العنوان مصادر النصر في سورة العصر
الكاتب الشيخ عبد التواب هيكل
تاريخ النشر الثلاثاء 30-ديسمبر-1980
مشاهدات 38
نشر في العدد 509
نشر في الصفحة 38
الثلاثاء 30-ديسمبر-1980
•القرن الرابع عشر يعلن فشل النظم الأرضية في تحقيق السعادة والطمأنينة للبشرية.
•القرن الخامس عشر مناخه مناسب لتقبل النظام الإسلامي.
الحمد لله القائل ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7)، والصلاة والسلام على سيد المجاهدين وقائد الغر المحجلين، محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد انسلخ القرن الرابع عشر وانضم إلى القرون الخالية وهو ينادينا بأعلى صوته: يا معشر البشر لقد فشلت النظم الأرضية، في تحقيق السعادة للبشرية، فلتسقط الشيوعية والاشتراكية والرأسمالية، ولتسقط جميع النظم الوضعية، ولتسقط الحضارة المادية الإلحادية، التي أذاقتكم صنوف الويل وألوان العذاب حتى أصبح «العدل، والطمأنينة، والاستقرار، والسعادة» كلمات لا مفهوم لها وأسماء لا مسميات لها، وألفاظًا لا معاني لها في معاجم القرن المنصرم.
أما العالم الإسلامي «أو بعبارة أدق: العالم الذي ينتمي إلى الإسلام اسمًا، ويجافيه حقيقة ومعنى» فقد كان نصيبه خلال القرن المنصرم التمزق والانحلال، ثم الذل والخسف والهوان. وتداعت عليه الأمم الباغية كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، وأصبح غثاء كغثاء السيل حتى طمع فيه من لا يدرأ عن نفسه فاحتل أرضه، واستولى على مقدساته، وطغى فيهم وبغى يقتل ويشرد، ويسجن ويعذب، وينتهك الأعراض وينتهب الأموال، ويذبح الشيوخ والأطفال، ويطأ الرؤوس والهامات بأقدامه النجسة في صلف وعنجهية، والأمة الإسلامية «أو المتمسلمة» تتلقى هذه الصفعات المتوالية، فتنكس رأسها ذلة وانكسارًا، وإذا تشجعت فلا تتجاوز صيحات تصيحها في وادي الظلمات، واستغاثات ذليلة تسترحم بها عدو الله وعدوها لينصفها من نفسه. فيا عجبًا كيف يصبح الخصم العدو حكمًا؟! هذا باختصار شأن الناس عامة والمسلمين خاصة خلال القرن المنصرم وإلى يومنا هذا.
وصدق الله ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (سورة العصر) فقد حقت كلمة العصر على العالم البشري وعلى المسلمين منهم بوجه أخص فأحاط بهم الخسر والهلاك إحاطة الظرف بالمظروف لبعدهم عن مصادر النصر التي توضحها سورة العصر. فلا عقيدة تجمعهم ولا عمل صالح يؤلف بينهم ولا حق يربطهم ولا صبر يثبتهم ويقوي عزمهم فمن أين يكون الفوز والنصر؟
والآن ونحن على رأس القرن الخامس عشر بعد أن ودعنا القرن الرابع عشر بهزائمه ونكباته وآلامه، والآن بعد أن سمعنا لسان حال القرن المنصرم يعلن فشل النظم الأرضية في تحقيق السعادة والطمأنينة للبشرية كما يعلن فشله في تحقيق النصر والعزة للأمة الإسلامية.
والآن والمناخ مناسب، والنفوس معدة ومهيأة لتقبل النظام الإسلامي الرحيم الودود بعد أن تجرعت كؤوس النظم المملوءة بالسم والمر والعلقم، وشقيت بشرورها وشؤومها ونكالها ردحًا طويلًا من الزمن. فإننا ننادي الأمة الإسلامية المعاصرة في جميع أنحاء الكرة الأرضية حكومات وشعوبًا وعربًا وعجمًا بالمسارعة إلى مصادر النصر في سورة العصر. هذه السورة العجيبة التي يقول عنها إمامنا الشافعي رضي الله عنه «لو لم ينزل من القرآن سواها لكفت الأمة».
أجل إنها أجملت مصادر العزة والنصر في دنيانا والفوز بالنعيم الخالد في آخرانا، أجملت ذلك في أربعة مصادر.
المصدر الأول: ترسيخ العقيدة الصحيحة المستمدة من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في نفوس المسلمين بحيث تسيطر على نفوسهم ومشاعرهم وأحاسيسهم، وتصبح أغلى شيء عندهم وأعز ما لديهم فيسخروا لها كل ما يملكون من دم ومال ووقت وجهد وفكر، ويؤمنوا «إيمانًا يتغلغل في أعماقهم» أن الإسلام هو دين الله الخالد وشريعته المحكمة الغراء وهو المحجة الواضحة البيضاء التي بعث عليها صفوة الخلق وسيد الأنبياء. وتركها لنا من بعده ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ (الأنعام: 153).
إيمانًا يدفعنا إلى التحرر من كل المبادئ والأفكار والمذاهب الدخيلة الوافدة علينا من الشرق أو من الغرب لأن ما عندنا هو الحق وما عندهم هو الباطل. فكيف نستبدل باطلًا بحق؟! ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا﴾.
والمصدر الثاني: العمل الصالح المرتكز على العقيدة الراسخة والإيمان العميق عملًا جادًّا متواصلًا على أسس من العلم والحكمة عملًا دؤوبًا منظمًا يهدف إلى وحدة الصف وجمع الكلمة وجمع الأشلاء الممزقة ثم النفخ فيها من روح الإسلام نفخة تعيد إليها الحياة، وتبعث فيها روح العزة والجهاد لإعلاء كلمة الله عملًا متواصلًا في صمت، فقد ذهب قرن القول ولا عمل، فلنبدأ قرن العمل في صمت وحكمة وإصرار. لطالما سمعنا في القرن المنصرم جعجعة ولم نر طحينًا، ونريد في قرننا هذا طحنًا بلا جعجعة. لقد سئمنا القول الأجوف والآن نتطلع إلى العمل المنتج البناء. يجب أن تتوفر كل الطاقات وكل الجهود والإمكانيات للعمل الصالح المنظم الذي يفرضه علينا إيماننا وعقيدتنا.
العمل الذي يستغرق كل ميادين الحياة، سياسيها واقتصاديها وعسكريها واجتماعيها إلى جانب العبادة والأخلاق. فكل أولئك ميدان هذا الدين الخالد الشامل الذي يربط بين الدين والدنيا وبين الأرض والسماء وبين الروح والمادة وبين الفرد والجماعة بل وبين الإنسان والكون؛ فالكل يتجه إلى غاية واحدة هي الله رب العالمين ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ (الأنعام: 162- 163) ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾.
والمصدر الثالث والرابع: التواصي بالحق والتواصي بالصبر.
إن الطريق شاق وطويل، ولن تتزحزح عنه قوى البغي والعدوان إلا بالقوة المستمدة من الله رب العالمين، فلا بد إذن من صراع مرير وعنيد بين جند الله وجند الشيطان. بين طلاب الحق وطلاب الباطل، بيد أن طلاب الباطل وجند الشيطان لا حق لديهم يؤيدهم، ولا إيمان لهم يستمدون منه الصبر والثبات. فلو أن جند الحق ثبتوا على حقهم وتواصوا به ولم يتزحزحوا عنه ورفضوا المساومة عليه رفضًا قاطعًا وتسلحوا بسلاح الصبر والثبات المستمد من إيمانهم بدينهم الحق وبأن الله ناصرهم ومؤيدهم بروح من عنده فلا بد أن ينتصر الحق ويندحر الباطل في النهاية ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ (الأحزاب: 62) ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (المجادلة: 21) ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33) ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7).
هذا هو الطريق، وهو وإن كان محفوفًا بالمكاره والشدائد، ومفروشًا بالأشواك والقلاقل، إلا أنه الطريق الوحيد المأمون العواقب، والموصل إلى النتيجة الحتمية وهي الحياة الطيبة المشرقة بنور البهجة والسعادة في الدنيا ثم حياة الخلد والنعيم الأبدي في الآخرة.
وبعد، فقد اشتد الخطب وكلما اشتد الخطب ازدهر الأمل. وقد آن للعالم أن يستظل بظلال الإسلام الوارفة، وينعم بروح عدالته وأمنه وحريته، ولعلنا بتوديعنا القرن المنصرم، واستقبالنا القرن الخامس عشر نكون قد ودعنا نهاية ليل موحش مكفهر وبدأنا نهارًا مشرقًا سرمديًّا لا تغرب شمس إسلامه ولا يغيب عن الدنيا نوره المتلألئ الصافي وعدله الصبوح الشامل.
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 105).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل