العنوان المهدي بن بركة وقع على وثيقة موته دون أن يدري!
الكاتب إدريس الكنبوري
تاريخ النشر السبت 07-يناير-2006
مشاهدات 18
نشر في العدد 1684
نشر في الصفحة 40
السبت 07-يناير-2006
المجتمع تنشر الترجمة الكاملة للكتاب المثير لرجل المخابرات المغربي السابق أحمد بخاري "مصالح الدول" كل شيء عن قضية بن بركة
بعد أحداث ٢٣ مارس الدامية عاش المغرب أوضاعًا صعبة لدرجة أن الدول التي تحمي النظام كانت تعتقد أنه في مراحله الأخيرة
لم يكن مسموحًا بمعارضة النظام إلا وفق مسافة معينة لا ينبغي أن تتجاوزها ومن يحاول حشر، أنفه في الحكم فإن الصاعقة تتنزل عليه
كان الخلاف بين روسيا والصين كبيرا وكان ينبغي البحث عن رجل بمثل ذكاء بن بركة وقدرته على الإقناع للحيلولة دون اندلاع أزمة بين البلدين يمكنها أن تعيق عقد قمة هافانا
الحسن الثاني كان يتابع جيدًا أخبار بن بركة في المنفى وقد فهم سريعًا كيف أصبح المعارض شخصية سياسية مهمة على الصعيد الدولي وفي زمن قصير جدًا فقرر أن يتفاوض معه بطريق غير مباشر من أجل إقناعه بالعودة إلى البلاد.
بن بركة أبدى استعداده للعودة إلى البلاد، ولكن على أساس اتفاق مكتوب صدم الملك بهذا الشرط فلم يكن يتوقع شيئًا كهذا خاصة بعد نجاح مهمة ابن عمه مولاي علي في ألمانيا
كاسترو أبلغ بن بركة بأن الحسن الثاني ضغط عليه بشكل كبير من أجل حرمانه من المشاركة في قمة القارات الثلاث وأنه هدده بوقف استيراد السكر الكوبي.
أراد الملك إلقاء المسؤولية على أكتاف الأحزاب السياسية والنقابات في تلك الأحداث التي تحدث عنها الإعلام في الخارج كثيرًا وخاصة في فرنسا وذلك في حوار له مع الصحافي الفرنسي «ريك رولو» مراسل صحيفة «لوموند» بالرباط
كانت تلك الأحداث يمكنها أن تغير النظام في المغرب في المعارك غير المتكافئة في الوسائل والإمكانات والدماء التي سالت في الشوارع والجثث التي غطت الأرض كانت في الحقيقة تعيد إلى الأذهان تلك الصور ظهرت في فيلم «البؤساء» المأخوذ عن الرواية الشهيرة «لفيكتور هوجو» وبطله «جافروش» وقد كان هناك الآلاف من «جافروش» في الدار البيضاء!
من أجل إعطاء القارئ فكرة واضحة عما حدث في تلك الفترة سأقدم بعض الإشارات والتفاصيل التي لم تكن معروفة حتى يومنا هذا سواء لدى الرأي العام الوطني أو الدولي مما نعرفه نحن الذين كنا قريبين من الدائرة المطرية من رئيس مصلحة مكافحة الشغب في الكاب «محمد العشعاشي»:
في تلك الفترة كان العشعاشي معتادًا على وضع تقرير تحليلي شهري يشرح فيه الأوضاع بالداخل كما بالخارج على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وكانت تلك التقارير توجه إلى القصر الملكي وأوفقير والدليمي، وفي تقرير فبراير ١٩٦٥ كتب العشعاشي بأن تطبيق دورية وزير التربية الوطنية من شأنه أن يؤدي إلى ردود فعل سلبية لدى جميع تلاميذ وشباب المدارس والثانوي في عموم البلاد والعديد من مصادر المعلومات التابعة للكتاب في المكاتب السياسية للأحزاب الذين كانت غالبيتهم من رجال التعليم بلغوا عملاء الكاتب «مباحث أمن الدولة» مرات عدة بأن تطبيق الدورية الوزارية سوف يؤدي إلى ثورة حقيقية!
لقد كان الخطر كبيرًا وكان الجنرال أو فقير يعرف كل هذه الأشياء ثلاثة أسابيع قبل وقوع تلك الأحداث وكان بمقدوره الحيلولة دون وقوعها من خلال تأجيل تنفيذ تلك الدورية المخجلة أو إلغائها أصلًا، ولكنه يعدم كفاءته واعتزازه بنفسة قلل من المخاطر المحتملة وردود الفعل إزاء تلك الدورية، وعشية وقوع الأحداث أعطى «أوفقير» أوامره لنشر قوات التدخل السريع أمام جميع المدارس والثانوي والإعدادي صب مدارس تاريخ بداية سريان مفعول الدورية الوزارية من أجل إخافة التلاميذ والحيلولة دون تظاهرهم، حدث ذلك، ولكن وقوف رجال الأمن برأيهم العسكري أمام التلاميذ أدى إلى رد عكسي!
في انتظار أحداث خطيرة
في صبيحة يوم ٢٢ مارس انتشر العشرات من عملاء الكتب قرب المدارس والثانوي في الدار البيضاء والرباط وبعض المدن الأخرى بأوامر من «العشعاشي»، وقد أشار هؤلاء العملاء السريون المتدربون جيدًا في الساعة التاسعة صباحًا إلى أنه يجب انتظار أحداث خطيرة، وقد حاول «العشعاشي» الاتصال في ساعة مبكرة من ذلك اليوم ب «أوفقير» في القنيطرة لاطلاعه على الوضع الميداني، ولكن الجنرال لم يكن جاهز فأرسل أحد العملاء في الكاب هو «أحمد ادجين» لإيقاظه من سُكره لأنه كان قد قضى ليلة ماجنة في ضيعته به الفوارات قريبًا من القنيطرة وحاول ادجين بكل طاقته أن يجعل الجنرال يستفيق ويسترد وعيه قبل منتصف النهار على الساعة الثانية عشرة أو الواحدة لكي يكون في الرباط في الثانية بعد الزوال وعندما حضر في تلك الساعة المتأخرة أخذ معه الكرواتي «وريان» وهما اثنان من أبرع رماة الرصاص وتوجه إلى الدار البيضاء حيث وقع حمام الدم الذي ذكرناه في الحلقة السابقة!
الفصل التاسع
شخصية بن بركة عام ١٩٦٥
في العام ١٩٦٥ كان «بن بركة» يستقر رسميًا في سويسرا التي منحته اللجوء السياسي بينما كانت أسرته تعيش في القاهرة وقد أصبح زعيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية شخصية سياسية من الدرجة الأولى على الصعيد الدولي، فقد كان يهيمن على جميع تيارات اليسار الموحد وأصبح نجما في المغرب العربي والعالم العربي وإفريقيا وآسيا، بل حتى في أمريكا اللاتينية، ونسج علاقات قوية مع عدة رؤساء دول في العالم كله كانوا يتعاملون معه على أساس أنه واحد منهم بكل الاحترام الذي يليق بالرؤساء.
وفي هذه السنة اتخذ زعماء بلدان العالم الثالث قرارًا بتنظيم قمة القارات الثلاث «بهافانا» عاصمة «كوبا» في يناير( ١٩٦٦)، بعد قمة يا بدونج الشهيرة التي أظهرت العالم الثالث في الواجهة مع كبار زعمائه كعبد الناصر ونهرو و سوكارنو وتيتو، وكانت قمة كوبا ستشهد ظهور الحزب الأقوى في العالم الثالث مع فيديل كاسترو الكوبي وبن بلة الجزائري وتكروما الغاني وآخرين وجميع هؤلاء الزعماء اختاروا بالإجماع بن بركة كرئيس للجنة التحضيرية لذلك المؤتمر هذه المسؤولية استغرقت كامل وقت المعارض المغربي وفي ذلك الوقت كان الخلاف بين روسيا والصين كبيرًا وكان ينبغي البحث عن رجل يمثل ذكاء من بركة وقدرته على الإقناع للحيلولة دون اندلاع أزمة بين البلدين يمكنها أن تعيق عند قمة هافانا.
كان المغرب في هذه الفتوة يعيش أوضاعًا صعبة، خصوصًا بعد أحداث ٢٣ مارس الدامية في الدار البيضاء حتى الدول التي كانت توفر الحماية للنظام مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية كانت تعتقد أن النظام في طوره الأخير، وبالنسبة للنظام كانت تلك الأوضاع تجعله مقتنعًا بأنه ينبغي فعل شيء ماء من أجل تنفيس الاختناق الداخلي وهذا الشيء ماء بعد أيام قليلة من تلك الأحداث عندما قرر الحسن الثاني بمناسبة عيد الأضحى إصدار عفو شامل على جميع المعتقلين السياسيين يمن فيهم الذين كانوا محكومين بالإعدام مثل الفقيه البصري وعمر بنجلون ومومن الديوري، وفي نفس الاتجاه ويهدف امتصاص الاحتقان الداخلي وعبر عن أمله بوضع حكومة وحدة وطنية، وقال إن المشاورات بشأنها سوف تبدأ قريبًا مع جميع الأحزاب السياسية بما فيها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
شخصية مهمة دوليًا
بعد فترة قليلة وتحديدًا في 8 يونيو ١٩٦٥ قرر رئيس الدولة حل البرلمان الذي أفرزته انتخابات ١٩٦٣ المزورة وأعلن حالة الاستثناء، الأمر الذي مكنه من تركيز جميع السلطات بين يديه لمدة طويلة وصلت إلى خمس سنوات.
كان «الحسن الثاني» يتابع جيدًا أخبار «المهدي بن بركة» في المنفى وقد فهم سريعًا وأكثر من أي شخص آخر كيف أصبح زعيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية شخصية سياسية مهمة على الصعيد الدولي وفي زمن قصير جدًا وقرر أن يتفاوض معه بطريق غير مباشر من أجل إقناعه بالعودة إلى البلاد وإشراك حزبه في حكومة وحدة وطنية.
لكن المهدي من بركة كان يدرك أن المغرب في أزمة حقيقية وأن المظاهر الخارجية تحفي الكثير من الحقائق وما يسمى به التعددية. وكذا صحافة الأحزاب المعارضة ليس سوى واجهة ديمقراطية جميلة تعطي صورة ناصعة المغرب في البلدان الأوروبية، أما في الداخل. مكان هناك التزوير الانتخابي والمساومات السياسية والملاحقات الأمنية للحيلولة دون أي تقاسم للسلطة السياسية، لم يكن مسموحًا بمعارضة النظام إلا وفق مسافة معينة لا تتجاوزها وفي أحسن الأحوال كان يسمح لها بأن تكون مظهرًا ذكيًا، ولكن عندما تحاول أن تحشر أنفها في قضايا الحكم فإن الصاعقة تنزل عليها، وكانت قواعد اللعبة معروفة جيدًا. ومحددة أما أولئك الذين كانوا يرفضون تلك القواعد أو يتبرمون منها فلم يكن أمامهم سوى خيار واحد أخير اللجوء إلى التآمر، ولكن التآمر هو الآخر كان يقدم خدمة للنظام لأنه يوفر له مبررًا قويًا لسحق المعارضة كلها وبالرغم من ذلك ظل بن بركة وحتى لحظة مماتة مقتنعًا بأنه يمكن التوصل إلى تفاهم مع النظام المغربي.
في ٢٥ أبريل ١٩٦٥ سافر زعيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى ألمانيا، فالتقى هناك في بيت أخيه عبد القادر الأمير مولاي علي ابن عم وسهر الحسن الثاني الذي كان سفيرا للمغرب في باريس حيث جاء إلى ألمانيا مبعوثًا من الملك إلى بن بركة لمفاتحته في موضوع العودة إلى المغرب في أقرب الآجال، وكرد على الاقتراح التي من بركة على الأمير سؤالًا ظل يؤرقه كثيرًا، هل يمكن أن تقبل القوات المسلحة الملكية انفتاحًا للنظام على اليسار؟، ورد عليه الأمير مولاي على قائلًا إن الجيش لا يشكل مشكلة حقيقية.
لقد كان بن بركة في العمل مستعدًا لتحّمل كامل مسؤولياته فاقترح على مبعوث الحسن الثاني تشكيل حكومة من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بمشاركة شخصيات مستقلة يمينها الحسن الثاني نفسه لمدة سنتين وببرنامج إصلاحات عميقة تشمل جميع القطاعات وخصوصًا الإصلاح الزراعي، أما فيما يتعلق بعودته إلى المغرب فقد وعد بن بركة بأنه سيفعل ذلك بشوق كبير حالما يفرغ من التزاماته الدولية، في إشارة إلى قمة القارات الثلاث في كوبا.
مشروع مهم
خلال هذا الوقت كانت المشاورات بين الملك الحسن الثاني والقياديين البارزين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية تجري بوتيرة بطيئة قبل أن تتوقف نهائيًا استقبل الملك عبد الرحيم بو عبيد وعبد الرحمن اليوسفي فأبلغا أن بن بركة مستعد للعودة إلى البلاد، ولكن على أساس اتفاق مكتوب فاجأ الشرط الذي وضعه بن بركة الملك وصدمه فهو لم يكن يتوقع شيئًا كهذا، خاصة بعد نجاح مهمة ابن عمه مولاي علي في ألمانيا.
وفي نهاية شهر أبريل ١٩٦٥ اتصل بين بركة شخص يدعى «فيليب بيرنبي» وهو صحافي كان معروفًا في وسائل الإعلام الفرنسية واليسار الفرنسي، وعمل صحافيًا في الخمسينيات بإذاعة المغرب في الرباط وقد أصبح صديقًا لين بركة منذ فترة طويلة خلال مرحلة المنفى، أعلن بيرنيي أنه يريد الحديث مع بن بركة بخصوص مشروع مهم واقترح عليه بكل بساطة المشاركة في فيلم سينمائي كمستشار تاريخي، وقال إن الفيلم ستنتجه شركات إنتاج تابعة لليسار الفرنسي أما عن موضوعه فهو يدور حول مشاكل الاستعمار الذي هو موضوع الساعة في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط والمغرب العربي والعالم العربي والإسلامي، وكان اقتراح بيرنيي علاوة على أهميته يتضمن تعويضات سخية فين بركة سيتسلم مبلغ ٢٠ مليون فرنك فرنسي مقابل خدماته في الفيلم إضافة إلى نسبة١٣ من أرباح الفيلم بعد تسويقه، وتعويضًا يوميًا طيلة الفترة التي يستغرقها تصوير المشاهد هذا دون احتساب نقطية جميع مصاريف النقل بالطائرة والنقل المختلف والإقامة في أي مكان في العالم يتم التصوير فيه، وأضاف بيرنيي لين بركة أنه سيتسلم مقدمًا ١٠ ملايين فرنك فرنسي بعد توقيعه على الاتفاق وشيكا بقيمة ١٠ ملايين أخرى مقابل أول جلسة تصوير.
وافق المعارض المغربي سريعًا وبدون شروط في المبلغ المقترح يوازي ما تقدمه له الدولة الجزائرية في عشر سنوات، وفوق ذلك كانت علاقته جيدة بيرنيي وكان يحترمه. وردعه هذا الأخير على أمل أن يحدد معه مواعيد خلال الأسابيع والشهور القادمة من أجل تقديمه إلى منتجي ومخرجي الفيلم المسمى كفى (باسطا)، ورغم برنامجه المليء بالمواعيد والمهام نجح بن بركة في أن يعطي مواعيد للصحافي الفرنسي والمنتجين والمخرجين وكانت أمكنة تلك المواعيد تختلف بحسب رغبات بن بركة والآخرين بين جنيف والقاهرة والجزائر وباريس، وكان بيرنيي في كل تلك اللقاءات يتكلف بمهمة تقديم الشخصيات بعضها للبعض والتعريف بها، فهو مثلًا الذي قدم لين بركة الفرنسيين الأربعة الذين كانوا يقيمون بالرباط والمحمدية حيث كانوا يديرون بيوتًا مغلقة جورج بوشيش وجوليان ليني وجون باليس وبيير دوبايل بصفتهم ممثلين عن المجموعة الممولة للفيلم السينمائي، كما قدم إليه أيضًا الفرنسي جورج فيجون والكاتبة الفرنسية مارجريت دوراس بوصفهما كاتبي السيناريو. والمخرج الفرنسي المعروف في الأوساط السينمائية الفرنسية جورج فرانجو بوصفه مخرج الفيلم، كما تم تقديم انطوان لوبيز العميل المزدوج لكل من «مكتب التوثيق الخارجي ومكافحة التجسس الفرنسي والكاب1»، وصديق بن بركة منذ الخمسينيات عندما كان يعمل الفائدة شركة فرنسا للطيران بمطار طنجة بوصفه منسق المشروع، أما بيرنيي فقد كان يقدم نفسه بوصفه مستشار مشروع فيلم كفى والشخص المسؤول عن الإعلان.
تعقيد القضية
كان بن بركة في تلك الفترة كثير الطواف في العالم من أجل التحضير لقمة القارات الثلاث التي كانت مرشحة في يناير ١٩٦٦ يكويا، لذلك كان برنامجه مليئًا بالمواعيد واللقاءات والأسفار، ولأنه كان بحاجة للمال فقد خصص ساعات في الشهر الدراسة مشروع الفيلم واللقاء مع فيليب بيرنهي وأصدقائه، بانتظار التوقيع على العقد في أكتوبر ١٩٦٥ وبداية تنفيذ المشروع في ديسمبر من نفس العام، وكلف ثلاثة من أصدقائه في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والاتحاد الوطني لطلبة المغرب بجمع كل ما يتعلق بالاستعمار الفرنسي من أرشيف الجمهورية الفرنسية والثلاثة هم: مهدي العلوي الذي كان برفقة بن بركة في حادثة سير ١٨ نوفمبر ١٩٦٢، والتهامي الزموري وشخص آخر يدعى برادة.
في يوليو ١٩٦٥ عاد شقيق بن بركة عبد القادر بن بركة إلى الرباط من أجل إيجاد شقة لأسرة شقيقه التي كانت تعيش حتى ذلك الوقت في القاهرة، لأن المهدي كان من المفترض أن يعود إلى المغرب خلال الفترة ما بين يناير وفبراير من ذلك العام بعد انتهاء قمة القارات الثلاث، حسبما تسرب من اللقاء الشهير بينه وبين الأمير مولاي علي قبل ذلك في ٢٥ أبريل، ولكن أحمد الدليمي كان يفكر في شيء آخر، محاولًا تعقيد القضية أكثر، ولذلك وضع العراقيل أمام عبد القادر بن بركة لدفعه إلى مغادرة المغرب.
وعلى صعيد آخر كان الحسن الثاني معتادًا على أن يرى رغباته وأوامره تطبق في الحال دون أي تردد أو انتظار أسابيع أو اشهر، وكان المقربون منه مطلعين على قلقه من بن بركة وغضبه عليه لأنه لم يعد إلى المغرب في أبريل ١٩٦٥ مباشرة بعد لقائه بالأمير مولاي علي.
وفي ٢٠ أغسطس ١٩٦٥ أربعة أشهر بعد اللقاء بين المهدي ومولاي علي وفي يوم عطلة تزامنت مع ذكرى نفي الملك محمد الخامس وعائلته في ٢٠ أغسطس ١٩٥٣ إلى جزيرة مدغشقر التي الحسن الثاني خطابًا تضمن ما يشير إلى أنه قد استثنى المهدي بن بركة من العفو حيث قال إذا كان هناك بعض الأشخاص لديهم نوايا سيئة أعطوا لمبادرتنا تفسيرًا مفرضًا وتمادوا في الخطأ واستمروا في الإساءة إلى وطنهم ومواطنيهم، فإن الأمة قد تبرأت منهم ولفظتهم الجماعة.
كان ذلك الخطاب بن بركة بشكل صريح، ولكن هذا الأخير بقي متشبثًا بتفاؤله ومصرًا على العودة إلى المغرب متعبًا من حياة المنفى وكان يعرف أن الملك الحسن الثاني غاضب منه بسبب تأخره في العودة غير أنه كان محافظًا على الأمل في أن يتم ترتيب كل شيء بسرعة لكنه كان عنيدًا ومصرًا فيما يتعلق بموضوع أوفقير، وكان يقول للمقربين إليه «إما أنا وإما هم».
وفي سبتمبر ١٩٦٥ نزل بن بركة في مطار هافانا في زيارة عمل البعض الساعات، فروى له فيديل كاسترو، كيف أن الحسن الثاني ضغط عليه بشكل كبير من أجل حرمانه من المشاركة في قمة القارات الثلاث وتابع كاسترو قائلًا إن الملك هدد بأن يوقف استيراد بهم النفس الغرض بشكل أو بآخر لإقناعهم بإبعاد بن بركة من الأمانة العامة للقمة هذا السكر الكوبي، مضيفًا أن عددًا من رؤساء بلدان العالم الثلاث المؤثرين قد تم الاتصال المنصب المهم الذي من شأنه أن يسمح الزعيم الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، بأن يصبح أمين عام المؤتمر الثلاثي السنوات عدة، الأمر الذي سيجعل منه شخصية بارزة على المستوى العالمي، لأن ذلك المنصب أكثر أهمية من منصب الأمين العام المنظمة الوحدة الإفريقية.
حوار الأهرام
في بداية شهر أكتوبر ١٩٦٥أعطى المهدي بن بركة بالقاهرة حوارًا صحافيًا ساخنًا لمحمد حسانين هيكل رئيس تحرير صحيفة الأهرام الأكثر انتشارًا في العالم العربي، وقال بن بركة الكلمات الفظيعة التالية: إنني أشعر اليوم بالخطر أكثر من أي وقت. لقد مددنا بدنا للحسن الثاني وهو أيضًا مد يده إلينا من أجل التعاون فيما بيننا بعد قطيعة دامت سنوات، واعتبر أن الجيش الملكي الذي تدرب رؤساؤه على يد الاحتلال الفرنسي الذي خدموا فيه طيلة مسارهم المهني يشكل خطرًا على الملكية وعلى الشعب المغربي، ومن أجل تجنب هذا الخطر ينبغي تحقيق هذا التعاون إنهم يعتقدون أن تعاوننا مع الملك قم بدأ أو أنه على وشك أن يبدأ، وهم يريدون أن يتحركوا قبل أن يفقدوا مواقعهم، فإما أنهم سوف يمارسون على الملك ضغوطًا قوية وإما أنهم سوف يشنون في صفوفنا حملة تصفيات بجميع الوسائل، إنني لا أعرف ماذا سيحدث غدًا، لكن الشعور بالخطر لم يكن قويًا كما هو اليوم.
مر هذا الحوار الصحافي الطويل من غير تعليقات وقد كان آخر حوار لين بركة فقد كشف الحقيقة المحزنة لما يجري بالمغرب وما يدور حول الحسن الثاني الذي كان محاطًا بالمئات من الضباط العسكريين الذين كانوا متعاونين مع الجيش الفرنسي وفي أدنى السلم، ثم قذف بهم إلى المواقع الحساسة للدولة وأصبحوا يعيشون في كل مكان في الديوان الملكي والإقامة الملكية والقصور المختلفة والجيش والأمن والداخلية والدفاع والوزارات المختلفة والمخابرات والكاب والعمالات والأقاليم، إلخ.
لقد وقع المهدي بن بركة على وثيقة موله من غير أن يدري، لأن أوفقير والدليمي ضابطي الصف السابقين في الجيش الفرنسي اللذين كانا ينتظرانه في منعطف الطريق منذ أعوام، واللذين اقسما أن يحصلا على جلده كن يفوتا هذه الفرصة الآن للتخلص منه كانت المناسبة سائحة لأن بن بركة لم يكن على علاقة جيدة مع جميع مكونات الساحة السياسية المغربية، وهي المناسبة التي كان الرحلان ينتظر أنها منذ دخولهما إلى الكاب عام ١٩٦٠م.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل