العنوان المجتمع الثقافي (1759)
الكاتب مبارك عبد الله
تاريخ النشر السبت 07-يوليو-2007
مشاهدات 15
نشر في العدد 1759
نشر في الصفحة 44
السبت 07-يوليو-2007
عندما تكون الثقافة في خدمة الاستعمار!
الليبراليون الجدد اختطفوا الثقافة من قاعدتها الحوارية إلى الدائرة الأمنية الضيقة
يحيى أبو زكريا
لم تكن الثقافة في يوم من الأيام عاملا لتكريس الدموية، والاستئصال والتحريض على الكراهية، فالثقافة في بعدها الحضاري عامل بناء وتكامل وانفتاح على الآخر. وقد يحدث أن تتباعد الرؤى بين المثقفين وهذا طبيعي ومنطقي.
لكن لا يمكن أن تنزل الثقافة إلى مستوى الغل، والكراهية والتعامل بمنطق الاستئصال والإقصاء.
وهذا الكلام ينطبق على ما يعرف بالليبراليين الجدد الذين عملوا على تكميم الأفواه، ومن ثم اختطاف الثقافة من قاعدتها الحضارية الحوارية الانفتاحية إلى الدائرة البوليسية الأمنية الضيقة، متجاوزين أهم مبدأ في الثقافة، وهو ضرورة سماع الآخر والانفتاح عليه.
ومصيبة المثقفين العرب الذين نقلوا المفردات الثقافية الغربية، والمدارس الفكرية الغربية، أنهم لم يكتفوا بتحريف هذه المفردات وإعطائها معاني إضافية لا تتحملها، بل أخرجوها عن سياقاتها وعربوها في الاتجاه السلبي، فالليبرالية الغربية لم تطالب بواد الكنيسة، وقتل القساوسة، والتنكر للدين كما فعل الليبراليون الجدد مع تيارات الإسلام السياسي. ومن يطالع الصحف الإنجليزية والفرنسية، والإسبانية والغربية بشكل عام لا يعثر على مقالة واحدة تطالب باستئصال الوطنية والحركات الدينية، وضرورة الارتماء في المحاور الإمبريالية على الصعيد السياسي والاقتصادي.
ويبدو أننا مصابون بداء تحريف الأشياء عن مواضعها، فالماركسية عندما عربت فقدت محتواها، وكذلك الأمر بالنسبة لليبرالية الغربية فعندما عربوها زادوها بعضاً من العقد التاريخية والأيديولوجية وكثيراً من الارتداد عن الموروث الحضاري لهذه الأمة.. وبدل أن يستنفد هؤلاء الجهد والطاقة في محاولة ابتكار مدارس فكرية جديدة راحوا يستوردون المدارس الفكرية الجاهزة لاتخاذها وسيلة يتخفون وراءها.
فهل من الحرية أن يطالب بعض المثقفين بإعدام وملاحقة من يختلفون معهم في التوجهات الفكرية؟ أليس أساس الليبرالية الحرية والسماع للآخر، بل التضحية من أجل أن يقول الآخرون آراءهم بحرية مطلقة؟
ألم يكن من الأفضل أن يدعو بعض هؤلاء المثقفين الذين يطالبون من عواصم غربية بضرورة استعمار هذه الأمة تمهيداً لتحريرها في نظرهم، إلى فتح حوار ثقافي واسع بين كل المنتمين إلى الخارطة الثقافية والسياسية في العالم العربي، في محاولة لخلق معادلة خلاص يساهم في وضعها الجميع؟!
إن واحدة من أهم أسباب تردي الوضع الثقافي في العالم العربي.. بروز ظاهرة الثقافة الببغاوية التي تردد كل المفردات الثقافية والفكرية التي ولدت في مناخ فكري وثقافي مغاير جغرافياً، وفكرياً وسياسياً واجتماعياً..
أما كان الأولى بمثقفينا أن ينطلقوا من روح هذه الأمة لصياغة منظومة ثقافية وفكرية لها استقلاليتها وتميزها.
لقد وصل الأمر بدعاة مبدأ الحرية إلى أن يباركوا مصادرة هذه الحرية تمهيداً لبناء حريتهم الموعودة.
إلى أي شرعة يستند الليبراليون الجدد ؟! إذا قالوا سندنا الحرية ، قلنا فعالكم ودعواتكم تجافي الحرية.
وإذا قالوا النموذج الغربي، قلنا إن حرية التدين مبدأ مقدس في الدساتير الغربية.
وإذا قالوا سندنا المرجعية الإسلامية قلنا يستحيل ذلك فأنتم تطالبون باستئصال الإسلام من الواقع العربي والإسلام،فإذا لم يكونوا غربيين ولا مسلمين من حيث المرجعية الفكرية والإبستمولوجية فماذا يكونون؟
صراع الفضيلة
خميس قشة الحزامي ([1])
تزخر الحضارة الغربية بجوانب مضيئة من الحرية والتقدم والازدهار والإنفاق على البحث العلمي والتكنولوجي، وتنظيم القوانين التي تطبق على القوي والضعيف والغني والفقير ... إلا أن فريقاً من هذا العالم المتحضر تحرر من أي توجيه ديني فطغت عليهم الحياة المادية في نهجها وغايتها فشاعت الإباحية الجنسية وسقط المحظور.
ووسط صخب هذه الحياة أثار حزب الاتحاد المسيحي - الذي يشكل مع الحزب المسيحي الديمقراطي - الأغلبية في الحكومة الهولندية بانتقاداته له بوستر دعائي ضخم للألبسة النسائية الداخلية يظهر امرأة شبه عارية على جدار إحدى البنايات الكبيرة في وسط مدينة «أوترخت» رابع المدن الهولندية من حيث الكثافة السكانية ضجة إعلامية وتساؤلات كثيرة حول رجوع الدين للسياسة الأوروبية .. عندما قام أعضاء الحزب بتقديم احتجاج لرئيس البلدية يطالبه يسحب هذه الصورة الفاضحة، واعتبروها ذوقاً فاسداً لدعاية تجارية رخيصة تهدف إلى تسويق المنتجات الاستهلاكية وكسب ربح أكبر دون أن يحترم أو يراعي شعور شرائح من المجتمع، وهو امتهان للمرأة ولكرامتها يتعارض مع فكرة تحررها، ولقد لقيت هذه الاحتجاجات قبولاً وترحيباً جماهيرياً لسكان المدينة لم يكن يتوقعه الكثيرون أزعج الصحافة والأحزاب اليمينية المعارضة، فبادرت باتهام حزب الاتحاد المسيحي بالرجعية، وبتوظيف واستغلال وجوده في الحكومة لفرض قيود أخلاقية بالية.
هذه الضجة أكدت من جديد أن في المجتمعات الغربية أحزاباً وأشخاصاً يشتركون مع غيرهم في التأكيد على أن الأخلاق هي الدعامة الرئيسة التي تقوم عليها المجتمعات,
([1]) مدير المركز الثقافي الاجتماعي بهولندا.
ومضى إلى جنان الخلد
كان صاحب همة عالية.. في غاية التواضع.. يحسن التعامل مع من يختلف معه.. قدوة حسنة لشبابنا
له مؤلفات عديدة في خدمة الإسلام .. فقد ألف في القصة والتاريخ والدراسات الأدبية وفلسفة الحياة والمسرحيات الشعرية.. وكتب للأطفال
بقلم: هيفاء علوان([1])
استيقظت قبل أذان الفجر، الحمد لله.. أبو محمود ينام بارتياح.. لكن غريب.. المدفأة مشتعلة، وضوء غرفة مكتبه منارة والمطبخ و ما الأمر؟!
قلت في نفسي : لاغرابة خير إن شاء الله، لأصلي ما تيسر... أذن الفجر الأذان الأول.
لن أوقظ أبا محمود إلا بعد الأذان بنصف ساعة عله يرتاح أكثر، عهدي به لا ينام من الليل إلا قليلاً، قد يكون نام متأخًرا.
أذن الأذان الثاني صليت الفجر وتلوت الورد، إذ بالغالي ينتفض من فراشه سألني: أذن الفجر ؟
توضأ .. عندما كان يرفع رجله للوضوء رفعها بثقل، قال: رحمتك يا الله.
صلى كما كان يصلي جهراً، لكن كان من عادته أن يوقظنا فرداً فرداً لكن هذه المرة فاته أن يوقظنا، أدى صلاته كانه بحس ببرودة طلب مني أن أشعل المدفأة التصق بها لدقائق جالساً على الكرسي. تنبهت لذلك سألته: كيف كانت ليلتك؟ أجاب رحمه الله: لقد نمت جيداً.
سألني : هل صليت الفجرة قلت له : صليت.
سألني ثانية: هل صليت معك – وكنت سبقته إلى الصلاة؟ أجبته: لا صليت وحدك.
أصابتني بعض ريبة.
سألته: كيف تشعر ؟ هل نقيس الضغط؟
أجاب: لا بأس، قاس الضغط بنفسه ثم قال: الحمد لله الضغط طبيعي.
في الساعة الخامسة والنصف قال لي: سأنام.
أسرعت وأتيت له بوسادة يضعها وراءه لأنه سينام جالساً : دابه أكثر الأيام، أخبرني أنه ليس له حاجة بها، تركته نائماً وهو جالس.
قرأت ثم أيقظت الأولاد للمدرسة.
في العاشرة عندي موعد في البيت. يجب أن أوقظ أيا محمود لأرى طلباته قبل قدوم ضيفتي ... أبو محمود .. أبو محمود يرحمه الله .لا جواب. أبو محمود أبو محمود .. اقتربت منه لمست وجهه حركته برفق عله ينتبه ولكن.
لم ينتبتي.. الجزع إنه ينام نوماً طبيعياً جالساً مغمض العينين، ينام كما ينام دائماً! هزرت يده بتلطف .. إلى تلك اللحظة لم أكن أعي ما حدث.
- قد يكون مستغرقاً في النوم، أو غاب عن الوعي لتوه. اللهم لطفك
لملمت جراحات قلبي، أسرعت إلى الهاتف اتصلت بابنه.. إن مكانه بعيد ... اتصلت بأعز إخوانه .. وجل إخوانه يعزونه ويحبونه لدماثة خلقه، جاء أبو أنس خلال ثوان مع أخ آخر.. أخبرنا جارنا أبا أسامة قدم محوقلاً، عندما رآه قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أدركت وعرفت أنه .. استرجعت وقلت: حسبنا الله ونعم الوكيل.
هرعت إلى جارتي مع زوجها الطبيب (أبي شريف) للتأكد من الأمر، كانت جارتي العزيزة تحاول أن تكتم أنفاسها، هي وجلة ليس من هذا الموقف الرهيب فحسب، ولكن كانت - حفظها الله - تحوطني بعطف يفوق حنان الأم على أطفالها.
نظرت إليه النظرة الأخيرة - تغمده الله برحمته - قبلته من وجهه، من يده ثم من قدمه التي طالما مشت إلى رحاب الله وطالما سعت إلى خير العباد، بعد أن ذهب الإخوة ليتابعوا الأمر، بدأت مع جارتي أم شريف بقراءة سورة يس..
لم نكمل هذه السورة إلا وقدمت سيارة الإسعاف المدني وأخذوا الفقيد من بيته من الدار الفانية إلى دار البقاء، وبدأت رحلة الأسى والألم، لم أشعر في البداية بالخور. كنت متماسكة، وهذه منة من الله سبحانه مع أنني أعترف بضعفي كثيراً في النائبات لذا كان - رحمه الله - يخفي عني الكثير من مواجعه ترفقاً بي.
كان جل فكري منصباً على الأولاد بعضهم فراخ زغب - حماهم الله - فكيف سأخبرهم؟ ثم كيف سيكون وقع هذا الخبر المؤلم عليهم؟
هم يحبون أباهم ككل الأولاد، لكن حبهم لأبيهم يفوق كل تصور.
هذه سنة الحياة.. في كل يوم نفقد من أحبابنا كثيرين من الأقرباء والبعيدين، لكن أن تفارق الحبيب الذي عشت معه في سرور وحبور رغم المنغصات في العالم وبالأخص عالمنا الإسلامي، ورغم ما يمضنا من آلام المعذبين المحرومين.. ماذا أقول عن أبي محمود؟
هل أتكلم عن أخلاقه في بيته، أم عن تواضعه، أم عن حسن تعامله مع من يختلف معه؟ أم عن دأبه وهمته العالية التي أراه فيها خير قدوة لشبابنا وبناتنا ومن هم في عمرنا حتى الشيوخ، فما دام في العمر فسحة فلنتبار ولنتنافس في عمل الخير ولنسع إلى المجد.
كنت والفقيد - أسكنه الله فسيح جنانه - كتوأم في أفكارنا وآمالنا وطموحاتنا، إن تكلم في الأدب شعراً ونثراً، قصة ونقداً غصت معه في هذا البحر المتلاطم، وأفدت من معين بحره الذي لا ينضب، فكلما بدأ بمشروع قصة أو مقال أو بحث أو كتاب يكون قد خطط له ليلاً، أرى زبدة البدايات صباحاً فأفرح لهذا الإنجاز الطيب.
كم له من أياد في خدمة الإسلام، فلقد ترك لنا سفراً خالداً وهو مرجع في كثير من البلاد العربية في الجامعات كما نمي إليه - رحمه الله- وهو كتاب « الفاصلة في القرآن الكريم..
وكتابه الذي أنجزه في سنة واحدة من سني مرضه (دراسات جمالية في أربع سور)، هذا الكتاب القيم الذي يحتاج لمن يبرز خصائصه ويدرسه دراسة وافية، وكان رحمه الله يخطط الدراسات قرآنية أخرى ويتمنى إنجاز أكبر عدد منها، ولكن اختاره الله لجواره.
له في القصة:
- (الحلبة والمرآة) ۱۹۷۲م.
- (بين القصر والقلعة) مجموعة قصصية ۱۹۸۸م.
- (بلد النوابغ) مجموعة قصصية ۱۹۹۹م.
- (مجموعة قصص ومسرحيات تحت عنوان بطل في (جبل الزاوية) صدر بعد وفاته بأيام ٨/۳/٢٠٠٧م.
ومجموعة قصصية في طريقها إلى الصدور (قصص راعفة). وله في السيرة الذاتية رواية (خطوات في الليل) ١٩٩٤م.
وفي الدراسات الأدبية:
. الفاصلة في القرآن (رسالة ماجستير)1973م.
- في الأدب والأدب الإسلامي ١٩٨٦م.
- في الأدب والحضارة - ١٩٨٥م.
- صفحات في الفكر والأدب ٢٠٠٠م.
- دراسات في الشعر الأدبي (قديمه وحديثه .. رؤية إسلامية) ٢٠٠٢م.
في التاريخ:
- ذكرياتي مع السباعي ٢٠٠١م
- حماة.. مأساة العصر.
- تدمر .. المجزرة المستمرة.
وكتب في فلسفة الحياة:
- كتاب (مرجعية الحياة عند السباعي نموذجاً) وسيصدر عن دار عمار بإذن الله عما قريب.
بالاشتراك مع الآخرين:
- (أصوات) مجموعة قصصية ١٩٧٨م.
- في الدراسة الأدبية (دراسة أدبية النصوص مختارة من الأدب العربي الحديث) ١٩٧٥م.
- في الإنشاء الأدبي ١٩٧٤م.
- مشكلة القدر والحرية ١٩٧٢م.
- عالم المرأة ١٩٨٥م.
خط اللقاء - مجموعة قصصية 1988م .
وكتب - رحمه الله - للأطفال:
في الشعر:
ديوان فاز في مسابقة رابطة الأدب الإسلامي منذ 9 سنوات:
(العصافير والأشجار تغرد للأطفال) وتنتظر خروجها إلى النور.
( ديوان هيا نغني يا أطفال) تحت الطبع.
مسرحيات شعرية:
(الصقر) و(الغزال) و(الكلب) (الهرة) (الأسد) و(الحصان) و(القرد) و(الدلفين) وغيرها.
وكتب للأطفال مجموعة من القصص.
له أناشيد ملحنة للأطفال صدرت سلسلة تعليمية مسماة (سلسلة الصوت الذهبي) صدر منها (ربيع القلوب)، و(ربنا وتقبل دعاء)، و (رياض المتقين)، وشريط رابع سيصدر عما قريب بإذن الله.
وله ترنيمات عن المدينة المنورة في شريط مدينة الرسول) وهو شريط مميز أنتجته (دار الزاد).
لقد ترك لنا - رحمه الله - أدباً إسلامياً رائعاً، وشعراً تقليدياً أسراً، برع في شعر التفعيلة، وليس كل الشعراء يبرعون، وهو أول من أنصف الأديب علي أحمد باكثير رائد شعر التفعيلة، بعد أن غمط حقه كثيراً.
ويجهل كثيرون دوره في أدب الطفل المسلم، وقد لمسنا نتاجه المميز، رغم أن اهتمامه بأدب الطفل ظهر في السنوات الأخيرة، وما يميز نتاجه في هذا الباب عن نتاج غيره أنه يناسب مستوى الأطفال ولا تراه يستخف بهذه الشريحة المهمة في المجتمع، فكان يجمع – رحمه الله بين الأسلوب السهل والمضمون الراقي.
أما المسرحيات الشعرية للأطفال عند شاعرنا فهي تذكرنا بأمير الشعراء أحمد شوقي ومسرحياته الشعرية التي طبقت شهرتها الآفاق.
حلق - محمد الحسناوي - في التحليل السياسي، وكان لا يبارى في هذا المجال بشهادة إخوانه له مئات المقالات التي وضع فيها يده على الجرح.
رحمك الله - أبا محمود - رحمة واسعة على هذا العطاء الفياض، وألهمنا وأحبابنا الصبر والسلوان، وجعل مقامك في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
([1]) كاتبة سورية زوجة الراحل محمد الحسناوي يرحمه الله.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل