العنوان المجتمع الثقافي العدد 1238
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 11-فبراير-1997
مشاهدات 15
نشر في العدد 1238
نشر في الصفحة 52
الثلاثاء 11-فبراير-1997
ومضة
عنوان مقالته كان -كخاتمتها- سؤالًا استفزازيًّا هل النظام الديمقراطي علماني؟ والإجابة الصريحة، هي أن الديمقراطية بإيجابياتها وسلبياتها نظام علماني، ولا مانع من الاستفادة منها كتجربة فيها الصحة والخطأ، على قاعدة الحكمة ضالة المؤمن ولكن هل يستطيع كاتب المقالة أن يجيب بصراحة، أن كان يعتبر الدكتاتورية نظامًا غير علماني، لاسيما وقد وضعت في مقدمة أولوياتها، وأخذت على عاتقها مهمة تهميش الدين، وتحويله إلى أثر بعد عين إن لم تتمكن من تحطيمه ونقل رفاته إلى متحف التاريخ، الديمقراطية والدكتاتورية وإفرازاتهما إذن تجليات مختلفة للعلمانية، بشرط واحد وهو أن تكون هذه التجليات كلها على تعدد أسمائها وأشكالها في حالة عداء مع الدين، وإلا فلماذا يعمد أدعياء الديمقراطية إلى إلغاء الانتخابات إذا جاءت نتائجها في صالح الدين؟ ولماذا يتحولون إلى ديكتاتوريين عتاة يحتكمون إلى المدفع ويستخدمون لغة البارود؟ عندما تلوح بوادر الهزيمة لفلولهم، ويصوت الشعب ضد فصائلهم وصنائعهم ولماذا يلجأ رافعو شعار الديمقراطية -من مرتزقة الكتابة- إلى تبرير الإجراءات القمعية التي تمارسها القوى الدكتاتورية الخائفة على مراكزها ومكتسباتها من انتصار الدين؟ أما إذا كانت إجابتهم بأن الدكتاتورية حالة شاذَّة، وأن الديمقراطية هي المظهر الحقيقي للعلمانية التي تجسد إرادة الشعب، فلماذا ينقلبون على اختيار الشعب، عندما ينحاز إلى الملاذ الآمن ويرى في الدين الحق سبيلًا لحل مشاكله وتحقيق مصالحه، ورفع الضيم عن كاهله؟ اللافت للنظر أنهم يعرفون ترجمة الكلمة اليونانية التي تعني سلطة الشعب وتحكيمه في اختيار من يمثله ومن ثم يدير شؤونه ولعلهم حديثو عهد بهذه الترجمة الحرفية فلماذا لا يرضون بما اختاره الشعب ولا يحترمون إرادته إذا جاءت على غير ما يهوون ويشتهون؟ هل لذلك علاقة بما ذكرته آنفًا، من أن الديمقراطية والدكتاتورية كلاهما من تجليات لحالة العلمانية، وأن إحداهما من مستلزمات الهتاف والأخرى وسيلتهم الوحيدة للبقاء.
في معرض القاهرة الدولي التاسع والعشرين للكتاب
الجماهير المصرية انحازت إلى شهر رمضان وصلاة القيام وتركت الشيوعيين والعلمانيين وحدهم بالمعرض.
في ندوة وزير التعليم الهجوم على الإسلام والمطالبة بإلغاء التعليم الأزهري.
القاهرة: محمود خليل
وسط حالة من الانفصال الشبكي لأجهزة الثقافة المصرية، وعبر فصل الشتاء البارد اختتم مؤخرًا معرض القاهرة الدولي التاسع والعشرين فعالياته، عبر واحدة من أسوأ دوراته تنظيمًا وأكثرها تشنجًا، وأقلها إقبالًا، وأضعفها أثرًا، وأفدحها خسارة للناشرين وضمن سياسة تجفيف المنابع تم تنظيم المعرض، في أنشطته وبرامجه بصورة صدامية معادية للنهج الإسلامي تمامًا ووجدها العلمانيون والشيوعيون والمرتدون فرصة مفتحة الأبواب، تحت حماية رسمية، ووسط مجون إعلامي لا يليق بشهر رمضان المعظم وبالفعل كانت أيام المعرض هذا العام خير دليل على أن الشعب المصري المسلم لن يترك أبدأ صلاة التراويح والتهجد ليلًا، ولن يفسد صيامه نهارًا بمشاهدة قول الزور والعمل به في معرض القاهرة الدولي للكتاب.
وليس هذا تحاملًا من جانبنا من قريب أو بعيد، فليس التحيز من منهجنا بحال، بل إن الأقوال الرسمية تقول أكثر من هذا بكثير.
وماذا تتوقع من معرض علماني من «ألفه إلى يائه» في التنظيم والتوجيه والهدف، ماذا تتوقع من معرض بهذا الشكل وسط أيام وليالي رمضان وخلال امتحانات نصف العالم الدراسي، وعلى أبواب عيد الفطر المبارك؟ كل ذلك تحت مظلة الفقر والبطالة، التي تحتوي الشارع المصري وتحوطه بحالة من الذبول والانكسار.
ولم تخرج اللقاءات الفكرية للوزراء والمسؤولين التي غطت أنشطة المعرض عن عرض وجهات النظر الرسمية ومحاولة الالتفاف حول الحقائق المعلومة للعامة والخاصة، ومن ثم كانت هذه اللقاءات أشد برودة من جو الشتاء الحالي، فقد كان كل مسؤول يحشد أمامه موظفي وزارته كبارًا أو صغارًا ليقول لهم كل معلوم من الشؤون والشجون بالضرورة، وصدق هاشم الرفاعي، حيث قال:
ها هم كما تهوى فجمعهم دُمَى *** لا يفتحون بغير ما ترضى فما
إنا لنعلم أنهم قد جمعوا *** ليصفقوا إن شئت أن تتكلما
وأحيانًا كان يتم الاستعانة ببعض السفراء لسد خانة هذا اللقاء الفكري، إذا تعذر حضور أحد الوزراء.
ولعل من أهم لقاءات المعرض الفكرية هذا العام كان لقاء الدكتور أسامة الباز وكيل أول وزارة الخارجية ومستشار الرئيس مبارك للشؤون السياسية ىالذي تحدث فيه عن العولمة أو الكوكبية Globalism حيث أشار إلى الأصل التاريخي لهذا المصطلح الذي بدأ منذ ٤٠٠ عام، وتطور مع ظهور البرق والبريد في اتحاد عالمي عام ١٨٧٤م للخروج من النطاق المحلي والإقليمي إلى النطاق العالمي.
وأوضح الدكتور الباز إلى أن العولمة هي التداخل الواضح لعوامل اقتصادية وسياسية وثقافية وسلوكية، لا تعرف انتماء لدولة بعينها بعيدًا عن بقية الدول.
وأوضح الباز كذلك خطورة العولمة، على منطقتنا العربية والإسلامية، في ظل القطبية الواحدة، ومحاولة فرض أيديولوجية واحدة، تهدف إلى السيطرة على السوق، وتستغل انتشار الثقافات الجماهيرية التي تمثل الاستهلاك والتردِّي عمودها الفقري، وتحمل تهديدًا لخصوصياتنا الثقافية والمعرفية عبر غزو القنوات الفضائية لسماواتنا المفتوحة، وما يحمله معه من أخطار رهيبة نقاومها بالاختباء تحت السرير، حينا ولعنها حينًا آخر.
وعبر محاول هذا المشروع الكوكبي القادم بقوة للسيطرة على السوق وتقليص دور الدولة واستقطاب الآخر، ومحاولة محو الخصوصية الثقافية والحضارية، طالب الدكتور أسامة الباز بأهمية إنتاجنا للمعرفة، ومجاراة الحضارات الأخرى، وحتمية أن تسترد الحضارة العربية والإسلامية كيانها، وأن تدخل شريكًا فيما يحدث وإلا سيفرض علينا الآخر هيمنته.
وقال الباز: إن المعركة التي تحكم العالم الآن هي القيم، ولا يمكن لبعض الدول أن تضع هذه القيم عبر حق التدخل في شؤون الآخر الداخلية، الأسباب إنسانية، وأكد في نهاية محاضرته الهامة، على حتمية نهوض مشروع حضاري عربي إسلامي يكتسب أهلية المناقشة والمشاركة والمواجهة لهذه العمليات التاريخية المعاصرة القادمة والتي لا يمكن إنكارها أو تجاهلها.
التعليم العلماني والأزهر المظلوم
وفي ندوة وزير التعليم د. حسين كامل بهاء الدين المعروف بمشروعه في تطوير التعليم المصري في المنهج والمعلم والحياة التعليمية قال: إن العملية التعليمية في مصر قد أصبحت قضية «أمن قومي» وإن استثمارات التعليم قد تضاعفت أربع مرات، ولكنه لم يقدم حلًا واحدًا لظاهرة الدروس الخصوصية التي يكتوي منها الطلاب والآباء والأمهات، وكذلك لم يقدم علاجًا المسألة الكتب الخارجية التي أصبحت تزاحم كتب الوزارة بل وتلغيها، والتي ارتفعت تكلفتها إلى 7 مليارات.
وكانت هذه الندوة قد دارت حول التحديات المستقبلية للعملية التعليمية، وحاوره خلالها ثلاثة من العلمانيين د. صلاح فضل، د. حامد عمار، د. مراد وهبة.
وبدلًا من المشاركة في رسم السيناريوهات المستقبلية للعملية التعليمية، ألقى وزير التعليم باللائمة على الاقتصاد الحر، والكمبيوتر والتكنولوجيا في انهيار المنحنى الأخلاقي، وتفكك الأسر وتحللها، وانتشار البطالة، وغياب المنظومة الأخلاقية في التعاملات اليومية، وفاته أن يقول إن محاربة الحجاب في المدارس والجامعات، وفصل المعلمين والأساتذة الإسلاميين، وعلمنة المناهج الدراسية التي يتولاها سيادته بكل دأب، تأتي على رأس هذه الأسباب وشاركه المحاورون في هذه الجوقة، برسم محاور أخرى للهجوم وتشتيت الذاكرة المصرية المنكوبة.
فقال «الحداثي البنيوي» د. صالح فضل: إن التعليم الأزهري والتعليم المدني يشكلان وجهان مختلفان، ووجهتان متضادتان، ويؤديان إلى ازدواج التفكير، وبدلًا من أزهرة التعليم المدني طالب بشدة بعلمنة التعليم الأزهري، فقال محذرًا: إن حجم التعليم الأزهري عام ١٩٦٥م كان لا يتجاوز عدده ٣٥ ألف طالب.. ولكنه ارتفع الآن حتى وصل إلى مليون و٦٥ ألف طالب «هذه الأرقام تحمل كذبًا واضحًا»، وتضاعفت الكليات الأزهرية من ثلاث كليات عام ١٩٦١م لتصل الآن إلى ٥٢ كلية، وهذا يؤدي إلى زيادة الفجوة بين النوعين.
كذلك مراد وهبة -الذي يئن هذه الأيام من حملة الدكتور محمد عمارة عليه- قال: إن التاريخ يجب أن يتحرك إلى المستقبل، وليس إلى الماضي إذا كنا نريد الإصلاح، ثم حيا وزير التعليم قائلًا: أوجه التحية للدكتور حسين كامل بهاء الدين لمواجهته للقوى المتخلفة وأصحاب الآراء المتصلبة «يقصد الإسلاميين»
القذافي ودولة الحقراء
ثم كان من أطرف ندوات المعرض تلك الندوة التي أقامها الأخ العقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية عبر الأقمار الصناعية، مع مجموعة من المدعوين رسميًا من الكتاب وأساتذة الجامعات، وأدار فيها القذافي حوارًا معهم حول كتابه الأخير «تحيا دولة الحقراء»، ويقصد القذافي بـ «الحقراء» كل دولة أو جماعة أو فرد أو شعب يتعرض للاحتقار والاضطهاد.
ولعل هذه النظرية العالمية الرابعة إضافة إلى نظريته العالمية الثالثة التي نظر لها في «الكتاب الأخضر».
إلى ما سبق فإن الأخ العقيد «أبو منيار» قد أتحف المثقفين والقرَّاء على سطح المعمورة في العام الماضي بمجموعته القصصية «الانتحارية القرية القرية... الأرض الأرض... وانتحار رائد الفضاء» وأخيرًا منشورات ضد القانون أو «تحيا دولة الحقراء» والحق يقال: إن آراء القذافي عبر هذه الندوة، ومداخلات المشاركين فيها، لم تخل من طرافة، وجدة، كانت إحدى التنويعات المسلية في معرض الكتاب لهذا العام.
وتبقى كلمة هي أن كتابات الأخ العقيد لا يستطيع مثقف أن يفهمها، أو يصنفها، لأنها لا تنتمي إلى عالم القراءة والكتابة أصلًا إنما هي نظرات ونظريات قذافية صارخة، عبرت عنها الثورة العالمية الليبية التي تمخضت عن الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمي.
ومن هنا فقد خرج الكثير من حضور هذه الندوة وهو يردد مع صاحبها تحيا دولة الحقراء.
الأمية الدينية والحرب ضد الإسلام
ليس هذا العنوان من عندنا، لكنه عنوان أحد الكتب التي دارت حولها ندوة خاصة في اليوم الحادي عشر للمعرض، والكتاب للأستاذ رجب البنا وشارك في مناقشته فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، و د. محمود زقزوق وزير الأوقاف، و د. عبد المنعم عمارة رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، والصحفي محمود عبد المنعم مراد وللأسف الشديد فقد تم استخدام هذا الكتاب لتمرير الهجوم على الصحوة الإسلامية المظلومة ومحاولة قلب الحقائق التي تظهر فيها الحرب الرسمية المعلنة على الإسلام لتصبح الحرب معلنة من الشباب المسلم على إسلامهم الأمر الذي تروج له وسائل الإعلام الغربية والصهيونية والتي ترتمِي الصحافة العربية والمصرية في أحضانه جهلًا أو نفاقًا.
كما تم اختيار تقرير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بجريدة الأهرام حول الحالة الدينية في مصر في محاولة فاشلة لاعتماده كمرجعية فكرية، يتم تناول الحياة الدينية في مصر من خلالها، وشارك في هذا التدجين من الفريق العلماني حسن حنفي، ومحمد السيد سعيد، وعاطف العراقي وآخرون.
تم اختيار نموذج ثالث أكثر سوءًا، للكاتب السوداني حيدر إبراهيم علِي حول التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية، وعرض فيه لكل التيارات الإسلامية المعاصرة؛ مثل «الإخوان المسلمون، والجماعة الإسلامية والنهضة، والإنقاذ والثورة السودانية».
واتهم المناقشون الشيوعيون رفعت السعيد، ونور فرحات وآخرون، اتهموا التيارات الإسلامية بأنها أسطورة تبتز مشاعر عامة المسلمين وفي تهريج واضح.
قال مؤلف الكتاب نريد من التيارات الإسلامية أن تتواضع قليلًا لكي نتحاور ونحتكم إلى صناديق الانتخابات فضحك الحاضرون وأنا منهم على هذه النكتة السوداء.
جدير بالذكر أن يقول إن هناك ظاهرة انفرد بها المعرض لهذا العام، وهي تمرير الفريق العلماني المرفوض شعبيًّا وفكريًّا على ندوات المعرض وأنشطته، فترى الواحد منهم ضيفًا هنا، ثم مناقشًا هناك، ثم مصفقًا هنا، وكان أبرز أعضاء هذه الفريق صلاح فضل، ورفعت السعيد، وأحمد عبد المعطي حجازي، ومحمود أمين العالم، ومكرم محمد أحمد، وجابر عصفور، وعبد العظيم رمضان، وحسن حنفي، وعاطف العراقي، الأمر الذي جعلهم كالأنفار الذين يعملون باليومية في هذا السوق العالمي الكبير الذي تخبط منظموه في تحديد يوم افتتاحه فأربكوا الناس والناشرين، ثم تخبطوا أكثر في تسكيره ليصدر قرار وزاري بمده لخمسة أيام أُخر لتعويض هذا البوار الذي جرَّهُ العلمانيون على أنفسهم بأنفسهم، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل