العنوان بلا حدود: المنسيون في كمبوديا!!
الكاتب أحمد منصور
تاريخ النشر الثلاثاء 18-يناير-1994
مشاهدات 11
نشر في العدد 1084
نشر في الصفحة 27
الثلاثاء 18-يناير-1994
«إن الذي حدث لنا على أيدي الخمير الحمر شيء يفوق الوصف والخيال إذ أبادت قوات بول بوت منا سبعمائة ألف مسلم بشكل دموي مرعب تراوح بين المذابح الجماعية إلى التصفية الجسدية المنفردة بصور وطرق شيطانية، وذلك خلال فترة حكمهم لكمبوديا التي استمرت من عام ١٩٧٥ وحتى ۱۹۷۹ وقعنا قبلها وبعدها تحت نير الحكم الشيوعي بمظالم أقل من مظالم الخمير الحمر، لكننا كنا تحت الاضطهاد وكان أكثر ما ألمنا هو غياب العالم الإسلامي عن نصرتنا أو حتى متابعة أخبارنا أو حتى الاحتجاج على ما يحدث لنا، وكأننا لسنا بُضعة من هذا الجسد الكبير، لقد كان عددنا قبيل سيطرة الخمير الحمر على السلطة يزيد على مليون مسلم كمبودي، وكنا نمثل حوالي ١٠٪ من سكان البلاد، أما الآن فقد انخفض عددنا بفعل المذابح الوحشية إلى ثلاثمائة ألف مسلم لا يعرف غالبيتهم الكثير عن دينهم بفعل الأوضاع المأساوية التي يعيشونها».
كان هذا بعض ما ذكره لي أول مسلم كمبودي لقيته قبل خمس سنوات حيث كان جسمه النحيل وصوته الخفيض يعبران معه عن مأساة شعب من الشعوب المسلمة المضطهدة والمنسية في أطراف الدنيا.
دخل الإسلام إلى كمبوديا في القرن السادس عشر الميلادي على يد التجار العرب والهنود المسلمين الذين كانوا يجوبون هذه المناطق فكان يسبق عملهم قولهم، فنقلوا بتعاملاتهم وسلوكياتهم الإسلام إلى سكان هذه البلاد الذين دخلوا في دين الله أفواجًا، ورغم أن البوذية تجرى في دماء الكمبوديين منذ قرون طويلة إلا أن الإسلام عرف طريقه إلى سكان هذه البلاد فاعتنقه الكثيرون منهم.
إلا أن اهتمام المسلمين بإخوانهم في كمبوديا كان ضعيفًا حتى إن العاصمة الكمبودية «بنوم بنه» ظلت دون مسجد حتى عام ١٩٧٠ حيث قام الرئيس الموريتاني في ذلك الوقت بزيارة إلى كمبوديا استقبله خلالها الأمير «نوردوم سيهانوك» رئيس الدولة، وحينما طلب الرئيس الموريتاني من سيهانوك أن يذهب إلى المسجد لأداء الصلاة تلعثم سيهانوك واعتذر له قائلًا بأنه لا يوجد مسجد في بنوم بنه رغم وجود آلاف المسلمين، فطلب الرئيس الموريتاني منه أن يبني للمسلمين مسجدًا في «بنوم بنه» وبالفعل لم يغادر الرئيس الموريتاني كمبوديا إلا بعد وضع حجر الأساس للمسجد العالمي وكانت فرحة للمسلمين لا توصف حيث قاموا بجمع التبرعات لبناء المسجد وبعد انتهائهم من بناء الأساسات والجدران، كان بول بوت الشيوعي المجرم قد وصل إلى السلطة في عام ١٩٧٥ حيث قام بأكبر حملة إبادة يرتكبها حاكم ضد شعبه في العصر الحديث حيث أباد مليون كمبودي من سكان كمبوديا البالغين تسعة ملايين وكان للمسلمين النصيب الأوفر من هذه الإبادة حيث أبيد منهم سبعمائة ألف في عملية استئصال بشعة للوجود الإسلامي في كمبوديا، حيث بدأت قوات بول بوت بالعلماء الذين استخدمت قوات بول بوت في إبادتهم طرقًا وحشية لا تكاد تصدق أكتفى بذكر صورتين فقط منهما الأولى: لمفتي المسلمين الحاج ريس لوش الذي كان من أوائل الضحايا في عام ١٩٧٥ حيث رماه جنود بول بوت في ماء مغلي حتى ذاب لحمه، ثم أخرجوه وعلقوه كالذبيحة ففصلوا رأسه عن جسده ولحمه عن عظامه، ثم أخذوا رأسه ليضموه إلى عشرات الآلاف من جماجم المسلمين، أما الصورة الثانية فهي للشيخ سليس سليمان أحد علماء المسلمين البارزين هناك فقد ظلوا يعذبونه حتى أنهكوه، ثم أخرجوه إلى السوق فبقروا بطنه أمام الناس وأمروه أن يحملها على يديه ويمشي بها في السوق فمشى خطوات ثم سقط مدرجًا في دمائه -رحمه الله..
والعجيب أن كل ذلك كان يحدث تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي كان يقف كعادته موقف المتفرج طوال أربع سنوات طالما أن معظم الضحايا من المسلمين ولم ينتبه العالم إلى هذه الجرائم إلا بعد قيام فيتنام عام ۱۹۷۹ بغزو كمبوديا والإطاحة بحكم بول بوت والمجيء بنظام موال لها أخف وطأة على المسلمين، وكان المئات من مسلمي كمبوديا لا سيما من العلماء قد فروا خارج البلاد وتوجد أعداد منهم في ماليزيا وفرنسا والولايات المتحدة، إلا أن مسلمي كمبوديا قد بدؤوا خلال السنوات القليلة الماضية إعادة لم شملهم من جديد رغم أن غالبيتهم تقيم في المناطق الريفية البعيدة عن مركز صناعة القرار في «بنوم بنه» وقد تمكن أربعة منهم من الفوز في الانتخابات التي رعتها الأمم المتحدة في يونيو الماضي وأصبحوا أعضاء في البرلمان الكمبودي وفي مارس ۱۹۹۳ وافق مجلس الوزراء الكمبودي على طلب المسلمين باسترداد المسجد العالمي في «بنوم بنه» حيث حوله البوذيون إلى مرقص وملهى إلا أن المالك البوذي الذي اشترى المسجد طلب تعويضًا مقداره مليون دولار لم يستطع المسلمون جمعها حتى الآن، كما أنشأ المسلمون في كمبوديا ثلاث جمعيات إسلامية تهدف إلى الحفاظ على هوية مسلمي كمبوديا وتعليمهم شئون دينهم بعيدًا عن المدارس الرسمية البوذية التي تملأ البلاد والتي تجعل كثيرًا من مسلمي كمبوديا البسطاء يمنعون أبناءهم من التعليم في المدارس الحكومية حفاظًا على دينهم وعقيدتهم، فإذا كان مسلمو كمبوديا عانوا من النسيان والتجاهل من إخوانهم المسلمين طوال الفترة الماضية فهل يجدون الآن من يرعاهم ويلتفت إليهم ولو بإعادة بناء المساجد والمدارس التي هدمها الشيوعيون خلال العقود الماضية؟
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
كمبوديا: السلطات الكمبودية تعمل على إبادة الإسلام والمسلمين بحلول عام ١٩٨٠
نشر في العدد 426
18
الاثنين 01-يناير-1979