العنوان الكويت تدخل أحدث النظم في تدريس الرياضيات
الكاتب إبراهيم أبو خليل
تاريخ النشر الثلاثاء 26-مايو-1970
مشاهدات 57
نشر في العدد 11
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 26-مايو-1970
لا جبر ولا هندسة ولا مثلثات... بل رياضيات
ثوَرة الرياضيات الحديثة في إنجازها أعظَم من إنجازات الثورة الصناعية وزارة التربية... والرياضيات الحديثة
«يقولون إن تقدم الأمم أصبح يقاس بمقدار ما تخرَّج من أبنائها من علماء في الرياضيات وخاصة في هذا العصر، عصر الذرة والصواريخ والأقمار الصناعية».
فهذا التقدم التكنولوجي الكبير الذي نراه في بعض دول العالم ليس إلا ثمرة جهود رجال التربية في وضع الأسس في البناء الهرمي الكبير لتخريج العلماء.
وقد أوضحت الدراسات والإحصائيات الأخيرة بأن تعليم الرياضيات في كافة مدارسنا يعاني حتى يومنا هذا، ولأسباب روتينية محضة قصورًا في متابعة الإنجازات العلمية المتلاحقة بشكل سريع، وقد شرعت وزارة التربية في الكويت في التخطيط للبدء بتجربة رائدة في هذا المجال، هذا المشروع الذي من شأنه أن يساعد في تشكيل ذهنيات علمية شابة على أسس جديدة قادرة على استيعاب الإنجازات العلمية المتتابعة.
وفي تصريح للسيد يعقوب الغنيم وكيل وزارة التربية حول هذا الموضوع قال: الكويت تظل ولأسباب عديدة مؤهلة أكثر من غيرها لخوض هذه التجربة، ثم العمل على تعميمها فيما بعد؛ فالإمكانيات المادية الكافية لمتابعة الاتصالات العالمية الدولية، ثم توفر النسبة الكافية من مدرسي الرياضيات المؤهلين، ووجود المخطط الكامل في أذهان المسؤولين يصبح من الممكن الآن البدء فورًا بتنفيذ هذه التجربة الرائدة.
والمجتمع ترى أن هذه الخطوة الرائدة هي في طريق وضع العالم العربي الإسلامي في مكانه الصحيح في الأخذ بالجديد؛ حتى نلحق بالركب الذي فاتنا، وإيمانًا من المجتمع بأهمية هذا الموضوع فقد أجرت مقابلة مع المسئولين عن تطوير مناهج الرياضيات الحديثة في الكويت؛ لتعطي القارئ فكرة واضحة عن ذلك.
كان لقاء المجتمع مع الأستاذ نبيه عبد الغفار مفتش أول الرياضيات بوزارة التربية، والأستاذ عادل عبد الكريم ياسين مفتش الرياضيات بوزارة التربية. وشعرت بمدى التقاء بين الأساتذة في آرائهم في هذا الموضوع المطروح.
● يدور نقاش هذه الأيام حول تطوير مناهج الرياضيات للمرحلة الثانوية في الكويت، كان هذا السؤال الأول الذي وجهته المجتمع للأساتذة؛ فقالا:
● من الصعب أن نعطي بعجالة من الحديث فكرة عن المقصود بعبارة «الرياضيات الحديثة»، وعلى كل فإن الرياضيات الحديثة تعتمد في بنائها على معالجة المواضيع الرياضية من خلال بنى موحدة، بمعنى أن هناك مواضيع رياضية تختلف في مواضيعها، ولكنها تنطلق من «بنية مشتركة»؛ أي أن هناك بناءً مشتركًا يعتبر هيكلًا لها جميعها، وتعتبر نظرية المجموعات أساسًا مشتركًا لدراسة مختلف فروع الرياضيات؛ فالطالب يدرس الحساب والجبر والهندسة في المدرسة من منطلقات موحدة، فلا يعود هناك تشتيت في فروع الرياضيات كما هو قائم في مناهجنا الكلاسيكية وهو من أبرز عيوبها.
وعدا ذلك فإن الرياضيات الحديثة مشيدة على أسس منطقية مرتبة، ولا يعني هذا بأن ریاضیاتنا المعروفة بالقديمة أصبحت بالية؛ بل إن معالجاتنا هنا تتسم بالدقة والمنطق والآراء الجديدة التي تجعل مادة الرياضيات دسمة ممتعة، خالية من الرتابة والتسلسل الممل الذي شهدناه خاصة في هندسة إقليدس.
كذلك فإن مواضيع الرياضيات الحديثة تعتبر حديثة إذا ما قبلنا إطلاق صفة القدم على رياضيات ما قبل القرن التاسع عشر؛ فهي غنية بالمواضيع الرياضية المكتشفة بعيد بداية القرن التاسع عشر بثلاثين سنة كالمجموعة والزمرة والتوبولوجي وغيرها من المواضيع الرياضية التي بُنِيَ العقل الإلكتروني بالاعتماد عليها.
ولا يفوتنا أن نذكر بأن أحدث موضوع نتعرض إليه في مناهجنا الكلاسيكية يعود إلى عام ۱۷۸۰.
لقد تخلصت مناهج الرياضيات الحديثة من الكثير من الحشو والعقد المألوفة في دراستنا، وحلت محلها مواضيع رياضية غنية بالمعرفة والحيوية والمتعة العلمية، ويمكننا أن نلخص للقارئ الأسس التي تقوم عليها مناهج الرياضيات الحديثة في المرحلة المدرسية وهي:
١ - وحَّدت الفروع الرياضية المختلفة، ووضعت لدراستها أسسًا موحدة؛ فلا جبر ولا هندسة ولا مثلثات کموضوعات منفصلة بل هناك ریاضیات فقط.
٢ - حذفت الحشو والعقد والمسائل المصطنعة، وأخصبت المناهج بمواضيع جديدة تواكب روح العصر والتقدم العلمي.
٣ - أزالت الفجوة بين الدراسة الجامعية وما قبلها؛ بحيث أصبحت الدراسة الجامعة متممة بصورة سليمة للمرحلة السابقة.
٤ - الرياضيات الحديثة هي رياضيات المعنى والتفكير المنطقي؛ فالطالب يتفهم من خلالها روح العملية الرياضية، ولا يصبح بعد هذا يردد القوانين المعلبة حسب طرقنا المألوفة، بل سيكون قادرًا باستمرار على اكتشافها واختيار ما يلزم له منها.
٥ - تحمل المناهج الحديثة في طياتها طريقتها الجديدة القائمة على المنطق والاكتشاف والإبداع، وللطالب دور كبير في معالجة المشاكل الرياضية المختلفة.
● وحول الرياضيات الحديثة وهل ستحدث ثورة ترد مختلف فروع الرياضيات إلى أساس واحد في دراستها قالا:
● نعم إن ثورة الرياضيات الحديثة تعتبر من أهم الثورات العلمية؛ حتى إن العقل الإلكتروني الذي هو من نتاجها يعتبر من قبل بعض العلماء كمنجز أعظم من الثورة الصناعية.
● يقال إن هناك عيوبًا للرياضيات الكلاسيكية وهي التي دفعت العلماء والخبراء للتفكير في وضع الأسس الحديثة للرياضيات.. فكان رأيهما:
● لم تعد الرياضيات الكلاسيكية قادرة «حسب بنائها القائم» على توسيع قاعدة الرياضيين في المجتمع العلمي «الرياضي» المعاصر؛ فاتفق علماء العصر على هذه النقطة، كما اتفقوا على ضرورة بناء مناهج جديدة تتفق وروح العصر فكانت مناهج الرياضيات الحديثة.
● وعن بدء تدريس الرياضيات الحديثة، وفي أي البلدان بدأت،
وهل كانت هذه التجارب ناجحة أم لا... قالا موضحين ذلك:
● من الصعب تحديد ذلك، ولكن ثورة الرياضيات الحديثة بدأت في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي، وكان الفيلسوف البريطاني «راسل» من رواد هذه الثورة، إلا أن المناهج الحديثة بدأت تأخذ قالبها الدراسي في الجامعة في منتصف الثلاثينات من هذا القرن، على أيدي البورباكيين في فرنسا، ثم تلا ذلك تطبيق لمناهج الرياضيات الحديثة في بداية الخمسينات في الولايات المتحدة؛ حيث قامت جماعة هناك بوضع كتب للمناهج الحديثة للصفين السابع والثامن في عام ١٩٥٢، وجرى تطور بطيء بعد ذلك حتى كان بروز القمر الروسي سبوتنيك، وحينها تنفس دعاة التحديث في الولايات المتحدة، وعزوا تأخرهم عن الروس إلى تقدم المدرسة والجامعة الروسية في مناهج الرياضيات والعلوم عن مثيلاتها بالولايات المتحدة، أما في أوروبا فقد قفزت السويد إلى المقدمة؛ حتى إن الولايات المتحدة استعانت بخبراء في مناهج الرياضيات الحديثة من السويد.
أما في بلجيكا فكان رائد التطور الأستاذ بابي وزوجته فردريكا؛ حيث قاما بتأليف خمسة كتب للمرحلتين الإعدادية والثانوية.
وفي الاتحاد السوفييتي حدث تغيير للمناهج في العقد السادس ثلاث مرات متتالية: أما اليابان فقد وصلت الذروة في تحديث مناهجها.
أما نجاح التجربة أو فشلها فلم يعد واردًا إذا كان الفشل يعني العودة إلى المناهج التقليدية؛ فهناك تعثر وهناك تغييرات تُجرى نتيجة لذلك، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لكل جدید.
● ثم جاء دور مدى استقبال مدرسي الرياضيات في الكويت للفكرة، فكان جوابهما صريحًا حيث أوضحا هذا الجانب:
● كان استقبال المدرسين للفكرة شأنهم شأن غيرهم من المدرسين في الدول المتقدمة؛ فهناك آمال عريضة للتغير، وهناك علامات استفهام حول جدية المناهج الحديثة، وليس هناك من يرفض الفكرة بصورة علنية على الأقل.
● وعن كيفية إدخال مناهج الرياضيات الحديثة إلى مدارس الكويت قالا:
● لقد قررت وزارة التربية أن تبدأ بتدريس المناهج الحديثة بثانويتي الدعية والجزائر، وقد رتبنا دورة هنا للمدرسين خاصة في الرياضيات الحديثة، وسيحضر عدد من المدرسين والمفتشين دورة أخرى في دمشق والإسكندرية في الصيف القادم.
● وعن عقد دورات مستمرة في طرق التدريس وعن مشروعاتهم بذلك أوضحا بقولهما:
● بالطبع سنقوم بإعداد دورات جديدة في العام القادم والأعوام التالية، وسنكتفي لهذا العام بإرسال دفعتين: واحدة إلى دمشق، والأخرى إلى الإسكندرية كما ذكرت.
● وأخيرًا أعربا عن شعورهما تجاه هذه الفكرة الجديدة ومدى اطمئنانهما لنجاحها بقولهما:
● نحن مؤمنون بما سنقوم به، ونرجو أن يوفقنا الله لتحقيق غايتنا المنشودة.