العنوان ماذا وراء قصة.. عدم تعدد الزوجات في باكستان
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 23-مارس-1971
مشاهدات 15
نشر في العدد 52
نشر في الصفحة 12
الثلاثاء 23-مارس-1971
الحكومة تفرض حمايتها لقانون منع تعدد الزوجات وتفرض عقوبة عشرة أعوام سجنًا على من يخالفه
عقوبة سنة سجنًا إذا تزوجت بالمرأة الثانية
مما يشاهد في هذه البلاد ولا سيما بعد تأسيس باكستان أن الموظفين الصغار قد تربعوا بين عشية وضحاها على المناصب الرئيسية التي لم يكونوا يحلمون بها. فسقطت زوجاتهم المسلمات من أعينهم لأنهم كانوا يريدون منهن أن يصطبغن بالحياة الجديدة الأرستقراطية الخليعة فما رضين بها لكونهن نساء عفيفات، فتزوج هؤلاء القوم بالفتيات المصريات وجعلوا زوجاتهم السوابق يقبعن في بيوتهن.
ومن العجب العجاب أن الزوجات اللائي جئن بعد الزوجات «غير المثقفات» وأصبحن سيدات المجتمـع يغشين المناسبات الرسمية ألفن جمعية باسم
«جمعية النساء الباكستانيات» وأصبحن يتخذن الإجراءات لمنع أزواجهن من الزواج بالثالثة، وجعلن شعارهن: معارضة تعدد الزوجات، وثارت ثائرتهن عندما تزوج محمد علي بوجرا رئيس الوزراء آنذاك بثانية أيام وزارته عام ١٩٥٥ م.
فأثارت السيدات المتفرنجات من جمعية النساء المشار إليها ضجة عنيفة ما رأى محمد علي بوجرا مخرجًا لنفسه منها إلا في تأليف لجنة لتدوين قانون جديد للأسرة المسلمة.
وهذه اللجنة إنما كانت مكونة من أناس لم يكن لهم أدنى إلمام بالفقه الإسلامي ولم يكونوا يتمتعون بأي نوع من الثقة أو التأييد من عامة المسلمين.
وإليكم أسماء وأعضاء هذه اللجنة: السيد الخليفة شجاع الدين رئيس المجلس النيابي رئيسًا لهذه اللجنة «وكان السيد الخليفة شجاع الدين توفي قبل إنجاز المهمة فعين الهان عبد الرشيد رئيس المحكمة العليا بلاهور رئيسًا لهذه اللجنة» والخليفة عبد الحكيم مدير نادي الثقافة الإسلامية عضوًا، والمستر عنائت عبد الرحمن عضوًا والسيدة شاهنواز عضوة والسيدة أنورجي أحمد عضوة والسيدة شمس النهار محمود عضوة والشيخ احتشام الحق عضوًا «وهو عضو وحيد اختير من العلماء»
وقدمت اللجنة بشأنها بعض الاقتراحات وأرسلتها بصورة أسئلة «1» –لغرض الاستفسار –إلى عدد من العلماء والمؤسسات العلمية في باكستان، وجلهم– إن لم نقل كلهم– عارضوا تصورات اللجنة وأفكارها الغريبة ولكن اللجنة قدمت تقريرها المشتمل على اجتهاداتها السخيفة إلى الحكومة للمصادقة والتنفيذ، مع أن العالم الوحيد من أعضائها–وهو الشيخ احتشام الحق– عارض هذا التقرير بعنف، وعندما وقع عليه، ذيله بعدم رضاه عن محتوياته، ومرة أخرى نشر العلماء وأهل الفكر الإسلامي في باكستان آراءهم ضد تقرير اللجنة على صفحات الجرائد، وفي صورة الكتب والرسائل، مما لـم تتجرأ الحكومة لأجله على المصادقة على هذا التقرير، وتنفيذه قبل قيام الثورة الحالية
ولكن لما برزت حكومة الثورة، فرحت بها طبقة عملاء الغرب، ومرة أخرى استأنفت السيدات المتفرنجات سعيهن في تنفيذ هذا التقرير، واتصلن بفخامة الرئيس وقلن له، كما ورد في مؤلفه: أصدقاء ولا سادة: إنك إذا قمت بتطبيق التقرير المشار إليه هذه الأيام لن يعارضك أحد كما لن يستطيع بعدك أحد تطبيقه وأخيرًا تكلل سعيهن بالنجاح، وفرض التقرير على الجمهور المكبوت الحرية والمكتوف الأيدي تحت ظل سيف الديكتاتورية باسم « قانون الأسرة الإسلامية» وجعل لمن يعترض عليه ويصدر تصريحًا يخالفه عقوبة السجن عشر سنوات وأربع عشرة سنة، إلا أن العلماء في باكستان لم يقصروا في معارضة هذا القانون المتنافي مع نصوص الشريعة الإسلامية، ورفع استنكارهم ضده، ففي لاهور– مثلًا– اجتمع 14 عالمًا من الممثلين لكافة الفرق الإسلامية «1»، ورتبوا ما رأوا في هذا القانون من مواطن الضعف ومخالفة الشريعة الإسلامية بصورة بيان مشترك أيده آلاف مؤلفة من علماء البلاد من كافة الطوائف، أما الحكومة فقد منعت الجرائد بالتهديد والإرهاب من نشر هذا البيان وقد صادرت من هذا البيان وهو في إحدى المطابع 16 ألف نسخة، وقدمت من قام بطبعها إلى المحكمة العسكرية، ولم تنظر في قضيته أكثر من خمس دقائق–بالظبط– حتى حكمت عليه بالحبس سنة كاملة مع الأشغال الشاقة، كما أن الحكومة اعتقلت عددًا كبيرًا من الذين أعلنوا استنكارهم لهذه القوانين في خطب الجمع، أما الجانب الآخر، فالسيدات المولعات بحضارة الغرب علقن الزهور في عنق الرئيس أيوب خان، وما زلن يتخذن القرارات ويقمن الأفراح، وينشرن المقالات في الجرائد في حق هذا القانون الجديد.
وهم:
1 – الشيخ المفتي محمد حسن رئيس الجامعة الأشرفية بلاهور من علماء أهل السنة.
2 – الشيخ أبو البركات القادري مدير جمعية حزب الأحناف المركزي بلاهور من علماء أهل السنة.
3 – الأستاذ أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية.
4 – الشيخ محمد إدريس الكاندهلوي أستاذ الحديث بالجامعة الأشرفية بلاهور.
5 – الشيخ المفتي جعفر حسين المجتهد من علماء الشيعة وعضو لجنة الدراسات الإسلامية التابعة للمجلس التأسيسي في باكستان سابقًا.
6 – الشيخ محمد عطاء الله حنيف رئيس فرع جمعية أهل الحديث بلاهور، من علماء أهل الحديث.
7 – الشيخ السيد محمد أحمد رضوي نائب مدير جمعية حزب الأحناف المركزي بلاهور من علماء أهل السنة.
8 – الشيخ ابن الحسنات خليل أحمد القادري خطيب جامع وزيرخان بلاهور من علماء أهل السنة.
9 – الشيخ الحافظ عبد القادر روبري خطيب جامع القدس بلاهور من علماء أهل الحديث.
10 – الشيخ الحافظ محمد أحمد روبري مدير شئون جامع القدس.
11 – الشيخ أبو يحيى إمام خان نوشهروي بلاهور.
12 – الشيخ عبد الستار خان نيازي بلاهور.
13 – الشيخ الحافظ كفايت حسين المجتهد رئيس الهيئة العالمية لصيانة حقوق الشيعة في باكستان.
14 – الشيخ الحافظ محمد عبد الله روبري متولي جامع القدس بلاهور.
ثم أصدر جميع العلماء في باكستان من كافة الفرق في غربي باكستان وشرقيها تأييدهم لهذا البيان.
شريعة جديدة
وإليكم الآن بعض ما جاء في هذا القانون من النكات واعتراضات العلماء عليه:
1 – فقد قرر هذا القانون في ديباجيته فوق الشريعة
IRRESPECTIE OF SHARIAH
والمقصود بذلك القضاء على التصور القائل بأن قانون المسلمين للأحوال الشخصية إنما أسس على الشريعة الإسلامية، مع أن هذا التصور ما زال قائمًا حتى في عصر الانتداب البريطاني.
2 – فقد فرض هذا القانون الحظر على زواج الرجل بأكثر من واحدة إلا بالشروط التالية:
1 – أن يتحصل الرجل لذلك رضى زوجته أو زوجاته الموجودة.
2 – أن يقدم طلبه إلى رئيس المجلس الاتحادي في منطقته ويتحصل منه الرخصة لهذا الغرض.
3 – أن يقنع مجلسًا يكون من ممثل منه وممثل من زوجته أو زوجاته الموجودة أنه بحاجة حقيقية إلى الزواج بالأخرى وصرح القانون أن الذي يعقد الزواج بالأخرى بدون استكمال الشروط المذكورة أعلاه يعاقب بالسجن سنة كاملة مع الأشغال الشاقة أو بالغرامة المالية قدرها خمسة آلاف روبية أو بكليهما معًا، ولا يسجل زواجه في سجل المأذون الشرعي ويكون لزوجته أو زوجاته الموجودة على هذا الأساس أن تطلب من المحكمة حق الخلع.
3 – قد قرر هذا القانون أن عدة المرأة بعد الطلاق لا تبتدئ من حين الطلاق، وإنما تبتدئ منذ أن يتلقى رئيس المجلس الاتحادي الإشعار بالطلاق من الزوج «ولو بعد شهرين منذ وقوع الطلاق».
4 – وقد قرر هذا القانون عدة المرأة غير الحامل 90 يومًا مع أنها ثلاثة قروء بموجب صريح القرآن.
5 – وقد قرر هذا القانون عدة المرأة الحامل أطول الأجلين مع وضع حملها أو 90 يومًا، مع أنها من حين وضع حملها بموجب صريح القرآن.
6 – ليس نفاذ الطلاق بموجب هذا القانون منذ وقوع الطلاق، وإنما هو منذ أن يتلقى رئيس المجلس الاتحادي الإشعار بالطلاق ويفشل في السعي للتوفيق بين الزوجين.
7 – من اللازم بموجب هذا القانون أن يسجل الزواج في سجل المأذون الرسمي، ومن يخالف هذا، يحكم عليه بالحبس أو بالغرامة، أو بهما معًا.
وأما إذا تزوج رجل بامرأة أمام شاهدين، ولم يسجل زواجه عند المأذون الرسمي، فهل يعترف بمشروعيته؟ وهل تستحق الذرية التي تعقبه الوراثة من تركته؟ أم لا؟ وهل يجوز للمرأة أن تتزوج بثان مع وجود الأول أم لا؟ فهذه وكثير من أمثالها من المشاكل التي قد ولدها هذا القانون ولم يبذل أي اهتمام لتسويتها.
8 – قد حددت سن الزواج في هذا القانون 18 سنة للرجل و16 سنة للمرأة، ومعلوم أنه ليس في القرآن، ولا في السنة أي تحديد لسن الزواج.
فالرجل إذا تزوج قبل أن يكون سنه 18 سنة، أو تزوجت المرأة قبل أن يكون سنها 16 سنة، فكلاهما مرتكب للجريمة بموجب هذا القانون، ومعنى هذا أن شخصًا محبًا للشرف والعفاف، إذا رأى بنته تفسد في هذا الجو الفاسد قبل أن تستوفي سنها القانونية للزواج، فعليه أن يغض الطرف عن فسادها، ولا يحصنها بالزواج حتى يكون سنها 16 سنة على الأقل، إن هذا التحديد في هذا القانون إنما هو لسن الزواج، وأما سن الزنا، فلا تحديد له في هذا القانون، ولا بأس في نظره أن يرتكبه الرجل والمرأة بتراضيهما قبل أن يكون سنهما 18 أو 16 سنة أو بعدها.
(من النكات الفكهة التي أحدثها بعض عمال حكومة الثورة بصدد تطبيق هذا القانون أن رجلًا في مديرية راولبندي طلق امرأته وتزوج بثانية بعد مدة، فجاءه التهديد من قبل رئيس المجلس الاتحادي يستجوبه: لماذا تزوجت يا رجل قبل أن تقضي شهرين ونصف الشهر، أي العدة المحددة لك في القانون بعد طلاقك «1»؟
كأن العدة يقضيها الرجال الآن مثل النساء «2».
هذه قصة «قانون الأسرة المسلمة» بالاختصار الذي رفضه جميع أهل العلم والفقه في باكستان رفضًا باتًا.
«1» جريدة نوائي وقت 26 أيلول 1961 م.
«2» هذا ما أوضحه الرئيس أيوب خان حديثًا بقوله: ما هذا بقانون إلهي ولا هو قانون الشريعة، ولا هو قضاء أحد الأئمة، وإنما هو قانون من القوانين الإنسانية «جريدة نوائي وقت 3 تشرين الثاني 1961 م»
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
حَياة شودَري غلام محمد.. سيرة عَلم من أعلام الإسلام في بَاكستان
نشر في العدد 1
850
الثلاثاء 17-مارس-1970