; المظلومون في تاريخنا.. المعتمد بن عباد(۳) فرية إهدائه ابنته لألفونسو ليحمي دولته!! | مجلة المجتمع

العنوان المظلومون في تاريخنا.. المعتمد بن عباد(۳) فرية إهدائه ابنته لألفونسو ليحمي دولته!!

الكاتب أ.د. عبد الرحمن علي الحجي

تاريخ النشر السبت 11-أغسطس-2007

مشاهدات 16

نشر في العدد 1764

نشر في الصفحة 46

السبت 11-أغسطس-2007

ذكرت مصادرنا تفصيلات موسعة حول معركة الزلاقة، لا بأس باقتطاف شذرات منها؛ حيث كان ترتيب خُطة أذفونش بن فرذ لند (ألفونسو بن فردناند)، مهاجمة المعتمد بن عباد بنفسه، إذ حين يقضي عليه يسهل أمر أهل العدوة الصحراويين الذين لا يعرفون البلاد كالأندلسيين.

فرية إهدائه ابنته لألفونسو ليحمي دولته!!

فأحاط جيشُه بابن عباد، لكن ابن عباد بمن معه طبعاً - وقد غشيه ألفونسو بجنده صدمه ابُن عباد صدمة قطعت آماله ولم ينكشف له فحميت الحرب بينهما، ومال ابن فرذلند على المُعْتَمَد بجموعه أحاطوا به من كل جهة (فهاجت الحرب وحمي الوطيس) فاستحر القتل فيهم، وصبر ابن عباد صبراً لم يعهد مثله لأحد، واستبطأ يوسف، وهو يلاحظ طريقه. وعضته الحرب، واشتد (عليه وعلى من معه) البلاء، وأبطأ عليه الصحراويون وساءت ظنون أصحابه، وانكشف بعضهم وفيهم ابنه عبد الله، وأثخن ابن عباد جراحات وضرب على رأسه ضربة فلقت هامته حتى وصلت إلى صدغه، وجرحت يمني يديه وطعن في أحد جانبيه، وعقرت تحته ثلاثة أفراس كلما هلك واحد قدم له آخر، وهو يقاسي حياض الموت يضرب يميناً وشمالاً ... ثم كان أول من وافي ابن عباد من قواد ابن تاشفين داود بن عائشة، وكان بطلاً (شجاعاً) شهماً فنفس بمجيئه عن ابن عباد ، ثم أقبل يوسف بعد ذلك وطبوله (تصدع تصعد أصواتها إلى الجو)، فلما أبصره ابن فرذلند وجَّه أشكولته (حملته) إليه وقصده بمعظم جنوده، وقد كان عمل حساب ذلك من أول النهار، فأعد له هذه الأشكولة وهي معظم جنوده، فبادر إليه يوسف وصدمهم بجمعه فردهم إلى مركزهم، وانتظم به شمل ابن عباد ووجد ريح الظفر وتباشر بالنصر ثم صدقوا جميعاً الحملة فتزلزلت الأرض بحوافر خيولهم وأظلم النهار بالعجاج والغبار)، وخاضت الخيل في الدماء، وصبر الفريقان صبراً عظيماً، ثم تراجع ابن عباد إلى يوسف وحمل معه حملة نزل معها النصر .... (الروض ٢٩١ نفح 4/366).

شاهد عيان

إنه ليبدو بوضوح أنّ هذا الوصف لا بد أن يكون صدر عن شاهد عيان مشارك بخوض غمارها؛ حيث إنه وردت أسماء بعضهم، ومنهم كتاب وأدباء وشعراء ألفوا كتباً ضاعت بعد أن نقل منها، وفيها عن ابن عباد وحياته وفروسيته وشعره، وكانوا من المقربين إليه.

ومن نوادر ما يذكر أن ألفونسو مات كمداً (نفح40/369، قارن نفح ١/٤٤٤) منها ومن غيرها، فيما بعد بمدة. حيث تجمعت من جراء ما وقع به وبخيرة قادته وبزهرة جيشه في هذه المعركة زادتها مثيلتها معركة أقليش سنة ٥٠١ هـ التي فقد فيها ابنه الوحيد، شانجه؛ حيث أمل القضاء على هذه القوة، لتصبح الأندلس كلها - عند ذاك - رهن أمره ويمتلكها غير بعيد.

كيف ظلم؟

والآن، بماذا وكيف ظلم المعتمد بن عباد؟ 

لقد وقعت عليه ثلاث مظالم آخرها أشدها. وكلها في أوقات بعد معركة الزلاقة وهي:

1-ادعي على المعتمد ليوسف أنه لا أحد في مملكته له رضى عنه (نفح ٤/ ٣٧٥).

يحثون يوسف بذلك للتخلص منه وامتلاك ما عنده. فهو أولى به، وأن المعتمد لا يستحق ما هو فيه.

وأنه حين نصح المعتمد من أحدهم يقول له كلاماً، يحثه أن يعتقل يوسف - وهو ما يزال ضيفاً عنده في إشبيلية - ويتخلص منه فإنه لا يؤمن جانبه استصوبه وجعل يفكر في انتهاز الفرصة (نفح 4/377-375).

والحق أن هذا غريب، وليس في واقع الأحداث شروى نقير يؤيده. وعلى العكس فإن كلاً من الرجلين كان يقدر الآخر ويحترمه، ويكن له المودة، إذ لما أراد يوسف العودة إلى المغرب، ودعه ابن عباد بحفاوة أحسن توديع وذهب معه ابن عباد يوماً وليلة، فأقسم ابن تاشفين عليه بالرجوع وكانت جراحاته تورمت عليه، فسير معه ولده عبد الله إلى أن وصل البحر، وعبر إلى المغرب (الروض ۲۹۲ نفح 4/370).

٢- حين انتهت معركة الزلاقة بهزيمة ألفونسو - الذي تلقى ضربة قوية في فخذه (نفح، ٣٦٨) بقي يعرج منها بقية عمره - وتشتت جيشه فلم ينج منهم إلا من فر، أنقذهم ظلام الليل وستر فرارهم، نحو طليطلة. وأمام ذلك اقترح ابن عباد على يوسف متابعة ألفونسو والقضاء عليه، وعلى من بقي من جيشه (الروض ۲۹۱)، وربما تُواتي الفرصة لاسترداد طليطلة لكن ابن تاشفين رأى الاكتفاء بهذا حالياً، ولعله يتم لاحقاً وكان لكل منهما حجته ودليله ومبرراته.

وهذا ما أثار سوء الظن بينهما، حيث اعتبر كل منهما أنه يبطن نية، يخفي وراءها شيئاً غير الذي يبديه، كان موقعه كل منهما قد أسر حسوا في ارتغاء (الروض (۲۹۱) مثل يضرب لمن يقول شيئاً ويريد غيره. لكن موضوعنا يتعلق بابن عباد. أما ما يخص ابن تاشفين ربما تأتي مناسبته في وقتها. بالنسبة لابن عباد لا يوجد ما يؤيده في أي من الأقوال والأخبار فضلاً عن واقع الأفعال.

فرية إهداء ابنته

 (۳) قاصمة أم عاصمة؟ أشيع في وقت متأخر - والمصدر دوماً واحد - من خلال المصادر الكنسية الإسبانية المبكرة أو المتأخرة، وعنها تسربت للكثير: أن المعتمد ابن عباد أهدى ابنته إلى ملك قشتالة: (أدفنش بن فردلند (ألفونسو VI السادس - بن فرد نند) - التي وسموها باسم زائدة زايدة) (سيدة) الأندلسية المسلمة:  Zaida (Ceida) la Moraوهو اسم غريب غير مألوف، لم نجد له مثيلاً في الأندلس، خلال تاريخه.

يقولون: إن المعتمد فعل ذلك توثيقاً للصلة وتثبيتاً للعلاقة وتأكيداً لحسن النية لألفونسو.

ويحسن قبل قصم هذه القاصمة، وبيان العصمة منها أن تلقى الضوء على بعض الأمور العامة ذات الأهمية والصلة تمهد لقوة الوصول إلى حقيقة الأمر، وتبين واقعها: 

أولاً: لو حدث مثل هذا لذكره بعض مؤرخينا - جمهرة منهم، إن لم يكن جلهم. ولما تساهلوا، بغض القلم عن ذكره، أمر لا يتساهلون فيه ولا يهملونه بحال، ومثله لا يمكن أن يبقى، أو يبقى عليه، سراً.

ثانيا: لو حدث ذلك لثار على المعتمد المجتمع بأسره، فلا تسامح في مثل هذا الأمر المخزي في أي حال، زد عليه أن المعتمد نفسه، لا يمكن أن يرد مثل هذا على باله أو يفكر فيه، فضلاً له أن يرتضيه لنفسه البتة، حتى لو - جدلاً وفرضاً - أمكنه تمريره لاسيما وهو الفارس الشهم ذو الغيرة والنجدة المعروفة (الحلة 20/54، نفح 4/215-216 الإحاطة ۲/ ۱۰۹ - ۱۱۱ أعمال الأعلام ١٥٧).

ثالثا: أليس هو الذي أخذته الحمية من تصرفات وطلبات ابن شاليب اليهودي، ولم يحتمل موقفاً مثيراً منه، وهو سفير ألفونسو وكان يدفع الجزية - مما دعاه إلى قتله وأسر من معه ولم يقدم على ذلك (الروض ۲۸۸نفح. ٣٥٧/٤ - ٣٥٨. الإحاطة ١١٠/٢. ۱۱۱). بل لم يبال بتهديدات ألفونسو الذي كان المعتمد خاضعاً له، يسعى لتجنبه قدر طاقته.

عفة وغيرة

رابعا: عرف عن المعتمد العفة والغيرة والنجدة، كما عُرف بالحساسية والنخوة والنصرة لأهله وقومه، ويأبى هذه الأفعال لغيره كيف يا ترى يقبلها لنفسه، عاراً لا تمحوه السنون ولا القرون ولا الدهور.

 على الرغم من أن المعتمد ارتكب أخطاء وعمل أشياء كنا نتمنى أن لو لم يفعلها، وبعضها ندم عليها (أعمال ١٦٢). فمن المؤكد أن مروءته الإسلامية الواضحة وتكوينه الإسلامي مهما ضعف أمام أمور. فإنه لا يمكن أن يرد على الخاطر أبداً، أن أمراً واحداً من تلك الحزمة الكبيرة من القيم والمعاني الشرعية والصيغ النفسية والذاتية والتربوية، تجعل حدوث مثل هذا ممكناً.

خامسا: كانت حياته معروفة للآخرين ولا يمكن أن يفعل ذلك خفية. فالذي يقتل صديقاً له وهو الشاعر المعروف أبو بكر محمد بن عمار المهري (٤٧٧هـ)، لأسباب عدة قيل: أهمها تهديد ابن عمار للمعتمد شعراً، بالتعريض بزوجته وأم أولاده: اعتماد الرميكية (الذخيرة 2/313، الحلة 2/157-158، نفح 4/212-213) لا يمكن أن يقدم على مثل هذه الفعلة الشنيعة.

 كما أننا لا نعرف من بناته من تحمل اسماً كهذا، والظاهر أنه كان له عدة بنات إحداهن شاعرة، ذكرت باسم: بثينة (نفح ٤/  285-284-273).

الرابط المختصر :