; المجتمع الثقافي عدد(1807) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع الثقافي عدد(1807)

الكاتب مبارك عبد الله

تاريخ النشر السبت 21-يونيو-2008

مشاهدات 14

نشر في العدد 1807

نشر في الصفحة 44

السبت 21-يونيو-2008

محمود صقر

في القرن السادس عشر كتب شكسبير مسرحيته الشهيرة تاجر البندقية التي تدور أحداثها في مدينة البندقية الإيطالية، ومن خلال الرواية حلل شكسبير الأبعاد النفسية للشخصية اليهودية كما عرفها الغربيون من خلال معايشتهم لليهود.

وقد جسد الشخصية اليهودية في المسرحية شليوخ، أو شيلوك المرابي اليهودي الذي استغل نبل التاجر المسيحي، أنطونيو «تاجر البندقية» الذي اقترض من شيلوك ليساعد صديقه «باسانيو» ليساعده على الزواج من محبوبته «برسيا».

واشترط شيلوك على أنطونيو أن يكون القرض بأجل ثلاثة أشهر وإن لم يستطع الوفاء بالسداد سيقتطع رطلاً من لحمه في المكان الذي يختاره شيلوك، وقبل أنطونيو الشرط ثقة منه أنه سيقوم بالسداد فور عودة سفنه، ولكن أتت الريح بما لا تشتهي السفن وتعذر على أنطونيو السداد، ودارت أحداث باقي القصة حول عقدة قطع رطل من لحم أنطونيو، تم حلها في نهاية القصة، وما يعنينا هنا تحليل شكسبير لشخصية شيلوك ممثلاً للشخصية اليهودية والذي يتجلي فيما يلي:

1 - القسوة المفرطة حين يتمكن من خصمه: ويتجلى ذلك في إصرار شيلوك على اقتطاع رطل من لحم أنطونيو، وفشل كل محاولات أنطونيو وصديقه، وحتى القاضي في استعطافه، وإثارة أقل قدر من الرحمة في قلبه يحول بينه وبين إنفاذ الشرط.

وعبر شكسبير عن هذه القسوة على لسان القاضي في المشهد الأول من الفصل الرابع مخاطبًا «أنطونيو»: «إن خصمك رجل فاقد الإنسانية عديم الرحمة شديد المراس ميت الإحساس»!!

ويظهر ذلك على لسان أنطونيو في المشهد الأول من الفصل الرابع مخاطبًا صديقه الذي حاول استعطاف شيلوك، داخل قاعة المحكمة: تذكر أنك تحاور اليهودي وأنه أيسر لك من إقناعه واستعطافه أن تأمر البحر بالجزر في غير أوانه فيستجيب لك أو أن تستجلب الرحمة من الذئب على النعجة التي افترس صغيرها وتركها تثغو وراءه... من أن تتوصل إلى تليين أقسى شيء في الدنيا وهو قلب اليهودي».

٢ - الحقد والكراهية تجاه الغير: وهو مكون أساس من مكونات شخصية «شيلوك» حتى إن شهوة الحقد والغل تعلو عنده على شهوة المال، فقد رفض رد أمواله مضاعفة مقابل التنازل عن إنفاذ شرط اقتطاع اللحم. 

ففي المشهد الأول من الفصل الرابع يرد «شيلوك» على القاضي بقوله: «حسي يدعوني للتشدد في مقاضاة أنطونيو وإثبات احتزاز لحمه على استعادة نقودي منه، فحقدي عليه متأصل في دمي وضغني له متمكن من فؤادي».

الشره للمال: وقد برع شكسبير في تصوير حب اليهود للمال وتكالبهم عليه وغلبة هذا الشره للمال على أخص العواطف الإنسانية، وهي عاطفة الأبوة، وصور ذلك من خلال حال «شيلوك»، بعد أن هربت ابنته «جسيكا» بأموال أبيها لتلحق بمحبوبها، وذلك في حوار بين «شيلوك»، وصديقه اليهودي طوبال في المشهد الأول من الفصل الثالث: «يا للخسران اختلست مني أموالي ومصوغاتي والماسة ثمنها ألفا دوقي!! من لي بابنتي ميتة عند قدمي والماستان في أذنيها؟ من لي بها ممدودة هنا أمامي على وشك أن تحمل في نعش وتحمل معها أموالي المسروقة؟».

في هذا الحوار يقارن شكسبير بين عاطفة الأبوة وحب المال، وأيهما له الغلبة على

قلب اليهودي.

الخضوع والذلة أمام غلبة القوة ويتجلى ذلك في الحوار الدائر داخل قاعة المحكمة في المشهد الأول من الفصل الرابع، ومن هذا الحوار بين «شيلوك» و«بارسيا» محامي «أنطونيو»:

بارسيا: على اليهودي أن يكون رحيمًا.

شيلوك: ومن الذي يضطرني إلى الرحمة..

بارسيا: جمال الرحمة أن تكون اختياراً لا اضطرارًا، فهي كماء السماء ينهمر بالخير وينزل باليمن عفواً من الواهب وبركة للموهوب.

 وهنا يريد شكسبير أن يعبر عن أن الرحمة لن تأتي من اليهودي اختيارًا أبدًا، ولكن تنتزع منه اضطرارًا. 

وهذا ما تم في قاعة المحكمة حيث رضع أخيرًا للتنازل عن الشرط بعد أن بين المحامي

أن نص القانون يقضي بمصادرة أملاك من بريق دم مسيحي، ونص الصك يجيز له قطع رطل من اللحم، ولم ينص على إراقة الدم. 

وكذلك إذا تجاوز اليهودي مقدار الوزن المقرر بالصك بالزيادة أو النقصان ولو ذرة واحدة قتل، وصودرت أمواله بحكم القانون وأمام كل نص من هذه النصوص يرضخ اليهودي في ذلة وصغار، وينجو من تحت يديه التاجر النبيل لا رأفة من «شيلوك» ولكن اضطرارًا أمام المحكمة.

 وهكذا غاص شكسبير في أعماق الشخصية اليهودية سابرًا أغوارها معبرًا عن مكنون هذه الشخصية عبر تاريخها الطويل مع كل المجتمعات التي عاشت معها شخصية عدوانية تحمل الغل والحقد والكراهية تجاه غير اليهودي تقسو على عدوها إذا تمكنت منه دون أدنى قدر من الرحمة والشفقة. أما إذا علا عدوها عليها بالقوة فتتحول الشخصية ذليلة خاضعة جبانة شخصية تعشق المال ولو على حساب أي قيمة إنسانية وتستغل المال كسلاح من أسلحتها للإيقاع والفتك بعدوها.

والمتابع لما يدور من أحداث مرتبطة بسلوك الصهاينة يجد هذه الصفات متأصلة في الشخصية الصهيونية، وهذه هي الصفة الغالبة على السلوك العام لهذه الشخصية.

فهذه الشخصية لم ولن تعيش مع محيطها العربي في سلام، ولن تعيد حقًا

مغتصبًا اختيارًا منها أبدًا، ولن تعود لنا حقوقنا إلا إذا اضطرت بالقوة لأن تعيد هذه

الحقوق.

 ولكننا للأسف كالتلميذ الفاشل الذي يعرف يقينًا أن النجاح يلزمه عمل، ومع ذلك يؤثر الكسل ويقعد عن العمل ويعيش في أحلام النجاح.

رضوا بالأماني وابتلوا بحظوظهم *** وغاصوا بحار الجد دعوى فما ابتلوا


مأساة أمتنا المسلمة.. بين الفكرة والصنم

أنس إبراهيم الدغيم

كان مالك بن نبي- يرحمه الله- يصور مشكلة المجتمع المسلم بين المجتمعات بقوله عندما تموت الفكرة يبرز الصنم، في إشارة إلى المأساة التي تعيشها أمتنا المسلمة ولن يكون الباحث في مشكلات أمتنا بمنأى عن حقيقة ما ذهب إليه هذا المفكر الكبير.

فعندما نتخلى عن الحقيقة الخالدة فهذا هو الحكم الصارخ الذي نصدره على أنفسنا بالموت الصٌّراح، فإن دوام الإنسان بخلود أفكاره وسموها.

ولن يكون الإنسان حيًا إلا بفكرة يعيش عليها وبها، فمنها طعامه وشرابه وشهيقه وزفيره.

 فكرة عاملة في كل لحظاتها، تحركه حركة عاملة في كل لحظاته، فيرتفع بها إلى أعلى.

فالنزول بكل ألوانه، ليس من شأن المسلم الذي يطلب الخلود بخلود رسالته، وهو الذي قد وكل إليه الإعمار في هذه الأرض، فهو في سبيل الله آناء الليل وأطراف النهار. ولن يكون للمسلم مكان في هذا الوجود إلا على ضوء من اليقين الجم والإيمان الواسع والهمة العالية، وهذه هي الحقائق المحركة للروح المسلمة حتى تأخذ مكانها في الحياة، وحتى تشق طريقها بين الزمان والمكان منتهية إلى المحل الرفيع.

 ولعل هذا ما ذهب إليه محمد إقبال- يرحمه الله- في واحدة من قصائده الرائعات في ديوانه «جاويد نامة» التي عاد فنقشها في كتابه القيم «تجديد التفكير الديني في الإسلام»:

 «أأنت في مرحلة الحياة أم الموت، أم الموت في الحياة؟»

 اطلب العون من شهود ثلاثة لتتحرى حقيقة مقامك

أولها: عرفانك لذاتك، فانظر نفسك في نورك أنت.

والثاني: معرفة ذات أخرى، فانظر نفسك في نور ذات سواك.

والثالث: المعرفة الإلهية، فانظر نفسك في نور الله.

فإذا كنت ثابت الروع في حضرة نوره

 فاعتبر نفسك حيًا خالدًا 

إنه لحق وحده من يجسر على رؤية الله وجهًا لوجه

«الصعود»، أي شيء هو؟ 

ليس سوى بحث عن شاهد 

قد يؤكد حقيقتك نهائيًا شاهد بيده وحده أن يجعلك خالدًا

 وما من أحد يقدر على الوقوف رابط الجأش في حضرته

ومن استطاع ذلك فإنه ذهب خالص

أأنت مجرد ذرة من تراب؟

اشدد عقدة ذاتك

واستمسك بكيانك الصغير

ما أجل أن يصقل الإنسان ذاته 

وأن يختبر رونقها في سطوع الشمس

 فاستأنف تهذيب إطارك القديم وأقم كيانًا جديدًا مثل هذا الكيان هو الكيان الحق وإلا فذاتك لا تزيد على أن تكون حلقة من دخان.

من هنا يبدأ المسلم رحلته بين الأسماء، فيكون حيث كان الحق، ويقيم حيث أقامت الفكرة المؤمنة، فلا يصدر إلى عالمه إلا من مشكاة الحقيقة الكبرى، فيكون النور هو

عطيته الأولى للعالمين.

ولن تنهار أمامه الحوائل دون بلوغ مآربه في الحياة إلا بقلب مؤمن حر عن الأغيار، ولن يكون هذا إلا بالارتفاع عن سفاسف الدنيا وموبقاتها وبالانشداد إلى ملأ غير الملأ الذي نعيش فيه يعز فيه المؤمن وتحيا به جوارحه أطيب حياة.

 أجل أيها المسلم: أنت عامر البادية وسيد الصحراء، وأنت الذي جعلت من صحراء مكة وادياً ذا زرع، ورددت قفار الجزيرة رياضًا ممرعة، تشدو فيها بلابل الخليقة، وكانت أرضاً ميتة لا حياة فيها فغنت بطلعتك طيور الحياة، وامتدت في ترابها الميت جذور الأمل، وحين سقيتها بالدموع وبالدماء، نبتت فيها أشجار الحقيقة، وتسامقت أغصانها الطليقة وامتدت في فضاءات الوجود، وتساقط منها الرطب الجني، فأكل العالم منه وشبع.

 فحطم القيود التي في يديك، وعد إلى منصبك من قيادة العالم، حينها سترى الأرض وقد دانت لك من أقصى شرقها إلى عمق غربها.

وتعال معي لنغني مع مالك بن نبي- يرحمه الله- أنشودته الرمزية التي غناها في أول كتابه «شروط النهضة» عن يا أخي المسلم: لكي تهدي بصوتك هذه الخطوات التي جاءت في عتمة الفجر نحو الخط الذي يأتي من بعيد وليدو غناؤك البهيج، كما دوى من قبل غناء الأنبياء، في الساعة التي ولدت فيها الحضارات.

وليملأ أسماع الدنيا، أقوى وأعنف من هذه الجوقات الصاخبة التي قامت هنا وهناك هاهم أولاء ينصبون الآن على أبواب المدينة التي تستيقظ- السوق وملاهيه لكي يميلوا هؤلاء الذين جاؤوا على إثرك ويلهوهم عن ندائك وهاهم أولاء قد أقاموا المسارح والمهرجين والبهلوانات، لكي تغطي الضجة على نبرات صوتك، وهاهم أولاء قد أشعلوا المصابيح الكاذبة لكي يحجبوا ضوء النهار.

 ولكي يطمسوا بالظلام شبحك في السهل الذي أنت ذاهب إليه، وهاهم أولاء قد جملوا الأصنام ليلحقوا الهوان بالفكرة، ولكن شمس المثالية ستتابع سيرها دون تراجع، وستعلن قريبا انتصار الفكرة وانهيار الأصنام، كما حدث يوم تحطم «هبل» في الكعبة.

عندما يكون نشر الثقافة هو الهدف

من الجميل أن تطالعنا من وقت إلى آخر مبادرات ثقافية تجعل من نشر الثقافة ودعم المبدعين غاية وهدفا لوجودها، ومن المبادرات الثقافية الجديرة التي تلفت الأنظار إليها مجلة عود الند الثقافية الإلكترونية التي تصدر شهريا لجمعها بين أفضل مزايا النشر الورقي والإلكتروني، ولتميزها على أكثر من صعيد، لاسيما فيما يخص تعاملها القائم على الاحترام مع الكتاب المحترفين والمبتدئين على حد سواء، ومراعاتها لضوابط جودة تشمل تدقيق النصوص قبل نشرها، وعدم إعادة نشر ما هو منشور في مواقع أخرى.

 والمجلة تستهدف الشباب دون تحديد فئة عمرية، ولذلك فهي تنصب نفسها منبرا للمبتدئين الذين لم ينشروا أعمالهم من قبل وهي في الوقت نفسه تثري معلوماتهم من خلال الدروس الموجزة، ومواد أخرى كتوثيق البحوث والاختبار الشهري للمعلومات العامة. كما تقوم بتهيئة النصوص لنشرها خالية من الأخطاء النحوية والإملائية، فتوفر لهم بذلك فرصة مثالية لنشر إنتاجهم من القصص القصيرة والانطباعات والخواطر والنقد الأدبي وعرض الكتب.

وقد كتب في «عود الند»، كتاب محترفون لهم أعمال منشورة، من بينهم روائيون وبأسمائهم الحقيقة، ثم تعد «عود الند»، خبرا صحفيًا توزعه على الصحف العربية، ويشمل دائما قائمة بأسماء المشاركين في العدد الأمر الذي يعني انتشارا أوسع للأسماء لا سيما أن أعداد عود الند. حظيت بتغطية إخبارية في كثير من الصحف العربية والأجنبية. 

وقد صدر العدد الأول من «عود الند» في مطلع شهر يونيو ٢٠٠٦م بعد فترة من التحضيرات لصدور هذا العدد، شملت اعتماد تصميم صفحات المجلة، ولأنها لم تعتمد قالباً جاهزا، فإن المجلة تظهر في حلة جديدة في كل عدد، إذ تبدأ بغلاف جديد، هو منذ العدد الخامس لوحة لفنان تشكيلي أو فنانة، ويشرف على اختيار الأعمال الفنان الفلسطيني «يوسف كتلو».

 صدرت المجلة بمبادرة من الإعلامي والأديب عدلي الهواري بعد سنوات عديدة قضاها في الإعلام، فوظف من أجلها خبرته المهنية الرفيعة لتخرج المجلة على خير صيغة الأمر الذي تكلل أخيراً بسابقة مميزة إذ حصلت المجلة بتاريخ ۲۹ نوفمبر ٢٠٠٧م على رقم دوريات دولي حصلت عليه من المكتبة البريطانية، وهو ISSN ١٧٥٦ -٤٢١٢، لتجعلنا أمام مبادرة جعلت الثقافة الراقية في متناول الجميع، فلا الكاتب بحاجة إلى واسطة للنشر، ولا القارئ مضطرًا للتسجيل في الموقع أو للعضوية فيه ليقرأ في المجلة أو ليعلق على موادها، فجميع صفحات «عود الند» مفتوحة للقراء بل إن المجلة لا تفتح لك نوافذ تطلب منك جعلها الصفحة المفضلة، وهي كذلك تسمح للقراء بالتعليق على النصوص بترك تعليقات الاطلاع القراء الآخرين عليها. يمكن للكاتب الرد على التعليق باستخدام الخاصية ذاتها.

والمجلة على الرغم من كل هذه الخدمات التي تقدمها للثقافة تصدر بتمويل فردي، فهي مجلة ليست ربحية، ومن هذا المنطلق لا تنشر أي نوع من الإعلانات.

ولعل هذه التجربة الإلكترونية الثقافية تضرب مثالا يعتد به في المشهد الثقافي العربي لاسيما الإلكتروني منه، وتشجع المهتمين بالثقافة واللغة العربية على تقديم أفكارهم ومبادراتهم في سبيل الأفضل والأكثر تميزًا.

الرابط المختصر :