; المصالح السوفيتية أهم من المعاهدات وأصحابها! | مجلة المجتمع

العنوان المصالح السوفيتية أهم من المعاهدات وأصحابها!

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 28-أكتوبر-1980

مشاهدات 15

نشر في العدد 502

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 28-أكتوبر-1980

  • هؤلاء المطرودون المرفوضون من شعوبهم ماذا سيجنون؟

  • ما جدوى الاتفاقيات مع الاتحاد السوفيتي إذا كان لا ينفذها عند الحاجة إليها؟

  • في كل المعاهدات حرص الاتحاد السوفيتي على منع حلفائه العرب من التحالف مع شهر واحد!

  • يهدف الروس أساسًا إلى تطويق المحاولات الأمريكية للسيطرة على المناطق الحساسة وليس واردًا عندهم مساعدة العرب ضد إسرائيل أبدًا!!

  • لقد طمأن الروس إسرائيل حين صرح بريجينيف قائلًا: «إن المعاهدة باسم السلام وليست موجهة ضد أي بلد ثالث في المنطقة» وليس ذلك البلد إلا إسرائيل بالطبع...

الحقائق... تظهر!

لا شك أن الحرب الإيرانية العراقية قد طرحت في الساحة السياسية مفاهيم جديدة، وقلبت مفاهيم قديمة، وأظهرت بعض الحقائق التي كانت مستورة عن بعض الأعين التي نقشها المظاهر الخداعة!! فقد ذكر المُعلقون السياسيون في بيروت أن «الحياد السوفيتي إزاء الحرب العراقية الإيرانية ألقى بالشكوك حول قيمة معاهدات الصداقة التي وَقَّعَتْهَا موسكو مع دول العالم الثالث!! وأشار هؤلاء المعلقون إلى أنه -بالرغم من وجود معاهدة للصداقة والتعاون بين موسكو وبغداد، وهي التي وقعت عام 1972م- إلا أن الاتحاد السوفيتي لم يُكلف نفسه حتى تقديم المساعدة المعنوية للعراق!!».

إن ما ذكره المُعلقون ليس بعيدًا عن الحقيقة، والروس بسلوكهم هذا مع «حلفائهم الصغار!!» إنما يتبعون المقولة السياسية الأساسية في العلاقات الدولية القائلة: إنه لا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بل... مصالح دائمة!! حسب تعبير السياسي اليهودي الإنجليزي: دزرائيلي!!

نقول هذا بمناسبة عقد المعاهدة الخامسة للروس مع البلاد العربية وهي التي وَقَّعها بريجينيف والأسد في موسكو في 8/10/1980م ونتساءل: كيف سيكون مصير هذه المعاهدة الجديدة؟! وإن الجواب سيكون خلال استعراض المعاهدات السابقة.

أول معاهدة؟

كانت أول معاهدة للروس مع العرب في العصر الحديث، تلك المعاهدة التي وقَّعْهَا أنور السادات بعد أشهر من انقلابه، وذلك في عام 1971م، ومن المعلوم أن هذه المعاهدة كان عبد الناصر قد طلب عقدها مع الروس بعد أن كثُرَت ديونه وصارت طلباته من الروس تتجاوز كل تقدير، وذلك في أوائل السبعينات، حيث خرج من حرب 67 مُنهك القوى، ولكن الروس رفضوا العرض على أساس أن العلاقة بين البلدين أقوى وأمتن من أن تحدها المعاهدات والكلمات!! وأن الثقة المتبادلة أعمق من أن تحتاج إلى ورق مطبوع!!.

وجاء السادات رئيسًا عام 1970م فزاره بودغورثي ولم يخرج من مصر إلا بعد توقيع المعاهدة؟! التي كانت الأولى من نوعها بين الروس وبلدان العالم الثالث!!

 وقد حددت فترة العمل بموجبها بخمسة عشر عامًا اعتبارًا من تاريخ التوقيع عليها في مايو 1971م ولكن أيًا من القاهرة أو موسكو لم تبذلا شيئًا لتنفيذ بنود المعاهدة الإثني عشر، وخصوصًا فيما يتعلق بضرورة التشاور بين الدولتين حول المشاكل الخاصة، وبضرورة إبداء القاهرة رغبتها في متابعة التجربة الاشتراكية وبضرورة التزام الاتحاد السوفيتي باستعداده لتزويد مصر بما تحتاجه من الأسلحة إلى أن يتم القضاء على آثار عدوان عام 1967م!!

 وكانت هذه الأخيرة كافية لتجعل السادات الذي اعتبر المعاهدة جرحًا لكبريائه يُسارع في طلبه إخراج المُستشارين الروس العسكريين من مصر عام 1972م، وخاصة أنهم لم يُلبوا طلبه من أجل دعمه في عام الحسم 1971م مع إسرائيل فصار بذلك مهزلة عند الناس، أضف إلى ذلك موقف الروس من حرب 67 نفسها، حيث كتموا معلومات خطيرة جدًا عن الحرب مع إسرائيل، كتموها عن القيادة المصرية مما أوقع المصريين تحت رحمة الطيران الإسرائيلي الذي لا يرحم!!! ذكر ذلك ساخاروف موظف الاستخبارات الروسية في مصر عن طريق رئيسه المباشر هناك «سبير ينوف» وذلك في كتاب صدر في لندن عام 1974م عن - «KGB».‏

لهذا ألغيت؟!

لأن السوفيت رفضوا تعويض مصر عن خسائرها في عام 1973م، ولأن السادات أبدى استعداده لإلغاء المعاهدة مع روسية إذا زودته أمريكا بالمعدات الحربية والأسلحة اللازمة، ولأنه رأى في المعاهدة خروجًا على مبدأ عدم الانحياز، لكل هذا ألغيت المعاهدة بعد ما يقرب من خمس سنوات من توقيعها، وهكذا يُثبت الروس أنهم ساسة لا أصدقاء يتقلبون حسب المكاسب التي سيجنونها، وحسب الظروف التي يرونها مناسبة للاستثمار ولو على حساب المبادئ والصداقات والمعاهدات كما سنرى مع الصومال!.

ورطة الصومال!

منذ انقلاب سياد بري 1969م، والصومال تتخبط مع أهواء هذا الكولونيل البري!! الذي أعلن ولاءه لموسكو، فكان قريبًا إليها لأنه جاهر بالاشتراكية العلمية التي تعني الشيوعية! ولقد تطور معها في علاقاته التي سببت له مشكلات مع الغرب الذي أثار الضجيج حول وجود قواعد عسكرية روسية في الصومال!! ولكن الانتكاس سرعان ما عاجل هذه العلاقات المتصاعدة، بمجرد وقوع الانقلاب الشيوعي في أثيوبية عام 1974م، وتحول الروس كما هي عادتهم إلى حليف جديد هو مانفيستو هيلي مريام، وهذا الموقف الانتهازي ليس غريبًا منهم، لأنهم في ميزان المصلحة رأوا أن أثيوبية قد تقع في أحضانهم قبل الصومال المُتمسك شعبه بالإسلام.

ولكن الغرابة في موقف سياد بري المسكين الذي وجد نفسه خارج اللعبة، ولذلك بادر إلى طرد الخبراء السوفييت والتحول رأسًا على عقب إلى أمريكا بلا حياء ولا شعور بالخجل بعد قتله علماء المسلمين من أجل الاشتراكية العلمية!!.

وكما كان مُتوقعًا فقد ألغى الصومال معاهدته البائسة مع الروس عام 1977م فكانت ضربة ثانية لأطماع السوفييت في المنطقة بعد خروجهم الكبير من مصر!!.

وفي العراق؟!

يبدو العراق نموذجًا مختلفًا عن سابقيه، فرغم أنه عقد معاهدة مع الروس منذ عام 1972م ورغم أنها لا تزال سارية المفعول حتى هذه للحظة إلا أنه لم يستفد منها شيئًا زيادة عما هو عليه الحال بدون معاهدة؟!.

وإلا فإن المراقبين يتساءلون ماذا فعلت هذه المعاهدة وماذا قدمت للعراق خلال الحرب الدائرة الآن بين العراق وإيران؟!.

و كنا قد بدأنا المقال بهذا التساؤل والحقيقة: إنه رغم ورود بعض الأخبار التي ذكرت بأن الروس يفرغون أسلحتهم في ميناء العقبة لدعم المجهود الحربي العراقي، إلا أن أخبارًا أخرى صدرت عن موسكو والسفير الروسي في طهران وحزب تودة الشيوعي الإيراني، تنفي تزويد العراق بالسلاح الروسي؟! ولكن اللغز المُحير ينكشف من خلال تصريح رجائي رئيس الوزراء الإيراني الذي قال: لقد أُصبت بالدهشة حينما علمت أن الاتحاد السوفيتي مستعد لتزويد كلينا، العراق وإيران بالسلاح!! نعم إن الحرب بين الجارين مناسبة عظيمة ومُربحة لتجار السلاح العقائديين؟! وهذا يذكر مرة ثانية بلغز حرب 67 حين لم تبادر موسكو لإنذار العرب بوقوع الحرب لأن انتصارهم يعني الشيء الكثير بالنسبة لها!! ويُفسر هذا أيضًا استنكار الصين للمعاهدة الجديدة، حيث صرحت مُتسائلة: لماذا توقع مثل هذه المعاهدة في ظل المشع السائد حاليًا في الشرق الأوسط؟! ولماذا اعتبرت معاهدة من أجل السلام مع أنه لا يوجد مانع من اعتبارها معاهدة من أجل الحرب!!

إن هذا الموقف الانتهازي للسياسة السوفيتية ليس بعيدًا عن طبيعتها المُراوغة ولكن عساه ينبه الشعوب إلى حقيقة المعاهدات التي توقع باسمها وهي عن حقيقتها في غفلة تامة!!

هذا الموقف الملغى للشعوب المستضعفة في تقرير مصيرها يدفعنا إلى التساؤل عن المعاهدة الروسية مع اليمن الجنوبي فماذا سنجد فيها من جديد؟!

واليمن أيضًا..!!

إن موقف حكام الشعوب المستضعفة لا تختلف عن بعضها إلا في التفاصيل الصغيرة، وهذا يذكرنا بموقف الشعب العربي في اليمن الجنوبي المغلوب على أمره والواقع تحت سيطرة الشيوعيين المتسلطين باسم الحزب الاشتراكي اليمني الذين وقَّعوا معاهدتهم مع الروس عام 1979م والتي ما تزال سارية المفعول، والتي جعلت من عدن قاعدة كبرى لتمَرْكُز القوات الشيوعية العالمية في جنوب الجزيرة العربية ومخرج البحر الأحمر وعقدة المواصلات البحرية العالمية، وموطئ القدم في القفز مُستقبلًا إلى إفريقية الجنوبية والشرقية!!.

إن هذه المعاهدة هي الوحيدة التي يلتزم فيها الروس بتنفيذ بنودها!! وذلك لسبب بسيط هو أن حكام عدن قد ألقوا بقيادتهم أمام الروس وسلموا البلاد والعباد لهم بعمالة كاملة واستسلام ذليل مقابل أن يحافظ لهم هؤلاء على كراسيهم وأطماعهم الدنيئة ضد شعبهم ومبادئه!! ويكفي أن نعلم أن الشيوعيين اليمنيين أسهموا في كل الحروب التي خاضها الشيوعيون الأثيوبيين ضد الثوار الارتيريين، وضد ثوار الصومال المعوي، وتردد أخيرًا أنهم شاركوا بمجموعات محدودة مع الجيش الأفغاني ضد المجاهدين المسلمين الأفغان، وإذا أُضيف إلى ذلك أنهم جعلوا اليمن الجنوبي مزرعة للصواريخ السوفيتية على حدود الجزيرة العربية، فعندها سنعلم أي خطر شديد جلبته هذه المعاهدة على المنطقة.

 إن النموذج اليمني للمعاهدات السوفيتية يُظهر بوضوح أن الروس «حليف جيد» ما دام يؤمِّن مصالحه من خلال هذه المعاهدات، حتى إذا فقدت قيمتها ودورها في تأمين مصالحه عادت لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه وتجاهلها تمامًا.

وأخيرًا... سوريا!

و الآن وبعد الاستعراض السريع للمعاهدات التي أثبتت إخفاقها، نتساءل أين تقع المعاهدة الجديدة مع سوريا في سلم المشاهدات السابقة، وإلى أين سينتهي بها الحال عاجلًا أم أجلًا؟! بل نتساءل كيف سينتهي أمرها، وأمر من وقَّعها من الجانب السوري؟ وما الجدوى الحقيقية لمثل هذه المعاهدة؟! إن هذه الأسئلة -وغيرها كثير- تحتاج إلى مقالة أخرى وللإجابة عنها محل آخر في هذا العدد…

الرابط المختصر :