العنوان الملتقى التربوي (العدد 475)
الكاتب جاسم المسلم
تاريخ النشر الثلاثاء 25-مارس-1980
مشاهدات 15
نشر في العدد 475
نشر في الصفحة 40
الثلاثاء 25-مارس-1980
«جسد الجماعة المؤمنة»
إن خير ما نشبه به الجماعة المؤمنة ما ذكره رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». ففي الجسد الواحد أجهزة كثيرة كل منها له وظيفته أو وظائفه الخاصة، والأجهزة جميعًا تعمل متناسقة متعاونة بحيث ينهض الجسم ويتحرك، وإذا أصيب جزء من هذا الجسم شعر الجسم كله بالخطر وتداعى لدرئه وأصابه السهر والحمى، وأجهزة جسم الجماعة المؤمنة بعناوينها نراها في ميادين العمل الكبيرة ألا وهي: الموجهون والمنافقون وسلاحهم الفكر والعمل لذلك كانت المعركة تدور في الميادين الأربعة.
- في ميدان المناوئين لفكر الإسلام ومحاولتهم التخلص منها أو توهين الثقة فيها وتشكيك النشء الصالح في كفاءتها وصرفهم عنها.
- المنافقون وهدفهم قطع الرباط التي تصل بين النشء الصالح وقتل الأخوة التي تعصمهم وضع تآلفهم وإفشال أعمالهم.
وإثارة روح الشك بينهم وزرع الفتن.
- وميدان الفكرة: يتمثل ذلك في محاربة الإسلام بالإسلام نفسه عن طريق أنشطة ظاهرها وباطنها سحق الإسلام بتشويهه وتمويهه وتميعه متخذة صور عدة وتشكيلات مختلفة كالتنظيمات والكتب التي كلها تتحدث عن الإسلام لتخدر القلقين الذين يرون الإسلام يذبح ويمحق، وهذا هو الضرار الذي يتكرر في كل جيل وفي كل زمان.
- وميدان العمل: بمحاربة أسس العمل الإسلامي وزرع الفتن وإشاعة خلع الطاعة والانشقاق عن الجماعة...
ولقد قابل النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه الحروب وخاضها في مكة والمدينة وخرج منها الإسلام ظافرًا منتصرًا بعد أن ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالًا شديدًا، ولكل ميدان من هذه الميادين قصة يقوم المجاهدون والإثبات بروايتها والقيام بأدوار البطولة فيها على مسرح الحياة، والأرض التي عليها نعيش وحوادثها الآلام والصبر الطويل الجميل بقلب المؤمن الواثق المطمئن إلى وعد الله.
والأجر جنة عرضها السماوات والأرض في مقعد صدق عند مليك مقتدر برفقة ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ (النساء: 69)
«الداعية»
أخي الداعية إنك لست بدعًا من الأمر في وجودك هذا في العمل الإسلامي بل إنك شجرة «أصلها - ثابت وفرعها في السماء» تؤتي الخير والنور على من هم حولها، بعملهم بهذا السراج راجين فضل الله وتوفيقه، فيأتيك الخير منهم ومن يعمل بعملهم بصريح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «ومن دعي إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا» الحديث.
وأنتم أيها الدعاة في كفالتكم على من معكم تتذكرون قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه كعب بن مالك رضي الله عنه وهو يصف لنا كيف تمت بيعة العقبة الثانية -البيعة التي أغاظت الشيطان واهتزت منها قريش- فيقول «بعد أن اجتمع النفر من الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ كل منهم من الآخر ما أراد لدينه ولنفسه قال لهم صلى الله عليه وسلم: «اخرجوا إلي منكم اثنى عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما فيهم» فلما بايعهم خاطبهم قائلًا: «أنتم كفلائي على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم على قومهم» إذن فسلالة الدعوة ونهج الحركة وسبيل التربية الربانية اتخاذ كفلاء على الأفراد يقومون بتربيتهم وتقويمهم على ما يحب الله ويرضى، وهذه الكفالة هي نوع من المواثيق حيث لها شروطًا وجزاء، وذلك ما بينه الله بالنسبة لبني إسرائيل في سورة المائدة فقال سبحانه وتعالى ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾
بهذه الآية الواحدة بيّن الله ميثاقه مع بني إسرائيل فبين أنه ميثاقًا بين طرفين متضمن شرطًا وجزاء، وقد كان الميثاق مع نقباء بني إسرائيل الذين يمثلون فروع بيت يعقوب وعدتهم اثنا عشر سبطًا، وقد كان الميثاق مع النقباء ومن هم من ورائهم فصار بذلك ميثاقًا مع كل فرد فيهم، وهذا الميثاق كما هو معروف في علم الأصول أنه ليس العبرة بخصوص السبب بل بعموم اللفظ فهو ميثاق مع كل إنسان يتصل بالله له شروط إقام الصلاة وتمثل حقيقتها، وإيتاء الزكاة زكاة المال والقلب، زكاة العلم والمعرفة ثم الإيمان بالرسل والتصديق بهم وبما أوتوا به أمر بعبادة الله واجتناب الطاغوت لا يكفي الإيمان القولي فقط بل النصرة لهم ولمنهجهم ولطريقهم وللدعوة التي أتوا بها وذلك بإقراضهم ومنحهم المال والنفس، ولا يكفي الإقراض فقط وإنما الإحسان في الإنفاق والعطاء حيث إنه أمر مطلوب في كل أمر حتى في عملية الذبح وإراقة الدماء، هذه هي الشروط وما أسهلها على من بصرها الله عليه ثم الجزاء واضح من الشرط ﴿وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ (المزمل: 20)
فمن طبيعة القرض أنه يرجع إلى صاحبه فكيف سيرجع هذا القرض ومتى سيرجع؟ إنه في الدنيا والآخرة حيث هو سبب تكفير الذنوب ودخول الجنات هذا جزاء من أولى بالعهد أما من خان العهد فالنتيجة واضحة فهي الخسران في الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.
ثم بعد هذا الاستطراد الموجز أخي الداعية احرص على أن تكون عند حسن الظن فيك، وخير خلف لخير سلف مستعينًا على التربية بالفهم الدقيق والإيمان العميق بالعمل المتواصل مرددًا ما كان يردده الشهيد حسن البنا: قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل.
«من مشاكل الطلاب»
كثير من الناس من يتهرب من الواقع الذي يعيشه، وكثير من الشباب يتهربون مما يعانون من ضيق وضجر وتبرم بالواقع المر، وهذا الضجر والتبرم وعدم الاستقرار ناتج من الجفاف الروحي والخواء الذي يصيب النفس الإنسانية فينعكس في صورة تتمثل في الإيغال في الشهوات والانسياق وراء المعاصي وكل هذه المعاصي لا تزيد النار التي تشتعل في جوانح الشخص إلا لهيبًا ولا تضع في طريقه إلا مزيدًا من العراقيل والأشواك.
والأخ الطالب -في كليته أو معهده أو مدرسته- سوف يجد أمامه كثيرًا من هؤلاء الطلاب الذين زلت بهم القدم وساروا في طريق مظلم وعر لا يؤدي إلى خير...
فما عليه إلا أن يحسن الصلة بهم ويضع لنفسه خطة يحاول بواسطتها انتشال أكبر قدر ممكن من الغرقى ووضعهم في سفينة النجاة ولسان حاله يقول: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾ (هود: 42)
قلما تسنح مثل هذه الفرصة عدد كبير من الطلاب يجتمعون في مكان واحد بحيث يتيسر للداعية الاتصال بهم والكلام معهم ومناقشتهم، وقلما يسنح مثل هذا الجو على علاته الذي تهيئه المدرسة.
ولا بد للأخ الطالب أن يهيئ نفسه تهيئة كاملة ولا يتردد ولا يتخاذل لأنه هو وحده صاحب الحق الذي جاء به الإسلام، وهو وحده المرضي عند الله (إن شاء الله) لأنه يدعو إلى الله فلا يتردد الأخ وليبدأ خطته كما يأتي:
- يعزم الأخ عزما أكيدًا ويستعين بالله تعالى في كل خطوة يخطوها ويحاول أن يجعلها خالصة لوجهه تبارك وتعالى، لا يريد من أحد جزاء ولا شكورا، ويعاهد الله على الاتصال بأكبر عدد ممكن من الطلاب ودعوتهم إلى الإسلام.
- يتخير أقوى العناصر وأشجعها وأذكاها حتى ولو بدت لأول وهلة أنها من أفسق الناس، فهذه طبيعة المعاصي لا تجر صاحبها إلى خير.
- يأخذ الأخ بالتركيز على هؤلاء الأقوياء ويبذل الجهد معهم على أن يخاطبهم بألطف كلام وأعذبه، ولا يفند آراءهم بالهجوم القوي المباشر والقذف والسباب.
- يحاول ترتيب لقاءات فردية مع من يتوسم فيه الخير، فإن المجال يكون أوسع للكلام وأرحب لطرح المسائل ومناقشتها بود وهدوء.
- يدلل على صحة أقواله بما يحفظه من آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة.
- يحاول تقديم بعض الكتب التي تشرح نظرته وتعينه في الوصول إلى مبتغاه.
- إذا وجد نفسه أنه وصل مع الطالب إلى درجة لا يمكنه معها رفعه إلى درجة أعلى منها فليحاول الاستعانة بأخ آخر «من الكلية أو المعهد أو المدرسة أو المنطقة» يقوم برفع الطالب إلى درجة أعلى.
- يحاول في ذلك أن يكون مثال المسلم الطيب القوي المسامح المحبوب يألف ويؤلف.
«غذاء الدعوة»
من البديهيات أن جسم أي كائن حي لا يتحرك ولا يعمل بدون غذاء، لأن هذا الغذاء هو مولد الطاقة التي بها تتحرك الأجسام الحية، وبقدر جودة هذا الغذاء بقدر ما يعمل هذا الجسم ويتحرك، فإذا كان الغذاء جيدًا نظيفًا يتناول بطريقة صحيحة يكون الجسم أكثر فعالية والعكس، لو كان هذا الغذاء من النوع الرديء فإنه يلاحظ على جسم ذلك الكائن الخمول والكسل وقلة الحركة.
أخي الداعية: إن هذا الجسم هو دعوتك التي من أجلها نذرت نفسك، وهذا الغذاء جنودها، فأنت مسؤول عن نظافة وجودة الغذاء ألا وهم الأفراد الذين صاروا وديعة بين يديك.
فبقدر اهتمامك بهم وتفانيك في الحفاظ على هذه الوديعة بقدر ما يكون ذلك واضحًا في مسيرة دعوتك.
وتذكر أخي الحبيب أنك مرآة إخوانك والصورة الواضحة لهم بالعمل والسلوك والقول. فبقدر حماسك وتفانيك للدعوة وبقدر تشميرك وعلو همتك بقدر ما ترى ذلك واضحًا في اهتمام أفرادك بسلوكهم وأقوالهم.
فاحرص أخي الداعية أن يكون غذاء الدعوة من النوع الجيد النظيف الذي به تسير الدعوة في ثبات حركة وقوة إرادة يصحبها عزم وحماس لا أن يكون من النوع الرديء الذي يكون سببًا في مرضها وقلة حركتها وعالة عليها فيؤخرها عن مسيرتها المباركة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل