العنوان المجاهدون في سوريا.. من هم؟ وماذا يريدون؟
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 26-أغسطس-1980
مشاهدات 17
نشر في العدد 494
نشر في الصفحة 16
الثلاثاء 26-أغسطس-1980
- المجاهدون هم أبناء الشعب السوري المسلم رخصت من أجل تحقيق الأمر الإلهي
في خضم الأخبار والأحداث المتزاحمة التي تحملها من سوريا وكالات الأنباء وبعض الإذاعات العربية والأجنبية... في هذا الخضم الذي تسابق أحداثه الزمن... لا بُد للإنسان العربي... والإنسان المسلم بشكل أعم أن يسأل: من هم الثائرون في سوريا؟ ومن يقف وراءهم؟ وماذا يريدون؟ وكيف يتصورون حكم سوريا كبلد عربي مسلم؟ وكثيرة هي الأسئلة التي سمعناها، وكثيرًا ما تساءلت الصحافة العربية والأجنبية عن برنامج هؤلاء الثوار في مستقبل القطر السوري الشقيق... ونحن في هذه العجالة ليس لنا إذا أردنا الدقة في الإجابة سوى استبطان حقيقة هؤلاء من خلال ما يصدر عنهم من وثائق وبيانات ونداءات وأقوال... ثم لنا أن نربط ذلك مع الفعلية السياسية لهم... لنقف في التالي على الإجابة التي نرجو الله أن تكون قريبة من الحقيقة إن لم تحمل الحقيقة بجميع جوانبها، ولعل نشرة النذير-وهي الوثيقة الرسمية الصادرة عن مجاهدي سورية الحبيبة- تكاد تكون المرجع الوثائقي الوحيد المعرفة هوية هؤلاء الرجال ودوافعهم وهدفهم معًا.
-موقف المجاهدين من الأنظمة العربية والهيئات الدولية والوحدة الوطنية داخل سوريا
-كيف بدأ الثوار المسلمون في سوريا؟ ولماذا؟
-الثورة الإسلامية في سوريا تسير بخطى ثابتة ومدروسة
مَن هم المجاهدون؟
تقول افتتاحية العدد الثاني من نشرة النذير الصادر في ۱۹۷۹/۹/۲۱عنهم: «فالمجاهدون فتية آمنوا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًا ورسولًا، وبذلوا نفوسهم في سبيل الله رخيصة ليفتدوا دينهم وأمتهم مما هي فيه من ظلم وكفر وبغي وعدوان، وليعملوا على رفع كلمة لا إله إلا الله وتحكيم الشريعة السمحاء رحمة بالناس أجمعين وبالشعب السوري بالذات بعد أن جربوا مختلف السبل ولم يبق إلا الجهاد».
إذًا فالمجاهدون في سوريا هم أبناء الشعب السوري المسلم وهدفهم في سوريا رفع الظلم وتحكيم الشريعة الإسلامية الغراء، ويتميزون بالفدائية العجيبة التي ترخص فيها النفوس من أجل الوصول إلى الهدف.
بدء الثورة وأسبابها:
إن الثورة الشعبية التي يشهدها القطر السوري اليوم ليست وليدة المصادفة أو ردة الفعل الفوضوية، فبتاريخ ۱۹۷۹/۲/۸ .. أي منذ أربع سنوات ونيف كما تروي نشرة المجاهدين الرسمية «النذير» «انطلقت أول رصاصة في سبيل الله تفتح الباب للجهاد المنظم، الذي بدأ يؤتي ثماره الخيرة في الأيام الأخيرة، لكن تلك الرصاصة الأولى كانت ثمرة معاناة مريرة طويلة من الظلم والإرهاب كانت سجون سوريا تعج بالمعتقلين المسلمين من مدرسين ومعلمين وطلاب ومن أطباء ومهندسين وعمال وموظفين وعسكريين، ومن أدباء وعلماء وحقوقيين وصحفيين وأساتذة جامعات ومن آباء وأزواج وأبناء وبنات ونساء وكانت زبانية القمع والعسف تصول وتجول في الأحياء الشعبية والمدارس والجامعات وكانت الحريات العامة والحقوق المدنية تداس بالأقدام، أما حرية الصحافة والعمل السياسي وحرية التعبير عن الرأي والعمل النقابي فلا وجود لها على الإطلاق، وأوضح مثل على تلك الاستفتاءات الصورية المزيفة التي كانت نتائجها معروفة مسبقًا «۹۹,۹» كالاستفتاء على الدستور أو رئاسة الجمهورية» النذير- العدد الثاني-۱۹۷۹/۹/۲۱.
موقف المجاهدين من الأنظمة العربية والهيئات الدولية:
إن البيانات التي ينشرها المجاهدون تشير إلى أنهم لا يعادون سوى النظام السوري الأسباب يعرفها العالم بأسره، وما يدل على ذلك هو موقفهم المتكرر الذي يطالبون فيه الأنظمة العربية عبر الجامعة العربية للتدخل من أجل إيقاف المجازر التي سفك فيها نظام دمشق دماء الرجال والنساء والشيوخ والأطفال، ففي بيان الإخوان المسلمين الصادر يوم ١٩٧٩/٩/٦ ينادي الشعب السوري وكل أفراده يطالبون «الجامعة العربية وحكام المسلمين وهيئة الأمم المتحدة ودول العالم ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان ولجنة العفو الدولية... يطالبون هؤلاء جميعًا بإجراء تحقيق عادل نزيه ليقف العالم بأسره على الحقيقة الناصعة... ومن تخطيط النظام الطائفي..».
ثم ينادي البيان بقوله: إننا باسم الأمة كلها وباسم السلام والعدل نناشد زعماء العالم المتمدن أن يتدخلوا كما نناشد زعماء الأمة الإسلامية أن يتدخلوا ويناشدوا زعماء العالم العربي أن يتدخلوا لإيقاف المذابح الجماعية وحمامات الدم التي تجري في سوريا».
وفي هذا دلالات عدة منها:
المجاهدون في سوريا
من هو المستهدف بثورة المجاهدين... النظام... أم الطائفة؟
۱- أن مجاهدي سوريا لا يعادون أي نظام خارج حدود القطر السوري.
٢- المجاهدون يعتقدون أن على رجال الأنظمة العربية والإسلامية واجبًا يدعوهم إلى إنقاذ سوريا من مذابح النظام.
۳- ثوار سوريا يعترفون بشرعية وجود الهيئات الدولية وواجباتها التي يجب أن تقوم بها في إطار الشرعية الدولية ومنها النظر في مسألة حقوق الإنسان.
المجاهدون والوحدة الوطنية:
إذا كان شعار الأنظمة الدكتاتورية الطائفية «فرق تسد» فإن المسلمين الثائرين في القطر السوري الشقيق حسبوا حسابهم على أن إدارة الحكم في سوريا يجب أن تقوم على أساس إسلامي وطني مستقل، وإذا كان بعض الخارصين قد ادعوا بأن الإخوان المسلمين سوف يجبرون الطوائف اللاسامية على الإسلام إذا حكموا سوريا...
فإن ما صدر في بيانات المجاهدين يكذب هذه الدعوة، ففي بيان صدر يوم 1/10/1979 يقول المجاهدون:
«إن الدين لا يكون بالإكراه والعقائد لا يلزم بها الناس إلزامًا... وإن الأمة تنتظر من كل وطني مخلص شريف أن يعرف الحقيقة التي انتهى إليها أمر البلد».
والمجاهدون وضعوا في حسابهم حفظ الحقوق الوطنية التي كفلها الإسلام خاصة والأديان السماوية عامة للناس جميعًا على أرض هذا الوطن، وفي مكان آخر يذكر المجاهدون رجال الأحزاب والجبهات الأخرى بقولهم:
«إننا نقول لهؤلاء... الله بيننا وبينكم... والوطن لنا ولكم والأمة أمتنا جميعًا... وإن ديننا ربانا على الخير والفضيلة، وإننا نرفض ومن منطلق إسلامي- كل أنواع القهر والتسلط فلا نطالب بإسقاط فرعون ليحل محله فرعون جديد» نشرة النذير- العدد الرابع-۱۹۷۹/۱۰/۲۲
هل للمجاهدين عمالة؟
ادعت أجهزة النظام السوري مرارًا -ومن أجل التشويش على مسيرة المجاهدين ومن يلتحق بهم- أن للمجاهدين عمالة بكامب ديفيد وإسرائيل وكتائب لبنان، ولعل جميع من سمع هذه التهمة سخر من مروجها واستخف بالعقلية التي أفرزت مثل هذه التهم.
-أما كامب ديفيد فإن المجاهدين هم أول من فضح حقيقة المؤامرة على فلسطين بين الشعب السوري، ولعل وجودهم كما يقول أحد المراقبين هو الذي منع الحكومة السورية من الالتحاق بركب كامب ديفيد والسادات وتوقيع صلح سريع مع العدو اليهودي.
- وأما عمالتهم للكتائب، فإن المجاهدين وجهوا سؤالًا كبيرًا لحاكم سوريا من هو عميل الكتائب؟ ومن قتل المسلمين الفلسطينيين واللبنانيين من أجل تحقيق سيطرة الكتائب والمارين على لبنان؟ ومن هيأ الأوضاع داخل لبنان لقيام دولة المارين في الجنوب على يد النصراني عميل اليهودية الدولية سعد حداد؟
وحول تهمة العمالة هذه قال أحد المحامين -وهو محام مسيحي- في معرض دفاعه عن أحد المجاهدين أثناء محاكمته:
«إن موكلي وزملاءه قد اتهموا بالعمالة، والعميل هو الإنسان الذي يتعاون مع بلد أجنبي أو جهة أجنبية على حساب وطنه في سبيل منفعة خاصة لذاته، وهذا منتهى الدناءة والحقارة، ولكن موكلي وزملاءه هم شباب آمنوا بقضية ومبدأ، فضحوا بحياتهم وأرواحهم في سبيل المبدأ الذي اعتنقوه، فهم أشبه ما يكونوا بقديسين...».
النذير - العدد ٨ ۱۹۷۹/۱۲/۱۳
الشعب السوري مع من؟
هل هو مع السلطة أم مع المجاهدين؟
إن الأحداث هي التي تجيب وتصاعد المجابهة في جميع محافظات القطر شاهد شاخص على الحقيقة، وإذا حاول الإعلام السوري تعمية الحقيقة، فإن الحقيقة لا تطمس... فقد عمت خلال الشهور الأخيرة ابتداء من مارس الماضي الثورة من شمال القطر السوري إلى جنوبه والشعب هو عنصر هذه المجابهة وما أدل على ذلك من بيانات جميع النقابات المهنية والفنية التي هاجمت السلطة وحملتها المسؤولية كاملة ثم حضت الشعب بأثره على الثورة... وكان ما كان من عصيان مدني قام به الشعب في مواجهة السلطة، حيث عمم الإضراب الكامل عم المحافظات... وشهدت دمشق العاصمة إضرابًا في الأحياء والأسواق التجارية الرئيسية خلال فترات متقطعة من شهور هذا العام، وكان الإضراب والعصيان يجيء استجابة لنداءات المجاهدين في بياناتهم، وهذه الإضرابات لم تشهد سوريا مثيل لها حتى في عهد الاحتلال الفرنسي.
إذا فالشعب السوري يقف إلى جانب المجاهدين في مواجهة السلطة... ويبدو أن هذا الشعب سوف يقف مع طلائعه المجاهدة حتى النهاية كما تشير الأحداث وكل هذا يشعر كما تقول نشرة النذير الرسمية إلى «العد التنازلي للنظام» العدد ۱۳- تاريخ ۱۹۸۰/ ۳/ ۱۲.
أما بيانات النقابات المهنية العلمية وهم الفئة الواعية المثقفة، فقد كانت منفعة للنظام المتهادي -أثناء الإضرابات- والذي حاول أن يظهر أنه ما زال يحتفظ ببعض أشكال التنظيمات النقابية التي يفرضها على العمال والفلاحين والحرفيين والطلاب والمعلمين الذين كانوا في طليعة المعذبين والمتظاهرين.
من هنا يلاحظ المراقب أن الشعب كله وقف في صف المعارضة، ولم يبق مع النظام إلا رجال النظام فقط.
ماذا يريد المجاهدون؟
إنهم يريدون أن تكون سوريا بلدًا عربيًا إسلاميًا يأخذ مكانه الطبيعي بين أشقائه في منابر الوحدة ومقاومة المستعمر وتحرير فلسطين. وهذا لا يتحقق بوجود نظام ديكتاتوري. لذا فهم حددوا مطلبهم من السلطة الحالية في دمشق ببيان جاء فيه:
«إن مطلبنا الوحيد من السلطة هو تخليها الفوري عن التشبث بالحكم، وأن تدع المجال للإسلاميين حتى يتمكنوا من إقامة حكم الله في الأرض، ومن ثم استئناف حياة إسلامية جديدة، إنهم إذا فعلوا... سيوفرون الكثير من الدماء وسيضمنون الأمان لطائفتهم»... النذير «۱۰» ۱۹۸۰/ ۲/ ۱
إذا فالمطلب الأول لثوار سوريا الإسلاميين هو تغيير شكل الحكم بما يتوافق والأمر الإلهي، وإذا كان هناك من يدعي أن حرب الإخوان تستهدف أبناء الطائفة النصيرية فهذه دعوى مردودة، فالطليعة المقاتلة- تقول في بيانها الصادر يوم ٢٧ربيع الآخر ١٤٠٠هـ.
«يا أبناء الطائفة النصيرية إنكم تعلمون أن معركتنا ليست مع طائفتكم، وها هم أولاد أبناء الطوائف الأخرى يقفون معنا في الثورة على الظالمين، لكن معركتنا مع أولئك المتسلطين منكم على ألقاب هذا الشعب الواقفين في وجه ثورته».
هذا وقد حدد المجاهدون مسيرتهم بخطوط عريضة ووعدوا إصدار برنامجهم في حكم سوريا في المستقبل القريب. أما الخطوط - العامة فتنحصر في النقاط المذكورة في البيان الذي أصدره المجاهدون يوم ١٠ ذو القعدة ۱۳۹۹. وهي كما يلي:
۱- إسقاط التركيبة السياسية والعسكرية الطائفية القائمة على أسرة الحكم ومن يظاهرها أو يساندها ومحاسبتها على تفريطها بحق الأمة والوطن والتاريخ.
۲- سيادة إرادة الأمة وتحقيق رغبة أكثريتها بإقامة حكم الله في الأرض حكمًا إسلاميًا مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه أمرًا بالعدل والإحسان والمساواة والشورى، داعيًا إلى الخير والعلم والتقدم والقوة والحرية، مستفيدًا من منجزات العصر وحضارته المادية.
۳- حفظ الحقوق الوطنية التي كفلها الإسلام خاصة والأديان السماوية عامة للناس جميعًا على أرض هذا الوطن والمشاركة البناءة في مستقبل الأمة وحفظ عقائد أجيالها وتعميق قدرتها على استرداد حقوقها واستئناف تقدمها ومجابهة أعدائها وظاهرة للعيان أن رجال الثورة الإسلامية في سوريا مصممون على المضي في الطريق الذي أجبرتهم عليه السلطة، ألا وهو طريق الثورة، فهم يقولون في افتتاحية العدد «۱۷» من النذير.
«إن ثورتنا الإسلامية في سوريا تمضي في خطى ثابتة طبقًا لخطة مدروسة حددت غايتها وهدفها ووسائلها ومراحل سيرها، وهي واثقة بنصر الله لها، وأن الصنم سيهوي -بإذن الله- قريبًا وهذا ما أضحى مُسلمًا به ليس لدى رجال الثورة فحسب، بل لدى الأوساط السياسية في البلاد العربية والأجنبية على السواء.