العنوان الكويتيون ومخاطر السياحة
الكاتب حمد الإبراهيم
تاريخ النشر الثلاثاء 12-يوليو-1988
مشاهدات 61
نشر في العدد 874
نشر في الصفحة 6
الثلاثاء 12-يوليو-1988
● العيش في مجتمعات منحلة خلقيًّا يوفر سبل الرذيلة للإنسان:
دخل فصل الصيف الساخن في الكويت وحزمت آلاف العائلات حقائبها استعدادًا للسفر، فقد أصبحت هذه الهجرة الموسمية إلى الخارج من الظواهر الاجتماعية البارزة على ما فيها من محاذير وأخطار.
لماذا أدمن الكويتيون على هذه العادة؟ وماذا تشكل السياحة بالنسبة للمواطن الكويتي؟ وما دوافعها؟ وما هي إيجابيات هذه التجربة وسلبياتها؟
في هذه الدراسة الموجزة تحاول «المجتمع» الإجابة عن بعض هذه التساؤلات.
تعتبر السياحة من الظواهر البارزة في مجتمع النصف الثاني من القرن العشرين، وقد تمت هذه الظاهرة مع ازدياد حركة المواصلات، وتقارب أجزاء العالم، وسهولة حركة الانتقال، وتوفير الناحية المادية لدى معظم الأفراد.
ولأسباب اقتصادية وثقافية قامت كثير من دول العالم بتشجيع السياحة، ونشأت صناعة كاملة لها مؤسساتها وأجهزتها تتعاون على سد حاجات السائح.
وقد شهدت حقبة الثلاثين سنة الماضية التطور الكبير والازدهار في السياحة العالمية، وأصبح عدد السواح يقدر بعشرات الملايين سنويًّا، بحيث أصبحت كثير من المجتمعات تتأقلم شيئًا فشيئًا مع هذه الظاهرة، وتستجيب لكثير من رغبات السواح واهتماماتهم من أجل تحقيق مكاسب مادية وإعلامية مختلفة.
فالسياحة أصبحت إذًا سلعة عالمية متاحة لكل من يملك القدرة المالية، ويرغب في زيارة البلاد الأخرى ذات الطبيعة الأجمل والطقس اللطيف والحياة الاجتماعية والثقافية المختلفة.
وقد ظهرت الحاجة للسفر والسياحة في الأرض عند الكويتيين وغيرهم من أبناء الخليج منذ بداية الستينيات حين تم اكتشاف النفط وارتفع دخل الفرد نتيجة لذلك، فاتجه الناس في ظل الرخاء ورغد العيش إلى السفر، حتى أصبح لدى بعض الأسر من الضرورات، وخاصة في فصل الصيف. ويمكن حصر دوافع السفر بشكل عام فيما يلي:
لماذا يصطاف الكويتيون؟
- الهروب من الحر:
فحرارة الجو في الكويت والتي تصل في فصل الصيف إلى ٥٠ درجة مئوية في شهري يوليو ويوليو وما يتبعه من رطوبة في أغسطس وغبار في موسم البوارج يعتبر من أهم الأسباب لاتجاه الناس للسفر بحثًا عن الطقس اللطيف المعتدل، ويتركز اهتمام الناس لتحقيق هذا الهدف على الدول الأوروبية وتركيا ومصر والمغرب العربي.
وكان نصف السواح الكويتيين يقضون فصل الصيف في الستينيات والسبعينيات في لبنان وسوريا ومصر، وانخفض العدد كثيرًا بسبب الحرب الأهلية في لبنان، وعدم الاستقرار في سوريا، وكثرة المضايقات في مصر، الأمر الذي أدى إلى تحول السواح إلى الدول الأوروبية.
بحثًا عن الترويح:
فالحاجة للترويح والترفيه عن النفس والاطلاع - على الثقافات والمعالم السياحية في الدول الأخرى تعتبر أيضًا سببًا في إقبال الناس على السفر، ويلاحظ في البرامج السياحية اختيار المناطق التي تتميز بالمعالم التاريخية والأثرية وميادين الترفيه من أسواق ومدن اللعاب وبحيرات وغيرها.
ومن أجل الوجاهة:
وهي من دوافع السياحة الأساسية، وقد أصبح السفر للسياحة يعتبر في العرف الاجتماعي الكويتي من مظاهر الثراء والانتماء إلى العائلات ذات المكانة الاجتماعية والرقي.
وهذا يدفع أرباب الأسر إلى السفر كل سنة مرة على الأقل تماشيًا مع توجه المجتمع لهذا الأمر، وقد يضطر رب الأسرة إلى الاقتراض لتغطية التكاليف المرهقة للسفر، كما أن بعض مكاتب السفريات أصبحت تؤصل هذه الناحية بإعلاناتها المغرية وبعروضها التي وصلت إلى حد توفير السفر عن طريق الأقساط المؤجلة.
الفساد آفة السياحة الكبرى:
ويعتبر الفساد والانحراف الخلفي الذي يمارسه بعض السياح من أسوأ مظاهر السفر إلى الخارج، وقد استشرى هذا البلاء وأصبح الفساد بحد ذاته من الدوافع الأساسية للسفر عند البعض ومن أبرز ضحايا هذه الظاهرة هم الشباب من الذكور غالبًا ومن الفتيات أحيانًا، وتتراوح أعمار هذه الفئة ما بين ١٨ إلى ٣٠ سنة ومعظمهم غير متزوج، ويتجه هؤلاء لأماكن الفساد لبواعث عديدة، من أخطرها ذلك الإعلام الفاسد الذي يحرك المشاعر ويثير الغرائز عبر وسائله المتعددة، ومن خلال الصور العارية والروايات الفاضحة، والمسلسلات التي لا تخلو من المناظر الخليعة، فيواجه الشباب دعوات الانحلال، ولا يجد أسهل ولا أيسر من السفر إلى الخارج للانخلاع من القيم والأخلاق والانجراف خلف المغريات والانغماس في المحرمات.
ومما يمهد لانحراف الشباب في هذا السبيل ضعف أو انعدام الرقابة الأسرية على الشباب.. فتجد أولياء الأمور لا يسألون الشباب عن دواعي وظروف سفرهم إلى الخارج، بل ويشجعون أولادهم على الرحلات الجماعية، ويتكفلون بمصاريفهم بحجة الترويح أو للدراسة الصيفية، والتي تكون ستارًا للفساد والاختلاط والانحراف، ولا يهتم أولياء الأمور بنوعية الصحبة التي يرتبط معها أبناؤهم، والأخطر من ذلك أن تتساهل بعض الأسر عن سفر بناتها إلى الخارج دون رقيب.
وقد نشرت «القبس» في عددها الصادر بتاريخ 28/7/1987 في مقابلة للسيدة سعاد السريع. هذه الحادثة: «حدثتني سيدة كويتية فاضلة عن موقف تعرضت له؛ حيث كانت برفقة زوجها رجل الأعمال في رحلة عمل إلى البحرين، وفوجئت بالطائرة الخليجية المتجهة إلى البحرين، وقد امتلأت مقاعدها بفتيات وشابات تخيلتهن للوهلة الأولى أنهن في رحلة علمية، وما أن أقلعت الطائرة حتى أخذن في التحرك للإمام والخلف، وتعالت ضحكاتهن، وأخذن يقسمن بعضهن على فنادق المنامة، وأخذت السيدة ترقب الأمر، وما زالت مشدوهة مما ترى إلى أن حضرت أحداهن، و تحرشت بالزوج طالبةً منه قلمًا، ولما فوجئ بالتصرف أعطاها القلم وأعادته له بعد دقائق، وقد طوت في يده ورقة، فما كان منه إلا أن أعطاني إياها، ولا فتحتها، وهممت بقراءتها، لم أصدق ما قرأته من عبارة رخيصة ودعوة أرخص فأرقام هواتف الفندق!! وتتابع محدثتي سرد الواقعة: لقد قمت وذهبت إلى الفتاة وأعطيتها الورقة، ولكنها مع صديقاتها استهزأت بي وتعالت ضحكاتهن علي!! وحزنت على ما آلت إليه حال البعض، فأين القيم وأين الأهل فأين الأخلاق؟!!» وفي زاوية «كلام مباشر» للسيد فيصل الزامل - بعنوان الآن... وليس غدًا يروي هذه الحادثة: حدثني صديق شهد ثلاث فتيات مراهقات في مركز النويصيب يردن السفر لوحدهن إلى البحرين.. فلما أفهمهن المسؤول أن هذا لا يمكن... فهن وحدهن...! قالت له إحداهن: «تعال معانا!!!» فهز المسؤول رأسه... والتفت إلى صديقي قائلًا: (لا حول ولا قوة إلا بالله... وين أهلهم».
عوامل أخرى تساعد على الفساد:
وهناك عوامل عديدة تجتمع في تأثيرها على الشاب الكويتي؛ حتى تقوده إلى الطريق المنحرف.
وأهم هذه العوامل ضعف الوازع الديني؛ نتيجة الظروف التربية السيئة، والتأثر بالجو غير الإسلامي الذي عملت وسائل الإعلام على صبغ البلاد به..
ومن أسباب الفساد تفاقم ظاهرة الزواج المتأخر، وآثارها الواضحة على الشباب والفتيات على حد سواء، ويلاحظ أن سفر الشباب غالبًا ما يكون في مجموعات متشابهة من الشباب الأعزب؛ حيث تتوفر الرفقة السيئة الكفيلة بإفساد أكثر الأشخاص خلقًا واستقامةً، بل إن وجود شخص واحد فاسد بين مجموعة جدير بالتأثير على البقية؛ سواء عن طريق التأثير المباشر على أشخاص معينين أو بطريق غير مباشر، بأن يكسر حاجز الحياء في المجموعة، فيتشجع ضعاف النفوس.
كما أن شيوع أخبار الفساد والتندر بها ساعد على ضعف هيبة القيم والأخلاق وحطم كثيرًا من الحواجز النفسية والاجتماعية المتوارثة عند الأفراد. وقد أصبحت ظاهرة سفر الشباب المراهق إلى الخارج بقصد الفساد أمرًا واضحًا وذلك بسبب الوفرة المادية لدى معظم هؤلاء الشباب، لا سيما وأن بعض البلاد الأجنبية توفر سبل الفساد بتكاليف مالية قليلة، مثل دول شرق آسيا «تايلاند على وجه الخصوص» أو دول شرق أوروبا «بولندا وبلغاريا» وبعض الدول العربية.
الفساد بين كبار السن:
ومن الملاحظات المؤسفة حول الفساد بين السياح من الكويتيين أن هناك مجموعة غير قليلة من كبار السن ممن تزيد أعمارهم عن الخمسين قد ابتليت بهذا الوباء.
وغالبًا ما يفضل هؤلاء التوجه نحو دول شرق آسيا، وكذلك بعض الدول العربية؛ لتحقيق مآربهم؛ حيث تتوفر الخمور وسائر المحرمات بأسعار رخيصة، وحيث توجد مدن مزدحمة بالسكان تحجبهم عن نظر باقي السياح الكويتيين والعرب.
ويذكر الدكتور عبد الرحمن المصيغر في كتابه «الشباب والمخدرات في دول الخليج» قول أحد الشباب: إنه صدم عندما رأى أفراد بعمر أبيه يرتكبون أنواع الفساد في دول شرق آسيا، ويقول: أبدأوا بهذه الفئة بالإصلاح؛ حيث إنهم القدوة وكيف نصلح وقدواتنا فاسدون؟
ووجود ظاهرة الفساد بين كبار السن مؤشر ينذر بالخطر؛ لأن فساد هذه الفئة أخطر من فساد الشباب لأسباب عدة، فالأب الفاسد ينقل فساده إلى أفراد أسرته أو يؤدي غيابه الكثير لأجل الفساد إلى تفكك الأسرة وضعف الرقابة على الأبناء والبنات؛ مما يفتح سبيل الانحراف والانفلات لهؤلاء.
أبرز مظاهر الفساد في الخارج:
تتنوع مظاهر الفساد في كثير من الدول السياحية في الخارج، بل وتعتبر أماكن وأوكار الرذيلة من مصادر الدخل السياحي الأساسية لبعض هذه الدول.
وتعتبر الفاحشة من أسوأ وأخطر مظاهر الفساد هناك؛ حيث تتوفر سبلها بشكل ميسور في معظم دول العالم في العصر الراهن، كما أن الدعوة للفاحشة هي مادة دائمة في وسائل الإعلام في الدول الأجنبية عن طريق البرامج الخليعة في التلفزيون، أو الأفلام الجنسية في بعض دور السينما، وكذلك المجلات الفاضحة التي تباع في أكشاك الصحف المنتشرة في الشوارع.
ويمكن حصر الأماكن التي ترتكب فيها الفاحشة في الخارج والأماكن التي تقود زيارتها إلى الوقوع في الرذيلة فيما يلي:
● المراقص والنوادي الليلية.
● شواطئ العراة في سواحل الدول الأوروبية.
● نوادي القمار وحانات الخمور؛ حيث تتواجد كثير من الساقطات.
● نوادي التدليك؛ حيث تقوم بتدليك السائح فتيات شبه عاريات، وبعد التدليك تقوم الفتاة بأي شيء يرغب به الرجل.
● الفنادق المشبوهة في بعض المدن، والتي يديرها فريق من سماسرة الزنا واللواط.
● أوكار الدعارة المرخصة وغير المرخصة.
كما أن العيش في مجتمعات منحلة خلقيًّا يوفر سبل الرذيلة للإنسان وحتى الذين لا يترددون على الأماكن المذكورة آنفًا، فكثير من السائحين وبصورة أكثر وضوحًا الطلبة وموظفو السفارات في الخارج يلجأون إلى إقامة علاقات محرمة مع صديقات من الأوروبيات يعاشروهن كالأزواج خلال تواجدهم في تلك البلاد.
ومن الأمور المؤسفة بشدة والتي ازداد الحديث عنها مؤخرًا ما يتم بين بعض الشباب والفتيات من الكويتيين في الخارج، عندما تحط بعض الأسر رحالها في المنتجعات السياحية، ويتم بين الأبناء من الجنسين كثير من الأمور المحرمة، والممارسات الفاحشة بعيدًا عن عيون الآباء؛ وذلك لضعف التربية والرقابة معًا.
سماسرة الحرام يطاردون السائحين:
ومن ازدياد الفساد بين السواح من الكويتيين والعرب عمومًا ترسخت فكرة قبيحة عن هذه المجموعات السائحة بين مجتمعات الدول السياحية، ووجد كثير من أرباب المهن الفاسدة في هؤلاء السياح صيدًا سنويًّا ثمينًا؛ حيث تلجأ فئة من سماسرة الفساد بمطاردة السائحين من الشباب وغيرهم أملًا في إيقاعهم في الرذيلة، بل إن بعض المنحرفات والساقطات يعرفن أماكن ومواعيد تواجد السواح وخاصة الشباب منهم، فيبدأن الاتصال هاتفيًّا بغرفهم في الفنادق «وبالاتفاق مع مكتب الاستقبال في الفندق » ويعرضن خدماتهن بأسلوب مثير ومغر مما يوقع كثير من الشباب في هذا البلاء.
ومن جوانب الفساد الأخرى إلى جانب الرذيلة إقبال البعض على المحرمات من الخمور والمخدرات، وتعتبر الرغبة في تعاطي الخمور من الدوافع الأساسية لسفر البعض إلى الخارج وأحيانًا إلى الدول العربية مثل البحرين والإمارات لتحقيق هذا الغرض.
كما أن سفر الشاب مع مجموعة من مدمني الخمور وشاربيها كفيل بإيقاعه في هذه الموبقة، وكم من شاب ذاق الخمر بعد تردد وإحجام بسبب إلحاح رفاق السوء وإغراءاتهم، فأصبح بعض فترة وجيزة من زمرة المدمنين.
وتعتبر بعض الدراسات المحلية السفر للخارج للسياحة وغيرها من أسباب انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات، وسوف نستطرد في هذه النقطة في الفقرة الخاصة بمناقشة الآثار الاجتماعية والصحية للسياحة.
وجدير بالاستدراك هنا أن نذكر بأن الفاسدين يشكلون النسبة الأقل بين مجموعة السائحين الكويتيين، ويجب ألَّا نظلم السائحين بصورة عامة ونحكم على معظمهم بالفساد، ولكن فئة المنحرفين بين السياح تسيئ إلى المجموع بأكمله، وتعطي صورة قاتمة عن السياحة في الخارج.
أعداد السائحين في ازدياد:
كل المؤشرات من إحصاءات ودراسات رسمية تبين بأن عدد الأسر المغادرة كل سنة للسياحة هو في ازدياد مضطرد، وإذا كانت الأرقام تتذبذب بين سنة وأخرى؛ فإن هذا يعود لاختلاف الظروف الأمنية والمالية في البلاد بين سنة وأخرى، ولكن المؤشر العام يشير إلى ازدياد نسبة السفر إلى الخارج بصورة عامة، كما أن الكويتيين أصبحوا يمثلون نسبة متزايدة من مجمل المغادرين.
والجدول المرفق يبين أعداد المغادرين من الكويتيين من عام ١٩٧٥ إلى عام ١٩٨٦..
عن طريق الجو كالتالي:
ويتبين من الجدول أن حركة الركاب الكويتيين ما بين ۱۹۷۵ - ۱۹۷۹ في تزايد مستمر حتى عام ۱۹۸۰؛ حيث تبدأ في الانخفاض تدريجيا إلى عام ۱۹۸۲ لترجع مرة أخرى للتزايد بشكل بطيء، ثم بشكل سريع حتى عام ١٩٨٦؛ حيث بلغ عدد الركاب الكويتيين المغادرين ٤٩٥,٠٠٠ راكب. ويرجع انخفاض عدد الركاب - في فترة الانخفاض - إلى أسباب أمنية مرت بهذه المنطقة وأخرى اقتصادية سواء داخلية أو عالمية.
وقد بلغت نسبة الكويتيين المغادرين إلى مجموع المغادرين من مختلف الجنسيات وعن طريق البر والبحر والجو كالتالي:
1982 1983 1984 1985 1986
19% 24% 23% 20% 28%
حيث يتضح زيادة نسبة الكويتيين بشكل كبير في عام ١٩٨٦
ملاحظات عامة حول السياحة عند الكويتيين:
- مواسم السياحة: الصيف يعتبر الموسم الأساسي للسياحة بسبب ظروف الطقس والإجازة الطبيعية للمدارس، ويندر أن يمر الصيف عن أسرة كويتية ولا تقوم خلالها بالسفر إلى خارج البلاد، وتعتبر أوروبا هي الوجهة الأولى للكويتيين خلال شهور الصيف الحارة.
وهناك نطاق أضيق للسياحة خلال الشتاء والربيع؛ حتى يستغل السياح فرصة الأعياد أو المناسبات الرسمية والعطل للقيام برحلة سريعة إلى إحدى الدول القريبة في منطقة الخليج أو إلى مصر وتركيا بشكل أكثر تركيزًا.
- يمتلك عدد غير قليل من الكويتيين شققًا أو بيوتًا في بعض المناطق السياحية في العالم وفي لندن بشكل خاص وجنيف في سويسرا، وكذلك بشكل ملحوظ وكبير في الجنوب الإسباني.
ويلاحظ تردد مالكو هذه الشقق والبيوت بشكل متكرر خلال السنة إلى تلك المنتجعات شبه الدائمة.. كما أن ميل كثير من الأسر إلى السفر إلى حيث يتواجد عدد أكبر من الكويتيين قد أدى إلى خلق مجتمعات كويتية صغيرة في بعض المواقع السياحية في العالم، وبشكل خاص في لندن وجنيف والساحل الجنوبي لإسبانيا.
- معظم الأسر الكويتية لا تحقق السياحة بمعناها الصحيح، وليس لديها وعي باستغلال وقتها بما ينفع هناك؛ بل يغلب الأسلوب التقليدي: النساء في الأسواق والأطفال في مدن الألعاب أو الحدائق والكبار في المقاهي.
وتعتبر ظاهرة التسوق من الأمور المكلفة لكثير من السائحين؛ حيث يتصف السائح الكويتي بالتبذير الشديد والاستهلاكية المسرفة، ويقوم على شراء كميات كبيرة مما يحتاجه من الأسواق والمجمعات التجارية الأنيقة في المدن الأوروبية.
أما الأنشطة السياحية الإيجابية مثل زيارة المتاحف أو المناطق التاريخية أو ارتياد الحدائق والمنتجعات الطبيعية الجميلة، فهي تستهلك وقتًا أقل من سفر الأسرة الكويتية.
السياحة بين المكسب والخسارة:
مما لا شكَّ فيه أن السفر إلى الخارج كنشاط إنساني وسلوك بشري له بعض الإيجابيات التي تعود على الفرد، ثم على مجتمعه بفوائد متنوعة.
فالسفر للخارج يعلم الفرد الاعتماد على نفسه في قضاء الحوائج، ومواجهة المشاكل، والتكيف مع الظروف المستجدة للحياة، ومواكبة طباع أخرى ومعيشة مختلفة عن تلك التي القها في بلاده.
●معظم الأسر الكويتية لا تحقق السياحة بمعناها الصحيح، وليس لديها وعي باستغلال وقتها.
كما أن السفر يوفر للإنسان الاستفادة من خبرات وعلوم الآخرين، والاطلاع على الأنظمة المتطورة للحياة اليومية عند الأجانب، كما يكتسب السائح مهارة التعامل مع الشعوب الأخرى وكيفية التفاهم معها وإيصال المعلومات إليها، واكتساب الثقافة والمعرفة منها، وكذلك تعلم اللغات الأجنبية وممارستها.
كما أن الفائدة العظمى للسياحة تتمثل في تغيير الجو، وكسر الروتين المألوف والنمط الرتيب للحياة، وأخذ شوط من الراحة من الالتزامات والأعمال اليومية، وتجديد نفسية الفرد؛ ليعود للعمل في الوطن بنشاط ودون كسل أو ملل. غير أن للسفر بقصد السياحة آثار سلبية عديدة لمن يتجاوز الحدود العقلانية في التصرف، ويوقع نفسه في المحاذير.
ومن الآثار السلبية بالنسبة للسياحة ذوبان الفرد اجتماعيًّا في عادات وتقاليد الآخرين، واستيراد قيم المجتمع الغربي إلى مجتمعنا الكويتي المسلم، ويتأثر الشباب عادةً بالتقاليع والعادات الغربية، مثل: «الموضة»، والرقص الغربي الماجن، والاعتقاد بالحرية الزائدة، ونقل آفات الشباب الغربي، مثل ظاهرة الميوعة والتخنث، وظهور النماط من الجنس الثالث، واتخاذ قدوات ساقطة من الفنانين والمغنيين الذين يبرزهم الإعلام الغربي، ولا شك أن كثيرًا من مظاهر التفرنج وتقليد الغرب في مجتمعنا قد نتجت في الأساس عن طريق السياحة والاتصال بالمجتمعات الغربية. ومن الآثار السلبية للسياحة المشاكل الأسرية التي تنتج من سفر الزوج بدون زوجته مع رفقة من الأصدقاء الفاسدين؛ حيث تنعكس مثل هذه النتائج على العلاقات الزوجية داخل البيت، وقد تنتهي بالطلاق لانعدام ثقة الزوجة بزوجها المنفلت في نزواته في الخارج.
ويتمثل أسوأ الآثار السلبية للسياحة والسفر في تأثيرها السيئ على الأخلاق والالتزام الديني لأفراد المجتمع، وقد تناولنا مظاهر الفساد في الخارج. بتفصيل وإيضاح، والآثار الخطيرة على الفرد والمجتمع والناتجة عن الانغماس في الرذيلة وتناول المحرمات لا تخفى على أحد.
وقد تؤدي رحلات السياحة غير البريئة إلى خلع الرجل من كافة مظاهر التدين فيه، فيبدأ بترك الفرائض كالصلاة والصيام؛ حيث يظن البعض أن مثل هذه الفرائض لا مكان لها في العطلة الترويجية السياحية، ويبدأ الإنسان بعد ذلك في الوقوع في سائر الموبقات؛ حتى لا يبقى بينه وبين الدين سوى شهادة أن لا إله إلا الله.
ومن النتائج السيئة لتصرفات بعض السياح أن اكتسبت الكويت وشعبها - وربما العرب جميعًا - سمعة سيئة وغير مقبولة لدى المجتمعات الأجنبية، وخاصة مع وجود عدد من الصحف ووسائل الإعلام التي تتربص بالسواح العرب؛ لكي تنشر عنهم كل ما يسيئ إلى هذه الأمة ويهدم سمعتها.
وإلى جانب الخسائر المعنوية للسياحة الخارجية هناك الخسائر المادية؛ حيث يؤدي التزام رب الأسرة بالسفر بأسرته إلى الخارج بصورة موسمية إلى استهلاك معظم مدخراته وحرمانه من القدرة على استثمار هذه المدخرات فيما ينفعه، وهناك من أرباب الأسر من يقترض أموالًا بقصد استغلالها في رحلة سياحية لا داعي لها في الأساس، كما أن بعض مكاتب السفريات الجشعة أبت إلا أن تزيد هذه الظاهرة تفاقمًا عن طريق عرض الفرصة للسفر بطريق الأقساط المؤجلة.
ولا ننسى الأثر القومي لظاهرة السياحة على الاقتصاد المحلى؛ حيث إن السياح الكويتيين ينقلون كل سنة عشرات الملايين من أموال الكويت إلى الأسواق الأوروبية الشرهة، وتعتبر هذه المبالغ خسارة للسوق المحلية، ونزيف مستمر لمدخرات المجتمع الكويتي إلى الخارج.
- نسبة المسافرين من الكويتيين توزيعًا على السنوات منذ (۱۹۸۳ - ۱۹۸۹).
سياحة الأوبئة والأمراض:
يقول الدكتور محمد المشاري «تخصص أمراض تناسلية» في مقابلة معه في جريدة القبس الصادرة بتاريخ 28/9/1989: «بلغ عدد المرضى المصابين بأمراض تناسلية (٣٣٦٠) لعام ١٩٨٦ وتتراوح أعمار المصابين من الشباب بين ٢٠ إلى ٣٠ عامًا «حيث يكثر السفر هذه الفئة» ويؤكد الدكتور المشاري في مقابلة معه أيضًا بتاريخ 4/11/1987 أن نسبة الإصابة بمرض السيلان تزداد خلال فصل الصيف وهذه الملاحظة متواجدة في جميع دول العالم، ويرجع ذلك بسبب الأجازات والسفر، وما يصاحب السفر من علاقات محرمة ينتج عنها الإصابة بهذا المرض».
ومن المتوقع أن يفوق العدد الحقيقي للإصابات ما يورد في الإحصائيات بكثير إما لقلة هذه الإحصائيات في كثير من الدول واعتبار هذه الأمراض من الأمور السرية أو للجوء بعض الأفراد والمصابين إلى العيادات الخاصة والصيدليات لعلاج أنفسهم طلبًا للسرية.
وفي لقاء مع الأخصائي الاجتماعي لمركز تنظيم الأسرة في الكويت قال: إن هناك صنف من الشباب يمتنع عن الفاحشة طوال العام، فإذا أتت فترة الصيف تراه يسافر ويعود إلى الفاحشة، حتى ولو لم يشفي من مرضه السابق.
وبالرجوع إلى كتاب الدكتور المشاري وهو «الأمراض التناسلية: أسبابها، أعراضها علاجها» نجد أن أحد أسباب انتشار الأمراض التناسلية هو «ازدهار السياحة وكثرة الأسفار والرحلات نتيجة اليسر المادي» مع ملاحظة ازدياد الإصابة بالسيلان والتهاب مجرى البول المتعدد الأسباب بين الكويتيين لهذا السبب نفسه..
وقد أصبحت هذه المشكلة أكثر خطورة وتعقيدًا مع ظهور أوبئة خطيرة وقاتلة مثل مرض فقدان المناعة المكتسب «الإيدز» الذي تؤكد كل التقارير الطبية الرسمية الدور المهم الذي يلعبه السفر والسياحة في نشره إلى كثير من بقاع العالم.
... والمخدرات أيضًا:
هناك مؤشرات أيضًا على دور السياحة والتواجد في الخارج بصورة عامة في إيقاع بعض الأفراد في حبائل الإدمان على العقاقير المخدرة وحبوب الهلوسة وسواها.
ويذكر الدكتور عبد الرحمن مصيغر في كتابه «الشباب والمخدرات في دول الخليج» أن من الأسباب الملموسة لانتشار المخدرات في الخليج السفر ورحلات السياحة إلى خارج المنطقة؛ حيث ذكر عديد من الشباب أنهم بدأوا بتعاطي المخدرات خارج بلدانهم، عندما غادروها للسياحة أو للتعليم.
الدور المنشود للدولة:
وأمام هذه المعضلات والتعقيدات العديدة التي تكتنف ظاهرة السياحة، وتجعل منها مجالًا خصبًا للأخطاء والانحرافات والتأثيرات المتشابكة على سلوك وقيم أفراد المجتمع الكويتي، هل من دور للدولة بأجهزتها المختلفة لمواجهة هذه المشكلة بالحلول والإجراءات المناسبة؟
هذا السؤال نوجهه للمسؤولين في الحكومة والذين هم - بلا شك - مطلعين على الحقائق الكاملة المشاكل وسلبيات سياحة المواطنين الكويتيين في خارج البلاد، ونطلب من هؤلاء المسؤولين المبادرة للنظر في هذه القضية ومواجهة تعقيداتها.
كل البلد.. في أجازه صيفية!؟
كنا نظن في السابق أن المدارس والمعاهد والجامعات هي فقط التي تعطل أعمالها خلال شهر الصيف الثلاثة العتيدة، وكان وضعًا مقبولًا تعود عليه الناس، ولكننا لو تمعنا جيدًا في المرافق والخدمات العامة التي تقدمها الدولة لمواطنيها لوجدنا أن الكثير منها يكون في عطلة صيفية شأنه شأن المدارس وطلبتها.
فالمحاكم توصد أبوابها مع بداية الصيف فيما يسمى بالعطلة القضائية ونحن نعرف دور المحاكم وأهميتها في حفظ حقوق الناس وإرجاع الأمور المعوجة إلى نصابها.
ولو نظرنا إلى مرفق الإسكان كأحد أهم مرافق الخدمات التي تمس مصلحة كل مواطن لوجدنا أن لجان الإسكان الثلاثة تعطل أعمالها خلال شهر الصيف، فيجلس المواطن المسكين ينتظر دوره أشهرًا حارة وطويلة؛ كي يقابل أول لجنة في شهر سبتمبر ۱۹۸۸ لتقرير مصيره وأولاده في حقه في السكن من عدمه.
حتى بيوت الله - المساجد - تجد أئمتها بخطبائها في إجازة!! فقد ذهب بعض المواطنين إلى وزارة الأوقاف يطلبون إمامًا لمسجدهم فأجابوهم أن فترة الصيف تتوقف بها التنقلات لقلة الأئمة والخطباء بسبب موسم الحج والإجازة الصيفية!! فيبقى المصلون ينتظرون ثلاثة أشهر يتطوعون أئمة ومؤذنين في مساجدهم إلى أن يرجع حضرات المشايخ من أجازاتهم!
وهكذا تتعطل أهم مرافق الدولة وتتعطل بالتالي مصالح الناس وأمورهم بسبب ضعف الأجهزة الإدارية في ترتيب حاجياتها وتنظيم أفرادها لضمان استمرار العطاء والإنتاج وتقديم الخدمات.
مواطن غيور:
منتزه الخيران!!
عندما تدخل إلى الطريق الذي يوصلك إلى منتزه الخيران تنظر من بعيد إلى تلك البقعة الصغيرة التي يرتادها كثير من الناس بقصد الترويح عن النفس وما إلى ذلك، ولكن يخيب ظنك عندما تدخل إلى المنتزه الصغير في حجمه الكبير في آثاره السيئة، لما يرى الإنسان منا من الأفعال المغايرة والمخالفة لأبسط قواعد الدين والعادات والتقاليد التي تربينا عليها، بل التي تربى عليها الجيل المخضرم من الرجال والآباء، فمن العجيب أنك ترى بعض العوائل الكويتية والتي تظن بأنها محترمة محافظة متمسكة بالحشمة والاتزان إلا أنه يؤسفنا كثيرًا أن بعض الآباء الذين يأتون بنسائهم وأولادهم وبناتهم لا يتقون الله عز وجل، ولا يحرصون أن تكون بناتهم محتشمات، بل نجد البنات الصغار المراهقات واللاتي قد بلغن لتوهن يمسكون المسجلات وبها الأغاني الماجنة؛ سواء عربية كانت أم غربية، وقد أخذن يمشين بالمنتزه والصبية المراهقين يلحقونهن ويسمعونهن عبارات خادشة سيئة لا يتمنى الإنسان منا أن يسمعها لنفسه، فكيف يقبلها أن تسمعها ابنته أو أخته، والأشد من ذلك أن الإحساس والشعور بالمسؤولية أخذ يفتر ويتلاشى عند الآباء والأمهات ويسرى بدوره إلى البنات المراهقات، فلا حياء في أن تلبس البنت المايوه أو الملابس التي تفصل جسدها العاري دون خجل أو حياء أو خوف من الله عز وجل، بل وتتباهى بجسدها العاري لتعرضه على الشباب، وكأن لسان حالها يقول: هيت لك!! فما أرخص اللحوم العارية في تلك المنتزهات والبلاجات! والتي أصبحت مرتعًا خصبًا لكل ساقط وهابط في دينه، وحتى الشاب النظيف في فطرته لا محالة سينجرف في الخطيئة، والسبب السماح للبنات والشباب بالحرية الهالكة!! والمسؤولية كل المسؤولية تقع أولًا وأخيرًا على المسؤولين عن المشروعات السياحية، والذين يخططون ويضعون البرامج الهابطة بقصد الترويح عن الناس، وهم بذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعًا!! وأنه لإنذار خطير والمرء منا يشعر بالغثيان لكثرة المنكر الموجود وقلة الأمر بالمعروف؛ بل يعجب المرء منا أن المسؤولين أصحاب القرار لا يحركون ساكنًا، وكأنهم راضون بما يقع من المنكرات المخالفة لدين الله وشرعه!! قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ﴾ (طه :125).
نبيل عبد الله
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل