العنوان المكاسب الصهيونية من زيارة «بايدن
الكاتب د. صالح النعامي
تاريخ النشر الاثنين 01-أغسطس-2022
مشاهدات 19
نشر في العدد 2170
نشر في الصفحة 24
الاثنين 01-أغسطس-2022
المكاسب الصهيونية من زيارة «بايدن»
زيارة «بايدن» مثّلت فرصة للمسؤولين الصهاينة للكشف عن بعض خفايا العلاقات مع نظم الحكم العربية
.. وحققت لـ»إسرائيل» إنجازاً إستراتيجياً تمثل في تكريس إقصاء القضية الفلسطينية
«بايدن» ركز على توسيع الدور الأمريكي في تطوير التعاون الأمني بين سلطة عباس و»إسرائيل»
كاتب صهيوني اعتبر الزيارة بمثابة شهادة وفاة حل الدولتين
يمكن للكيان الصهيوني تسجيل 3 إنجازات إستراتيجية في أعقاب زيارة الرئيس الأمريكي «جو بايدن» للمنطقة، التي توجه خلالها إلى كل من «إسرائيل»، ومناطق السلطة الفلسطينية، والسعودية، إلى جانب إخفاق واحد.
وتتمثل الإنجازات في تحقيق اختراق آخر على صعيد التطبيع والاندماج في المنظومة الإقليمية العربية، وتكريس إهمال القضية الفلسطينية، وتوسيع إطار العلاقات الإستراتيجية الخاصة بين واشنطن و»تل أبيب».
حققت زيارة الرئيس الأمريكي «جو بايدن» للمنطقة بعض النقاط؛ فعلى صعيد التطبيع والاندماج في المنطقة، يمكن الإشارة إلى قرار السعودية السماح للطائرات المدنية المغادرة والمتجهة إلى «إسرائيل» بالتحليق في الأجواء السعودية، الذي جاء نتاج مفاوضات غير مباشرة أجريت بين «تل أبيب» والرياض بوساطة أمريكية حول نقل السيادة على جزيرتي «تيران» و»صنافير» من مصر إلى السعودية، فكما أكدت مستويات رسمية وإعلامية صهيونية وأمريكية بأن «إسرائيل» اشترطت موافقتها على نقل الجزيرتين للسيادة السعودية قبول الرياض السماح لطيرانها المدني بالتحليق في الأجواء السعودية، بالإضافة إلى جملة من الترتيبات الأمنية في الجزيرتين، من ضمنها تجريدهما من السلاح، وتركيب كاميرات مراقبة في الجزيرتين تتحكم بها «إسرائيل».
صحيح أن السعودية تجاهر بأنها تشترط التطبيع مع «إسرائيل» بحل القضية الفلسطينية، لكن الزيارات العلنية التي نفذها إعلاميون ورجال أعمال صهاينة للسعودية مع عدم إنكارهم هويتهم الحقيقية، وإن استخدموا جوازات سفر أجنبية، تدل على أن هناك تحولات في الموقف من مسألة التطبيع.
والذي يعزز هذا الاعتقاد حقيقة أن إعلاميين ومثقفين سعوديين باتوا لا يترددون في إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام الصهيونية للتعبير عن حماسهم للتطبيع مع «إسرائيل».
مكاسب أمنية واقتصادية
اللافت أن زيارة «بايدن» مثلت مناسبة للمسؤولين الصهاينة للكشف عن بعض خفايا العلاقات مع نظم الحكم العربية، فحسب وسائل الإعلام الصهيونية، فقد أطلع وزير الحرب الصهيوني «بني غانتس» الرئيس الأمريكي «بايدن»، خلال لقائه به في «تل أبيب»، على سلسلة من الاتفاقات الأمنية السرية التي وقعها الكيان الصهيوني مع دول عربية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع «إسرائيل».
من ناحية ثانية، وعلى الرغم من أنه لم يتم التوصل لتفاهمات علنية خلال الزيارة، فإن الحديث الأمريكي الصهيوني عن توحيد المنظومات الرادارية لـ»إسرائيل» ولدول المنطقة أضفى شرعية على مثل هذا التطور حال تم تطبيقه مستقبلاً، مع العلم أن القناة «12» الصهيونية وصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أكدتا أن «إسرائيل» نصبت بالفعل منظومات رادارية في بعض الدول العربية للكشف المبكر عن وجود صواريخ ومسيرات هجومية يمكن أن يطلقها طرف ثالث صوبها.
وقد أفضت زيارة «بايدن» إلى تأجيج الشهية الصهيونية في كل ما يتعلق بتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب العرب وانطلاقاً من توظيف إمكاناتهم، فقد دعا وزير المالية الصهيوني «أفيغدور ليبرمان» إلى تدشين سوق عربية «إسرائيلية» مشتركة في المنطقة على غرار فكرة «السوق المشتركة» التي تم تطبيقها في أوروبا، ونوه بأن السوق العربية «الإسرائيلية» المشتركة يجب أن تهدف إلى تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين «إسرائيل» ودول المنطقة مع كل ما يتطلبه الأمر من بناء خطط سكك حديدية وطرق وضمان حركة حرة لنقل البضائع؛ وهو ما سيفضي إلى مراكمة إنجازات اقتصادية هائلة لصالح «إسرائيل».
لكن زيارة «بايدن» لم تسفر فقط عن اتساع رقعة التعاون مع دول المشرق العربي، بل مع المغرب أيضاً، فبعد الزيارة توجه قائد جيش الاحتلال «أفيف كوخافي» إلى المغرب في زيارة غير مسبوقة؛ بهدف تعزيز وتوسيع إطار التعاون العسكري بين الجانبين، مع العلم أن هذه الزيارة جاءت تتويجاً لجملة من التطورات على صعيد العلاقة الأمنية والعسكرية بين الرباط و»تل أبيب»، فقد وقَّع الطرفان على اتفاقية للتعاون العسكري المشترك، ويجريان مناورات عسكرية مشتركة، كما وقَّع المغرب على صفقات لشراء السلاح من «إسرائيل» بمئات الملايين من الدولارات.
القضية الفلسطينية.. الخاسر الأكبر
أما الإنجاز الإستراتيجي الثاني الذي حققته «إسرائيل» خلال زيارة بايدن؛ فتمثل في تكريس إقصاء القضية الفلسطينية وتشريع تجاهلها، فلم يتراجع «بايدن» عن قرارات سلفه «ترمب» المتعلقة بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ»إسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية إليها، وقبوله عملياً موقف «إسرائيل» الرافض لإجراء أي مفاوضات لحل الصراع مع الشعب الفلسطيني، وعدم الإقدام على أي خطوة للجم الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس، من هنا لم يكن مستهجناً أن تعلن «دانيلا فايس»، إحدى زعيمات المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية، عزمها بناء عشرات المستوطنات أثناء وبعد زيارة «بايدن».
لقد كرس «بايدن»، خلال زيارته، فكرة السلام الاقتصادي من خلال التبرع بـ200 مليون دولار لمؤسسات فلسطينية، ودعوته لدول عربية للقيام بنفس الخطوة، وتركيزه أيضاً على توسيع الدور الذي تمارسه أمريكا تحت قيادته في تطوير التعاون الأمني بين سلطة عباس و»إسرائيل».
وقد كان لافتاً أن النخب «الإسرائيلية» قد أجمعت على أن القضية الفلسطينية الخاسر الأكبر في جولة «بايدن»، ففي مقاله بصحيفة «هاآرتس»، كتب الكاتب «جدعون ليفي» أن الزيارة أثبتت للفلسطينيين أنهم وصلوا إلى طريق مسدود، واعتبر «ليفي» الزيارة بمثابة شهادة وفاة حل الدولتين الذي مات منذ زمن طويل، والآن أصبح خيار الفلسطينيين الإستراتيجي بالاعتماد على الغرب في نضالهم من أجل نيل حقوقهم الوطنية قد مات هو الآخر، هذا الأمل لفظ أنفاسه، فقد وقع «بايدن» على شهادة الوفاة، على حد تعبيره.
أما الإنجاز الإستراتيجي الثالث الذي جنته «إسرائيل» في زيارة «بايدن» فتمثل في توسيع التعاون الإستراتيجي وتعميق العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة، فقد حرص «بايدن» خلال الزيارة على تأكيد التزامه بتقوية العلاقات الخاصة مع «إسرائيل» على المستوى الإستراتيجي، وعبر عن حبه لـ»إسرائيل» وقدم نفسه على أنه «صهيوني».
فقد روى «براك رفيد»، معلق الشؤون السياسية في موقع «واللاه» العبري، أن «بايدن» أبلغ مقربيه قبيل الزيارة أن هدفه منها يتمثل في التدليل لـ»الإسرائيليين» على حبه لـ»إسرائيل»، ونقل «رفيد» عن شخص التقى «بايدن» قبل 10 أيام من الزيارة عنه قوله: معنيٌّ بإظهار الدفء والحب، أريد أن يدرك «الإسرائيليون» كم أنا أحب «إسرائيل».
وهذا ما شجع «إسرائيل» على تقديم قائمة من المطالب الأمنية لـ»بايدن»، ضمنها: تمويل أمريكي لتطوير منظومة دفاع جوي تعمل بالليزر لتحصين عمقها المدني، والضغط عليه للتعجيل بتزويدها بطائرات الشحن الإستراتيجية من طراز «كي سي 46» التي تستخدم في تزويد الطائرات بالوقود أثناء تحليقها، فضلاً عن أن «إسرائيل» أبلغت «بايدن» أنها معنية بالتوصل لمذكرة تفاهم جديدة حول المساعدات الأمريكية لـ»إسرائيل» التي تصل قيمتها 3.8 مليارات دولار، بحيث تمنحها الولايات المتحدة حرية أكبر في استثمار هذه المساعدات بالطريقة التي تخدم مصالحها.
العلاقة مع إيران
لكن مقابل هذه الإنجازات، فإن «إسرائيل» ومعها دول عربية، قد أخفقت في تغيير موقف «بايدن» من العلاقة مع إيران ونظرته لمستقبل التعاطي مع البرنامج النووي لطهران، فقد راهنت «إسرائيل» على إقناع «بايدن» بعدم عودة الاتفاق النووي وتشديد العقوبات على طهران وعرض التهديد بالخيار العسكري، وضم الترسانة الصاروخية الإيرانية إلى قائمة التهديدات التي يتوجب على أمريكا مواجهتها، والتصدي للتمركز الإيراني في المنطقة وتحديداً في سورية.
لكن على الرغم من أن «بايدن» أكد التزامه بالعمل على عدم تمكين إيران من الحصول على سلاح نووي، وأن واشنطن ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لضمان ذلك، فإنه الرئيس الأمريكي أكد رغبة بلاده في العودة للاتفاق النووي على اعتبار أنه أفضل الخيارات التي تضمن عدم تطور البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب ذلك، فإن «بايدن» رفض طرح خيار عسكري يمكن الوثوق به كتهديد على الطاولة في حال واصلت طهران برنامجها النووي، كما أن بايدن تملص من أي التزام لمواجهة تمدد إيران في المنطقة، سواء في لبنان أو العراق أو اليمن.
قصارى القول، نتائج الزيارة تؤكد أن تسويغ نظم الحكم العربية التطبيع والتعاون العلني والسري مع الصهاينة بمتطلبات مواجهة إيران غير مصداقية على الإطلاق، بدليل أن الولايات المتحدة لا تتبنى عملياً مواقف الصهاينة وهذه النظم من إيران، لكن من أسف، فإن محصلة التطبيع يتمثل في مساعدة «إسرائيل» على محاولة حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني لصالحها.
المكاسب الصهيونية من زيارة «بايدن»
زيارة «بايدن» مثّلت فرصة للمسؤولين الصهاينة للكشف عن بعض خفايا العلاقات مع نظم الحكم العربية
.. وحققت لـ»إسرائيل» إنجازاً إستراتيجياً تمثل في تكريس إقصاء القضية الفلسطينية
«بايدن» ركز على توسيع الدور الأمريكي في تطوير التعاون الأمني بين سلطة عباس و»إسرائيل»
كاتب صهيوني اعتبر الزيارة بمثابة شهادة وفاة حل الدولتين
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل