العنوان اللامنتمون ومستقبل العمل الإسلامي
الكاتب عثمان محمد
تاريخ النشر الثلاثاء 27-فبراير-2001
مشاهدات 11
نشر في العدد 1440
نشر في الصفحة 66
الثلاثاء 27-فبراير-2001
أعداد اللامنتمين في تزايد مستمر فما أسباب ذلك؟
من أبرز ما يثير الانتباه والاندهاش في الوقت نفسه، بروز شريحة يمكن أن نطلق عليها «اللامنتمون» وتناميها بسرعة مذهلة وانتشارها بصورة غريبة حتى صرنا نرى عددها قد تجاوز في بعض المناطق والبلدان أعضاء الجماعات المؤطرة والأغرب من هذا هو أن علاقة هؤلاء "اللامنتمون" بأفراد الجماعات بل وقياداتهم علاقة حميمة يسودها الاحترام والتقدير، والأكثر غرابة من هذا وذاك هو اقتناع "اللامنتمون" بوجوب العمل الجماعي وقوة تأثيره، وعدم تشجيع الانعزال والانزواء بعيدًا عن معترك العمل الإسلامي المنظم، في الوقت الذي يتروون هم فيه، ويرفضون إقامة أي علاقة تنظيمية مع أحد التيارات العاملة على الساحة.
الأمر الذي يجعلنا أمام علامة استفهام كبيرة ولغز محير يتطلب فك رموزه، والإجابة عنه إجابة منطقية، فنحن لسنا أمام ثلة مفتونة» أو «متفلتة» ممن سقطوا من قطار العمل الإسلامي صرعى فمنهم من هو أكثر علمًا وأشد حماسة وأعظم عطاء- حين يدعو الداعي وينادي المنادي- من بعض الذين يحتلون مواقع في الهياكل التنظيمية لبعض الجماعات.
وعند البحث عن أسباب هذه الظاهرة نجد أنه لا يوجد سبب قطعي، لنشأتها، إنما هي احتمالات، وترجيحات وبطبيعة الحال لا يجرؤ أحد من منظري الصحوة أو مفكريها أن يقطع بصحة أحد هذه الاحتمالات الأسباب كثيرة، لعل من أهمها أن الآونة الأخيرة من حياة الصحوة في مرحلة مراجعة، وترشيد للممارسات، الأمر الذي يعني أننا في مرحلة «مخاض، وسنشهد كل يوم حديثًا. وكل حسين جديدًا من الأسباب والمبررات والتداعيات إلى أن يستقر الوضع، وتستوعب الدروس، وحينها ستبدو الأسباب جلية واضحة لا يستطيع أحد إنكارها ولا حتى المراء فيها.
إن معطيات الاستقراء العام للحالة الراهنة التي يعيشها هؤلاء اللامنتمون يجعل أسبابًا مبدئية أو احتمالات قوية تطرح نفسها بشدة تستوجب النقاش والتساؤل.
فهل يمثل اللامنتمون «دوي انفجار» للكبت الذي كان يعانيه ومازال بعض المنتمين لبعض الفصائل من مصادرة لآرائهم، وإهمال لمقترحاتهم، وإسقاط اعتبارها أو احتمال إصابتها للصواب في مقابل تعظيم آراء قادة التنظيم وتصويرها وكأنها لا تجوز مخالفتها ولا تسوغ معارضتها بحال من الأحوال، والحكم على الناصحين أو مجرد المتسائلين بأنهم أهل فتنة ودعاة على أبواب جهنم يدعون إلى شق عصا الطاعة، فكانت حالة عدم الانتماء للهروب من التنظيم والتخلص من قيوده هي الصيغة المقبولة عند أولئك الذين لا يروق لهم أن ينسلخوا من الصحوة الإسلامية المباركة.
أم تعتبر ظاهرة عدم الانتماء «صدى صوت» أو عملية مخاض لفكر جديد بدأ يشق طريقه إلى التبلور وتبوء مكان مرموق بين بقية مشروعات
واجتهادات الصحوة يدعو إلى تأصيل القبول بالتعددية الفكرية والدعوية داخل إطار معتقد أهل السنة، ويفهم السلف الصالح ومحاولة طرح مشروع التكامل»، مع بقية فصائل الحركة الإسلامية، والتمييز بين الثابت القطعي الذي لا تجوز مخالفته وعلى أساسه تتم المفاصلة، وبين المتغير الذي يعد من قبيل الاجتهادات، مما تختلف فيه الآراء وتتباين ويكون مظنة للاختلاف المقبول باعتبار عدم قطعية الدلالة والمفهوم، وقد أسهم في بروز هذا الفكر وقولبته بصورة شرعية مؤصلة وفكرية منظرة عدد كبير من رموز إسلامية دعوية وعلمية شهيرة.
أم يعد اللامنتمون ضحية، إخفاقات وإحباطات بعض الفصائل الممارسة للعنف المتعجل ودخولها في مواجهات عنيفة مع أنظمة الحكم في بلادها، الأمر الذي دفع هذه الأنظمة أن تتعامل معها بكل عنف، وبأسلوب استئصالي يقضي على الأخضر واليابس، مما أدى إلى حدوث انتكاسات وتراجعات أثرت سلبًا، لا على هذه التيارات واستعدادها المواصلة الطريق الذي ابتدأته، بل وعلى تراجع خيار العنف نفسه كآلية مؤثرة، والذي تمحور حوله عدد كبير من الشباب المتحمس الملتهب فتوهموا أن دورهم قد انتهى وأن زمنهم قد ولى بتراجع العنف فتخلفوا عن الركب ما بين محبط ومنتظر لدور آخر يقدم من خلاله نفسه.
هذا بالإضافة إلى أن بعض من ينتمي إلى هؤلاء "اللامنتمون" انفصل عن جماعته وآثر الانطواء الحركي لأسباب فردية، ومع أهمية هذه الأسباب لأنها تكشف لنا عن ثغرات تربوية وفكرية يمكن تلافيها فيما بعد، إلا أنها لا تدخل في إطار الأسباب العامة للنشأة، وذلك كالأسباب الخاصة بعدم قدرة الفرد على تحمل تبعات طريق الدعوة في بعض البلدان من مراقبة وتربص، وما يتبع ذلك من مداهمات ومطاردات يضعف أمامها المثقل بالأعباء المعيشية، أو كمن ترك جماعته لخلاف شخصي مع مسؤولة المباشر، أو كمن اعتزل لقصور وعيه عن إدراك أبعاد الصراع، وأن أهل الحق قلة والباطل كثرة، فطال عليه الأمد فقسى قلبه وقل زاده فلم يستطع الاستمرار في الطريق وهكذا ستظل هناك أسباب بعضها طبيعي باعتبار قاعدة الاصطفاء والاختيار التي يقررها قول الله تعالى:
ﵟ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَﵞ (العَنكَبُوت: ﵒ- ﵓ)
وما ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام هو وجوب وجود آلية للعمل على استيعاب هذه الشريحة و احتضانها، وعدم النظر إليها كسقط متاع أو نفايات الدعوة، لأن جيشًا من الكوادر التنظيمية السابقة ممن يحملون مؤهلات علمية، وخبرات تنظيمية وجهادية يمثل خليطًا، يصعب التعامل معه وينتقل بنا من حالة الظاهرة، إلى حالة «المشكلة»، حينما يتم تجاهلهم، ولاسيما أن من خصائص هذه الطبقة افتقارهم إلى أهل التربية والتقويم والتهذيب والعمل الصحيح، والحكمة الراشدة، مما قد يتوافر عند التنظيمات المؤطرة.
لقد أدى تجاهل هذه الشريحة وعدم استيعابهم إلى تكون مجموعات صغيرة في جنح الليل، وبعيدًا- عن الأعين لا يعرف أحد عنهم شيئًا- تمارس انحرافات بعضها عقدي وبعضها فكري نتجت عنه أحداث عنف غير محسوبة إلى غير ذلك من الحوادث الفردية التي دائمًا وأبدًا ما يكون أول مصاب لها هو الصحوة الإسلامية قبل غيرها .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل