العنوان ثمن الصمت!
الكاتب عاطف الجولاني
تاريخ النشر السبت 04-يناير-2003
مشاهدات 18
نشر في العدد 1533
نشر في الصفحة 22
السبت 04-يناير-2003
واشنطن ترى أن أي مشاركة «إسرائيلية» في الحرب ستضر بالخطط الأمريكية..
رشوة مالية بأربعة مليارات دولار وضمانات عسكرية للحماية من هجمات صاروخية ثمن الصمت الإسرائيلي والحياد في الحرب
الكاتب: عاطف الجولاني
Golani-atef@maktoob.com
طلبت واشنطن من تل أبيب عدم التدخل في حربها المرتقبة ضد العراق، حتى لو تعرضت لهجمات انتقامية من قبل العراق، بهدف جرها إلى الحرب. هذا ما أكدته أوساط سياسية إسرائيلية، قالت إن أمريكا تصر على منع التدخل الإسرائيلي بأي ثمن.
السبب هو رغبة الولايات المتحدة ألا تفسد المشاركة الإسرائيلية الخطط العسكرية الأمريكية، وأن تفسح(إسرائيل)المجال للأمريكيين للقيام وحدهم بمعالجة الملف العراقي، لأن من شأن المشاركة الإسرائيلية غير المرغوبة أن تلحق ضررًا بالغًا، بالمصالح الأمريكية.
رغبة أمريكا بحياد (إسرائيل)وهدوئها حتى لو تعرضت لأعمال استفزازية من قبل العراق، نقلت إلى تل أبيب بصراحة لا تترك مجالًا لتأويل. وكي تلغي أي احتمال لعدم وصول الرسالة بوضوح، أرسلت الإدارة الأمريكية نائب وزير دفاعها داغ فايت، للقاء المسؤولين الإسرائيليين لإبلاغهم بالموقف الأمريكي.
وبعد أيام من زيارة فايت، استدعت الإدارة الأمريكية وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز لواشنطن، لحسم الأمر بصورة نهائية. وجات الدعوة رغم تحفظات الإدارة في السابق على هذه الزيارة، وتأجيلها مرات عدة، بسبب عدم رغبتها في إبراز أي مساهمة إسرائيلية عشية بدء الحرب.
وقد أظهرت أقوال موفاز عقب عودته من واشنطن، أن الرسالة وصلت بوضوح، كما أرادها الأمريكيون، وبعد أن كان قد أبدى عدم ارتياحه للضغوط الأمريكية على (إسرائيل) من أجل دفعها إلى الحياد وعدم الرد، عاد فقال إن «آخر أمر يحتاجه الأمريكيون اليوم هو المشاركة الإسرائيلية معهم في حرب ٢٠٠٣م».
المطلوب حياد تام
لكن جميع الرسائل الواضحة التي أوصلتها إلى تل أبيب لم تكن كافية لطمئنة الإدارة الأمريكية، وإلغاء مخاوفها من مفاجآت إسرائيلية ليست واردة في الحسبان، فلجأت إلى خطوة إضافية لتأكيد عدم حشر تل أبيب أنفها في الحرب الأمريكية القادمة، إذ قررت تعيين الجنرال تشارلز سمبسون من سلاح الجو الأمريكي، مسؤولًا عن الارتباط مع الصهاينة في شؤون الحرب ضد العراق. وكان سمبسون قد شارك كعضو في الوفد الذي ترأسه نائب وزير الدفاع الأمريكي في زيارته إلى تل أبيب والقدس، من أجل التعرف عن كثب على المسؤولين الإسرائيليين الذين يؤثرون في اتخاذ القرار المتعلق بالموقف من الحرب.
ويقوم سمبسون وطاقم مساعديه، بدراسة موقف الجانب الإسرائيلي من الحرب، وإعداد ملفات شخصية لصانعي القرار الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء شارون، ووزير الدفاع موفاز، ورئيس هيئة أركان الجيش موشيه يعلون، وقائد سلاح الجو دان حلوتس، وحتى الجانب النفسي لهؤلاء المسؤولين حظي باهتمام سمبسون وطاقمه ولم يغب عن بالهم.
ثمن الصمت
ومن أجل تبديد مخاوف تل أبيب من احتمالات تعرضها لهجمات عراقية حال اندلاع الحرب، قدم الأمريكيون لـ(إسرائيل)العديد من الضمانات:
1-ينوي الأمريكيون إقامة قيادة منفصلة المنطقة غرب العراق، التي يخشى الإسرائيليون أن تنطلق منها صواريخ بعيدة المدى، محملة برؤوس كيماوية أو بيولوجية. وعشية الحرب سيرسل الأمريكيون طواقم عسكرية تضمن حصول (إسرائيل) على صورة جوية في الزمن الحقيقي حول كل ما يحدث في غرب العراق، كما ستحصل(إسرائيل)على إنذارات مستمرة حول إطلاق الصواريخ من أجل إدارة الدفاع الجوي المشترك فوق الأجواء، وسيتم ربط بطاريات صواريخ «حيتس»، الإسرائيلية المضادة للطائرات والصواريخ، مع الأقمار الصناعية الأمريكية التي تراقب غرب العراق.
2-إرسال ۱۰۰۰ جندي أمريكي مع عتادهم للقيام بتمرين استثنائي للمضادات الأرضية المشتركة في النقب، وفي إطار هذه المناورة التي ستكلف الأمريكيين أكثر من ٢٠ مليون دولار، وأطلق عليها اسم «جينيفر كوبراء» جلب الأمريكيون بطاريات صواريخ باتريوت، وصواريخ «فاك جم» الأكثر تطورًا من الباتريوت وأجهزة إنذار وكاشفات مركبة على السفن. وستبدأ المناورات في أواسط شهر يناير، وتنتهي في نهايته، وستبقى بطاريات الصواريخ في مكانها استعدادًا للحرب.
3-قدم الأمريكيون وعدًا بضرب كل هدف يشير إليه الإسرائيليون على أنه هدف خطير يشكلتهديدًا محتملًا لهم.
4-النظر بجدية في الطلب الذي تقدمت به (إسرائيل) للحصول على أربعة مليارات دولار، كمنحة خاصة لميزانية الدفاع الأسباب تتعلق بالحرب. ويرى الأمريكيون أن المسألة المالية هي أحد العناصر التي تتيح لهم السيطرة على الرد الإسرائيلي، وهم يعتبرون المبلغ «ثمنًا الصمت إسرائيل وهدوئها إبان الحرب».
الحرب وشيكة
ووفق التقديرات الإسرائيلية لموعد الحرب الأمريكية المحتملة ضد العراق، فإن مطلع شهر فبراير المقبل هو الموعد المرجح لبدء الحرب. وتنبع أهمية هذه التقديرات التي نسبت إلى مصادر رفيعة المستوى، من كونها جاءت عقب عودة وزير الدفاع الإسرائيلي من زيارة واشنطن، وقد نقلت أوساط رافقته في الزيارة أن قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي انتهت في حينه من ثلثي الاستعدادات لشن الحرب.
ووفقًا لمصادر إسرائيلية، فإن تل أبيب ستكون أول طرف يتم إبلاغه بالموعد الدقيق لبدء الحرب، وقبل نحو ٧٢ ساعة من إعلان ساعة الصفر.
حالة تأهب
وقد دخلت(إسرائيل)بالفعل في أجواء الحرب، ويتوقع أن تعلن فيها حالة التأهب القصوى في ١٥ يناير، وتوقع مدير عام وزارة الصحة الإسرائيلية أن يتخذ في القريب العاجل، قرار تطعيم شرائح واسعة من السكان ضد الجدري.
على صعيد آخر، بدأت في(إسرائيل)حملة واسعة لفحص نجاعة الكمامات الواقية من الغازات السامة، وأجرى جنود من جيش الاحتلال تدريبات لفحص نجاعة وسائل الوقاية التي توفرها القيادة العسكرية لأفراد الجيش.
اتهامات بإثارة الفزع
وكان شارون وقادة آخرون في حكومته، حذروا مؤخرًا، من خطر تعرض (إسرائيل) لتهديدات حقيقية حال اندلاع الحرب الأمريكية ضد العراق، وهو ما أثار جدلًا في الساحة بعد اتهامات وجهتها أطراف معارضة بأن شارون وقادة حزب الليكود يقومون بصورة مقصودة، بإثارة موجة من الرعب والفزع في أوساط الإسرائيليين، للتغطية على فضيحة الفساد والرشاوى المالية التي تفجرت في الانتخابات الداخلية لليكود.
وزير الدفاع رد على الاتهامات بالقول: إن« الجمهور يجب أن يعرف الحقيقة، والخوف لا ينبع من الصواريخ التقليدية، وإنما من إمكان إطلاق صاروخ كيماوي أو بيولوجي، واحتمال حدوث ذلك ليس منخفضًا كما يعتقد البعض».
وهم النصر والحسم عام ٢٠٠٣م
سيناريو الحسم: بعد انتخابات الكنيست والانتهاء من أمر العراق.. على الجيش أن ينزع عن نفسه كل لجام وأن يقتحم المدن والأحياءالفلسطينية دون كوابح.
تكاليف الخطة 150مليون دولار والهدف إلحاق الهزيمة بالانتفاضة وكسر إرادة الفلسطينيين
محللون سياسيون: القيادة السياسية والعسكرية تخدع الإسرائيليين حين تغذي الوهم بأن الفلسطينيين على وشك الانكسار وأن النصر سيتحقق خلال فترة قصيرة
أطلق قادة عسكريون وسياسيون صهاينة الوعود، بأن يكون العام الجديد ٢٠٠٣م عام حسم المواجهة مع الفلسطينيين. موشيه يعلون قائد الجيش ورئيس هيئة الأركان، استخدم تعبير «عام الحسم»، مرات عدة خلال الأسابيع الأخيرة. وفي الاتجاه ذاته، تحدث وزير الدفاع شاؤول موفاز ولكن بصورة أقل تفاؤلًا، مؤكدًا «السعي إلى الحسم».
صحيفة هأرتس العبرية قالت: إن هذا التعبير عام الحسم بات يحظى بزخم كبير في صفوف جيش الاحتلال، وكشفت النقاب عن خطة له «الحسم»، ناقشها الجيش مؤخرًا، وبلور خطوطها العريضة خلال ورشة عمل نظمها، وأضافت أن تكاليف تنفيذ الخطة الهادفة إلى حسم المعركة مع الانتفاضة، وكسر إرادة الفلسطينيين، وتحقيق الأمن للمحتلين تقدر بنحو ١٥٠ مليون دولار.
مصدر الوهم
وينطلق يعلون وموفاز وقادة كبار في الجيش الصهيوني في توقعاتهم الإمكان حسم المواجهة مع الانتفاضة من ثلاثة اعتبارات:
1-أن الضربة الأمريكية المتوقعة للعراق، ستهيئ مناخات مواتية وفرصة لتنفيذ خطة الحسم.
٢ - أن سياسة اجتياح المدن، واستخدام قدركبير من العنف ضد الفلسطينيين، ستؤدي إلى تحطيم معنوياتهم، وكسر إرادتهم، وإلحاق أضرار كبيرة بقدرتهم على الصمود ومواصلة انتفاضتهم ومقاومتهم، في ظل أوضاع معيشية صعبة يمرون بها، تفوق القدرة على الاحتمال.
3-بروز بعض الأصوات الفلسطينية التي تنتقد استمرار الانتفاضة، وتدعو إلى وقفها، يزعم أنها الحقت خسائر كبيرة بالفلسطينيين وقضيتهم. ويقف على رأس هؤلاء ،الرجل الثاني في منظمة التحرير أمين سر حركة فتح محمود عباس «أبو مازن» وسري نسيبة، وعدد من رموز تيار التفاوض.
ويعزو قادة الاحتلال بروز هذه الأصوات إلى حملات القمع والضغط المتعاظمة على حياة الفلسطينيين ويستنتجون من ذلك، أن مزيدًا من الضغط والعمليات الهجومية للجيش داخل المدن الفلسطينية، سيؤدي في نهاية المطاف إلى أن «ينكسر الطرف الفلسطيني»، وهو ما عبر عنه موفاز بقوله: «ينتصر من يستغل الوقت في صالحه».
ينتظرون فرصة
ووفق ما يرى قادة الجيش، ويتفق معهم على ذلك شارون وقادة سياسيون آخرون، فإن الفرصة المناسبة ل«الخلاص» من الأزمة الراهنة، ولحسم المعركة مع الفلسطينيين ستحين بعد انتهاء الانتخابات العامة، وبعد انتهاء أمريكا من أمر العراق حيث يتم استغلال حدث قاس وعملية فدائية كبيرة، يفضل أن تنفذها كتائب شهداء الأقصى المحسوبة على فتح، لتبرير إعلان ساعة الصفر للجسم عندها «ولا يستطيع ولن يرغب أحد بوقفنا»
لكن إلى أن تحين تلك الفرصة ،يرى قادة عسكريون أن على الجيش ألا يكتفي بتشديد الضغط على الفلسطينيين كما يجري الآن، بل عليه أن ينزع عنه كل لجام، وأن يقتحم جميع المدن والأحياء الفلسطينية بكل عنف، وأن يتجاهل بشكل نام نتائج إطلاق النار في المناطقالفلسطينية المكتظة بالسكان.
خطة الحسم، يتوقع لها أن تشمل خطوات عدة، تهدف في نهاية المطافإلى إلحاق الهزيمة بالفلسطينيين وإخضاعهم للتعاطي مع التصورات الإسرائيلية للوضع النهائي ويقترح وزير الدفاع تغيير القيادة الفلسطينية. وتحطيم السلطة، «وطرد ياسر عرفات عندما تلوح الفرصة لذلك»، في ظل اضطراب في الوضع السياسي في المنطقة، يمكن أن يحدث في مرحلة ضرب العراق وإسقاط نظامه.
عسكريون إسرائيليون يؤكدون أن العملية ستقود في نهاية الأمر إلى عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قطاع غزة ،على غرار حملة اجتياح مدن الضفة الغربية في عملية «الجدار الواقي»، في شهر أبريل الماضي، فيما لا يستبعد رئيس الحكومة شارون وعدد من أعضاء القيادة السياسية، خيار التخلص من مئات آلاف الفلسطينيين عبر عملية ترحيل جماعي قسري «ترانسفير»، خارج الأراضي الفلسطينية.
وقد أثار الحديث المتزايد عن «الترانسفيره» مخاوف الأردن الذي طلب من الحكومة الإسرائيلية خلال الأسابيع الماضية، تعهدًا بعدم استغلال الحملة العسكرية ضد العراق في تنفيذ مشروع تهجير الفلسطينيين إليه، كما ناشد المسؤولون الأردنيون الإدارة الأمريكية التدخل لدى شارون التقديم مثل هذا التعهد.
لكن شارون، كما نقلت صحيفة ها ارتس العبرية رفض تقديم هذا التعهد. محللون صهاينة يؤكدون أن القيادة السياسية والعسكرية، تمارس عملية خداع حين تغذي الوهم بأن الفلسطينيين على وشك الانكسار، وأن النصر سيتحقق خلال مدى زمني قصير فهم يدركون عدم واقعية الوعود التي يطلقونها بهدف التخفيف من معاناة الإسرائيليين، مثلما فعلوا طوال السنتين الماضيتين.
ومما يثير السخرية من تلك الوعود، بحسب أحد المحللين الإسرائيليين، أن شهر نوفمبر الماضي الذي سبق إطلاق الوعود به «الحسم»، شهد اجتياح العديد من المدن الفلسطينية، واعتقال أكثر من ٧٠٠ ذلك لم يحلدون قتل أكثر من ٤٠ صهيونيًا،ليكون أحد الشهور الفاعلة خلال الانتفاضة.
ويتحدث المحلل السياسي عوفر شيلح بسخرية عن وعود شارون وموفاز ويعلون، ويقول: «هذه هي صورة الوضع بحلول عام الحسم، الجيش يشم النصر مرة أخرى، والحكومة تسير في أعقاب الجيش، والرأي العام الذي من الصمود وإحصاء عدد قتلاه يشرب بظمأ كل حديث عن مستقبل وردي الذاكرة الجماعية تتجاهل أنه لأكثر من سنة يعدوننا بذات الوعد،مع بعض التغيير اللفظي، ولا يزال لا يوجد أي مؤشر حقيقي على التغيير في مثل هذه الظروف لا يمكن لنا أن تعرف-إذا كان لنا أن نعرف-إذا كان هذا العام سيكون النصر. وإذا لم يكن هذا العام عام الحسم، فإن يعلون لن يضطر حتى إلى الاعتذار، بوسعه أن يعدنا بالظفر أو بأي مفهوم آخر العام المقبل».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل