العنوان المعركة بين الحق والباطل
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 23-سبتمبر-1980
مشاهدات 21
نشر في العدد 498
نشر في الصفحة 4
الثلاثاء 23-سبتمبر-1980
أثار الانقلاب العسكري في تركيا تساؤلات عدة، وبعث مشاعر مختلفة حسب الجهات التي تلقت النبأ.
وعلى الساحة الإسلامية، كان هناك أكثر من سؤال وأكثر من إشارة استفهام وتعجب، ذلك أن ما يجري في أي بقعة إسلامية سيعود بنتائجه على مجمل العالم الإسلامي إن سلبًا وإن إيجابًا، فما الذي يثيره عند المسلم انقلاب عسكري يقوم به جيش علماني يتعصب لمبادئ ميتة لرجل ميت؟! ويريد أن يفرض رأيه بقوة الحديد والنار، ليمنع انبثاق الخير على أيدي الطليعة المسلمة!
- لا شك أن الانقلاب حدث سياسي بالإضافة إلى كونه عملًا عسكريًا، ولكن معانيه على مستوى الفكر بعيدة المدى، إنه جزء من الصراع المستمر بين الحق والباطل، بين الخير والشر، كما نفهمها نحن المسلمين، فإنه لحكمة اقتضتها إرادة الله، لا يلتقي حق مع باطل، كما أنه لا يجتمع نور مع ظلام، ولا يصبح الأبيض أسود ولا الأسود أبيض، وهذا التضاد الواضح البين الذي لا لبس فيه ولا غموض، يستدعي صراعًا طبيعيًا على جميع المستويات بين الضدين.
إن نظرة بسيطة نلقيها إلى الوراء، مستطلعين عبرها أحداث التاريخ، لتعطينا نتيجة واحدة: هي أنه لم يحدث مرة واحدة، وفي أي وقت من الأوقات وتحت أي ظرف من الظروف أن التقى حق مع باطل، أو خضع خير لشر، إلا أن يكون في أحدهما دخن وخيانة!! فمنذ صراع الأخوين قابيل وهابيل، انفتح الباب لصراع دائم مستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وما قصص الأنبياء مع أقوامهم التي عرضها القرآن، إلا دليل على هذا الصراع، فمقابل كل رمز للخير تجد رمزًا للشر: نوح وقومه صالح وثمود، هود وعاد، شعيب ومدين، موسى وفرعون، عيسى وبنو إسرائيل، محمد وجاهلية قريش، المسلمون وكل أشكال الجاهلية إلى يوم القيامة ﴿وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَلَا ٱلظُّلُمَٰتُ وَلَا ٱلنُّورُ وَلَا ٱلظِّلُّ وَلَا ٱلۡحَرُورُ وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ﴾ (فاطر: 19 - 22).
- هذا الصراع مستمر لأن عناصره موجودة، ولكن صورة المعركة في العصر الحديث هذا قد اتخذت شكلًا جديدًا، وأبعادًا مختلفة، فبعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية بخسارة فعلية لجميع الأطراف بما فيهم المنتصرون أنفسهم، أخذ الاستعمار شكله الحديث القائم على الاستغلال السري «معاهدات، اتفاقيات، تمثيل دبلوماسي، علاقات ثقافية...» دون أن يكلف نفسه الزج بقواته البشرية والمادية في صراع مكشوف، ولقد كانت فيتنام عبرة كبيرة، فانقلب الصراع إلى ساحات داخلية لا يقف في وجهها إلا الاتجاه الإسلامي النقي، أما اليمين العلماني فقد نشأ في الحضانة الغربية بحكم ارتباط الطرفين بمصالح مشتركة، وأما اليسار الشيوعي فليس أكثر من مجموعة عملاء أغبياء تحركهم أوهام الأفيون الجديد!!
فلم يبق خطرًا قائمًا إلا الاتجاه الإسلامي الذي ردفته في أواخر السبعينات هذه الصحوة المنعشة المباركة بإذن الله.
وهنا تنبه الجباران -مع عملائهما- إلى خطورة هذه الصحوة على المخططات والمصالح، فاتفقا على قطع الطريق على هذا الخير الموعود.
- وقد لا يصدق بعض الناس أن تجتمع أمريكا وروسيا في سياسة واحدة ضد جهة معينة، ولكن هؤلاء واهمون، فما سياسة الوفاق إلا المظهر العملي للاتفاق القديم للشر -مهما اختلفت لبوسه!!- ضد الخير الذي لا يتجزأ، إن الرأسمالية الغربية والشيوعية الشرقية ليستا إلا وجهين لعملة واحدة، هي الأطماع الدولية التي تستثمر الشعوب المستضعفة، وأي صحوة في هذه ستقلب الموازين رأسًا فوق حساباتها، ولذلك تراهما يتفقان -على اختلاف بينهما- ضد عدوهما المشترك، ولعبة التبادل المصلحي بينهما قائمة، كما تظهر في أبرز صورها على الساحتين الأفغانية والسورية!
- فقد اتخذت المعركة في أفغانستان صورة الاحتلال الأجنبي الخارجي، وإن دخول الروس إليها عملية عدوانية خالصة، ولا تلتفت إلى ادعاء العملاء بأنهم هم الذين دعوا حلفاءهم ليساعدوهم، فليس لهؤلاء رأي ولا لرأيهم وزن، وإنما هم قطع غيار تافهة تسقط بمجرد الانتهاء منها كما حصل لداود وطره قي وأمين.. وكما سيحصل لغيره من العملاء الجاهزين.
- أما في سوريا فقد اتخذت المعركة وجهًا آخر، هو الصراع الداخلي بين جبهتين غير متكافئتين، ففي الجبهة الأولى كل ما في الكفر والطغيان من صلف وكبر وتسلط وغباء وحزبية عمياء!! يدعم ذلك كله، قوة مادية من عسكر وعتاد وتنظيمات.
أما في الجهة الثانية، ففتية آمنوا بربهم، يدعمهم إيمانهم بالله وبحقهم في الحياة الحرة الشريفة، وتردفهم قدرات مادية بسيطة، ولكنها محوطة بقلوب الأمة المؤمنة جميعًا!
- هذان المظهران -الخارجي والداخلي- هما النموذج العملي الحاضر للصراع الخالد المستمر بين الحق والباطل، بين الخير والشر، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها! على أن هناك صورة أخرى للصراع في ساحة ما تزال مكنونة، تلك هي الساحة التركية!
- فلقد اتعظت الاستعمارية العالمية من الدروس الكثيرة التي طرحتها الساحة الإسلامية، فألقت -من وراء ستار- بثقلها الكريه فوق براعم مؤمنة، بدأت تتفتح على استحياء في تركيا، براعم طيبة رائدها الإخلاص، وهدفها الإنقاذ الوطني ويحركها الإسلام العظيم، ببساطته وحيويته ونقائه ومحبته وتسامحه.. ولكن أنى لهذا الشر المستحكم أن يلقي بالعصا ويستسلم أمام طلائع الخير هذه؟! كيف له -وهو الجبار المتغطرس- التنازل عن مصالحه وقواعده وأطماعه وأحقاده التاريخية من وراء ذلك كله، وتسليم الأمور إلى من يضطهدهم ويحاربهم ويلاحقهم، وهو على طريقة فرعون يستخف بهم، وعلى طريقة نمرود يوصي بسحقهم: ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ (الأنبياء: 68).
- ألا إنها سنة الله في الخلق والكون والحياة، الابتلاء والامتحان ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الأنفال:42).
هذا الابتلاء هو الأسلوب اللازم المرور به ليخلص الصف من الشوائب، وتنزاح عنه الطفيليات ممن لا تثبت عند الشدة، ولا تصمد عند الصدام، فيخرج الصف بعد ذلك أنقى جمعًا، وأصفى شكلًا، وأصلب عودًا، وأكثر ثقة ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ (آل عمران: 141 - 142).
ولكن الله وعد المخلصين من المجاهدين بالنصر والتمكين بعد الابتلاء المبين ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: 69).
- وما الذي نقوله أخيرًا؟! ألا إن أمر المؤمن عجيب حقًا، فحتى وهو في محنته وعذابه، تأتيه البشارة، وتحفه الرحمة، ويعزيه وعد الله بالخلود مع الشهادة، أو بالعز مع النصر، وكلاهما خير، ويبوء الكافر بشر ما قدم بين يديه.. وتبقى سنة الله خالدة في خلقه: الابتلاء والامتحان، ثم التمكين في الأرض والله غالب على أمره.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عوامل النصر والتمكين في سيرة سيد المرسلين ﷺ (1) فقه التعامل مع السنن الإلهية والأخذ بالأسباب ودورهما في تحقيق النصر الإلهي
نشر في العدد 2183
32
الجمعة 01-سبتمبر-2023
حرب 1967- 1973 دراسة مقارنة لبيان أسباب الهزيمة ودعائم النصر
نشر في العدد 238
20
الثلاثاء 25-فبراير-1975