الثلاثاء 09-نوفمبر-1982
. ريفان.. ترويض الرافضين...
. إرهاصات الحلقة المقبلة من المؤامرة على لبنان لا تستبعد إحراق الشمال كما احترق الجنوب.
. تصورات القوى الفاعلة للخارطة السياسية تقتضي مصيرًا دمويًّا للفلسطينيين في الشمال إذا رفضوا الخروج.
. الامتيازات النصيرية لا تقل عن امتيازات المارون في إطار مخطط دول الطوائف.
المستقبل العربي في البوابة اللبنانية
من فصول المؤامرة
. عرفات... إنقاذ مخيمات الشمال
. أسد... امتياز قدیم.
المؤامرة التي تشارك فيها بعض الأطراف الدولية والعربية واللبنانية لتصفية المسلمين في لبنان، وتشتيت الثورة الفلسطينية هل توقفت عند هذا الحد؟ كل الدلائل تشير إلى أن المؤامرة مستمرة، وتسير بخطوات مرحلية وعلى خطوات وذلك وصولًا إلى غايتها المرسومة، ومن هذه الدلائل ما يلي:
١-الحشود الإسرائيلية المكثفة للصواريخ والدبابات والمشاة والطلعات الاستطلاعية والغارات الوهمية التي تقوم بها طائرات العدو فوق البقاع اللبناني.
٢- تصريح قادة العدو الصهيوني وتهديداتهم بضرورة إخلاء شمال لبنان أيضًا من المقاومة الفلسطينية.
٣- الاعتقالات الجماعية لبقايا الفلسطينيين في المخيمات من قِبل السلطة اللبنانية نفسها، وهدم منازلهم بالجرافات، ومنعهم من إعادة بناء ما هدمته القنابل الصهيونية.
4- اعتقال بقايا القُوى الوطنية اللبنانية من المسلمين وتجريدهم تجريدًا تامًا من سلاحهم مع تعقّبهم وتفتيش منازلهم.
5- الإبقاء على المناطق المسيحية والقوى الكتائبية كما هي دون اعتقال ولا مداهمات ولا تفتيش بالرغم من التصريحات الكثيرة بأن تفتيش بيروت الشرقية سيتم بعد تفتيش بيروت الغربية.
٦- جولة رئيس جمهورية لبنان أمين الجميل في عواصم الدول المشاركة في القوات متعددة الجنسيات، وطلبه زيادة حجم هذه القوات إلى ٣٠ أو ٤٠ ألف جندي...
7- مطالبة «إسرائيل» بأن تشارك «مصر» في هذه القوات باعتبارها الدولة العربية التي اعترفت «بإسرائيل».
هذه بعض دلائل الحلقة القادمة من المؤامرة، في الوقت الذي نَقَل المسافرون القادمون من لبنان أن طرابلس والشمال يعيشان حالة من الحذر والترقب تشبه الحالات التي كانت تعيشها بيروت قبل الغزو الإسرائيلي.. ترى.. ما حقيقة الوضع في الشطر الشمالي للقطر اللبناني؟
. الشطر الشمالي من لبنان:
يمكن أن تحدد معالم الوضع في البقاع والشمال اللبناني كما يلي:
١- جماهير الشعب المسلم في البقاع والشمال، وقد رأت ما حدث للمسلمين في جنوب لبنان وفي بيروت مستعدة لقبول أي حل يستبعد دخول اليهود أو الكتائبيين إلى مناطقهم، وهم في الوقت الذي تكشَّف لهم بوضوح أن النظام السوري الذي جاء إلى لبنان لحماية الصليبيين في البداية، وتآمر على الفلسطينيين والمسلمين في البداية والنهاية هو أعجز من أن يقدم أية حماية أو مساعدة لهم بل إن دوره عكس ذلك تمامًا، وأما نظرتهم للفلسطينيين والثورة الفلسطينية فرغم تعاطفهم معهم نظرًا للدور البطولي الذي قاموا به في مواجهة الصهاينة، ونظرًا للمذابح الرهيبة التي تعرضوا لها على يد اليهود وأتباعهم من الكتائبيين، إلا أنهم في قرارة أنفسهم يتمنون خروجهم، وقلوبهم تتقطع لوعة عليهم وتخوُّفًا لما قد يحدث بعد أن يستفرد بهم الصليبيون المجرمون.
٢-قوات الثورة الفلسطينية وجماهير الفلسطينيين في البقاع والشمال اللبناني يتحفزون للمواجهة المسلحة مع العدو الصهيوني وأتباعه، ولا يتوقعون عونًا من أحد بل بالعكس، إنهم يتوقعون أن يلعب النظام السوري دورًا غاية في الخبث والمكر للإجهاز عليهم، في الوقت الذي يعلن أنه يقف معهم، ولذلك كان الاجتماع الطارئ الذي عقده «ياسر عرفات» مع المجلس العسكري الفلسطيني، ولذلك أيضًا سارع «أبو جهاد» نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية إلى البقاع وشمال لبنان لتفقد القوات الفلسطينية والاطمئنان على حسن استعدادها للمواجهة، ومثلما تدير القيادة الفلسطينية صراعها العسكري، تدير صراعها السياسي وتعلن أنها على استعداد للخروج من لبنان إذا خرجت القوات الصهيونية منها، ولكن إلى أين؟ «إلى قريب يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري»!! لقد قالها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما ضاقت به الدنيا بما رحبت «اللهم إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي» قالها المصطفى حبيب الرحمن في ساعة ضيق فهل يحق لنا أن نقولها وقد تنكبنا عن منهج الله وأثقلتنا الأوزار أم نقولها وقد صفت نفوسنا وعدنا إلى الله؟
٣-القوات السورية المتواجدة في البقاع والشمال قوات عاجزة مهزومة وغير قادرة على مواجهة العدو الصهيوني، بل لقد قالها المسئولون في سوريا: لم نرسل قواتنا إلى لبنان لتواجه إسرائيل، إذن لماذا أرسلت هذه القوات إلى لبنان في الوقت الذي كانت فيه القوات الوطنية اللبنانية وقوات الثورة الفلسطينية تسيطر على أكثر من ٨٠٪ من لبنان، وفي الوقت الذي كانت فيها قوات الصليب تلفظ أنفاسها الأخيرة في «جونية» لماذا أرسلت هذه القوات إلى لبنان؟ الأحداث التي تلت ذلك غنية عن التوضيح.
ثم ان هذه القوات السورية تجد نفسها أشبه بقوات معادية، فكيف تقاتل هذه القوات مع أعدائها على أننا نتحدث عن هذه القوات باعتبارها جهازًا مرتبطًا بنظام طائفي متآمر، لا باعتبارها تتشكل من عناصر فيها الكثير من الأبطال والمخلصين والمغلوبين على أمرهم.
الخارطة السياسية في تصور
القوى الفاعلة
أما عن القوى الفاعلة والمؤثرة على مجريات الأمور في لبنان فإننا يمكن أن نجملها، مجددين تصوراتنا عن خارطة المنطقة في المستقبل، وهي كما يلي:
١-الولايات المتحدة الأمريكية وهي رأس المؤامرة ومحركها الأول، وهي:
أ- تريد حكومة لبنانية مسيحية قوية.
ب - تريد من إسرائيل، وسوريا والمقاومة أن تخرج من لبنان.
ج - تريد للقضية الفلسطينية أن تنتهي بانتهاء منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها تنظيمًا ثوريًّا مسلحًا ودمج الشعب الفلسطيني في الدولة الأردنية.
2-يحاول أن يقوم بدور ما رديف لدور أمريكا مع بعض التعديلات إن أمكن وقد أعلن الناطقون باسم المؤتمر:
أ - مطالبتهم بخروج القوات «الإسرائيلية» من لبنان.
ب - موافقتهم على خروج القوات الفلسطينية والسورية من لبنان.
ج - مطالبتهم بإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع مقابل الاعتراف «بإسرائيل».
د - تركيزهم على الجهود السياسية والدبلوماسية مع استبعادهم للمواجهة العسكرية مع «إسرائيل» أو المواجهة الاقتصادية مع أمريكا.
مصر:
وهي الدولة العربية الكبرى والأولى التي اعترفت بإسرائيل حيث تعاني من ضائقة اقتصادية ومعارضة شعبية إسلامية تريد أن يكون لها دور مؤثر في لعبة «التسوية» أي التصفية وهي تُصر على إنها قادرة على الفعل وأنها لا تقل «وطنية» عن الآخرين ولذلك أيدت قرارات مؤتمر فاس واعتبرت سياسة المؤتمر امتدادًا لسياستها، وهي تنتقد «إسرائيل» جهارًا نهارًا وتفسر الحكم الإداري الذاتي للفلسطينيين والمنصوص عليه في اتفاقيات كامب ديفيد بأنه كيان فلسطيني يمهد لقيام دولة فلسطينية وهي لا تزال تطالب بإنشاء حكومة فلسطينية في المنفى وعلى استعداد لدعم نشاط المنظمة أن تخلت عن العمل العسكري وهي تريد أن تكون وسيطًا بين العرب و«إسرائيل» من أجل تحقيق سلام شامل ودائم في المنطقة وتريد أن تربط خروج الفلسطينيين من لبنان بهذا الحل الشامل.
المصير الفلسطيني:
من خلال هذه المعطيات التي ذكرناها لبنانيًّا وعربيًّا وعالميًّا، يمكن أن نستشرف ملامح المستقبل القريب في لبنان والمنطقة العربية بأسرها، وكلها ملامح تدور بالطبع حول مصير.
المشكلة الفلسطينية والشعب الفلسطيني كما يلي:
أولًا: تثبيت أقدام النظام الحالي في لبنان وبسط سيطرته على جميع أرجاء لبنان باستثناء الجنوب اللبناني الذي سيكون فيه وضع أشبه بالحكم الثنائي بين «إسرائيل» ولبنان.
ثانيًا: خروج «القوات الأجنبية» من لبنان لتحل محلها قوات متعددة الجنسيات، لتساعد الحكومة اللبنانية على تثبيت أقدامها.
ثالثًا: انتقال قوات الثورة الفلسطينية إلى الأردن واعتبارها جيشًا منظمًا خاضعًا للقيادة الأردنية.
رابعًا: انتقال أعداد كبيرة من الفلسطينيين المقيمين حاليًا في لبنان إلى الأردن وربما في منطقة صحراوية بعيدة تسمى «الأزرق».
خامسًا: قيام الملك حسين بالتفاوض نيابة عن الفلسطينيين على أن يضم وفده «عناصر فلسطينية».
سادسًا: تنفيذ مشروع ريغان بإقامة كيان فلسطيني مرتبط بالأردن مع بقاء تواجد عسكري واستيطاني صهيوني في الضفة والقطاع «مشروع آلون».
وهذا الحل الشامل المتصور يمكن اعتباره حلًّا وسطًا يرضي كل الأطراف ويغضبهم في آن واحد، ففي حين تُصر حكومة بيجن على الضم الكامل للضفة والقطاع، يعطيها هذا الحل حق التواجد فيها دون ضم، وفي حين تصر منظمة التحرير الفلسطينية على إقامة دولة مستقلة، يعطيها هذا الحل كيانًا تابعًا للأردن وفي حين يصر الملك حسين على خلوّ الضفة من اليهود يعطيه حق السيادة عليها.
. ترويض الرافضين ....
.... وامتيازات الطامعين
ولكن.. فيما لو رفضت منظمة التحرير الفلسطينية مثل هذا الحل فماذا ينتظرها؟ لا شك أنها مواجهة عسكرية جديدة وسيان عند أمريكا أن يكون
تأديب الفلسطينيين على يد اليهود أم على يد العرب.
أمَّا إذا رفض بيجن هذا الحل، فعند أمريكا البديل وهو بيريز، ولذلك نجد لعبة شد الحبل بين ريجان وبيجن قائمة، إذ إن كلًّا منهما يريد أن يقود الآخر أو يغيره.
أما الملك حسين فإن نظامه يواجه الخطر السوري من ناحية، وبلاده أو جزء منها مهددة بالاحتلال الإسرائيلي فيما لو لم يقبل الحل، ولذلك فهو في صراع مع السياسات المطروحة، يبقى نظام دمشق.. ما هو دوره؟ وما هو نصيبه في كل ما يجري؟ أما عن دوره فهو واضح، وأما عن نصبيه فيكفيه ما هو فيه من نصيب!!!
إن الامتيازات التي حصل عليها النصيريون في سوريا لا تقِل بحال من الأحوال عن الامتيازات التي حصل عليها الموارنة في لبنان ولا عن الامتيازات التي حصل عليها اليهود في فلسطين والمخطط لدول الطوائف واحد والمنفذون كثر!!!!.
هذا عن المستقبل القريب -والله أعلم- فماذا عن المستقبل البعيد؟ ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور:55) صدق الله العظيم
كلنا يذكر المعركة المسرحية بين الطائرات السورية والطائرات الإسرائيلية في حزيران الماضي فوق الأراضي اللبنانية، وكلنا يذكر أيضًا أن سلاح الجو السوري قد خسر في تلك المعركة ما يزيد عن ثلثي قوته الضاربة بالإضافة إلى تدمير كل قواعد الصواريخ السورية المضادة للطائرات، فقد نقل عن ضابط كبير في أحد مطارات سوريا أن الرئيس السوري أصدر يومها أمرًا وبصوته الشخصي إلى كل الطيارين القُدامى والجدد وإلى كل من ركب طائرة ولو مرة في حياته، وحتى المبعدين عن الطيران أصدر إليهم أمرًا أن يركبوا كل الطائرات المتوفرة في المطارات الحربية، وأن يتجهوا بها إلى سماء لبنان، بحجة تشكيل مظلة جوية لحماية قواعد الصواريخ!! فإذا علمنا أن هناك طيارين غير مؤهلين لخوض المعارك وغير مدربين التدريب اللازم والكافي وأن هناك طيارين قد أبعدوا عن الطيران منذ سنوات بسبب عدم ولائهم التام للزمرة الحاكمة، وأن منهم من أبعد نتيجة عدم لياقته الصحية، وإذا علمنا أن معظم الطائرات التي اشتركت في المعركة غير مجهزة بالأسلحة الكافية.
إذا علمنا كل هذا أدركنا ضخامة المؤامرة ضد الشعب السوري وضد الأمة!؟ بالتخلص من عدد كبير من الطيارين المسلمين السنة وهو ما يريده اليهود.
واليوم نسمع عن اشتداد المعارك بين القوات السورية والقوات الإسرائيلية في لبنان، وكلنا يعرف بأن المعركة الجارية في لبنان غير متكافئة، ليس نتيجة عدم كفاءة القوات السورية، وإنما نتيجة المؤامرة التي تشترك فيها بعض الأطراف العربية، وهذا يعني أن القُوى المتحاربة في لبنان - السورية والإسرائيلية بشكل غير متكافئ سيؤدي إلى إتمام تدمير الجيش السوري، والقضاء على أكبر عدد ممكن من الشباب المسلم والمثقف والواعي فما تركه الجلادون ذهب ليقتل في لبنان، ويكون بهذا قد أكمل فصلًا آخر من فصول محاولة إبادة أعداد كبيرة من الشباب المسلم في سوريا وهذا أيضًا تتمة لما بدأ في حماة وغيرها!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلمخطط أمريكي صهيوني لضم عمال المناطق المحتلة لمنظمة الهستدروت الصهيونية
نشر في العدد 10
18
الثلاثاء 19-مايو-1970