; المجتمع التربوي- العدد (1491) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي- العدد (1491)

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر السبت 09-مارس-2002

مشاهدات 22

نشر في العدد 1491

نشر في الصفحة 54

السبت 09-مارس-2002

■ وقفة تربوية

■ قرءوا عنها ولم يمارسوها

كان التلميذ متشوقًا لسماع إجابة الشيخ عن تساؤله حول سبب ضمور العلاقات الأخوية بين جموع العاملين في الدعوة، حتى غلب العمل الإداري الدعوي على الجانب الروحاني الإيماني، فلا يسأل أحد عن أحد، أو يطمئن عليه، أو يتحسس حاجته إلا إذا كان هناك نشاط يستدعي ذلك، ولا لقاء إلا في الاجتماعات الدعوية؟

أجاب الشيخ أظن - والله أعلم - أن هؤلاء الدعاة وإن مضى عليهم زمن في الدعوة إلى الله، إلا أنهم لم يتشربوا معاني الدعوة الحقة، وهناك فرق شاسع بين تشرب المعاني والعيش بها، والفهم اللفظي المعاني الأخوة في الله.

إن هؤلاء الدعاة قرءوا عن الأخوة لكنهم لم يمارسوها في حياة الدعوة؛ لذلك لم تتشربها قلوبهم.

إننا بحاجة إلى أخوة تشبه أخوة الفاروق - رضي الله عنه - عندما كان يذكر الأخ من إخوانه بالليل، فيقول: ما أطولها من ليلة، فإذا صلى الغداة غدا إليه فإذا لقيه التزمه أو اعتنقه» «الزهد الأحمد بن حنبل ص ۱۲۳»

كما لا نريد أخوة مزيفة مقصورة على الابتسامات والمجاملات، فإذا ما جاء الجد تلاشت بل نريد أخوة نابعة من القلب، ومعبرة بصدق عن الحب وأخوة الإسلام.

أبو خلاد- albelali@bashaer.org

 

■ خلع حب الدنيا من القلب

■ شغل النفس بمتاع الدنيا، وحشو البطون لن يحقق العزة للإسلام.

■ لماذا نيأس من الإصلاح؟ حتى لو لم نصل إلى نتائج؛ لنبدأ العمل مرة ثانية.

■  سقف وعي الأمة يحتاج إلى من يرتفع به إلى مستوى التحديات.

ياسر بن محمد اليحيى- yasser1497@yahoo.com

إن للمؤمن جنانًا يفيض ثقة بنصر الله، وكما يعلم أن للأشياء أسماءها، فهو يعلم أن العاقبة ليست إلا للمتقين، وأن الأرض يرثها عباد الله الصالحون، حتى إنه لو بقي فرد واحد من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم - لما وسعه إلا أن يومن أن الله سيخرج من صلبه من يكمل الطريق نحو استرجاع الأمة عزتها، ولقد قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (سورة النور: 55)

«إن من المؤمنين من يختارهم الله فيكونون قمح هذه الإنسانية ينبتون، ويحصدون ويطحنون، ويعجنون ويخبزون؛ ليكونوا غذاء هذه البشرية في بعض فضائلها». (۱)

ولقد خلت الأرض يومًا من عقلاء ذوي همم إلا من أحاد تفرقوا في المعمورة، فرفع أحدهم رأسه وقد أحس ثقل الملمة، فقال يحرث أرض همته ويقلبها: «لماذا نيأس من الإصلاح؟ هب أننا لن نصل إلى شيء من النتائج، ولنعمل على هذا الأساس كما عملنا من قبل، فماذا يضيرنا؟، ألم نؤد الواجب؟، ألم نتحر الحق؟، ألم نؤد الرسالة؟ ذلك حسبنا والله عاقبة الأمور» (۲) «إلا ما أشبه النكبة بالبيضة، تحسب سجنًا لما فيها، وهي تحوطه وتربيه وتعينه على تمامه، وليس عليه إلا الصبر إلى مدة والرضا إلى غاية، ثم تنقف البيضة فيخرج خلقًا آخر» (۳).

سقف الوعي

إن أمة محمد ﷺ أمة معطاءة، تلد القائد إثر القائد، والعالم تلو العالم، والأبطال فيها كثر، هي أمة لا تنقصها طاقة.

غير أن سقف وعي كثير من أبنائها ما زال خفيضًا، لم يرق لمستوى الأحداث تحليلًا ومتابعة بعد أشغل أبناء الإسلام السعي خلف حشو البطون عن السعي خلف الإسلام، يقال: إن خطة من الأعداء أن ينهكوا شباب الأمة الإسلامية في خضمات الدنيا حتى يصبح الواحد منهم ولسان حاله من تمييزه إلى تشييعه.

 كلما قلت قد دنا فك قيدي

قدموني وأوثقوا المسمارا (٤) 

قد يبدو هذا عذرًا للفقراء عن قوة العمل لهذا الدين، لكن من كانت لقمته سائغة فلا عذر له بل المسؤولية عليه مضاعفة، فعلى المسلمين الذين تيسرت لهم سبل الحياة أن يرتفعوا بوعيهم وأن يوظفوا ظروف حياتهم لدعوتهم كوسيلة يشكرون الله بها.

أحرار في دنيا العبيد: عيش المؤمن بين أهل الدنيا وأهل الثراء يشعره بغربة، لا يفتأ الشيطان يذكره بها، وكأنها جرح ينكا، لا وسام يباهي به.

يجلس الداعية بين أرحامه أحيانًا: فيلتفت يمنة ويسرة ليجد كل من حوله يقول له: أنا أكثر منك مالًا، أو هكذا يوهمه الشيطان، فواحد يرتدي ثيابًا لا يرتديها إلا أهل القصور وساعة ذهبية كأسورة النساء، ونظارة غالية الثمن، وأمورًا مؤداها «أنه غني مترف»، ويتذكر المؤمن ديونه فيسرح يقارن.

وآخر طفق يصف عربته الفارهة الحديثة وسعادته بها، والسبب الوجيه في اختيار لونها، وكم كلفته من مال باهظ، فيرمق صاحبنا شزرًا عربته القديمة المهترئة، ويشرع يقارن.

وثالث يبدي انزعاجه وتبرمه من بطء تنفيذ المكتب الهندسي في بنايته الجديدة ذات العدد من الطوابق؛ ليتأمل المؤمن شقته الضيقة المتواضعة ويذهب يقارن.

ويؤوب ابن الدعوة وزوجه من مجلسه ذاك مهمومًا مغمومًا؛ ليذكره الشيطان وعلى لسان عقيلته ما كان من أم فلان، وكيف اشترى لها بعلها الحلي الثمينة والماسات النادرة حتى انتهى ساعدها إلى جلدين جلد من تبر وجلد من تراب؟، وتعرض له تارة وتصرح له أخرى أن هلا أهديت لي شيئًا يا زوجي العزيز.

فيذهب يجيبها أن حالته المادية لا تسمح له بذلك، وأن القناعة كنز لا يفنى، وأن الغنى غنى النفس، ونفسه من داخله تؤازر زوجه وتوافقها.

ويدخل شقته، فيجلس يشاطر والديه حديثهما برًّا منه بهما، فيرتجل أبوه حكمة، يظن نفسه لقمان يعظ ابنه يا بني ماذا ادخرت لأهلك وولدك؟ يا بني لا تنس نفسك وأهلك من مالك، إن النسيان لظلم عظيم!!. فما يملك المسكين إلا أن يصمت احترامًا لصاحب الصوت، وواقعية النصيحة فيما يبدو.

ضروب من المتراجحات ترهق تفكير الداعية، وهو يرى القصر المنيف إزاء الشقة المستأجرة ذات الغرفتين مثلًا أو وهو يرى ويسمع الأموال والأرصدة أمام اللا رصيد بله الديون. هو حقًّا تفكير مزعج للنفس والعقل أو كان صحيحًا.

دنيا فانية وعين أخروية   

كلا كلا يا دنيا غري غير المؤمن.

قد جال في فكر الفاروق عمر - رضي الله عنه - ما جال في خاطري وخاطر كل من يتعرض المثل تلك المواقف، ولم يكن الفاروق ليحبس ألمًا في صدره، فما لبث أن باح به الرسول الله ﷺ في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه ضمن قصة طويلة يقول فيها رضي الله عنه: «تبسم رسول الله ﷺ وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من آدم، حشوها ليف، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال ما يبكيك، فقلت: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هم فيه وأنت رسول الله، فقال أما ترضى أن تكون لهما الدنيا ولنا الآخرة». 

هكذا تنشأ المعادلات الحقيقية دنيا فانية أمام آخرة باقية، وإن أردت الدقة ففي قوله ﷺ: «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بما يرجع». (٥) هب خنصرك عاد بقطرة، ما لقطرة أمام اليم؟!.

 فإليّ إليّ يا أرباب المكاييل، هاتوا أرهف الموازين وأدقها، ثم تعالوا نزن جناح البعوضة، ونقرأ قوله ﷺ: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء» (6).

ترى ما عساها الأبنية الفخمة والمراكب الفارهة تكون في نظر المؤمن ذي العين الأخروية، إن المؤمن لفي غنى عن أن يأخذ حقائق الحياة من أناس يرون الدنيا من خلف درهمين لا من خلف عينين، «إن المؤمن في لذات الدنيا كالرجل الذي يضع قدميه في الطين ليمشي أكبر همه ألا يجاوز الطين قدميه» (۷).

عقربة هي الدنيا لا تمنحها قلبك إلا لدغته، وإن أبقت فاعلها بالفعل على رأسها بالتخلي عنها، تمامًا كما فعل الصديق - رضي الله عنه - عندما أتى بماله كله، دنياه كلها وضعها بين يدي رسول الله ﷺ، كأنه يفارق الدنيا غير مأسوف عليها ويقول:

 خل يدي فلست من أسراك                 أنا يا حياة علوت فوق علاك

 وإن رأيتها مقبلة معها الأصفاد من ذهب تريد تقييدك فبعها بأصفادها كما باعها صهيب - رضي الله عنه -، وأبشر فالبيع رابح، ثم طأ بقدمك ناصيتها وترنم:

لا تضربي قيدًا على حريتي                    رحب أنا كمدارج الأفلاك 

ألا لا يجهلن أحد على أبناء الإسلام، فلقد فقهوا الدرس الإلهي عندما قال لهم الله ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ  ﴾ (سورة الحديد: 20)

مفهوم سلبي

هو مفهوم سلبي إفساح المجال للكافر والفاجر يحتكر المال والضياع يقوي به كفره ويضعف به خصمه بل على المؤمن أن يبحث عن السوق، وأن يسأل كما سال عبد الرحمن بن عوف «هل من سوق فيه تجارة» (۸)، ثم ليقفز ندا للكفر والنفاق تجارة بتجارة، وجها لوجه، فلنعم المال الصالح في يد العبد الصالح لا في قلبه.

 ومفهوم خاطي آخر حصر عقل الداعية للدنيا في بيت وعربة فحسب، بل ما زاد على حاجة الداعية وأهله فالإسلام أولى به والحاجات تتباين ويحكم الظرف الزماني والمكاني، وعرف المجتمع طبيعة هذا التباين، فداعية في بلد ما ثمن ثوبه يعيل أسرة كاملة في بلد آخر أيامًا معدودة ولا لوم عليه كون ملبسه هذا يمثل الوسط في مجتمعه والأمور تقدر بقدرها. 

غير أن تتبع صيحات تفصيل الثياب، أو غيرها من الأردية ليس من أدب الدعاة، والتعفف عن ذلك أصوب؛ إذ إنهم قدوات، وقد يورث هذا التتبع للمدعوين، ويوهن هذا السعي خلف ما يسعى بالموضة وعظ الدعاة وبرامجهم الإصلاحية، والأمور من هذا كثيرة تقاس عليها هواتف النقال، والعربات، وأثاث البيوت وغيرها.

 الكشط الدائم لمناظر الترف والرفاه من مخيلة الداعية وإحلال صور مآسي المسلمين محلها حري بأن يعود بالدنيا إلى حجمها الصحيح في ذهن المؤمن من حيث إنها متاع الغرور، ولا يزال القبر يخطب فينا خطبته الصامتة لو كانت تعيها أذن واعية، ويا قرب الله أخًا أثيرًا يسندني إن زلت مع الدنيا قدمي، ويهمس في أذني أن كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، ويتبلد العقل ويجمد الحس، وتبرد الهمة، ويخلد الإنسان إلى الأرض إذا قتل الداعية وقته بتجميل دنياه. 

إن طريق الاستدراك من ناحية قلع حب الدنيا من القلب لا يأتي بقلقلة اللسان ولكن بالعمل الذي ينتجه هم، وتثبته همة، وكيف يربي الآخرين من لم يرب نفسه، هذا يصرخ الجيلاني فيه أنت أعمى كيف تقود غيرك إنما يقود الناس البصير إنما يخلصهم السابح المحمود (۹).

---------------------------------

الهوامش

  1. المساكين للرافعي بتصرف

  2. خاطرة للإمام البنا

  3. . وحي القلم بتصرف 

  4. خاص الخاص للثعالبي

  5.  رواه البخاري

  6.  أخرجه الترمذي

  7. وحي القلم

  8. رواه البخاري

  9. الفتح الرباني لعبد القادر الجيلاني.

الرابط المختصر :