; المرأة.. بين « التسليع» والتكريم | مجلة المجتمع

العنوان المرأة.. بين « التسليع» والتكريم

الكاتب د. سعد المرصفي

تاريخ النشر السبت 05-يناير-2013

مشاهدات 16

نشر في العدد 2034

نشر في الصفحة 49

السبت 05-يناير-2013

المرأة في كثير من المجتمعات المعاصرة منتهكة الحقوق، مهدرة الكرامة، لا رأي لها ولا اعتبار، لا تعدو أن تكون مجرد سلعة للتربح والتكسب، أو أداة لإثارة الغرائز وتأجيجها، وقد أدى «تشييء» المرأة و «تسليعها» تحت شعارات براقة؛ مثل تحرير المرأة وتمكينها من حقوقها، إلى الحط من شأنها ومرمغتها في التراب، حتى صارت في بعض المجتمعات كيانًا مسخًا ومشوهًا، يستغل لهدم قيم المجتمع وتفسخه وانحلاله.

وقد بدأ هذا الامتهان للمرأة في بعض هذه المجتمعات بعدم الترحيب بمولد الأنثى، والتسخط بمقدمها، وتلك عادات جاهلية في أسوأ صورها، وأشد انحرافاتها، ذمها الله سبحانه في قوله: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ (58)  يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ (59)﴾ (النحل)، وبذلك أعلى الإسلام من شأن المرأة؛ مولودة وفتاة وسيدة، وعظم من قدرها في كل مراحل حياتها، قال رسول الله ﷺ: «من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن وسقاهن وكساهن كن له حجابا من النار»، وهكذا تبدأ الأنثى في الإسلام حياتها في كنف أبوين يتحمل الأب واجب الإنفاق عليها بنتًا، حتى إذا تزوجت كانت النفقة على الزوج، فإذا استمرت حياتها معه وأنجبت صارت أما فتتضاعف حقوقها على الأولاد مع استمرار حقها على زوجها، وفضلًا عن ذلك أوصى الرسول ﷺ بهن خيرًا في حجة الوداع: «استوصوا بالنساء خيرًا».

هذا، وقد أقام الإسلام علاقة متوازنة وعادلة بين الرجل والمرأة، وجعلها أساسا لتكوين المجتمع المسلم، وقننها وفق قواعد ومفاهيم واضحة ومحددات للحقوق والواجبات؛ الإشاعة قيم الأمن والسلام الاجتماعي في المجتمع البشري، عبر المساواة بين الجنسين في أصل الخلقة والعبودية والتكاليف الشرعية، وتحديد الأدوار المجتمعية لكل منهما بما يناسب خصوصيته وتكوينه وطبيعته.

ومن عجب أن ينعق الناعقون بلمز الشريعة الإسلامية في مسألة المرأة؛ نتيجة لما يرونه في تلك المجتمعات، ولا يكلف هؤلاء اللامزون أنفسهم أن يراجعوا نظرة الإسلام للمرأة، وإنصافه لها وتحريرها من ذل العبودية والرق وتجارة البغاء، وما أحدثه هذا الدين العظيم من ثورة منصفة لها كام وزوجة وأخت، وبناء نظرة علوية ربانية لم تنشئها ضرورة واقعية، ولا دعوة أرضية، ولا مقتضيات اجتماعية أو اقتصادية، وإنما أنصفتها الشريعة الإسلامية، فجعلتها شقيقة للرجل «النساء شقائق الرجال»، بل وجعلت المرأة كالرجل من حيث التكاليف الشرعية ومن حيث الثواب والعقاب والجزاء على العمل في الدنيا والآخرة قال تعالى: ﴿مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (97)﴾ (النحل).

إن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان وجمله، وجعله في أبهى صورة، واستتبع تكريمه للجنس البشري تكريمه للأنثى ووضعها في مكانها اللائق، ووصفها بأنها شطر النفس البشرية، وفي كثير من الأدلة، لا تفاضل بين الشطرين الكريمين على الله، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا (2)  وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا (3)﴾ (الطلاق)؛ أي يجعل له مخرجًا من الضيق، ورزقًا من حيث لا يقدر ولا ينتظر.. والمقصود إنشاء التصور الإيماني الصحيح في القلب لإرادة الله وقدره: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا (3)﴾؛ فكل شيء مقدر بمقداره و زمانه ومكانه ونتائجه وأسبابه، وليس شيء مصادفة ولا جزافا في هذا الكون كله، ونفس الإنسان وحياته وتلك حقيقة كبيرة يقوم عليها جانب كبير في التصور الإيماني: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ (49)﴾ (القمر).

وتابع الخطاب القرآني هذا التكريم للإنسان بجنسيه الرجل والمرأة: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ فَقَدَّرَهُۥ تَقۡدِيرٗا (2)﴾ (الفرقان)؛ قدر حجمه وشكله ووظيفته وعمله، وزمانه ومكانه، وتناسقه مع غيره من أفراد هذا الوجود الكبير: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ يُسۡرٗا (4)﴾ (الطلاق)، ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا (8) فَذَاقَتۡ وَبَالَ أَمۡرِهَا وَكَانَ عَٰقِبَةُ أَمۡرِهَا خُسۡرًا (9)  أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا (10) رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا (11)﴾ (الطلاق).

وقد أخذ الله عز وجل القرى واحدة بعد واحدة، كلما عتت عن أمر ربها، ورسله.. وذاقت وبال أمرها، وكانت العاقبة خسرًا في هذه الدنيا قبل يوم الحساب.

وشهد الناس هذا الوبال، وذاقوه فسادًا وانحلالًا، وفقرا وقحطًا، وحياة مفزعة لا أمن فيها ولا سلام، دون تفريق أو تمييز بين الرجل والمرأة، في رسالة تأكيد على دورهما في المجتمع وتحملهما معا مسؤولية الإصلاح والإفساد، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا (1)﴾ (النساء)، وقال سبحانه: ﴿[۞هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِيَسۡكُنَ إِلَيۡهَا﴾ (الأعراف: ۱۸۹).

«الهوامش»

(*) أستاذ الحديث وعلومه

الرابط المختصر :