العنوان المجتمع التربوي (1549)
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر السبت 03-مايو-2003
مشاهدات 8
نشر في العدد 1549
نشر في الصفحة 52
السبت 03-مايو-2003
أجندة دعوية للتعامل مع واقع الأمة
مطلوب عمل متوازن لا يهرب من الواقع ولا ينشغل به في الوقت ذاته عن المستقبل
إعداد: عبد الحميد البلالي
تمر الأمة هذه الأيام بواحدة من أخطر التحديات، إذ باتت مستهدفة في دينها وعقيدتها، كما في أوطانها وثرواتها ومقدراتها. ولم نعد في حاجة إلى إعادة القول في أسباب نكباتنا واجترارها، إنما الفعل المطلوب اليوم وليس غدًا هو وضع أجندات على كافة المستويات والأصعدة السياسية، والثقافية والتربوية والاقتصادية والعسكرية والدعوية والإعلامية الفردية منها، والجماعية الحكومية والمجتمعية.
السيد الشامي
الأمة بأسرها مستنفرة أو يجب أن تستنفر لأداء أدوارها، كل في موقعه ووظيفته التحدي استراتيجي والمواجهة يجب أن تكون استراتيجية والأدوار يجب أن تكون استراتيجية، والمواقف يجب أن تكون استراتيجية، والأفعال يجب أن تكون كذلك استراتيجية لسنا في وضعية تسمح لنا بترف الحديث عن تحميل هذا الطرف أو ذاك مسؤولية ما تمر به الأمة، فالكل مسؤول الفرد كما الجماعة والحكومة كما المجتمع، والقائد كما الجندي، ومن ثم فلابد من التواصي بالقيام بأدوارنا وحراسة ثغورنا. وقبل التواصي بالقيام بأدوارنا لابد من تحديد هذه الأدوار بطريقة تستوعب كل الطاقات والإمكانات والكوادر، حتى لا تبقى هناك طاقات معطلة أو إمكانات مهدرة أو كوادر مشلولة غير فاعلة.
وهي ليست مجرد أدوار روتينية يؤديها الفرد إبراء للذمة وإراحة للضمير، وإنما هي واجبات إسلامية وفروض شرعية ندين بها لله سبحانه وتعالى، وهذا مهم جدًا في التأصيل للأدوار المختلفة التي يجب أن تقوم بها الأمة، لأننا أمة واجبات قبل أن تكون أمة حقوق، أمة يقول الفرد فيها: ماذا علي وما واجبي؟ ولا يقول: ماذا لي وما حقوقي فالحقوق تضيع بإضاعة الواجبات واليد العليا خير من اليد السفلى اليد العليا هي التي تبدأ بالسلام، فهي يد إيجابية مبادرة، وهي التي تعطي لا التي تأخذ، فهي يد معطاءة لامتها، وهذه الأدوار أمانات بات مطلوبًا من الأمة أن تؤديها ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا ﴾ (النساء:٥٨)، وتسعد الجماعة إذا أدى كل فرد واجبه والتزاماته
وفي المجال الدعوي فلابد من وجود أجندة دعوية وخطة عمل توكل إلى الدعاة والخطباء والكتاب وقادة الرأي والإعلاميين وكل من له صلة بأدوات التأثير والتوجيه والإرشاد والعمل فبدون هذه الأجندة أو الخطة يكون العمل الدعوي ضعيف التأثير قليل الجدوى، بعيدًا عن الواقع الذي يجب أن يواجهه، وكما يقولون لكل مقام مقال، ولكل حادثة حديث والمقام الذي نحن بصدده والحادثة التي تعيشها الأمة تقتضي مقالاً وحديثا يوافق مقتضى الحال
الدعاة معنيون بإبداع أجندة دعوية تواجه الواقع الذي تحياه الأمة، وذلك يستدعي عملية استقراء ورصد أمين للواقع وما يتطلبه من رسائل دعوية وخطاب يناسب الواقع عملية رصد الواقع وقراته قراءة جيدة مهمة من أولى مهمات الدعاة، ويعتبر البند الأول في الأجندة الدعوية، لكن هذه القراءة لا يجب أن تستغرق كل وقت الداعية، إذ إن الواقع لم يعد خافيا على العوام، ناهيك عن الدعاة، وتظل مهمتهم الأساسية تغيير هذا الواقع إلى الأحسن و ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ ﴾(الرعد: ۱۱)، وهذا التغيير وفقا لهذه السنة القرآنية والربانية يقتضى أمورًا ثلاثة:
الأول: معرفة الواقع السيئ الذي يجب تغييره كما أشارت إليه الآية ﴿لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ﴾، والقوم ترمز إلى الفرد وتنتهي بالأمة في مجموعها.
الثاني: تغيير هذا الواقع، وذلك يقتضي أن تكون عملية التغيير جماعية، بمعنى أن تكون مسؤولية الأمة كلها، كما يجب أن تتم عبر مؤسسات دعوية، وهذا لا يلغي الأدوار الفردية في عملية التغيير في بعديها الداخلي والخارجي، أو إصلاح النفس ودعوة الغير
الثالث: من يقومون بقيادة عملية التغيير، سواء كانوا دعاة أو مرشدين ومربين، ويقدر وضوح الرؤية لدى هؤلاء تبلغ عملية التغيير مستواها المطلوب وثمارها المرجوة، ولابد أن يتوافر لهؤلاء البصيرة بما يدعون إليه، وإلا اختلطت عليهم الأمور، وأصبح الضرر ربما يفوق النفع المرجو الأجندة الدعوية التي نحن بصدد التفكير فيها ومحاولة وضع بنود أساسية لها ليست مهمة سهلة أو عملية بسيطة وإنما تحتاج إلى توافر عدد من الدعاة على هذه الأجندة وتبادل الرأي حول أهم بنودها وأولوياتها. وكيفية تنفيذها ومداها الزمني والمعنيين بها وبتنفيذها وأهدافها ووسائلها. هذه الأجندة يجب أن تكون استراتيجية، وكونها استراتيجية لا يعني ترحيل مواجهة المشكلات الحالية والواقعية، كما أن مواجه مشكلات الواقع لا تعني إهمال النظرة الاستراتيجية والمستقبلية، ومن ثم فالمطلوب عمل متوازن لا يهرب من الواقع إلى المستقبل، ولا ينشغل بالواقع عن المستقبل فمشكلات الواقع يجب ألا تتكرر في المستقبل، كما أن التفكير في المستقبل لا يجب أن يشغلنا عن مشكلات الواقع الذي تحياه الأمة.
ونحن إذ نبدأ في وضع هذه الأجندة فإن الدعاة مدعوون للإضافة إليها أو الإلغاء منها حسب رؤاهم لواقع الأمة، وما تحويه هذه الأجندة مجرد اجتهادات أولية أو محاولات للمساهمة في صياغة هذه الأجندة:
1- التأكيد على الفروض الإسلامية الغائبة وإبرازها مثل الجهاد - الوحدة - إعداد القوة
2 - تجارب النهوض في العالم الإسلامي وتجاوز المحن مثل تجربة العز بن عبد السلام، تجربة صلاح الدين في توحيد الأمة.
3- بعث روح المقاومة والحماسة في الأمة بما يتطلبه ذلك من
-تحريم التعاون مع الأجنبي واعتبار ذلك خيانة لله والرسول
- دراسة حركات المقاومة قديمًا وحديثًا.
- استلهام التجارب الجهادية وإبداع وسائل جهادية تناسب العصر.
- تحريم التجسس لصالح الأعداء وخيانة الأوطان
- إبراز البطولات التاريخية ومعارك التحرير وجعلها منطلقا لبث روح المقاومة.
4- التأصيل الشرعي لمفاهيم المقاطعة، الولاء والبراء الدعم المالي الحرية التحرير الغزو، الجهاد
5- التركيز على مفاهيم الأمة الجماعة حب الأوطان العزة الشهامة النجدة الكرامة الحفاظ على ممتلكات ومقدرات الأمة.
6- استحداث مجالات عمل اجتماعية جديدة في ميدان الدعوة، وخصوصًا في مجالات العمل الإغاثي والإنساني.
7- حشد طاقات الأمة وتوجيهها التوجيه الصحيح مثل:
- العمل الفني «مسرح - فيلم - شريط»
- العمل الأدبي «القصة المسرحية الشعر الزجل النشيد».
وهنا يجب التركيز على أدبيات الحماسة والجهاد والمقاومة والفروسية
- رجال الأعمال والمال، وضرورة توجيه أعمالهم لإعمار العالم الإسلامي في عمل تنموي نافع.
8- تبني مشروع دعوي يتضمن هذه النقاط التسع:
- التوحد في مواجهة الشرك والتعدد.
- الوحدة في مواجهة التجزؤ
- التشريع في مواجهة العرف
- المؤسسة في مواجهة التقاليد.
- الأمة في مواجهة العشيرة
- الإصلاح والإعمار في مواجهة التخريب والفساد.
- المنهج في مواجهة الفوضى والخرافة والظنون والأهواء
- المعرفة في مواجهة الجهل والأمية.
-التوازن والتناغم بين الثنائيات في مواجهة التناقض والنفي والاصطراع.
دور التربية القرآنية والنبوية في الأحداث الجارية
توفيق علي
towfeeka@yahoo.com
كانت التربية النبوية تتماشى مع التوجيهات القرآنية، وتوجه القلوب والأنظار إلى الجنة، وإلى الصبر على الدور الذي اختاره الله لها حتى يأذن الله بما يشاء.
كان النبي يرى عمارًا وأمه وأباه - رضي الله عنهم - يعذبون العذاب الشديد في مكة، فما يزيد على أن يقول: «صبراً آل ياسر موعدكم الجنة».
وعن خباب بن الأرت قال: «شكونا إلى رسول الله ﷺ وهو متوسد برده في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يبعده ذلك عن دينه. والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون» (أخرجه البخاري).
- حقيقة لابد أن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله في كل أرض وكل جيل: «أن المعركة بين المؤمنين وخصومهم معركة عقيدة وليست شيئًا آخر على الإطلاق، وأن خصومهم لا ينقمون منهم إلا الإيمان ولا يسخطون منهم إلا العقيدة... وقد يحاول أعداء الله أن يرفعوا للمعركة راية غير راية العقيدة كي يموهوا على المؤمنين حقيقة المعركة، ويطفئوا شعلة العقيدة. فمن واجب المؤمنين ألا يخدعوا، من واجبهم أن يدركوا أن هذا تمويه لغرض مبيت ﴿وَمَا نَقَمُوا۟ مِنۡهُمۡ إِلَّاۤ أَن یُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَمِیدِ﴾ (البروج:8). حقيقة أخرى من سورة البروج أن الله سبحانه وتعالى يقدم لنا النموذج الذي لا ينجو فيه المؤمنون ولا يؤخذ فيه الكافرون ذلك ليستقر في حس المؤمنين - أصحاب دعوة الله - أنهم قد يدعون إلى نهاية كهذه النهاية في طريقهم إلى الله، وأن ليس لهم من الأمر شيء، إنما أمرهم وأمر العقيدة إلى الله.
عليهم إلا أن يؤدوا واجبهم، ثم يذهبوا رواجبهم أن يختاروا الله، وأن يؤثروا العقيدة على الحياة، وأن يستعلوا بالإيمان على الفتنة وأن يصدقوا الله في العمل والنية، ثم يفعل الله بهم وبأعدائهم، كما يفعل بدعوته ودينه ما يشاء. إنهم أجراء عند الله أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا عملوا وقبضوا الأجر المعلوم وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير فذلك شأن صاحب الأمر لا شأن الأجير ... فهم أداة لقدره وستار لقدرته، يفعل بهم ما يشاء.
ولكن إذا فعلوا ذلك لهم ما يلي:
طمأنينة القلب ﴿ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَتَطۡمَىِٕنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَىِٕنُّ ٱلۡقُلُوبُ ﴾(الرعد:28).
الرضوان والود من الرحمن: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَیَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وُدࣰّا﴾(مريم:96).
الذكر في الملأ الأعلى:
قال ﷺ «يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني. فإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملا ذكرته في ملأ خير منه، فإن اقترب إلي شبراً اقتربت إليه ذراعاً، وإن اقترب إلى ذراعاً اقتربت منه باعاً، وإن أتاني مشياً أتيته هرولة» (رواه الشيخان).
اشتغال الملأ الأعلى بأمر المؤمنين في الأرض ﴿ٱلَّذِینَ یَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُۥ یُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَیُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَیَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۖ رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَیۡءࣲ رَّحۡمَةࣰ وَعِلۡمࣰا فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِینَ تَابُوا۟ وَٱتَّبَعُوا۟ سَبِیلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِیمِ ﴾(غافر:7)
الحياة عند الله للشهداء ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ قُتِلُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَ ٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡیَاۤءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ یُرۡزَقُونَ فَرِحِینَ بِمَاۤ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَیَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِینَ لَمۡ یَلۡحَقُوا۟ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ ۞ یَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةࣲ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلࣲ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا یُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ (آل عمران:169-170-171).
فهنيئًا لهم.... اللهم احشرنا في زمرتهم. آمين
هذا درب النصر.. فأين السالكون؟
تخلى المسلمون عن مبادئ دينهم فنزلت بهم البلايا وأحاطت بهم الفتن
لقد هان المسلمون في هذا الزمان، فأصبح النساء والأطفال والشيوخ يقتلون ويذبحون وكأنهم ليسوا من جنس البشر.
لم يحدث هذا للمسلمين دون سائر البشر؟ والجواب يعرفه المسلمون أنفسهم قبل أن يعرفه العالم، وهو أنهم أعطوا الدنية في دينهم واستسلموا للواقع المخزي والسبب أننا أصبحنا لا نفكر إلا في الدنيا نحبها ونشتهيها ونسينا الآخرة، وأصبحنا لا نصبر على الشدائد والمجاهدة في سبيل الحق. يقول الإمام الشهيد حسن البنا: «إن الأمة التي تحسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم في الآخرة، وما الوهن الذي أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت، فاعدوا أنفسكم العمل عظيم واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة».
حسن الطوخي
لقد تخلى المسلمون عن المبادئ التي جاء بها الإسلام، ومن أهمها كما جاء في كتاب صلاح الأمة في علو الهمة للدكتور السيد حسين ما يلي:
1 - الوهن حب الدنيا وكراهية الموت قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَا لَكُمۡ إِذَا قِیلَ لَكُمُ ٱنفِرُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِیتُم بِٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا مِنَ ٱلۡـَٔاخِرَةِۚ فَمَا مَتَـٰعُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِلَّا قَلِیلٌ﴾ (التوبة:38)، فثقلة الأرض ومطامع الأرض وتصورات الأرض ثقلة الخوف على الحياة والخوف على المال والخوف على اللذائذ والمصالح والمتاع. ثقلة الدعة والراحة والاستقرار.. ثقلة اللحم والدم والتراب تشد إلى أسفل، وجاذبية الأرض تقاوم رفرفة الأرواح وانطلاق الأشواق.
وإنما خلقت الدنيا لتجوزها لا لتحوزها ولتعبرها لا لتعمرها، فاقتل هواك المايل إليها واقبل نصحي ولا تعول عليها.
احذروا الدنيا فإنها أسحر من هاروت وماروت ذانك يفرقان بين المرء وزوجه وهذه تفرق بين العبد وربه، وكيف لا وهي التي سحرت سحرة بابل إن أقبلت شغلت وإن أدبرت قتلت.
2. كثرة التمتع بالمباح والترف الزائد
كل هذه الأمور من العوامل الفتاكة القاضية على الهمة، قال ابن القيم رحمه الله: «قال لي يومًا شيخ الإسلام في شيء عن المباح هذا ينافي المراتب العالية، وإن لم يكن تركه شرطاً في النجاة، فالعارف يترك كثيرًا من المباح برزخًا بين الحلال والحرام. هذا والذي لام عليه ابن تيمية تلميذه شيء من المباح فما بالكم بما نراه اليوم
من تمتع الناس بمباحات ونعيم لا يعرفه الملوك السابقون؟
3- العجز والكسل
فيكون صاحبه من أصحاب الأمانة المتأوهين، يكون عالمًا بها ولا تنهض همته إليه فلا يزال في حضيض طبعه محبوسًا، وقلبه علي كماله الذي خلق له مصدودًا منكوسًا، قد أساء نفسه مع الأنعام راعيًا مع الهمل، واستطاب لقيمات الراحة والبطالة، واستلان فراش العجز والكسل، وهما العائقان اللذان أكثر رسول الله ﷺمن التعوذ بالله سبحانه منهما، وقد يعج العاجز لعدم قدرته، بخلاف الكسول الذي يتثاق ويتراخي عما ينبغي، مع القدرة، قال تعالى ﴿ وَلَوۡ أَرَادُوا۟ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّوا۟ لَهُۥ عُدَّةࣰ وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِیلَ ٱقۡعُدُوا۟ مَعَ ٱلۡقَـٰعِدِینَ﴾ (التوبة:46).
4 - الغفلة
آه لنفس رفلت من الغفلة في أثوابها، فثوي بها الأمر إلى عدم ثوابها. يا غافلًا عن مصيره يا واقعًا في تقصيره: سبقك أهل العزائم وأنت في اليقظة نائم؟!
قال عمر رضي الله عنه «الراحة للرجال غفلة»، وسأل سائل ابن الجوزي أيجوز أن أفسح لنفسي في مباح الملاهي فقال له: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها.
وقال الشيخ حسن البنا رحمه الله: «دقائق الليالي غالية فلا ترخصوها بالغفلة». وقال ابن القيم: «لابد من سنة الغفلة ورقاد الغفلة، ولكن كن خفيف النوم».
5 - الفتور
ما أشده من داء تعوذ منه رسولنا ﷺ صباحًا ومساًء، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺكان يتعوذ ويقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والهرم والمأثم والمغرم»، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺقال: «وإن لكل شيء فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك».
فالعاقل إن كانت له فترة فلتكن استراحة مقاتل يعود بعدها إلى العطاء والجهاد، قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: «إن لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل وإن أدبرت فالزموها بالفرائض»
6- اتباع الهوى
قال تعالى: ﴿أَفَرَءَیۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمࣲ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَـٰوَةࣰ فَمَن یَهۡدِیهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (الجاثية:23). أفرأيت من اتخذ إلهه هواه إنه كائن عجيب ستحق الفرجة والتعجب، وهو يستحق من الله أن يضله فلا يتداركه برحمة الهدى، فما أبقى في قلبه مكاناً للهدى وهو يتعبد هواه المريض.
قال الحسن «المنافق يعبد هواه لا يهوى شيئًا إلا ركبه»، ومن تذكر وصحا وتنبه وتخلص من ربقة الهوى فلن يضل قال رسول الله ﷺ :« ثلاث منجيات خشية الله في السر والعلانية العدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر الغنى وثلاث مهلكات هوى متبع وشح مطاع إعجاب المرء بنفسه» وعن سيدنا عيسى عليه سلام لما سئل كيف ندرك جماع الصبر؟ قال: جعلوا عزمكم في الأمور كلها بين يدي هواكم ثم تخذوا كتاب الله إمامًا لكم في دينكم.
من أين نبدأ؟
إن لله عز وجل قوانين لا تتبدل ولا تتغير فهي ثابتة يسميها القرآن بالسنن والبشر يخضعون لهذه القوانين في تصرفاتهم وأفعالهم.
للقلوب إقبال وإدبار.. فإن - أقبلت فخذوها بالنوافل وإن أدبرت فألزموها بالفرائض
الدنيا أشد سحراً من هاروت وماروت.. هذان يفرقان بين المرء وزوجه - وتلك تفرق بين العبد وربه
سلوكهم في الحياة، وما يكونون عليه من أحوال ما يترتب عليه من نتائج كالرفاهية أو الضيق في عيش والسعادة والشقاء والعز والذل والرقي التأخر والقوة والضعف، وما يصيبهم في الدنيا الآخرة من عذاب أو نعيم «من كتاب السنن إلهية في الأمم والجماعات للدكتور عبد الكريم».
تقوى الله عز وجل هي البداية
قال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ یَجۡعَل لَّكُمۡ فُرۡقَانࣰا وَیُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَیِّـَٔاتِكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ﴾ (الأنفال:29).
وفي تفسير الزمخشري: أي: إن تتقوا ي كل ما يجب أن يتقى بمقتضى دينه وشرعه بمقتضى سننه في نظام خلقه يجعل لكم مقتضى هذه التقوى ويسببها، ملكة من العلم. هداية ونورًا في قلوبكم تفرقون به بين الحق الباطل، وبصرًا يفرق بين المحق والمبطل بإعزاز - المؤمنين وإذلال الكافرين، ومخرجاً من الشبهات ونجاة من الشدائد في الدنيا ومن العذاب في الآخرة.
عون الله للمتقين
قال تعالى: ﴿بَلَىٰۤ إِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ وَیَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَـٰذَا یُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَـٰفࣲ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ مُسَوِّمِینَ ﴾(آل عمران:125)
أي إن تصبروا على لقاء العدو وتتقوا معصية الله يمددكم ربكم بما ذكره في الآية بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) .
بالإيمان والتقوى يتحقق الرخاء
قال تعالى: ﴿ وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَـٰتࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ ﴾(الأعراف:96).
أي لو أن أهل القرى أمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر واتقوا ما نهى الله عنه وحرمه، فتحنا عليهم بركات السماء والأرض أي بالمطر والنبات، ولكن كذبوا فأخذهم الله بالجدوية والقحط بما كانوا يكسبون من الكفر والمعصية.
للمؤمن المتقي أجره في الدنيا والآخرة
قال تعالى: ﴿ وَلَا نُضِیعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ.وَلَأَجۡرُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَكَانُوا۟ یَتَّقُونَ﴾ (يوسف:56-57).
أي أن الله تعالى يأجر المحسنين الذين جمعوا بين الإيمان والتقوى، يأجرهم في الدنيا والآخرة، ولأجر الآخرة خير لهم لأنه دائم وأجر الدنيا منقطع. قال سفيان بن عيينة المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة، والكافر يعجل له الخير في الدنيا، وما له في الآخرة من خلاق
نصر الله للمؤمنين
قال تعالى:﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَیَوۡمَ یَقُومُ ٱلۡأَشۡهَـٰدُ﴾ (غافر:51).
أي ننصرهم في الدنيا والآخرة بأن يغلبوا أعداءهم في الدنيا بالقتال وبالحجة، وإن غلبوا في بعض الأحيان امتحانًا لهم من الله تعالى ولكن العاقبة دائمًا لهم.
المؤمنون هم الأعلون
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ ﴾(آل عمران:139).
أي لا تضعفوا ولا تجبنوا يا أصحاب محمد له عن جهاد أعدائكم، لما أصابكم ولا تحزنوا على ما أصابكم من الهزيمة والمصيبة في معركة أحد، وأنتم الأعلون أي فلكم النصر في العاقبة وإن كنتم مؤمنين، فإن الإيمان يوجب قوة في القلب، ومزيدًا من الثقة بالله تعالى وعدم المبالاة بأعدائه.
الثقة سر الطمأنينة
محمد معجوز
maagouz@maktoob.com
العاملون في ميدان الدعوة الذين يثقون في نصر الله سبحانه وتعالى يجب الا يستعجلوا قطف الثمار، ولا يسرفوا في الأماني، وإنما عليهم أن يعيشوا قدر الله حلوه ومره. وإن المعوقات التي توضع في طريقهم قد يظن الكثيرون أنها كل شيء، وأن الأمر أصبح مستعصيًا، ولكن عندما نتأملها ندرك أنها ظواهر عابرة غير مستأصلة، قد يواجهنا بهذا العدو ويحاول أن يجليها واضحة أمام أعيننا لتكبر صورتها وننشغل بها، فتضيع أهدافنا الأساسية المنوطة بنا، والتي استخلفنا الله في الأرض من أجلها.
وإن ما يعيشه البعض تجاه الأجيال المسلمة الناشئة الصورة طبق الأصل من مخططات اليهود وتنكيلهم بالمسلمين في شتى بقاع الأرض، تحقيقًا لبروتوكولات صهيون التي تستهدف تجفيف منابع الخير في الأمة الإسلامية من المهد إلى اللحد، وتعمل على إقصاء الشباب المسلم عن محراب الربانية و ميدان العمل والتهميش الذي يلاحق الدعاة إلى الله ليس مقصودًا لذاته، وإنما لتعيش الأمة في ظلم حقيقي، وإن استثارة صور ومشاهد الحيرة والقلق والإحباط قد تؤدي إلى الاضطراب النفسي والاجتماعي، وقد تتسبب في انهيار خطير يؤدي إلى انحسار الأمل
وضيق الأفق، وقد يكون سببًا رئيسًا في أن يصرف الشباب عن طريق الحق ولا شك أن هذا من جملة الأهداف المقصودة والغاية المحددة التي يسعون إليها من خلال وضع الأشواك والمعوقات والضغوط المستمرة التي ترصد يومياً في طريق الدعوة وهي الأهداف التي يجب أن نتحرر منها. ونتخلص من كل براثنها، فالمسلم عبد الله لا الغيره ﴿قُلۡ إِنَّ صَلَاتِی وَنُسُكِی وَمَحۡیَایَ وَمَمَاتِی لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ لَا شَرِیكَ لَهُۥۖ وَبِذَ ٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ﴾ (الأنفال:162-163)
إن الثقة في الله هي أولى خطوات التحرر من الذل والهوان، وهي حبل الله المتين والجدار المنيع الذي تتحطم عليه أهداف ومقاصد أهل الباطل.
وإذا أصبحنا على مستوى الثقة المطلوب بالله سبحانه وتعالى عملاً وقولاً اطمأنت قلوبنا وهدأت نفوسنا، وطابت أيامنا، ولن نكون فريسة لأعدائنا، ولا لغيرنا، وستصمد أمام أخطر التحديات مهما كلفتنا ولن تموت فينا نخوة المعتصم ولا بطولة صلاح الدين، وعندها لا يعرف القلق أو التردد طريقًا لامتنا .
فنون خطابية.. ومهارات إلقائية
الخطبة المؤثرة.. من أين تبدأ؟
اليونانيون اكتشفوا علم الخطابة والعرب أبدعوا فيها
جميع المتكلمين العظماء كانوا متحدثين سيئين في البداية
ماجد محمد بن جعفر الغامدي
من وحي مقال الخطابة.. دعوة وفن وذوق وسلوك، للدكتور أمير الحفناوي المنشور في المجتمع العدد (١٥٣٢) عكفت أسبوعًا على قراءة كل ما يتصل بهذا الموضوع، وانتهيت إلى الكتابة فيه برغبة مني كانت ملحة طوال الفترة الماضية، ثم بنصح بعض الإخوة ومعونتهم لي أسأل الله أن ينفعني بها وأن يعم نفعها جميع الدعاة والمصلحين والمسلمين.
بادئ ذي بدء أقول إن الخطابة قديمة بقدم الإنسان، وأما علم الخطابة فإن الباحثين يرجعون تدوينه إلى اليونان فيقولون: إن أول من دون علم الخطابة وجعل له أصولًا وقواعد اليونانيون، وذاك لأن أهل أثينا في عصر بيركليس، قويت فيهم الرغبة إلى القول واشتدت فيهم دواعيه، فأغرم الناس بالفصاحة وحب الكلمة وحسن الإلقاء حتى كان الخطيب منهم يتولى أعلى المناصب، ويصبح في أرقى مكانة وأعلى منزلة، فلا يكون قائدًا إلا الخطيب.. ولا نبيلًا إلا إذا كان خطيبًا.
وجاء بعد هذا العصر أرسطو. فجمع قواعد علم الخطابة، وضم شوارده وأودع ذلك في كتاب سماه «الخطابة»، فاتخذه الناس أصلًا لهذا العلم ومرجعًا يرجعون إليه، ولكن الحقيقة أن هؤلاء تعرفوا الخطابة من باب التنظير، أما الذين أجادوا وأبدعوا فيها فهم العرب وخاصة قريش.
وللخطابة دور كبير في صقل موهبة الرجل ونماء مهاراته الأخرى. هذا ما يشعر به الخطيب، وأيضًا ما يراه الآخرون فيه، ولذلك يقول الخطيب المشهور «ز.ونج زجلر» «سواء رضينا أم أبينا، فإن الذين يحسنون الحديث أمام الناس يعتبرهم الآخرون أكثر ذكاء.. وإن لديهم مهارات قيادية متميزة عن غيرهم...»
سحر وبيان: الخطابة ليست مهارة عادية بل منها السحر والبيان، وكما في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ، قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله ﷺ: «إن من البيان لسحراً» هذا الحديث يجعل الداعية يتحمس لتعلم هذا الفن والاستفادة منه في تنمية المهارات، وعندما يسمع أيضًا هذه المقولة يتوسع في هذا الفن حيث يقول دوسکو درو موند لو قدر لي أن أفقد كل مواهبي وملكاتي وكان لي حق الاختيار في أن احتفظ بواحدة فقط فلن أتردد في أن تكون هذه هي القدرة على التحدث، لأنني من خلالها أستطيع أن أستعيد البقية بسرعة».
وفي لندن يزدحم الناس حول الخطباء في الركن المخصص لذلك في حديقة هايد بارك، فإذا وقف قسيس ليخطب لا يظفر إلا بعدد قليل جدًا من المستمعين ويرجع ذلك إلى أن خطبهم لا تعدو أن تكون أحاديث عن حياة المسيح مأخوذة عن الأناجيل أو تكون من مطالعات في العهد القديم، أو بعض التعاويذ والترانيم إلى غير ذلك مما هو معروف للناس، وسمع مرارًا وتكرارًا وأصبح لا يهز المشاعر
ولا يلمس الوجدان ومقارنة بالمثال السابق، فإن الخطابة في الإسلام لها مبادئ وأصول قامت عليها، وعلى سبيل المثال خطبة الجمعة وما تتمتع به من مميزات، فجميع المسلمين يحضرونها ويجلسون لاستماعها وبها يكون التوجيه فهي ليست مأخوذة من أناجيل مكذوبة أو ترانيم خادعة، بل هي قانون حياة ومنهج عمل، مدعمة بخير كلام ليس فيه تحريف وليس من كلام الناس بل من كلام رب الناس ومن أحسن من الله قبلاً».
تعلم الخطابة: قد يقول قائل: الخطابة صعبة والإلقاء أصعب وأنا ضعيف في هذه الأمور، فكيف لي أن أجيد فن الإلقاء؟
أقول: بكل سهولة تستطيع أن تتعلم الإلقاء.. ولا يعني عزوفك أصلًا عن إلقاء المواضيع أنك لن تستطيع إجادتها، أو أن إخفاقك في موقف سابق يجعلك تصد عن ذلك، بل انظر بإيجابية واعلم أنك قد استفدت من موقفك السابق وتعلمت تجارب وخبرات تجعلك تتقن هذا الفن، يقول إيمرسون إن جميع المتكلمين العظماء كانوا متكلمين سيئين في البداية. واعلم أن القدرات يصنعها الإنسان، والمهارة يكتسبها ويتعلمها، وقد قال النبي الله وإنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم، فالإلقاء والخطابة أمر يمكن للإنسان أن يتعلمه إذا اتبع قواعده وسار على نهجه وجلد على مراسه فهذا واصل بن عطاء - أحد أئمة المعتزلة - كان لديه لثغة في حرف الراء، فحاول أن يستقيم لسانه فلم يستطع، ورغم ذلك لم يترك الخطابة بسبب هذه اللثغة، بل كان يخطب من غير أن يستخدم حرف الراء، فأصبح من أوائل الخطباء وأشهرهم
هذا عن التعلم، فماذا عن التميز؟ يمكن القول إن التميز يتطلب جهدًا خاصًا، لكنه ممكن على كل حال وعلى الخطيب قبل أن يبدأ خطبته أن يمهد لها بالخطوات الآتية:
الإخلاص: صحيح أن العمل الجاد يحتاج إلى التعب والجهد ولكنه يحتاج قبل كل ذلك إلى الإخلاص لله تعالى، والمثل الرائع يقول: قل لمن لا يخلص لا يتعب فما فائدة العمل إن أريد به غير وجه الله تعالى ؟! لن يكون له أي تأثير، لا على المتكلم ولا حتى على المستمعين. إن لم يكن هناك إخلاص قرب عمل كبير تصغره النية.. ورب عمل صغير تكبره النية، فالخلاص في الإخلاص ومما يعين على الإخلاص كثرة الدعاء بأن يجعل الله العمل صالحًا متقبلًا خالصًا له وحده، وأن يجعل له بالغ الأثر في الآخرين.
التعرف على الجمهور: يجب على الخطيب أن يتعرف على جمهوره القيم والمبادئ التي يحملونها ، وأهمية هذا الموضوع لديهم، وما يريدون معرفته ، والمشاكل التي تواجههم فيه، لأن القاعدة تقول شكل حديثك حسب جمهورك، وكذلك يجب علي الملقي أن يعرف عدد الحضور التقريبي، فإن كان جمهورًا قليلًا «أقل من ٢٥ شخصًا» فيعلم الملقي حيئنذ أن الانتباه أكثر فتكون الأمثلة أكثر والأسئلة مناقشات تكون مباشرة مع الجمهور، والاتصال بالجميع بالنظر لهم وتقييم رد فعلهم على الموضوع.. أما إذا كان الجمهور كبيرًا فسيحدث السرحان والهمس مع الجار والتشتت في الانتباه فعند ذاك يقوم الملقي بالربط والتلخيص وتكرار النقاط المهمة ليحافظ على تركيز الجمهور، وكذلك مما يجب أن يعرفه الملقي - قبل إلقائه - الوقت المتاح له والمكان الذي سيلقي فيه، فذلك يساعده على أمور كثيرة.
الهدف في أوقات كثيرة نتحدث - للأسف عن أي هدف. فلماذا لا يكون لدينا أهداف صغيرة تخدم هدفًا مرحليًا تصب أخيرًا في هدفنا الأخير فكيف يصوغ الملقي هدفه؟ إليك هذه الطريقة العلمية المجربة التي يذكرها دكتور طارق السويدان في كتابه «فن الإلقاء الرائع» حيث يقول: «اكتب جملة من ٢٥ كلمة أو أقل، تشرح موضوع حديثك مرتبطًا بهدفك، فإذا كنت غير واضح هدفك فكيف يستطيع المستمع أن يتبين هذا الهدف فعملية تحديد الهدف تعد عملية سهلة وتجعل شيء بعدها ينساب سهلًا ويسيرًا، فابدأ بها أولاً تجد كل شيء بعدها سلسًا، فلعل هدفك الرئيس أن تعرف الجمهور على شيء جديد وتجعله يفكر ويشعر به ويتذكره دائمًا فكيف ستصل لهدفك؟ فكر في ذلك جيدًا!!.
(1من 3)
التعرف على الجمهور إحدى سمات التميز في الخطيب
قبل اختيار الموضوع.. صل ركعتين وادع الله أن يوفقك
أما الخطوات الإجرائية للخطابة الجيدة فيمكن
أن تلخصها في:
ثقافة الخطيب وذلك باطلاع جيد على علوم القرآن والسنة والعلم والمعرفة بفنه الذي يتحدث فيه. وإلا كان مناقضًا لنفسه فسيتضح ذلك للناس سريعًا، وكما قيل: كل إناء بما فيه ينضح فالخطيب المميز هو أولًا شخص مميز في ذاته، فارفع من ثقافتك وحسن من أدائك وكن جاداً في إنجازك.
موافقة القول للعمل وذلك بالصدق في حديثه وعاطفته وصدقه في علاقته مع ربه وتطبيقه لما يقول: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُوا۟ مَا لَا تَفۡعَلُونَ ﴾(الصف:2-3) وكما في الحديث المتفق عليه «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق افتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه من في النار فيقولون: مالك يا فلان الم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت أمر بالمعروف ولا أتيه وأنهى عن المنكر وأتيه».
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت سقيم
دراسة علوم اللغة فلا يحسن بالخطيب نوع منصوبًا والمنصوب مجرورًا أن يجعل المرفوع. والمجرور مرفوعًا.. هذا ما يتعلق بالنحو وكذلك إلمامه الجيد بالتراكيب اللفظية وعلوم المعاني وامتلاك مهارة لغوية تبني لديه معجمًا واسعًا من المفردات يزوده بقدرة فائقة على التعبير عن المعنى
بأروع طريقة وأبدع أداء
الثقة بالنفس عندما يكون الخطيب رابط الجأش لا شك أنه سيكون أكثر وصولًا إلى قلوب وعقول الجمهور وكذلك يبدع أكثر فيما يريد إيصاله من رسالة
الأمانة العلمية عزو المعلومات إلى المصادر والمراجع، فهذه أمانة أمام الله سبحانه تعالى.
اختيار الموضوع
أخذت الآن بكل الأسباب التي تؤهلك للخطابة المؤثرة، فكيف يمكنك اختيار الموضوع لكي تختار موضوعًا مؤثرًا عليك أن تنتبه للآتي:
1- قبل أن تبدأ في اختيار الموضوع أو كتابته.. صل ركعتين وادع الله أن يوفقك وأن يختار لك ما فيه الخير فبيده التوفيق أولًا وآخرًا.
2-أن يكون موضوعك مناسبًا للتحدث فيه وكذلك مناسبًا للحضور.
3-الإبداع والخروج عن المألوف مطلب مهم في كل موضوع يطرح
4-عندما يكون موضوعك مصحوبًا بروح التفاؤل يكون قبوله أخرى ويحفز النفوس للعمل. ومع الموضوع الجذاب عليك أن تبحث عن العنوان الجذاب، فبعد تحديدك للموضوع الذي تود التحدث فيه، يجب أن : تختار له عنوانًا، وحتى يكون العنوان جذاباً تعلم هذه الأسرار في اختيار عنوانك
اختر عنواناً تحدد من خلاله الفكرة الرئيسة للموضوع دون إبراز الفرعيات
الأسلوب الاستفهامي يجلب التشويق دائمًا مثل: كيف تكون خطيباً بارعاً ؟ كلمات
حاول ألا يزيد عدد كلمات العنوان على ثلاث كلمات
استخدم الأعداد في عنوانك مثل: خماسية النجاح، وأخبرك بسر آخر في اختيار الأعداد وهو أن الأعداد الفردية أكثر جاذبية واستثارة للسامعين
اجعل العنوان هو آخر ما تكتبه فاختياره أسهل آنذاك.
ابتعد عن العنوان الذي يكون مكروراً ومشهوراً واجعل فيه إبداعاً وحداثة.
المراجع والمصادر
فن الإلقاء الرائع. د. طارق السويدان
الخطابة وإعداد الخطيب». د. توفيق الواعي
دليلك إلى عروض قوية ومؤثرة محمد أحمد
عبد الجواد
333تقنية للتدريب والإلقاء المؤثرة . د. علي الحمادي
حتى لا تكون كلا.. د. عوض القرني
مواقف الداعية التعبيرية عبد الله ناصح علوان
مذكرة دورة في الخطابة». د. عبد الرحمن واصل
دورة الإلقاء الفعال ماجد بن جعفر الغامدي
شريط فيديو الخطابة د. طارق السويدان
مجموعة أشرطة الثقة بالنفس د. موسى المزيدي
أصول الخطابة والإنشاء.. الشيخ عطية محمد سالم
(*) مراجعة وتنقيح فيصل باشراحيل . محمد الحبشي - سلمان الذويبي
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل