; المجتمع التربوي.. عدد 1016 | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي.. عدد 1016

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 15-سبتمبر-1992

مشاهدات 12

نشر في العدد 1016

نشر في الصفحة 43

الثلاثاء 15-سبتمبر-1992

وقفة تربوية: «التواضع للحق»

قال إبراهيم بن الأشعث: سألت الفضيل عن التواضع؟ قال: «التواضع أن تخضع للحق وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبلته منه، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته منه»([1])، وهذا من أبرز علامات الإخلاص والتجرد، حيث إن المخلص لا يهمه في عمله إلا وجه الله تعالى، ولا يشغله إلا ما يرضي خالقه سبحانه، وهو يفسر دائمًا كل تعال عن الأخذ بالحق، صدودًا عن مصدره، لهذا فهو يخضع للحق من كل إنسان، حتى وإن كان من عدوه، وهذا من معاني الإسلام، أي التسليم لكل ما أراد الله تعالى.

إن مما يؤلم القلب ألا نرى هذه الصفة منتشرة بين الدعاة إلى الله، بل نرى في الكثير من الأحيان الانقياد للحزب، أو الفئة، أو التجمع أكثر من الانقياد للحق؛ فقد يرى الحق يكتبه ذلك العالم الذي ليس من حزبه فيشك فيه، ويقلب عشرات الكتب للبحث عن دليل ينقض ما ذهب إليه ذلك العالم، وقد ينصحه بعض من لا يملك أدب النصيحة، فيتكبر في الأخذ بها لسوء أدب الناصح، وإن كانت العلة فيه، وقد يهجر عن عمد الكثير من الحق المنثور في الخطب والكتب والمحاضرات وحلقات الذكر؛ لأن الذي يقول ذلك ليس من جماعته، وكأن الحق انحصر في جماعته فقط.

إننا- معشر الدعاة- نحتاج إلى ذلك الخلق الذي أشار إليه الفضيل، لأن الحق أحق أن يتبع، ولأن الحق أعلى من الحزب والجماعة وجميع البشر.

أبو بلال

ربط ما في الدنيا بالآخرة:

فكل ما يرونه في الدنيا يربطونه بشيء في الآخرة، فإذا ما رأوا ظلمة تذكروا ظلمة القبر، والظلمة عند تجاوز الصراط، وإذا رأوا جمالًا تذكروا أن ما وعده الله لهم من الحور العين أشد جمالًا؛ فتخبو نفوسهم عن التعلق بجمال نساء الأرض، وإن رأوا خضرة وماء ومناظر خلابة في ما خلقه الله في الطبيعة، تذكروا جمال الجنة وما فيها من الأشجار والطيور والأنهار، فتتضافر مناظر الدنيا أمام مناظر الآخرة، وإن شموا ريحًا طيبًا تذكروا أن طين الجنة من المسك، وترابها من الزعفران، ورملها من اللآلئ، وهكذا هم في كل ما يرونه في الدنيا مما خلق الله- تعالى- إلا تذكروا مثيله في الآخرة.

هذا أحدهم وهو الإمام الزاهد حاتم الأصم يحث من يريد الإحساس بالجنة ثم الحصول عليها بالتزام هذه الطريقة من طرق تربية النفس، فيقول: «من صرف أربعًا إلى أربع وجد الجنة: النوم إلى القبر، والفخر إلى الميزان، والراحة إلى الصراط، والشهوة إلى الجنة»([2]).

  • النوم والقبر:

فالنوم أشبه شيء بالموت، حيث يغمض النائم عينيه، ويمتنع عن الطعام والشراب والكلام، ويفقد الإحساس، فلا يعود يسمع أو يشم أو يبصر، وكذلك الميت، إلا أن الميت تخرج منه الروح تمامًا، بينما النائم يبقى من روحه مُتعلق يستمر فيه نفسه ودقات قلبه، يقول الأستاذ محمد سلامة جبر.. حين تفارق الروح جسدها مفارقة جزئية، يبقى لها به نوع تعلق يكفي لإبقاء الخلايا حية حياة تقيها الفساد بإذن الله، ويكفي كذلك لإبقاء الجهاز العصبي في حال استعداد وتيقظ لكل طارئ خطر..  وإدراك سر هذه المفارقة الجزئية، يتوقف على معرفة سر الروح، وهذا مما خفي علينا علمه، واختص الله به أنبياءه وأولياءه المقربين»([3]).

والله تعالى يقرر هذه الحقيقة التي تعلمها الإمام حاتم من كتابه الكريم؛ إذ يقول: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى﴾ (الأنعام:60).

وكذلك الرسول- صلى الله عليه وسلم- أكد لنا التزام هذه الطريقة عندما علمنا ما نقول عندما نأوي إلى فراشنا للنوم «اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت»([4])، وعند الاستيقاظ «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور»([5]).

كل هذا يجعل المؤمن يتذكر الموت عندما ينام هو أو يرى نائمًا، ومن تذكر الموت يتنغص عليه كل لذة في الدنيا مما يؤدي إلى تحرره من كل قيد من قيود الدنيا؛ لينطلق نحو الآخرة دون قيود، لهذا أوصانا النبي- صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من تذكر الموت فقال: «أكثروا ذكر هادم اللذات، الموت» ([6]).

الفخر والميزان:

وعند الميزان توزن الأعمال ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (القارعة:6-9)، فالميزان إنما يثقل بالأعمال الصالحة، ويخف بالأعمال الفاسدة. 

فالفخر الحقيقي ليس بكثرة المال والأولاد والعشيرة، والمنصب والسلاح والدواب والعقار، إنما الفخر الحقيقي هو يوم القيامة بعد خروج نتائج الميزان، حيث يطير فرحًا من خرجت نتيجة أعماله بالإيجاب؛ فيجري بين الناس متهلل الوجه وهو يقول: ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ  إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ (الحاقة:19-20)، بينما الآخر الذي خفت موازينه واسود وجهه من الندم والحسرة والحرج والفضيحة فيقول: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ  وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ  يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ  مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ  هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾(الحاقة:25-29)، فهو يدرك الآن أن الفخر في الدنيا بالمال والسلطان إنما كان فخرًا مزيفًا لا يسمن ولا يغني من جوع؛ فعندما تدعونا أنفسنا للفخر بهذه المظاهر الدنيوية فلنتذكر الفخر عند الميزان يوم القيامة.

الراحة والصراط:

فمن تذكر ما بعد الصراط من النعيم الخالد أو العذاب الخالد، ما ترك لحظة دون اغتنام، ولترك الكسل والنوم، وعلى مقدار النشاط والهمة والتعب للآخرة يكون نوع الجواز على الصراط يوم القيامة، أو السقوط منه، فمن آثر الراحة في الدنيا والكسل على التعب في سبيل الله، فلا يتوقع الراحة في الآخرة، ولا يضمن جواز الصراط يوم القيامة.

الشهوة والجنة:

والشهوة هي الرغبة، وتكون في كل شيء، في النساء والمال والطعام والمنصب، والدواب، والقصور والشهرة.. وغيرها من أمور الدنيا، وإن كان الغالب في استعمالها في شهوة النساء.

وعندما تثور الشهوة عند المؤمن يتذكر ما في الجنة من النعيم الخالد، من الحوريات المقصورات في الخيام، واللاتي إن وقع خمار إحداهن على الأرض عطر الدنيا، ويتذكر أنهارها المنوعة من العسل واللبن والماء والخمر، تطّرد تحت قصور أهل الجنة، ويتذكر المنزلة الرفيعة في قصور الجنة، والملائكة يدخلون من أبواب الجنة، يرحبون بأهلها، ويسلمون عليهم، ويتذكر، ويتذكر، ويتذكر حتى تتضاءل أمامه جميع لذائذ الدنيا وشهواتها، ففي الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

من أقوال أعلام الدعوة: معنى الجاهلية في القرآن الكريم:

يقول الأستاذ محمد قطب: «جاءت في معنى من معنيين يشكلان معا حقيقة الجاهلية، وهما: الجهل بحقيقة الألوهية، والجهل بما ينبغي تجاه الله- سبحانه وتعالى- في خالص الطاعة والعبودية، أو بعبارة أخرى مخالفة منهج الله، والحكم بغير ما أنزل الله. 

فمن أمثلة الجهل بحقيقة الألوهية ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (الأعراف: 138).

ومن أمثلة الجهل الثاني: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (يوسف: 33)، ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (المائدة: 50). 

من هنا يتبين أن مظاهر الجاهلية([7]) ليست هي في ذاتها محور الثقل.. وإن كان لها وزنها واعتبارها في عملية التحول من الجاهلية إلى الإسلام، وإنما محور الثقل هو جوهر الجاهلية الذي هو الشرك بشعبتيه: شرك الاعتقاد وشرك الاتباع، أحدهما أو كلاهما سواء «منهج التربية الإسلامية ج ٢/٢٠».

أقوال تربوية:

  • النفس اللوامة:

يقول الإمام ابن القيم في النفس اللوامة: «اللوامة نوعان: لوامة ملومة، وهي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله وملائكته.

ولوامة غير ملومة، وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله مع بذله جهده، فهذه غير ملومة.

  • أسباب دخول النار

يقول ابن القيم: «دخل الناس النار من ثلاثة أبواب: باب شبهة أورثت شكًّا في دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته، وباب غضب أورث العدوان على خلقه.

  • المعاصي في نظر الصحابة

عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: «إنكم لتعملون أعمالًا هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الموبقات».

  • لمن يكون الاعتذار

 يقول ابن المقفع: «لا تعتذرن إلا إلى من يحب أن يجد لك عذرًا، ولا تستعن إلا بمن يحب أن يظفرك بحاجتك».

[1] التواضع والخمول لابن أبي الدنيا ص118.

[2] الاستعداد ليوم المعاد ص 49.

[3] عجائب الرؤى والأحلام ص7.

[4]  البخاري 11/98 – الدعوات.

[5]  البخاري 11/98 – الدعوات.

[6]  رواه الترمذي (2308) وصححه الألباني (ص.ج.ص 1210).

[7] ويعني وأد البنات، وشرب الخمر، وعبادة الأصنام، ولعب الميسر، وعادات السلب والنهب.... إلخ.

الرابط المختصر :