; العلاقات السعودية - الروسية المفتاح المفقود للسفارة الروسية في جدة | مجلة المجتمع

العنوان العلاقات السعودية - الروسية المفتاح المفقود للسفارة الروسية في جدة

الكاتب أحمد راؤول

تاريخ النشر الثلاثاء 12-يوليو-1988

مشاهدات 12

نشر في العدد 874

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 12-يوليو-1988

في هذا العام ۱۹۸۸ مضى خمسون عامًا على قطع العلاقات السعودية الروسية، هذه العلاقات التي بادر الاتحاد السوفياتي إلى قطعها أيام ستالين دون إبداء الأسباب، هل يتم استئنافها قريبًا؟

الاعتراف الأول والقطيعة الأولى:

من المعروف تاريخيًّا أن الاتحاد السوفياتي كان من أسبق الدول التي أقامت علاقات مع المملكة العربية السعودية سبق فيها دولًا عربية كثيرة، فبتاريخ 6/2/1926 أقام السوفيات علاقات ديبلوماسية رسمية مع المملكة، ودعي الملك عبد العزيز - رحمه الله - إلى زيارة الاتحاد السوفياتي لكن هذه الزيارة لم تتم لأسباب غير معروفة. وفي 28/2/1928 أرسل الرئيس السوفياتي لينين وفدًا ديبلوماسيًّا يرأسه وزير مفوض مطلق الصلاحية هو «كريم حكيموف» وفي 29/5/1932 زار الأمير فيصل بن عبد العزيز وزير الخارجية آنذاك موسكو ضمن جولة له في العالم الغربي. لكن هذه العلاقات تدهورت في العهد الستاليني عقب استدعاء ستالين للقائم بالأعمال للتشاور معه، وأطلق النار عليه في عام ١٩٣٨ ومنذ ذلك الحين وحتى الآن لم تستأنف العلاقات الثنائية.

محاولات روسية:

وقد حاول الاتحاد السوفياتي عقب ذلك استئناف العلاقات مرارًا وخاصة بعد عهد ستالين في الخمسينات والستينات، لكن مواقفه غير المشجعة كانت سببًا لرفض السعودية قبول عودة العلاقات. فقد كان الاتحاد السوفياتي أول دولة تعترف بالكيان الصهيوني عام ١٩٤٨ مما عزز التصور القائم بقوة العلاقة التاريخية والمادية بين الشيوعية واليهودية المغتصبة لفلسطين. ثم أسهمت السياسة الروسية في دعم ما يسمى بالأنظمة العربية الثورية ضد الأنظمة المعتدلة أيام عبد الناصر في ازمه الثقة بين السعودية والمعسكر الشرقي الذي بدا أنه يتخذ موقفًا معاديًا للدين الإسلامي ومن يمثله في المنطقة.

وبرغم التصريحات السوفياتية المتصلة حول ضرورة استئناف العلاقات إلا أن الاتحاد السوفياتي لم يقم بأي عمل حقيقي غير المجاملات الديبلوماسية لدعم استئناف العلاقات المقطوعة وإيجاد «المفتاح المفقود» للسفارة الروسية في جدة منذ عام ١٩٣٨.

السوفيات ورحيل عبد الناصر:

وبعد رحيل عبد الناصر واستلام السادات للسلطة في مصر، أحس السوفيات أن أيامهم في مصر قد أصبحت معدودة، وخاصة بعد الثورة مايو (۱۹۷۱) والتي قام السادات خلالها بالقضاء على معارضيه في السلطة، وكلهم من مؤيدي السوفيات ودعائمهم في المنطقة. وتلا ذلك طرد الخبراء الروس، ثم الانفتاح المصري على أمريكا والذي استمر حتى الآن.

وصار السوفيات يبحثون عن منافذ أخرى في سوريا وليبيا وعدن، ومن خلال معاهدات الصداقة مع العراق دون أن يعوضهم أحد عن الفراغ الاستراتيجي الذي فقدوه برحيل عبد الناصر لبسط النفوذ والهيمنة في المنطقة. وقد حاول الروس بعد حرب أكتوبر ۱۹۷۳ وبروز القوة العربية كمركز ثقل مستقل كانت المملكة العربية السعودية أحد دعائمه الرئيسة في مرحلة المقاطعة النفطية العربية للغرب، حاولوا أن يغازلوا السعودية إبان تدهور العلاقات السعودية - الأمريكية قبل اغتيال المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله دون أن تكون هناك ردود فعل إيجابية؛ نتيجة لاستمرار السوفيات في تصورهم المعادي للدين الإسلامي.

فعقب اغتيال الملك فيصل رحمه الله، وجه الاتحاد السوفياتي ومن خلال إعلامه الرسمي اتهامات صريحة للمخابرات الأمريكية وكيسنجر باغتيال الملك فيصل رحمة الله عليه لمناوئته لجهود الصلح المصري اليهودي بإشراف أمريكي.

وأعقب تلك الفترة محاولات لإعادة العلاقات خلال فترة حكم الملك خالد رحمه الله من خلال احتفال رسمي سوفياتي بمرور ألف عام على ميلاد البخاري أحد أعلام الحديث عند المسلمين تمت دعوة وفد سعودي رسمي للمشاركة فيه، توسط فيه حافظ الأسد عقب لقاء ثلاثي ضم الملك خالد والأسد والسادات ذلك العام.

إیران أفغانستان والمتغيرات الجديدة:

غير أنه من الطبيعي أن الاتحاد السوفياتي لم يغير سياسته تجاه القضايا الإسلامية؛ إذ إنه وعقب سقوط الشاء في إيران أحس السوفيات بالخطر وبوجود الأصابع الأمريكية خلف النظام الإيراني الجديد في طهران، فقاموا وفي خطوة مفاجئة بانقلاب في أفغانستان تلاه غزو سوفياتي بقوات كبيرة للأرض الأفغانية المسلمة، سرعان ما أعاد للأذهان غزو القياصرة الروس لبخاري وسمرقند وبلاد القوقاز. وقد أدى الغزو الروسي لأفغانستان والإصرار الرسمي السوفياتي عليه إلى ضياع مصداقية الاتحاد السوفياتي لدى المملكة العربية السعودية واستمرار انقطاع الود.

وفي مارس ۱۹۸۰ حاول الاتحاد السوفياتي مغازلة السعودية بطلبه شراء نفط سعودي مقابل الذهب الذي كان آخذا في الارتفاع في تلك الفترة وقوبل طلبه بالرفض.

وبعد اشتعال الحرب العراقية الإيرانية حاول السوفيات مغازلة السعودية مرة أخرى في ديسمبر من عام ١٩٨٠ للمحافظة على إمداد العراق بالسلاح الروسي من خلال موانئ السعودية بعد تعطل موانئ العراق البحرية للاحتفاظ بصداقة العراق ونفوذه في المنطقة ولم ينجح في ذلك.

وخلال الأعوام التالية ومنذ عام ١٩٧٩ وحتى الآن يحاول الاتحاد السوفياتي كل عام أن يعيد الاتصال من أجل استئناف العلاقات إلا أن السعودية وعلى لسان الأمير سلطان بن عبد العزيز أعلنت بصراحة في 22/10/1985 أن السعودية لن تقيم علاقات مع الاتحاد السوفياتي إلا إذا «حسن علاقته مع الإسلام».

محاولات جديدة:

ويحاول الإتحاد السوفياتي أن يبدي تجاوبًا مع السياسات العربية، خاصة وأنه يدرك أن علاقاته مع سوريا أو عدن لا تستطيع أن تعطيه الثقل الاستراتيجي الذي يرغب فيه، وبالذات بعد التجاوب الرسمي السوري الكبير مع توجهات أمريكا وبريطانيا في المسألة اللبنانية، والضغط الاقتصادي الغربي عليها. 

ومن أمثلة ذلك تخفيض الاتحاد السوفياتي لصادراته النفطية عقب زيارة وزير النفط السعودي السيد هشام الناظر له في فبراير ۱۹۸۷ لإعادة الاستقرار السوق النفط العالمية والحفاظ على وحدة أوبك. وقد قامت المملكة العربية السعودية ببادرة ود في يناير عام ۱۹۸۸ عندما أوفدت الأمير سعود الفيصل باسم قادة التعاون لتسليم رسالة رسمية لرئيس الدولة «غروميكو» حول سياسات دول التعاون الموحدة في المنطقة وآمالها في توجهات السياسة السوفياتية المساندة لها.

وقد سبق للسعودية في بادرة طيبة أن سمحت للروس بعد شهور من المفاوضات في عام ١٩٨٤ أن سمحت للطيران الروسي بالعبور فوق الأراضي السعودية، لكنها أوقفت العمل بهذا التصريح في عام ١٩٨٦ عندما تبين لها سوء استغلال الروس للعبور البريء لطائرات مدنية فوق الأراضي السعودية.

 وقد أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد في مارس من هذا العام أن هناك اتصالات رسمية سعودية سوفياتية، ولكنها تتعلق بالجانب الاقتصادي، أي دون الجوانب السياسية التي تتعلق بالعلاقات الرسمية بين السعودية والاتحاد السوفياتي ومن ورائه بقية دول المعسكر الشرقي عامة.

وبعد:

فهل تشهد الأيام القادمة عودة رسمية للعلاقات السعودية السوفياتية؛ خاصة بعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان، ومحاولات السوفيات لتحسين علاقاتهم مع كافة دول العالم وخاصة فيما يتعلق بموقفهم من الأديان السماوية والإسلام بخاصة في علاقاته العربية. 

إن ذلك مرهون بصدق النوايا الروسية، وألا تكون عودة العلاقات السعودية السوفياتية بعد نصف قرن من الانقطاع مصاحبة لاستئناف رسمي للعلاقات الروسية مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي يهدد ببقاء مفتاح السفارة الروسية مفقودًا!!

الرابط المختصر :