; الهجرة النبوية.. من دلالات المشهد | مجلة المجتمع

العنوان الهجرة النبوية.. من دلالات المشهد

الكاتب د. هاني محمود

تاريخ النشر الثلاثاء 01-سبتمبر-2020

مشاهدات 27

نشر في العدد 2147

نشر في الصفحة 48

الثلاثاء 01-سبتمبر-2020

الهجرة النبوية.. من دلالات المشهد

الثبات على المبدأ روح تسري في همم الصادقين من أصحاب الدعوات على مر الدهور

الهجرة أحدثت تحولاً جوهرياً في مسيرة الإسلام حيث نقلت رسالته من الدعوة إلى المنهج

 في مثل هذه الأيام من كل عام تعيش الأمة الإسلامية في رحاب ذكرى عاطرة لواحد من أعظم أحداث السيرة النبوية المطهرة؛ إنه حدث الهجرة.

مخطئ من ظن أن الهجرة هي مجرد انتقال من أرض إلى أرض، بل الهجرة منهج ومعنى تجلى -في أسمى صوره- من خلال حادثة الهجرة النبوية المباركة، لكن هذا المنهج وذلك المعنى لا يزال حياً قابلاً للتطبيق.

إن معنى الهجرة هو: الثبات على المبدأ، والاستمرار في نصرته، والنضال من أجل نشره مهما كانت المعوقات التي تخر لها الشم الرواسي، وليس هذا المعنى -كما يظن ذوو التفكير السطحي- قالباً جامداً على حدث، قاصراً على مشهد، مهما كانت أهميته، بل هو روح تسري في همم الصادقين من أصحاب الدعوات على مر الدهور، وكر العصور، ولا ينقطع هذا المعنى بهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.

إن الهجرة مدرسة إيمانية يتربى فيها العاملون على معاني التضحية والجهاد، فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يبذلون النفس والنفيس، ويهجرون الأهل والمال والولد، فارين بدينهم إلى أرض لم يخبروها، وعشيرة لم يألفوها، ولا باعث لهم إلا نصرة الفكرة، ونشر الدعوة، وبناء الدولة، إنها مدرسة الإخلاص العظمى، وبوتقة الصدق الكبرى.

وفي مدرسة الهجرة دروس لأهل البلاء؛ حيث تتربى عزائمهم على أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً، وأن ليل المحنة مهما طال فلا بد من بزوغ فجر الفتح، وشروق شمس الرِّبح.

في الهجرة ابتلاء بمفارقة المحبوبات، وترك المرغوبات؛ لأجل غاية أسمى، تتضاءل أمامها كل رغبات النفس؛ ولهذا فالهجرة –إعزازاً للدين- تصنع شخصية رسالية قوية، قادرة على الصمود في مواجهة مدلهمات الخطوب 

أي قلب تصنعه الهجرة غير قلب تقي، نقي من شوائب الحظوظ النفسية التي تكدر صفاء الإيمان.

أي عقل تعيد الهجرة تشكيله سوى عقل بعيد المدى، واسع القوى، لا ينتهي مداه حيث بصر صاحبه، بل يتسع إدراكه ليجاوز حدود هذا العالم.

إن النفس التي تحوي هذا القلب التقي وذاك العقل الصفي لجديرة بأن تكون هي النفس المطمئنة التي حبب إليها الطاعة، وكره إليها الكفر والفسوق والعصيان، فهجرت ما نهى الله عنه.

لقد أحدثت الهجرة النبوية تحولاً جوهرياً في مسيرة الإسلام؛ حيث نقلت الرسالة الإسلامية من مرحلة الدعوة إلى الفكرة والمنهج، إلى مرحلة الدولة التي تتجسد فيها الفكرة، ويهيمن فيها المنهج، وتصير في أكنافها دعوةُ الحق عزيزة في حصن حصين.

سُنَّة ماضية

لا عجب، إذن، أن تكون الهجرة سُنَّة ماضية في حياة الأنبياء، تحقق للدعوة مناخاً أفضل لانتشارها، وتمنح نفوس المؤمنين ميداناً أرحب للنضال من أجل إعزاز راية الحق في أرض جديدة يعد انضمامها إلى معسكر الدعوة مكسباً عظيماً، يحقق تحولاً لافتاً في مسار انتشارها

رأينا الهجرة في حياة أبي الأنبياء إبراهيم بعد أن انسدت أمامه آفاق الدعوة في أرض قومه.

ورأيناها كذلك في حياة موسى عليه السلام بعد أن عزم فرعون وقومه على قتله ومن معه.

والخبر يغنينا عن استقراء حياة الأنبياء لتتبع هذا المعنى؛ ففي صحيح البخاري: لما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم مع خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، تنبأ ورقة باضطرار النبي صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة، وأخبر ورقة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا يأتي نبي بمثل ما جاء به محمد إلى عودي.

لقد آن للعقل المسلم والقلب المؤمن أن يجولا في دروب الأحداث النبوية العظمى جوَلاناً يعيد للعقل المسلم بوصلة التفكير الإيماني النافذ، وللقلب المسلم ربانية الوجدان الإسلامي المشرق؛ حتى تسترد الشخصية الإسلامية المعاصرة أعظم أركانها المفقودة.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

ناس.. وقضايا.. وتعليقات

نشر في العدد 1

750

الثلاثاء 17-مارس-1970