; المجتمع التربوي(1346) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي(1346)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 20-أبريل-1999

مشاهدات 41

نشر في العدد 1346

نشر في الصفحة 56

الثلاثاء 20-أبريل-1999

إعداد: عبد الحميد البلالي

وقفة تربوية

السبيل إلى النجاح

يقول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر

لَسنا وَإِن أَحسابُنا كَرُمَت

مِمَّن عَلى الأَحسابِ يَتَّكِلُ

نَبني كَما كانَت أَوائِلُنا

تَبني وَنَفعَلُ مِثلَ ما فَعَلوا

هذا هو الأصل، فالناجحون في هذه الحياة ليسوا أولئك الَّذين يعيشون على أمجاد أجدادهم وأقاربهم، وأسرهم، بل هم الَّذين يصنعون الحياة، ويفعلون ما فعل الناجحون من أجدادهم وأقاربهم، بل يحاولون أن يبزوهم وأن يقدموا إنجازًا أكثر

مما أنجز هؤلاء من قبل. 

إن نجاح الآباء، وشرف الأحساب والأنساب، لا يزيد احترام الناس للكسالي والمتوانين، ولا يشفع ذلك عند الله تعالى مهما بلغ الأجداد من درجة الصلاح، حتى ولو كان النسب يصل إلى آل النبي ﷺ؛ حيث بين الرسول ﷺ؛ لآل بيته هذا الأمر جليًا عندما قال مخاطبًا إياهم: «يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف انقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رحمًا سأبلها بِبِلالِهَا». رواه مسلم

ففي هذا الحديث يوضح النبي الله ان النسب النبوي، وإن شرف، فإنه لا يكون سببًا في النجاة يوم القيامة ما لم يقدم صاحب هذا النسب عملًا ينقذه من النار...

فالعمل هو السبيل إلى النجاح..

أبو خلاد 

مواطن النصر في الهجرة

الهجرة نقلت ساحة الجهاد إلى المدينة حتى لا تتجمد مسيرة الحق أو يستشري طغيان الباطل

ثلاثة مواضع بدأت بكلمة «إذ» لتأكيد معية الله ونصره لعباده في لحظات الضعف

بقلم: محمود عبد الهادي المرسي

مع بزوغ فجر شهر المحرم من كل عام تتداعى إلى الأذهان ذكريات الهجرة والانتقال بالدعوة من مكان إلى آخر تتنفس فيه، وتستنشق منه عبير الحرية. فقد اجتمعت قريش بدار الندوة لتتشاور في أمر رسول الله ﷺ بعد أن بلغ بها العناد منتهاه.

ونال الشيطان منها كل ما يتمناه، قال تعالى: ﴿وَإِذۡ یَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِیُثۡبِتُوكَ أَوۡ یَقۡتُلُوكَ أَوۡ یُخۡرِجُوكَۚ وَیَمۡكُرُونَ وَیَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلۡمَـٰكِرِینَ﴾ (الأنفال ٣٠) فأطلع الله رسوله ﷺ على ما ائتمرت به قريش وأخبره بمكرهم.

 قال ابن إسحاق فأذن الله تعالى لنبيه عند ذلك بالهجرة إلى المدينة (۲)

فالهجرة في حقيقتها لم تكن قرارًا بل انتصارًا، إنها نقل لساحة الجهاد من مكة إلى المدينة حتى لا تتجمد مسيرة الحق ولا يستشري طغيان الباطل.

قال القائل:

ولكن بأمر الله هاجر نازحًا

لينشر دين الحق رغمًا عن العدا

فالمدينة كانت قاعدة الانطلاق للدعوة الإسلامية، ولو لم تناده المدينة لناداه بلد آخر. وقوم آخرون، ولكن الله شاء أن تستقبل المدينة النبوة، وأن تنصر الدعوة، وأن تقيم القبلة، وأن تحظى بالثناء من الله تعالى بقوله: ﴿وَیُؤۡثِرُونَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةࣱۚ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ (الحشر ٩).

ولقد نصر الله حبيبه المصطفى قليل الاتباع والمتاع، ورد الله الَّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا حتى جثا الباطل على ركبتيه في مشهد مثير للغاية معجز للنهاية، تتجلى فيه عناية الله بعياده المخلصين وأنبيائه المرسلين ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَیۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ (الروم ٤٧).

إننا نلمح في حادثة الهجرة معركة حقيقية فيها جيشان متقابلان جيش الإيمان على قلته ثاني اثنين وجيش الكفران على كثرته إذ أخرجه الَّذين كفروا ومن ينظر إلى هذه المعركة غير المتكافئة يوقن بأن الإسلام قد حلت نهايته. وغابت دعوته، وأن الكفران قد علت رايته وارتفعت كلمته ولكنهم لا يعلمون أن من فوق تدبير المشركين لله تدبيرًا. 

فوق من دبروا في الأرض كيدًا

كيد رب يدير الأفلاك

فصال الإيمان وجال وأيده الله سبحانه وتعالى بجيش الملائكة ، وأيده بجنود لم تروها وكانت الروح المعنوية في أعلى درجاتها فأنزل الله سكينته عليه، والرسول الأعظم والنبي الأكرم لا يعبأ بطواغيت الكفر وأئمة الضلال... همه كله أن يكون على مستوى الحضرة الربانية إن يكن بك غضب علي فلا أبالي»، هكذا كان قائد جيش الهجرة أعزل من كل سلاح إلا سلاح الإيمان بالله. وهكذا كان جنود الهجرة وهم يظهرون لنا صورة مشرقة للتضحية بالنفس والنفيس من أجل مبدأ سام وعقيدة خالصة، فهذا علي بن أبي طالب - أفرس العرب - يقبل أن ينام في فراش النبي وهو يعلم أنه مقتول لا محالة وكأن لسان حاله يقول:

سرْ ودعني في الفراش لأرقدا

 فإن قتلوني فيه كنت لك الغدا

 ونام عليٌّ حيث كان ابن عمه

 لكي يحسبوا فيه عليًا محمدًا

مشهد اهتزت له السموات السبع، وباهي به رب العزة ملائكته جبريل وميكائيل وأمرهما بالهبوط عنده يقف أحدهما عند رأسه والآخر عند قدميه ليحولا دون وصول المشركين إليه.

وهذا عامر بن فهيرة يأمره الصديق أن يرعى غنمه نهارًا ثم يريحها عليهما «فاحتلبا وذبحا» (۲) كما قام باستئجار ابن الأرقط وهو هاد بالطريق يدلهما عليه وكان مشركًا (۳).

وهذا عبد الله بن أبي بكر عين المسلمين على المشركين فقد أمره أبو بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما بالنهار ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر.

 وهذه أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين (٤) الصادقة بنت الصديق كانت تأتيهما من الطعام ونعود إلى المعركة لتعرف ماذا كانت العاقبة؟ إذا أمست بما يصلحهما.

ونعود إلى المعركة لنتعرف ماذا كانت العاقبة؟ لنجد أن الحق سبحانه يتولى إعلانها على الدنيا بأسرها في قرآن يتلى حتى يرث الله الأرض ومن عليها بقوله: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ثَانِیَ ٱثۡنَیۡنِ إِذۡ هُمَا فِی ٱلۡغَارِ إِذۡ یَقُولُ لِصَـٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِینَتَهُۥ عَلَیۡهِ وَأَیَّدَهُۥ بِجُنُودࣲ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِیَ ٱلۡعُلۡیَاۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ﴾ (التوبة ٤٠).

أما عن مواطن النصر في الهجرة فهي ثلاثة كلها بدأت بكلمة؛ إذ كما يلي  أولًا: ﴿إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟﴾ تنفي في الاعتبار الكثرة العددية. فلو أراد الله نصراً لأحد لنصره ولو تألبت عليه قوى البغي كلها.. فهاهم الكفار يجتمعون على باب رسول الله الله والسيوف في أيديهم مشرعة. وقَدْ حبس كل منهم أنفاسه في صدره مخافة أن يسمعه فتضيع حيلتهم وتفسد وسيلتهم وتفشل خطتهم حتى إذا خرج ضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل، ولكن عين الله الساهرة... ترعى حبيبه من تلك المكيدة الجائرة ﴿وَیَمۡكُرُونَ وَیَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلۡمَـٰكِرِینَ﴾ (الأنفال: ٣٠) فيأمره بالخروج من البلدة الظالم أهلها، فيخرج الرسول وسط هذه الجموع فلا يحسونه، ومن أمامهم فلا يبصرونه وهو ينثر على رؤوسهم التراب ويتلو قبول الحق سبحانه وتعالى ﴿وَجَعَلۡنَا مِنۢ بَیۡنِ أَیۡدِیهِمۡ سَدࣰّا وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ سَدࣰّا فَأَغۡشَیۡنَـٰهُمۡ فَهُمۡ لَا یُبۡصِرُونَ ﴾ (يس)، فأخذ الله على أبصارهم وغشيهم النعاس فناموا.. وعندما أفاقوا من غشيتهم وصحوا من سكرتهم، إذ بالطائر الحبيس أصبح منطلقًا في الكون الفسيح ليقول وهو يودع مكة ، والله إنك لأحب أرض الله إلى الله وأحب أرض الله إلى ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت أبدًا (٥). 

ثانيًا ﴿إِذۡ هُمَا فِی ٱلۡغَارِ﴾

تنفي صلاحية المكان للكر والفر والاختباء والاحتماء، فالغار كهف ضيق مظلم لا يصلح لشيء من ذلك. وهاهم الكفار قد هاجوا وماجوا وانتشرت عيونهم في كل مكان واستنطقوا كل رحلة في السهول والوديان، ورصدوا جائزة قدرها مائة ناقة لمن يأتيهم بمحمد حيًا أو ميتًا وينتهي بهم المطاف إلى الغار الَّذي يضم النبي المختار (٦). فالأثر قد أنقطع عنه.. ولكن عناية الله كانت قد سبقتهم إليه. فقد نسجت العنكبوت بيتًا على باب الغار ﴿وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُیُوتِ لَبَیۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ﴾ (العنكبوت ٤١) إليه قالوا إنه لأقدم من ميلاد محمد وباضت حمامتان ومن ينظر إلى البيض يظن أنه سوف يفرخ بعد لحظات. وهكذا صرفهم الله عن دخول الغار، اليس ذلك نصرًا من الله؟!

ثالثًا: ﴿لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ﴾ كم: تقرر أن المرء عليه أن يبذل ما في وسعه وأن يأخذ بالأسباب في جميع أموره ثم يترك بقية الأمر لصاحب الخلق والأمر وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰۤ أَمۡرِهِۦ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ (يوسف ٢١)، فالرسول r لا يكلف بأكثر مما فعل من ناحية الاستخفاء ثم يأتي دور السماء الَّتي أرسلت الملائكة تسترهم فعن أحمد عن أنس رضي الله عنه أن أبا بكر بأجنحتها.

فعن أحمد عن أنس أن أبا بكر رضي الله عنه حدثه قال: «قلت للنبي ﷺ ونحن في الغار لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما» (۷) عندئذ أنزل الله سكينته على رسوله فشملت صاحبه فذهب عنه الحزن لأن الله معهم وإذا كان الله معك فمن الَّذي عليك إنها عناية الله ترعى حبيبه ومصطفاه أليس ذلك نصرًا من الله؟! وبعد: فلتكن لنا في ذكرى الهجرة خير عظة وعبرة ولنوقن أن الإسلام سيبقى كلمة الله العليا.

فمن أبتغى الهدى في غيره أضله الله:

 فكم زالت رياض من رباها 

وكم بادت نخيل في البوادي 

ولكن نخلة الإسلام تنمو 

على مر العواصف والعوادي

 ومجدك في حمى الإسلام باق

بقاء الشمس والسبع الشداد 

قال تعالى: ﴿وَلَیَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥۤ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ﴾ (الحج ٤٠)

الهوامش

  1. تاريخ الطبري: 2/374، ٣٧٥، نهاية الأرب 16/329،330.
  2. تاريخ الطبري: 2/378.
  3. تاريخ الطبري 2/380 وقيل الأرَيْقط وكان مشركاً نهاية الأرب 16/331.
  4. الطبري 2/379 وذات النطاقين ابن هشام؛ لأنها شقت نطاقها باثنين فعلقت الطعام بواحدة والأخرى للقربة. 
  5. رواه أحمد والترمذي وصححه.
  6. غار ثور ويقع في جبل بأسفل مكة وسمي الغار الَّذي يقع فيه باسمه - سيرة ابن هشام (2/130)
  7. كما في البداية (3/181، ۱۸۲)، وأخرجه الشيخان والترمذي وابن سعد في الكنز (8/329) 

مشكلات وحلول في حفل الدعوة

المجادلة

التعريف: اتصاف بعض أفراد المؤسسة بحب الجدل في كل أمر من الأمور إلى درجة تصل إلى العناد والملاحاة، والتعنف والإصرار على الرأي، مما يؤدي إلى إيجاد جو من التوتر، وعدم صفاء القلوب وتضييع كثير من الأوقات بسبب ذلك الجدل.

الأعراض:

  1. الإصرار على الرأي
  2. ارتفاع الصوت.
  3. الانتصار للنفس.
  4. استخدام بعض الألفاظ الجارحة.
  5. وضوح علامات الغضب وضيف الصدر.
  6. عدم إعطاء فرصة لسماع الرأي. 
  7. كثرة مقاطعة المجادل للآخرين ومحاولة السيطرة على جو النقاش
  8.  كثرة الخروج عن موضوع النقاش إلى فروع لا علاقة لها بأصل المسألة.

الأسباب:

  1. طبيعة النشأة الأسرية بين والدين
  2. طبيعة التسرع باتخاذ القرار والرأي من يكثران من الجدال والمعارك الكلامية غير تثبت
  3. كثرة الشبهات الَّتي يمتلأ بها القلب 
  4. كراهية المجادل للطرف الآخر.
  5. وقوع نوع من الظلم على المجادل مما يسبب ردة فعل على شكل جدال وإصرار.
  6. لاقتناع أطراف أخرى متواجدة في مكان الجدال بقوة شخصيته أو علمه بقضية ما لنيل أحد المناصب. 
  7. لتبرير سلوك خاطئ يقوم به المجادل ضد المؤسسة أو أحد أفرادها.
  8. شعور المجادل بأفضليته على الطرف الآخر.

الحل:

 1 - الجدل في إطار الآداب الإسلامية لا شيء فيه؛ حيث قال تعالى في: ﴿وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ﴾ (النحل ١٢٥)، وكتابه الكريم وهي الَّتي لا يشوبها عنف ولا سباب ولا إصرار ومعاندة واجتهاد للطرف الآخر.

٢ - التركيز على معاني الإخلاص وشروط قبول العمل عند الله تعالى.

٣- عدم مجاراته عندما يفتح أيًا من المواضيع الجدلية لإشعاره بعدم قبول هذا الخلق.

٤- محاولة البحث في حل بعض المشاكل الَّتي يعاني لأنه غالباً يكون يعاني منها داخل المؤسسة أو أو في إطاره الأسري.

٥- توثيق الصلة بمثل هؤلاء صلة مثل هؤلاء ضعيفة بأفراد المؤسسة.

٦ - تبيين النتائج السلبية المترتبة على الجدل المذموم بالنسبة لشرائح المؤسسة.

٧- التركيز في الجلسات الدعوية والثقافية على أدب الحديث والخلاف وآفات اللسان والحث على قراءة الكتب الَّتي تتناول مثل هذه الأخلاق.

٨- إعطاء أمثال هؤلاء دوراً في المؤسسة، وفتح المجال للتعبير عن رأيه للتنفيس عما يختلج في صدره في الإطار الشرعي والقنوات الصحيحة.

كيف تكون إيجابيًا أيها الداعية؟

التوسط في العمل وعدم إرهاق النفس بالشيء الواحد والمقاربة بين الواجبات

كثير من الدعاة إلى الله تعالى تعزف نفوسهم عن المشاركة الإيجابية في مناصرة مبادئ الحق، ومتطلبات العمل الإسلامي بحجة كثرة الواجبات وقلة الأوقات، فضلًا عن تشجيع الآخرين وشحذ هممهم نحو حب العمل الدعوي، وصنف آخر يتعلل بأمانة تربية الأبناء، ووقايتهم من الزيغ والانحراف والتيه والضياع، إذ لا يخفى على الجميع ما وصلنا إليه ونحن على مشارف القرن الحادي والعشرين من التقدم التكنولوجي وعصر الفضائيات وشبكة الإنترنت أو بما يسمى عصر العولمة وهذا الأمر - التربية الأسرية وتحقيق السعادة الزوجية. من الواجبات المناطة بالداعية إلى الله فينبغي عدم تجاهلها أو التغافل عنها، إذ قال الله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ قُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِیكُمۡ نَارࣰا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ﴾ (التحريم ٦).

وينبغي أن تعلم أن الدين لا يقوم ولا ينتشر إلا بالجهد البشري، وبالطاقة الَّتي يبذلها أصحابه والمؤمنون به، وبالإمكانات الَّتي يملكونها، ويسخرونها في سبيله، وهذا من البدهيات الَّتي يعرفها الدعاة إلى الله تعالى ولذلك أحب أن أشير إلى قاعدة دعوية تقول: «ما لا يدرك كله لا يترك جله».

.. وهذه القاعدة مصداق حديث صحيح ورد عن -أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي ﷺ قال: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غليه. فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة»(1).

وهذا حديث عظيم يشير إلى أن تعاليم الدين كثيرة، وواجبات الإسلام عديدة، فينبغي على - الناس أو الدعاة أن يلزموا السداد، وهو الصواب من الأمور من غير إفراط ولا تفريط أو بمعنى آخر التوسط في العمل، وعدم إرهاق النفس في شيء معين، وكما قيل: «اعرف شيئًا عن كل شيء أفضل من أن تعرف كل شيء عن شيء».

والداعية إذا أراد أن يفعل شيئًا سيجد الوقت لفعل الشيء إذا أراد أن يفعله حقًا، أما إذا أراد أن ينتظر حتى تتحسن الظروف قبل أداء العمل فلن يعمل أبدًا، ولن يشارك في أي شيء من تكاليف الدعوة المناطة به. 

وأحيانًا يكون هناك أكثر من واجب في وقت واحد أو فترة معينة، فالرسول ﷺ يقول: «وقاربوا» أي: إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه والمراد أنه إذا لم تستطع أن تؤدي التكاليف أو الواجبات على وجه شيء جزءًا من الكمال فأعط كل الوقت، ولا تفرط في كل الواجبات وتصب همك وعملك في تكليف معين ولك البشارة من الرسول ﷺ في قوله: "وأبشروا" أي الثواب على العمل الدائم، وإن قل، والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل، بأن العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره، فهنيئًا لك أيها الداعية هذا الأجر العظيم، عند تبييت النية في أداء تكاليف، ومتطلبات الدعوة الكثيرة، وعدم تدبير الوقت الكافي لها. فحاول أن تسدد وتقارب بين الواجبات المتعددة. 

ثم قال ﷺ «واستعينوا بالغدوة» وهو سير أول النهار أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، وهذا وقت مبارك ينبغي الا يغفل عنه الداعية أو عموم الناس، فكثير من الواجبات يمكن أن تقضى لبركة هذه الفترة الَّتي يقضيها كثير من الناس في النوم والراحة، فالأولى بالناس والدعاة إلى الله الا يجهدوا أنفسهم في العمل، ويتحملوا ما لا طاقة ولا وسع لهم به بحيث يعجز الواحد، وينقطع، بل يعمل بتلطف وتدريج، وحسب ما أوتي من قوة ونشاط ليدوم على عمله وأداء واجباته، ولا ينقطع أو يفرط في متطلبات الحياة الشائكة المختلفة.

إن هذا الحديث يصنع من الرجال «الشخصية الإيجابية» الَّتي نريدها في خضم بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج، فوظائفنا في الدنيا كثيرة، فلنسهم في تحقيق النجاح لمناشط الدعوة، ومتطلبات العمل، وواجبات الحياة الأسرية المتعددة.

أما المجالات الَّتي يجب أن تكون فيها إيجابيًا فهي:

فهي:

أولًا: الإيجابية الإيمانية: وهي عدم الفرار أو التخلف أو الاعتذار عن النشاط الإيماني، والا تؤثر عليك كثرة الأمزجة والأهواء في اختيار ما تريد فالله تبارك وب بارك وتعالى يأمر رسوله ﷺ بقوله: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ قُمِ ٱلَّیۡلَ إِلَّا قَلِیلࣰا  نِّصۡفَهُۥۤ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِیلًا  أَوۡ زِدۡ عَلَیۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِیلًا ﴾ (المزمل ١-٤).

فيا أيها الداعية إنك لا تستطيع أن تفي بمتطلبات الدعوة، وأنت ضعيف في هذا الجانب إذ هو القوة النفاثة الَّتي تبث الروح العالية في النفوس إذا حافظت عليها أو لازمتها قيام الليل. 

يقول المغيرة - رضي الله عنه - إن كان النبي ﷺ ليقوم - أو ليصلي - حتى تورم قدماه - أو ساقاه. فيقال له: «الم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيقول: أفلا أكون عبدًا شكورًا »(۲)، وفي حديث عائشة: «فقالت له عائشة لم تصنع هذا يا رسول الله وقَدْ غفر الله لك».. 

إنها الإيجابية إذا كان رسول الله ﷺ لا يمل من عبادة ربه، وإن أضر ذلك ببدنه، بل صح عنه أنه قال له: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» (۳). 

فالسعادة والراحة تكون في الصلاة، وليس فقط في مجال الترويح والترفيه.

 ثانيًا: الإيجابية الثقافية: وهي المشاركة الفاعلة في تنشيط البرامج والمسابقات الثقافية وتفعيل أدوار الأعضاء، وتشجيع عوام الناس على الإسهام فيها مع تخفيف حملها، وتسهيلها على العازفين عن الثقافة وغير المدركين لأهميتها في حياة الداعية، وكذلك العمل على نشر الوعي الثقافي.

يقول ابن الجوزي - رحمه الله -: «إني أخبر عن حالي ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابًا لم أره فكأني وقعت على كنز، فلو قلت: إني قد طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعد في طلب الكتب فاستفدت بالنظرة فيها ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم وحفظهم وعاداتهم وغرائب علوم لا يعرفها من لم يطالع».

فيا حبذا لو وضع الداعية في جيبه كتيبًا صغيرًا أو مصحفًا صغيرًا فيستغل فرصًا ومجالس تتاح له بين الفترة والأخرى، وهو في طريقه لقضاء مصلحة أو حاجة أو أن يضع حقيبة وفيها عدته الثقافية، وزاده من ا الكتب الَّتي يحب قراءتها، فيستفيد منها في أوقات فراغه.

ما تطعمتُ لذةَ العيشِ حتى

صرتُ للبيتِ والكتابِ جليسا

ليس شيءٌ أعزَّ عندي من العل

م فَلِم أبتغي سواه أنيسا

فكن إيجابيًا، ولا تنس أن الثقافة والقراءة هي زاد العقل، وأنه من السهل أن يستخدم الإنسان أسلوب الاعتذار، فلا تكن من المشاركين في فشل المناشط الثقافية، وكذلك لا تتوان عن تفعيل النشاط الثقافي في أسرتك، وبينك، ولأبنائك ولإخوانك، حتى تحوز مصطلح «الإيجابية الثقافية المتكاملة».

ثالثًا: الإيجابية الحركية ونريد بها الاندفاع الذاتي نحو متطلبات الدعوة، وواجبات الأسرة، وأن يقوم بها دونما تكليف أو متابعة بل بالسعي لتحقيق الأجر والمثوبة من الله. 

حدثنا أخ أنه كان في إحدى الرحلات الكشفية مع إخوانه، وفي ليلة من الليالي أستيقظ بعد منتصف الليل، فتوجه ليصلي ما يكرمه الله به، وإذا به بعد الانتهاء من الوضوء يرى ملابس إخوانه قد ملات سلة ملابس المغسلة، ولعدم وجود وقت للراحة تراكم هذا الكم من الملابس فتحركت الإيجابية الحركية بفضل من الله، وقام الأخ بغسل ملابس إخوانه، وقبل صلاة الفجر كان قد انتهى فصلي الوتر مكتفيًا به عن قيام الليل، ثم أيقظ إخوانه لصلاة الفجر (٤). 

هذه هي الروح الإيجابية الَّتي لا بُدَّ من أن يعيشها الداعية إلى الله تعالى في حياته

فالإيجابية تعني الا نضطر للاعتذار وأننا مسؤولون أمام الله عن هذه الأمانة، فتذكر أخي الداعية أنك على ثغر عظيم، ودعوة كريمة، وأنك قد استؤمنت على أمانة كبرى، نات بحملها السماوات والأرض والجبال، فعهدت إليك فكن على الميثاق، وحسن العهد، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِینَ یُوفُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَلَا یَنقُضُونَ ٱلۡمِیثَـٰق﴾ (الرعد: ۲۰).

اختم بطرف من إيجابية الرسول ﷺ فقد ورد في حديث البراء بن عازب قال: لما كان يوم الأحزاب، وخندق رسول الله ﷺ، رأيته يحمل من تراب الخندق حتى وارى عنه التراب جلدة بطنه. وكان كثير الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات عبد الله بن رواحة، وهو ينقل التراب يقول

 اللهم لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا 

فانزلن سكينة علينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

 إن الألى قد بغوا علينا

وإن أرادوا فتنة أبينا 

ثم يعد صوته بأخرها، يعني يقول أبينا. أبينا (٥)

ولا تسل عما كانت تصنعه هذه الكلمات المؤمنة العذاب في نفوسهم من مضاعفة الجهد. والاستهانة بالنصب والتعب، وبهذا العمل الدائب اتموا حفر الخندق في ستة أيام، وقَدْ استعانوا بالأحجار الصلبة فاتخذوا منها متاريس يتحصنون بها.

الهوامش

  1. رواه البخاري (الفتح رقم ٣٩ – 1/93).
  2. رواه البخاري الفتح 2/14 - رقم الحديث (۱/۲۰).
  3. أخرجه النسائي.
  4. رسائل العاملين: 1/385 "جاسم مهلهل".
  5. رواه البخاري - الفتح ۱ ٣٩۹/۱. رقم الحديث (٤١٠٤).

تعقيب علي تعقيب

في عدد مجلة المجتمع رقم ۱۳۳۰ عقب الدكتور أحمد عبد المنعم عربود على اجتهادي في تأويل علامة أن تلد الأمة ربتها، وأجد من الضروري أن أوضح المسألة للأخ الفاضل.

لا ينسى أن أشراط الساعة تكون مرئية ظاهرة، والرؤية تتحقق في تأويلي ولا تتحقق في تأويله، فإن لهذه العلامة. أطفال الأنابيب أو استئجار الأرحام وغيرها من تجارب الطب لا تنهض بأي حال علامة من علامات الساعة الَّتي يشاهدها أهل الزمان، وأما ظهور الزنى فإنه علامة مستقلة غير متداخلة في علامة أخرى كما قال ﷺ: «ويظهر الزني» رواه البخاري ومسلم، والظهور: هنا بمعنى الشيوع، كما هو الحال في البلدان الَّتي ترخص للبغايا باحتراف الزنى وغير ذلك كقرى العراة.

وأما ما قاله أن الزني بالخادمات يترتب عليه نسبة المواليد إلى الزوجات فإنه قول غريب، وإن حدث فإنه لا يصلح علامة واضحة يراها الناس بل هو حالة شاذة نادرة، والشاذ ليس قاعدة.

 وأخيرًا من الأخطاء الفكرية أن يخطئ الإنسان غيره بغرض إقامة وجهة نظر لا تنهض دليلًا على المسألة، وهأنا أرحبُ بوجهة نظره، ولا أزعم أنني أصبت التأويل النهائي فيما قلت..

عبد القادر أحمد عبد القادر 

كلمة إلى الدعاة

دعاة لا قضاة

كثيرًا ما نسمع من يصف فلانًا من الناس بأنه لا فائدة منه، أو أنه لن يهتدي أو حتى يحكم عليه بالفسق أو الكفر الموقف عابر راه فيحكم عليه بالضياع، ولا يدري المسكين لعل الله قد كتب لذلك الضال الهداية، ويكتب له هو الشقاء، فكما قال أنس - رضي الله عنه - كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلت: يا رسول الله امنا بك وبما جنت به فهل تخاف علينا؟ قال: نعم.. إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبهما كيف يشاء» (رواه الترمذي).

 ولعله يبوء بإثم هذه الكلمة، قرب كلمة تهوي بصاحبها إلى ! النار سبعين خريفًا، ولقد حذرنا الرسول ﷺ من ذلك الأمر وخطورته فقال: «إذا قال الرجل لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما» (رواه البخاري).

فأنت لا تعلم أن هذه الكلمة قد لا تكون في محلها، لكن من الواجب عليك أن تدعو له بالهداية والمغفرة من الله تعالى وتسعى لهدايته، فهو وذلك الَّذي بيده بيده مفاتيح الهداية. هدى الله فقد قال تعالى:﴿ یَهۡدِی بِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ﴾ (الزمر ٢٣)، وبالمقابل كما قيل الحي لا تأمن فتنته، أي أنك قد تكون رجلًا صالحًا فيتغير الحال بفتنة لم تكن تلقي لها بالًا، وقَدْ أخبرنا الحبيب ﷺ بذلك فقال:« فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار» (رواه البخاري). 

فاحذر أخي في الله أشد الحذر ولك بذلك عبرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين كان يقول عنه زيد قبل إسلامه لو اسلم حمار الخطاب لا يسلم عمره لكن رسول الله ﷺ كان يدعو له بالهداية فيقول: «اللهم أعز الإسلام بأحد هذين الرجلين بأبي جهل أو بعمر ابن الخطاب» (رواه الترمذي)، فكان إسلام عمر بمثابة الفتح للمسلمين، وزادهم قوة وعزة بإسلامه معهم، وغيره كذلك من الصحابة والتابعين والصالحين، فلنكن مبشرين لا منفرين فنحن دعاة لا قضاة، وكما قال تعالى: ﴿ذَ ٰ⁠لِكَ هُدَى ٱللَّهِ یَهۡدِی بِهِۦ مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَلَوۡ أَشۡرَكُوا۟ لَحَبِطَ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ (الأنعام ٨٨).

 فانج بنفسك وساعد غيرك على الأقل بالدعاء الصالح، وليكن شعارك دعوة نبيك محمد الله عندما دعا لقومه فقال:...« بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا» (رواه مسلم).

خالد علي الملا

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 1

861

الثلاثاء 17-مارس-1970

دروس من الهجــرة وما سبقها

نشر في العدد 2100

58

السبت 01-أكتوبر-2016

دروس للمهاجرين المعاصرين