العنوان المجتمع الثقافي [العدد 1589]
الكاتب مبارك عبد الله
تاريخ النشر السبت 21-فبراير-2004
مشاهدات 15
نشر في العدد 1589
نشر في الصفحة 50
السبت 21-فبراير-2004
■ تولستوي ونظرته للفكر الإسلامي
ابتهال محمد البار
يعد تولستوي من أعظم كتاب الرواية الروسية الذين نالوا التقدير في كل مكان، فالقيمة الحضارية والثقافية لمؤلفات تولستوي لا حدود لها ولا غنى عنها، وحتى حياته وسيرته الذاتية جديرة بالمعرفة والتأمل، ولذا ليس من قبيل المصادفة أن ما يصدر من ترجمات لمؤلفاته يعد من أوسع الترجمات انتشارًا بالنسبة لكتاب العالم، وذلك حسب إحصاءات اليونسكو.
ولد تولستوي عام ۱۸۲۸م وكان والداه الكونت نيقولا تولستوي والأميرة ماري، من أبناء الأسر الروسية الأرستقراطية، وقد لعبت أسرته دورًا مهمًا في تاريخ روسيا السياسي.
توفيت والدته وعمره عام ونصف العام ثم مات والده وهو في التاسعة وتركه وإخوته الثلاثة وأخته في وصاية عمتهم، لكن قامت بتربيتهم سيدة من أقارب الأسرة التي قال عنها: كان للعمة تاتيانا أعظم تأثير في حياتي، فهي التي علمتني في مدارج الطفولة الفرح الأخلاقي بالحب، كما علمتني جمال الحياة الهادئة المطمئنة المتوحدة، ولا أشك أن نشأته يتيمًا بدون أبوين، ثم عطف هذه المرأة الحنون عليه في مراحله الأولى هو الذي جعله يولي الأطفال اهتمامًا كبيرًا ويعتني بتعليمهم فيما بعد، فهذا الكاتب الذي ملات شهرته الآفاق فرغ الكثير من وقته وجهده لعالم الطفل، إيمانًا منه بأهمية إعداد رجل المستقبل، وتعد تجربته في مجال التربية تجربة فريدة تستحق التأمل، في عام ١٨٤١م انتقلت الأسرة إلى قازان وفي عام ١٨٤٣م انتسب إلى كلية اللغات الشرقية بقازان، وفي عام ١٨٥١م انخرط تولستوي في صفوف الجيش، واشترك في الدفاع عن مدينة سيباستبول، وهناك في الجنوب ألف قصص الطفولة والمراهقة والشباب، وقطع الغابة ولما انتهت الحرب المشؤومة ورأى عاقبتها الوخيمة التي كانت سببًا في إراقة دماء ألوف الأبرياء صار منذ ذلك الحين يكره الحرب كرهًا شديدًا.
درس تولستوي مبادئ التربية في فرنسا وألمانيا وإنجلترا، ولما أعلن تحرير الفلاحين في روسيا سنة ١٨٦١م أنشأ على نفقته الخاصة مدرسة لتعليم أولاد الفلاحين في ضيعته، وقام بنفسه بالتدريس في المدرسة وانكب على قراءة كتب التربية، وقد نظم مدارسه بطريقة مبتكرة تسمح للأطفال بالنمو العقلي الذي لا يلقى عقبات في طريقه، وبالحرية التي تساعد على تكوين الشخصية المستقلة، وكتب أقصوصات لأبناء الفلاحين تمتاز بالبساطة ودقة ملاحظة سلوك الحيوان والنبات والأطفال أنفسهم، وقد اقتبس بعض أفكار هذه القصص من الفلكلور الشرقي العربي خصوصًا الف ليلة وليلة، التي كان يبحث في طياتها عن المضامين الأخلاقية الوعظية والإرشادية، وكتب العديد من الدراسات التي تتناول أسس التربية والتعليم، مثل دراساته عن التعليم الشعبي التربية والتعليم، من الذي ينبغي أن يتعلم لدى الآخر: أبناء الفلاحين لدينا أم نحن لدى أبناء الفلاحين، وهو يرى أن التربية تبدو قضية معقدة وصعبة ما دمنا نروم تربية أطفالنا أو أي شخص كان ، دون أن نربي أنفسنا أما إذا أدركنا أننا لا نستطيع تربية الآخرين إلا عن طريق تربية أنفسنا أولًا فسوف نسعى دائمًا إلى الحياة الأخلاقية السامية فمما لاريب فيه أن الخير يوقظ الخير في نفوس الآخرين، ويمارس هذا التأثير ولو لم يكن مرئيًا ومن أجل الأطفال أصدر تولستوي مجلة خاصة كانت تصدر عنها كتيبات تنشر قصصًا للأطفال، وقد عبر عن سعادته البالغة بالعمل في هذا المجال: إنني لن أتخلى عن المدرسة ولا عن المجلة، نعم، فهذا مستحيل لأنه سيكون خيانة لي وللقضية العامة، فالمدرسة هي ابنتي والأطفال هم أشعاري والمجلة هي رسالتي، وكان لآرائه في التربية أثر كبير في روسيا.
بعد الوصول إلى ذروة المكانة الأدبية، ورغمالسعادة والرغد في حياته ، حدثت له أزمة نفسية عميقة الجذور، فقد كان يسعى جاهدا للحصول على إجابة شافية لمعاني الحياة ومقاصدها، وفي سنة ١٨٦٢ تزوج تولستوي صوفي بهرز وعاش حياة عائلية سعيدة، واتسع المجال أمام عبقريته للإنتاج الفني، ولو أنه فيما بعد لم يكن راضيًا عن هذه الفترة من حياته وعدسعادته خلالها نوعًا من الأنانية.
في هذه الفترة كتب تولستوي روايتيه الحرب والسلام، وأنا كارنينا، وكانت زوجته تساعده في جهوده الأدبية، فهي الوحيدة التي تستطيع قراءة خطه وما يدخله على كتابته من تصويبات وتغييرات، وكانت في بعضالأحيان تعيد كتابة الأصول.
كتب تولستوي القصة والمسرحية والرواية، كما ترك العديد من المقالات التي تطرق فيها لمختلف الموضوعات الفكرية والدينية والفلسفية والفنية، وتعد أكثر الموضوعات التي شغل بها "مشكلة الفلاح" فقد ارتبطت حياة تولستوي الروحية وأبحاثه النفسية بموضوع الفلاح الذي كان يؤرقه دائمًا أكثر من أي شيء آخر، والحديث عن الفلاح يرتبط عنده بتصوير أزمة مجتمعه بطبقاته المختلفة، وفي مقدمتها الطبقة الإقطاعية، وهو لهذا يقوم بتجربة معذبة ومثابرة يحاول فيها أن يقترب من الشعب وأن يجد معه لغة مشتركة لكن مسيرة البطل الإقطاعي في حياة الفلاح ليست بالعملية السهلة، بل هي عملية نفسية وعقلية في غاية التعقيد، فهو يوضح كل الأبعاد النفسية لهذ العملية، وكانت أكبر إنجازاته الفنية كشفه وتوضيحه للعلاقة المعقدة بين النفسية الإنسانية والبيئة الخارجية والمعيشة اليوميةبرمتها .
أزمة روحية
ولما شارف تولستوي على الخمسين من عمره طرأ عليه تغير كبير، وحدث له انقلاب روحي هائل لم يستطع النقاد تفسيره، لأن تلك الفترة من حياته كانت زاخرة بالنجاحات المتلاحقة، ووصل فيها إلى ذروة المكانة الأدبية، وكان رب أسرة تعيش في سعادة ورغد، ورغم هذا حدثت له أزمة نفسية عميقة الجذور، فقد كان يسعى جاهدًا للوصول إلى جواب شاف لمعاني الحياة ومقاصدها ضمن عقيدة دينية، وقد وصف هذه المعاناة الروحية بقوله: كان يحدث معي شيء ما غريب جدًا، فقد أخذت في البداية تنتابني مشاعر الضياع واستغرقتني الكآبة، ثم بعد زوال هذا الشعور كنت استمر في العيش كما مضى، لكن أوقات الحيرة هذه كانت تتكرر بشكل أكثر وأكثر وينفس الطريقة، وهذه الحالة كانت تنعكس في نفس الأسئلة: إذا؟ وكيف بعد ذلك؟،ويقول: عندماأتممت كتابي أنا كارنينا بلغ بي اليأس أقصى حدوده وصرت أدمن التفكير وأطيل النظر في الحالة الرهيبة التي ألمت بنفسي، وكانت الاسئلة تنهال علي وتتكاثر حولي، وتطالبني بالإجابة عليها وانتهيت إلى هذه النتيجة، وهي أنني وأنا رجل سعيد موفور الصحة لا أملك البقاء، بل إنني لا أطيق البقاء، ولم أر أمامي سوى شيء واحد هو الموت ، وكنت أرى كل شيء آخر ماخلاه باطلًا ومحالًا زائلًا .
أخذ تولستوي يبحث عن إجابة عن تساؤلاته، بحث في حياة الناس المحيطين به من طبقته فلم يجدها، لكنه وجدها عند الشعب البسيط الذي وصفه بقوله: «أولئك الملايين من الناس الذين عاشوا ويعيشون، الذين يصنعون الحياة ويحملون على عاتقهم حياتنا وحياتهم/ ولذا أخذ يقترب من المؤمنين الفقراء البسطاء من الناس ثم قرر أن ينكب على دراسة الأديان، ولم تكن المسيحية إلا حقلًا واحدًا من حقول استكشافه، فلم يمض وقت طويل إلا ومد تولستوي بحوثه نحو الشرق وشملت قراءاته الكثير من العقائد الدينية، وكان على يقين تام بأن أهم أعمال حياته هو محاولة تركيب حكمتي الشرق والغرب في جملة واحدة، وأدت دراسته الشرقية هذه - لاسيما مبادئ الزهد في الإسلام إلى زيادة مقته للمادية القاتلة.
الاتصال بالشرق
وإذا تتبعنا بداية اتصاله بالفكر الشرقي فسنجد أن اهتمامه بالشرق يعود إلى سنوات شبابه المبكر حين اختار اللغتين العربية والتركية تخصصًا للمستقبل ودرسهما لمدة عامين على أيدي أساتذة متخصصين، ثم تقدم في عام ١٨٤٤م إلى امتحان القبول في جامعة قازان، وحصل على الدرجات النهائية، وسجل طالبًا للغتين العربية والتركية، وقد أيقن منذ بداية طريقه الأدبي الأهمية الفريدة التي يحتلها التراث الروحي للشرق، فأقبل في نهم على دراسة فكره وفلسفاته التي كان يبحث فيها بشكل خاص عن مفهوم المفكرين لمغزى الحياة، غير أن اهتمام تولستوي بالشرق يرتبط بالدرجة الأولى بالأديان، فقد آمن بأصالة الفكر الديني النابع من الشرق، وهو الفكر الذي كان يرى فيه حصيلة جامعة للقيم الأخلاقية التي اختبرت لقرون، والتي يجب أن تظل الحقيقة الراسخة الوحيدة في مسيرة الشعوب، ولأنه كان على ثقة بأن شعوب الشرق لم تفقد بعد الإيمان بأهمية قانون السماء والرب، فقد بدا له الشرق مخرجًا من أزمة واقعه المعاصر، وهي الأزمة التي رآها في ابتعاد الناس عن القيم الأخلاقية النابعة من الإيمان الحقيقي بالدين.
إن أبرز مسألة في نتاج تولستوي الإبداعي هي مغزى الحياة، ورسالة الإنسان ودور المعايير الخلقية في نشاطه، وقد استهوته معالجات مفكري الشرق لهذه المسألة.
وكانت له مراسلات مع عدد من الشخصيات العربية، مثل الشيخ محمد عبده، كما كانت له مراسلات حميمة بصفة خاصة مع بسطاء الناس من العالم العربي. وفي عام ١٩٠٤م طلب من نجله الذي كان موجودًا في مصر أن يمده بمعلومات عن بسطاء الناس في البلاد العربية، وتضم مكتبته مؤلفات تاريخية تحمل الكثير من ملاحظاته وتأشيراته مما يدل على تبحره في دراسة تاريخ الأدب والفولكلور العربي.
علاقته بالإسلام
تبوأ الإسلام مكانة مرموقة بين العقائد التي أقبل تولستوي على دراستها، وقد أشار بنفسه إلى ذلك؛ كنت أدرس البوذية، ورسالة محمد من خلال الكتب، أما المسيحية فمن خلال الكتب، والناس الأحياء المحيطين بي، وقد احتوت مكتبته الشخصية على العديد من المراجع التي تتناول الإسلام بالشرح والتفسير، واستحوذت معاني القرآن الكريم على اهتمامه، كما استأثرت أحاديث الرسول الله بحبه وعنايته، لأنه وجد فيها الكثير من أفكاره التي كان يؤمن بها ويدعو إليها، ومن ثم وجد لزامًا عليه التعريف بالإسلام ويتصدر كتاباته في هذا المجال كتيب بعنوان حكم النبي محمد (ترجمة سليم قبعين -القاهرة) وهو كتيب جمع فيه أحاديث للرسول انتقاها بنفسه وأشرف على ترجمتها إلى الروسية، ومراجعتها والتقديم لها ويشير في مقدمة الكتاب إلى عقيدة التوحيد في الإسلام، وإلى الثواب والعقاب والدعوة إلى صلة الرحم فيقول: وجوهر هذه الديانة يتلخص في أن الله واحد، ولا يجوز عبادة أرباب كثيرة، وأن الله رحيم عادل، ومصير الإنسان النهائي يتوقف على الإنسان وحده، فإذا سار على تعاليم الله فسيحصل على الجزاء، أما إذا خالف شريعة الله فسينال العقاب وحسبما يرى الإسلام فإن كل شيء في هذه الدنيا زائل، ولا يبقى إلا الله وبدون الإيمان بالله وإتمام وصاياه لا يمكن أن تكون هناك حياة حقيقية، وإن الله تعالى يأمر بمحبته ومحبة ذوي القربى ومحبة الله تكون في الصلاة، ومحبة ذوي القربي تكون في مشاركتهم معنويًا وفي مساعدتهم، وفي الصفح عنهم. وقد بلغ إعجابه بالنبي وبسيرته حدًا كبيرًا جعله يفكر في إعداد طبعات شعبية لكتاب يتناول حياة الرسول ،كذلك فكر في إعداد كتيب مختصر عن سيرة الرسول وأعماله للأطفال الروس يقول: «ومما لا ريب فيه أن النبي محمدًا كان من عظماء الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة، ويكفيه فخرًا أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق وجعلها تجنح للسكينة والسلام، وتؤثر عيشة الزهد، ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا للبشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية، وهذا عمل عظيم لا يقوم به إلا شخص أوتي قوة ورجل مثل هذا لجدير بالاحترام والإجلال .
■ واحة الشعر
أغرودة الحجر.. رجفة الروح
شعر: د. عبد الله بن سليم الرشيد
خارجًا من صوتي المصلوب في صمت الزوايا
نافضًا أسطورة الياس وإرجاف المنايا
مستحيلًا في ارتعاش الأفق قنديل عطايا
ناشرًا نور المجرات... وفي الروح بقايا شامخاً،
كالشمس تاريخي. وفي الدرب سرايا
جئت موتور المحيا....
أتلظى شغفًا بالموت في دهر الخزايا
جئت من مستنقع الدمع
دمائي تتنزى وهوايا
جئت شلال بلايا
في دمي وعد البطولات...
يُغذ السير محموم المطايا
رجفة الشمس على الأفق
بكاء البيدر المأمور
إعوال الصبايا
لغة تفضح بؤس اللفظ
تجتاح الخلايا
لغة ماتت على أعتابها
أحرفي العجفاء شوهاء عرايا
فامنحوني صفحة غراء في دفتر تاريخي.
هبوني قلماً يكتب بالنور غلايا
خضت من دائرة الخوف إلى دائرة العزم...
جحيماً وشظايا
وعلى الأوكار يشدو البوم ألحان الخطايا
وورائي عصب الساهين لهو وخفايا
وبأحجاري ساجتاح مغاليق الرزايا
وغداً توقد مجد الأمس في القدس بدايا
إنها أرجوزة البدء وحلم النصر يسري في الحنايا
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالإفراط والتشدد في القضايا الفرعية.. عبث لا يحقق مقاصد الدين
نشر في العدد 1764
88
السبت 11-أغسطس-2007
«تحرير الإسلام» على المستوى الشعبي والرسمي ضرورة لإنقاذ الأوطان وتوحيد الأمة
نشر في العدد 1766
81
السبت 25-أغسطس-2007