حالات الاعتداء الجنسي على أطفال تعد من المسائل المدمرة لمؤسسة حاضرة بقوة بين الشباب، كما ينطوي الأمر على جانب مالي، حيث اضطرت الكنيسة الأمريكية عام 2008م إلى دفع تعويضات بقيمة 436 مليون دولار».
وفضيحة الكنيسة الأيرلندية لم تكن الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة التي لا يتم اتخاذ مواقف صارمة وقوية حيالها؛ فالظاهرة منتشرة في معظم الكنائس والوباء قد سمم أجواءها، وأصاب أساساتها بالعطن، وزلزل أركانها، والبابا الحالي والسابق يعرفان ذلك تمامًا، فقد تناولتها الآلة الإعلامية على نطاق واسع.
وعلى سبيل المثال، ففي التقرير الكاثوليكي القومي الأسبوعي الذي صدر في 16/3/1995م ونقلته وكالة أنباء أديستا (وكالة إيطالية دينية صغيرة)، والتقطته منها وسائل الإعلام تم الكشف عن إجبار أحد القساوسة لراهبة على الإجهاض -بعد الاعتداء عليها- مما أدى إلى موتها، ثم قام بنفسه بعمل قداس لها!!
وقال التقرير: «إن الراهبات - العاملات في أفريقيا - لا يستطعن رفض أوامر القساوسة بهذا الشأن، وأن عددًا من القساوسة مارسوا الجنس مع الراهبات خوفًا من إصابتهم بالإيدز إذا مارسوه مع العاهرات.. وترغم الراهبات على تناول حبوب لمنع الحمل». وأضاف التقرير: «إن مؤسسة دينية اكتشفت وجود 20 حالة حمل دفعة واحدة بين راهباتها العاملات هناك. وإن الأسقف المحلي لإحدى المناطق طرد رئيسة دير عندما اشتكت له من أن 29 راهبة من راهبات الدير حبالى بعد أن أرغمن على ممارسة الجنس مع القساوسة» (وكالات).
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية، في 8/11/2002م: تهز الكنيسة الكاثوليكية الأمريكية منذ مطلع العام فضائح حول ارتكاب كهنة اعتداءات جنسية على أطفال وقاصرين، حيث يواجه نحو ثلاثة آلاف من القساوسة اتهامات التحرش الجنسي بالأطفال، ومنذ ذلك الحين استقال أو فصل 250 قسا على الأقل .
والمعروف أن عدد الكاثوليك في الولايات المتحدة يصل إلى 65 مليون كاثوليكي، وهو عدد يفوق عدد الكاثوليك في أية دولة أخرى عدا البرازيل والمكسيك.
كما أن الكنيسة الأمريكية هي أكبر مساهم في ميزانية الفاتيكان، لكن قدراتها المالية تقوضت بشدة بسبب تسويات قانونية وصلت إلى ملايين الدولارات نجمت عن اتهامات جنسية.
وقد طيرت وكالات الأنباء اعتراف القس تيد «ها جارد» مستشار البيت الأبيض وأحد أشهر الزعماء المسيحيين الإنجيليين الأمريكيين - بممارسته الشذوذ الجنسي، وهو الاتهام الذي أنكره مسبقًا، وتسبب في تنحيه عن منصبه كزعيم للاتحاد الوطني للإنجيليين الذي يبلغ عدد أتباعه نحو 30 مليون أمريكي.
وقال «ها جارد»، في خطاب تلاه القس لاري ستوكستيل»، الذي خلفه في قيادة كنيسة الحياة الجديدة بولاية كلورادو، أمام 8 آلاف شخص: «أنا مخادع وكاذب»
وفي عام 2001م قدم البابا «يوحنا بولس الثاني» اعتذارًا لضحايا التحرشات الجنسية للكهنة وغيرهم من رجال الدين المسيحي، في أول رسالة مباشرة يوجهها للعالم عبر الإنترنت (رويترز).
في 3 يونيو عام 2002م رفض رئيس الكنيسة الكاثوليكية الأسترالية تقديم استقالته إثر ثبوت اتهامات بعرضه رشوة مالية لشراء صمت ثلاثة أشخاص تعرضوا للتحرش الجنسي عندما كانوا أطفالاً من جانب رهبان في الكنيسة (وكالات).
وفي أغسطس 2008م أصدر القضاء في جنوب أستراليا أحكامًا بالسجن ضد كاهن كنيسة أصولية محلية بعد اعترافه بممارسة الجنس مع ابنتيه المراهقتين طوال عشر سنوات، والغريب أن الرجل نال دعم زوجته وشعب کنیسته!!
وقبل عشر سنوات (12/3/2001م- وكالات) اعترف الفاتيكان بصحة تقارير صحفية تحدثت عن «انتهاكات أخلاقية في صفوف الكنيسة، وقالت: إن قساوسة ورجال دين كبارًا أرغموا راهبات على ممارسة الجنس معهم، وتعرضت بعض الراهبات للاغتصاب، وأجبرت أخريات على الإجهاض».
لكن الفاتيكان يومها حاول التقليل من الواقعة وهوّن منها، مشيرًا في بيان له إلى أن القضية محدودة ومتعلقة بمنطقة جغرافية محددة.. ولم يسمها، لكن تقارير صدرت بعد ذلك مكذبة لهذا الكلام ومؤكدة أن المنطقة ليست محدودة، وإنما الانتهاكات تطول 230 بلدًا، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والفلبين والهند وأيرلندا وإيطاليا نفسها...
يومها أدانت وكالة الأنباء التبشيرية (ميسنا) ما أسمته مفاسد المبشرين، لكنها - للأسف - التمست لهم العذر، داعية إلى تذكر أن هؤلاء القساوسة ورجال الدين يظلون بشرًا!!
وهكذا يعلم البابوات وكل المعنيين بالأمر بخطورة الظاهرة واستفحالها، ولكنهم اكتفوا بكلمات اعتذار في الهواء للضحايا!
وبعد...
فأي حب وانتماء للدين يكون عندما يصبح هذا الدين ألعوبة للنزوات والشهوات من قادته الذين يقودون الناس به؟ وأي احترام للدين عندما يتحول إلى صفقة تجارية في سوق النخاسة والشذوذ؟!
تلك هي أزمة الغرب مع ديانته المسيحية، وتلك هي خطيئة الكنيسة الكبرى في حق المسيحية!! وذلك هو السبب الرئيس وراء انقضاض الناس أفواجًا عن الكنيسة وقساوستها.. ففي بريطانيا قال تقرير مفصل لمؤسسة The Ecclesiological Society التي ترعى الكنائس الأنجيليكانية في بريطانيا: إن 60 كنيسة تابعة لكنيسة إنجلترا في بريطانيا تغلق كل عام، وإن الكثير معرض للإغلاق وإن عدد المصلين تراجع من 16 مليون عام 1970م إلى 940 ألفًا عام 2001م، وتم تحويل 1626 كنيسة أنجليكانية إلى مسارح ونواد ماسونية ومقاه ترفيهية خلال الـ30 عاما الأخيرة في بريطانيا، وإن ربع الكنائس (4000) كنيسة لا يزيد فيها عدد المصلين أيام الأحاد عن 20 شخصًا، وحذر التقرير من إغلاق تلك الكنائس الـ 4000 في حال استمر تراجع الإقبال على الكنيسة. (د. أحمد عيسى - المجتمع).
ونشرت صحيفة «بيلد» الألمانية في 25 نوفمبر 2006م دراسة أجراها المعهد المركزي للأرشيف الإسلامي، أكدت زيادة عدد المساجد ذات المآذن والقباب في ألمانيا منذ عام 2004م من 141 إلى 159 مسجدًا، في الوقت الذي لا يزال فيه 128 مسجدًا تحت الإنشاء.
وفي الفترة نفسها تم عرض 10 كنائس في كوبنهاجن للبيع.. ويومها قال أسقف دانماركي: إن لم تستعمل الكنيسة للعبادة فالأحرى أن تتحول إلى «إسطبل»..
وهكذا.. كنائس تكاد خاوية، وأخرى تباع بعد أن هجرها أتباعها إلى غير رجعة.. ذكرت الصحف النمساوية الثلاثاء 16 مارس 2010م أن الكنيسة الكاثوليكية في النمسا تبدي قلقها من تزايد ملحوظ في أعداد النمساويين الكاثوليك الذين شطبوا أسماءهم من كشوف الكنيسة في الأيام الأخيرة، على خلفية انتشار فضائح التحرش الجنسي لمسؤولين دينيين عاملين في
الكنائس الكاثوليكية بالمدن المختلفة.
ولِمَ لا.. والأتباع يُفاجؤون بأن من هرعوا إليه في ساحات الاعتراف ليخلصهم من خطاياهم قد حوّل تلك الساحات المقدسة إلى ماخور للشذوذ والرذيلة، وأصبح يحتاج إلى طبيب يخلصه من مرضه اللعين.. تلك هي مصيبة الكنيسة الغربية اليوم مع قادتها، وتلك هي محنة أتباعها مع متبوعيهم!
لقد تفاعلت تلك المعاني في ذهني وأنا أتابع المشهد برمته.. وتساءلت – وما زلت- لماذا تصر الكنيسة على حملات التنصير المشبوهة مستغلة الفقر والكوارث على أراضينا؟ أليس الأولى أن تتفرغ لغسل عارها وتنظيف أوحالها ؟ والإجابة: هل لو تفرغت حقًّا لذلك سيكون لوجودها مبرر؟ إن وجودها يعني استمرار ميزانياتها الضخمة، واستمرار تحكم جيوش التنصير المصابة بالشذوذ في الكنيسة كقلاع تسهل لهم جرائمهم وتحميهم من الحساب، فلِمَ يتوقفون إذًا؟!
لقد قلنا مرارًا، إن الحملة الدائرة على الإسلام تشويها وتضليلاً وعدواناً في الغرب مبعثها أن هذا الدين ينشر نفسه بنفسه، ويشع بنوره أينما حل فيبدد الظلام ويستقبل الداخلين إليه يوميًّا... وإن وجوده بقيمه وسمته وحجاب المرأة والأسرة المتماسكة وإشاعته للفضيلة وتمسك أتباعه بها يضطر الناس في الغرب إلى المقارنة بين حالتين حالة يميزها العقل، وتقوم على القيم والفضيلة فيُقبل عليها.. وحالة تتميز بإلغاء العقل، ومنغمسة في الشذوذ فيدبر عنها.. وذلك جانب مهم من أزمة الغرب والكنيسة مع الإسلام.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل