; المجزرة في عيون الصحافة البريطانية | مجلة المجتمع

العنوان المجزرة في عيون الصحافة البريطانية

الكاتب د. أحمد عيسى

تاريخ النشر السبت 03-يناير-2009

مشاهدات 13

نشر في العدد 1833

نشر في الصفحة 24

السبت 03-يناير-2009

«الأوبزرفر»: شعب غزة يزداد تعاطفا مع «حماس» بسبب تلك القوة والحصار اللذين يعتبران عقوبة جماعية

«ماري كولفين»: غارات غزة كشفت فشل «إسرائيل» في زحزحة «حماس» عن السلطة ودفع أهل القطاع إلى الانقضاض عن حكومتها

«شون رايمنت» في التليجراف: «إسرائيل» مدمنة للعنف.. والدارس لتلك الدولة يجد أنها سببت الكثير من المعاناة خلال تاريخها القصير 

«الإندبندنت أون صنداي»: ما حدث يوصف بالعملية التي تأتي بنتائج عكسية.. فالحصار كان قد بدأ يؤتي أكله.. إذ بدأ الكثير من الغزاويين يبدون بعض التبرم من «حماس».. ومنهم من اعتبر أن الحياة أيام الاحتلال كانت أفضل حالًا!!

«الصنداي تايمز»: أمريكا وبريطانيا خرجتا عن الإجماع الأوروبي الذي استنكر الضربات الجوية وطالب بوقفها ورفضتا المطالبة بوقف الغارات وأدانتا «حماس»!

لم يشهد العالم في زمن «السلم» جريمة حرب كالتي شهدتها «غزة» يوم السبت ٢٧ ديسمبر؛ ستون طائرة أمريكية من طراز إف - ١٦ يقودها الصهاينة المجرمون تضرب أكثف شريط سكاني ضيق على وجه الأرض وقت خروج الأطفال من المدارس، والعالم كله يشاهد، وقد امتلأت ثلاجات الموتى بالجثث، وبدأت أشلاء الضحايا وجثثهم في التكوم عند ممرات المستشفيات، وخارجها في الشوارع.. وفي الغرب لا يملكون إلا أن يقولوا إن هذا استخدام غير ملائم ومفرط للقوة!

 لم يكن ذنب أهل غزة و«حماس» التي اختيرت بانتخابات حرة ونزيهة إلا المطالبة بالحقوق المغتصبة والوقوف في وجه الظلم البين؛ لتتعرض لأعنف «اعتداء إسرائيلي» على «غزة» منذ حرب عام ١٩٦٧م بالنظر الى عدد القتلى والجرحى. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي في لقاء مع «B.B.C»: «إنه من غير الواقعي إلغاء العملية العسكرية في الوقت الراهن.. هناك وقت للتهدئة ووقت للقتال، وقد حان وقت القتال»، ونقل مراسل المحطة في «القدس» إجماع سكان غزة على أن الغارات الجوية الإسرائيلية التي ضربت قطاعهم هي أسوأ ما تحمله ذاكرتهم الحية..

كيف رأت الصحافة البريطانية ما حدث؟

لندن: د. أحمد عيسى

احتلت الصفحات الأولى للصحف البريطانية تغطيات واسعة وصورًا مؤثرة للغارة «الإسرائيلية»، واحتشدت في داخلها بالتعليقات.

في «الجارديان» كتب «إيان بلاك» مراسل الجريدة في منطقة الشرق الأوسط: إن شاكوش إسرائيل ضرب غزة، وقال: إن تلك الضربة قد تضعف من قدرة «حماس» على الهجوم، ولكنها بالتأكيد التام ستزيد شعبية وتأييد «حماس» من قبل الفلسطينيين(١).

 وفي «الصنداي تايمز» نقرأ كيف أن «أمريكا»، و«بريطانيا» خرجتا على الإجماع الأوروبي الذي استنكر الضربات الجوية وطالب بوقفها(٢). وهاتان الدولتان رفضتا المطالبة بوقف الغارات وأدانتا «حماس» واتهماها بأنها السبب فيما حدث! وجاء ذلك على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض ورايس وزيرة الخارجية التي قالت: «إننا ندين بقوة هجمات الصواريخ التي تشنها «حماس» على «إسرائيل»، ونحمّل الحركة مسؤولية انهيار وقف إطلاق النار هناك، ونشدّد على ضرورة تجديده والالتزام به على الفور». واشترط المتحدث باسم البيت الأبيض «جون جوندرو» وقف «حماس» لإطلاق الصواريخ على «إسرائيل» كي يتوقف ما وصفه بالعنف في القطاع، داعيا «إسرائيل» إلى تحييد المدنيين أثناء استهدافها لحركة «حماس»، وكذلك على لسان «براون» رئيس الوزراء البريطاني الذي أعرب عن «قلقه العميق» إزاء استمرار المسلحين الفلسطينيين بإطلاق الصواريخ من غزة على «إسرائيل» والرد الإسرائيلي عليها، داعيًا المسلحين الفلسطينيين إلى التوقف عن إطلاق الصواريخ و«إسرائيل» إلى إطلاق الصواريخ و«إسرائيل» إلى «عمل كل ما بوسعها لتجنب وقوع ضحايا بين صفوف المدنيين».

فشل «إسرائيل»

وفي صحيفة «الصنداي تايمز»(۳) سمت «ماري كولفين» ما حدث بالإخفاق «غارات غزة

كشفت فشل «إسرائيل»، وهي تعني فشل سياستها في زحزحة «حماس» عن السلطة في غزة، ودفع أهل القطاع إلى الانقضاض من حول حكومتها، وفي الوقت ذاته توجه اللوم إلى «حماس»، وإلى ما تصفه «تشبُّثًا عنيدًا بالسلطة على حساب مصلحة الشعب الفلسطيني» على حد تعبيرها. وألمحت إلى أن الغارات لها أيضًا سبب داخلي وهو الانتخابات العامة في فبراير ۲۰۰۹م، و«ليفني» مرشحة حزب «كاديما» تتهم بكونها غير صلبة بشأن الدفاع، بالمقارنة بـ«نتنياهو» المتشدد الذي يسبقها في استطلاعات الرأي. وتقول: «إن الضربة العسكرية رد كاسح على الاستفزاز الذي تعرضت له «إسرائيل» بعد إنهاء التهدئة ولكنها تعتبر أن الضربة متسرعة وأغراضها انتخابية بالدرجة الأولى».

ذلك الصراع السياسي الداخلي في «إسرائيل» عبّر عنه قبل يوم واحد من الغارات، مراسل الجارديان في «القدس»، «توني أولوغلين» (٤)، بمقال بعنوان: «أقصى اليمين الإسرائيلي يحقق مكاسب مع ازدياد حدة التوتر بسبب الصواريخ المنطلقة من غزة»، يقول تقرير الجارديان: إن الدعم الذي يحظى به الجناح اليميني المتطرف لحزب «إسرائيل بيتنا» آخذ في التصاعد والنمو مع ازدياد حدة التوتر بين «إسرائيل» وحركة «حماس»، واحتمال نشوب مواجهة كبرى بين الجيش الإسرائيلي، ومسلحي الحركة. ويدلل المراسل على ذلك بنتائج استطلاع للرأي نشرتها الصحف الإسرائيلية مؤخرًا وأشارت إلى ازدياد نسبة مؤيدي الحزب المذكور، والذي يتخذ موقفًا متشددًا من «حماس» وقطاع غزة ويدعو إلى ترحيل سكان البلدات والمدن ذات الأغلبية العربية من «إسرائيل» إلى داخل ما يمكن أن يكون دولة فلسطينية في المستقبل.

وترى «الصنداي تايمز» في افتتاحيتها أن على الرئيس الأمريكي المنتخب «باراك أوباما» أن يتصرف بسرعة أكبر؛ لأن الأشهر الأولى من ولايته هي الفترة الزمنية التي سيحظى فيها بأكبر قدر من النفوذ؛ ولتهيئة الأجواء المناسبة ترى الصحيفة ضرورة وقف إطلاق النار بين الجانبين، فالغارة لم تكن متناسبة؛ لكنها كانت ردًا على استفزاز حسب تعبير الصحيفة. بيد أن الحصار المستمر منذ عام ونصف العام زاد سكان القطاع بؤسًا وشقاًء، دون أن يأتي بنتائج دبلوماسية تذكر.

«إسرائيل» مدمنة للعنف

وفي صفحات الرأي يرى «شون رايمنت» في «التليجراف» أن «إسرائيل مدمنة للعنف» (٥) ويقول: «إن الدارس لتلك الدولة يجد أنها سببت الكثير من المعاناة خلال تاريخها القصير، وعليك أن تتخيل كيف يكون رد فعل العالم إذا قامت القوات البريطانية في أفغانستان بعمل شبيه لما حدث في غزة؟!». أما «ديفيد بلير» المحرر الدبلوماسي للصحيفة فيعدد الاختيارات المتاحة لقادة «إسرائيل» (٦)؛ إما التوغل وإعادة السيطرة الكاملة على غزة - ويستبعده للمقاومة الشديدة والخسائر الفادحة - وإما استمرار الغارات، ولكنه قال : إن ذلك يضعف «حماس»؛ ولكنها ستستمر في السلطة، ولن يقضي تماما على صواريخ «حماس»، ويقول: «إن الاختيار الثالث - وهو الأقوى - وهو أن تدخل القوات الأرضية لتحتل شريطًا بينها وبين غزة يمنع وصول الصواريخ الفلسطينية، مع القيام بعمليات داخل غزة تستهدف أهدافًا معينة مع استمرار الغارات، وبذا تضمن دمارًا كبيرًا لـ«حماس» وإرضاًء الناخب الإسرائيلي قبل معركة الكنيست».

وتعتقد «الإندبندنت أون صنداي» في افتتاحيتها (۷) أن ما حدث لا ينبغي أن يوصف برد الفعل غير المتناسب؛ بل بالعملية التي تأتي بنتائج عكسية، وتذكر الصحيفة في هذا الصدد بما حدث بعد حرب صيف ٢٠٠٦م عندما شنت «إسرائيل» حربًا على لبنان فكانت النتيجة أن أقبل المزيد من الشبان على الانضمام إلى حزب الله اللبناني، ويدعي المقال أن الحصار المفروض على القطاع كان قد بدأ يؤتي ثماره؛ إذ بدأ الكثير من الغزاويين يبدون بعض التبرم من «حماس»، ومنهم من اعتبر أن الحياة أيام الاحتلال كانت أفضل حالًا - على حد تعبير الصحيفة البريطانية - وتقول الصحيفة: «إن الصراع بين «إسرائيل» وبين فلسطينيي قطاع غزة، هو صراع بين ديمقراطيتين؛ فمن الناحية الفلسطينية فقد وصلت «حماس» إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع وفي انتخابات شفافة، والناخب على علم بموقف الحركة الإسلامية من «إسرائيل». وتلمح الصحيفة إلى أن الغارة الإسرائيلية إذا ما تلتها عملية برية ستدفع أهل غزة إلى الالتفاف أكثر حول «حماس». 

فشل العنف «الإسرائيلي»

 ويتوقع مقال الافتتاحية في «الأوبزرفر» فشل العنف الإسرائيلي ضد «حماس»(۸) وأن هذا سبب كاف لبدء المفاوضات، وجاء فيه: إن الحل الوحيد لـ«غزة» هو المفاوضات وليس القوة، وأن شعب غزة يزيد تعاطفه مع «حماس» بسبب تلك القوة والحصار اللذين يعتبران عقوبة جماعية. وكلا الافتتاحيتين في «التايمز» و«الإندبندنت» يأملان أن يفعل «أوباما شيئًا» ليكسر دائرة العنف.

 نرى عكس ذلك حينما لا يأمل «فيسك» كثيرًا في أي دور لـ«أوباما»، حيث يقتطف الجملة الوحيدة ذكرها الرئيس عن الصراع جاءت في حديث موسع لـ«أوباما» في مجلة التايم الأمريكية: «ومن خلال رؤيتنا فيما يمكننا البناء على بعض التقدم الذي تم إحرازه في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي - على الأقل عبر النقاش - يمكننا القول: إن ذلك سيشكل أولوية بالنسبة لنا»، ويحلل «فيسك» في الإندبندنت كلمات «أوباما» بالاستغراب والاستهجان حيث يتساءل: «تُرى، عم يتكلم هذا الرجل؟ البناء على التقدم؟ وأي تقدم؟» ويمضي فيسك: «مع الوقوف على شفير حرب أهلية أخرى بين «حماس» والسلطة الفلسطينية، وبزوغ نجم «بنيامين نتنياهو» كمنافس على منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومواصلة الجدار الإسرائيلي الضخم والفظيع والمستوطنات اليهودية التهام المزيد من الأرض العربية، واستمرار الفلسطينيين بإطلاق الصواريخ على «ســديــروت»، هل ما زال «أوباما» يعتقد بأن هنالك ثمة تقدم يمكن البناء عليه؟». ولا ينسى «فيسك» أيضًا أن يعرج على «قصص الفشل الأخرى» التي سطرها زعماء آخرون في سعيهم لتحقيق «تقدم» يُذكر في إيجاد حل لأزمة الشرق الأوسط، ومنهم الرئيس الأمريكي السابق «كلينتون»، والرئيس الفرنسي الحالي «ساركوزي»، ورئيس الوزراء البريطاني السابق «بلير»(۹).

وقد دعت الرابطة الإسلامية في بريطانيا إلى التظاهر من أجل وقف مذبحة غزة أمام السفارة الإسرائيلية» بـ «لندن».

  وقد أدان المجلس الإسلامي البريطاني «MCB» بأشد العبارات الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة المحاصر، وقال في بيان صحفي على موقعه: «إنه قد روّعه هذا الاستخدام المفرط والعشوائي لإرهاب الدولة، وذكر قرار إسرائيل البدء في الهجوم الذي وقع في وقت مبكر من بعد ظهر السبت الماضي ٢٧ ديسمبر؛ بينما كان الأطفال يغادرون مدارسهم، مما تسبب في أكبر عدد من الخسائر البشرية. 

وطبقًا لأي مقياس لاحترام للحياة البشرية البريئة فهذا أمر غير مقبول. وقال الدكتور «داود عبد الله» نائب الأمين العام: «إننا ندعو رئيس الوزراء لاتخاذ موقف حازم ضد هذا الهجوم الشائن، لقد حان الوقت لإنهاء التغطية السياسية والدبلوماسية التي سمحت لـ«إسرائيل» بارتكاب هذه الفظائع». ومضى البيان بقوله: إن استخدام اسرائيل للطائرات F16 ضد أهداف مدنية في قطاع غزة يؤكد مرة أخرى فشل حكومتنا في الوفاء بالتزاماتنا الدولية «بموجب اتفاقية جنيف الرابعة» لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وبعد فشل حصارها للقطاع لجأت القيادة الإسرائيلية إلى هذه الإجراءات اليائسة لتغيير الوقائع السياسية في قطاع غزة. إن العدوان يأتي بعد أيام فقط من منع دخول المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي إشارة إلى نية القيادة الإسرائيلية لإخفاء الأدلة على جرائم الحرب التي ارتكبتها».

 لقد استدعت «إسرائيل» الآلاف من قوات الاحتياط، وكشرت عن أنياب الحقد في توسيع نطاق العملية العسكرية التي تشنها على أهلنا العزل في قطاع غزة، وبالقطع لن تستجيب لدعوة مجلس الأمن الدولي التي طالبت بالوقف الفوري لكل أعمال العنف في غزة. وبالنظر إلى الصحف البريطانية فهناك دوامة عنف؛ ولكن هناك إجماع من الصحف على فشل «إسرائيل» وأن أي خيار هو في الحقيقة تقوية لـ«حماس»، وترى أن الدولة الوحيدة التي تسمع لها «إسرائيل» هي أمريكا، ومن هنا وضعت بعض الصحف أهمية كبيرة لدور «أوباما» حين يبدأ. وقد تجاهلت الصحف أي دور رسمي عربي ولعل «لها حقًا» في ذلك؛ نظرًا لكونه أصوات شجب ليس لها صدى، والأمل في الشعوب التي فاضت دموعها ألمًا، وتتمنى أن يسمح لها أن تهريق دمها نصرة للحق

-------------------------------------

الهوامش

1. Israel's hammer blow in Gaza

 The Guardian Saturday 27 December 2008

2. Britain and US refuse to demand end to Israeli airstrikes on Gaza

The Sunday Times December 28,2008

3. Gaza raids expose Israeli failure The Sunday Times December28,2008 

4. Israeli far right gains ground as Gaza rockets fuel tension

The Guardian. Saturday 27 December 2008  

5. Israel is addicted to violence The daily telegraph. Sunday 28 December2008  

6. Israeli leaders face crucial choice in Gaza

The daily telegraph. Sunday 28 December2008 

7. Leading article- Gaza: the cycle can be broken

The Independent on Sunday.28 December 2008

8. Talking. not force. is the only solution in Gaza

Editorial The Observer Sunday.28 December2008 

9. Robert Fisk's World: How can anyone believe there is progress in the Middle East?

The Independent 27 December2008

 


الرابط المختصر :