; الهدم بدعوى العقلانية | مجلة المجتمع

العنوان الهدم بدعوى العقلانية

الكاتب د. محمد يوسف عبد الرحمن

تاريخ النشر السبت 11-مايو-2002

مشاهدات 19

نشر في العدد 1500

نشر في الصفحة 66

السبت 11-مايو-2002

في أوساط الصحوة الإسلامية هذه الأيام تيار احترف النقد غير البناء ولو كان نقدهم هذا موجهاً إلى الكيفية التي تدار بها الصحوة والمطالبة بإدخال إصلاحات فيها وتطوير النظم والأساليب بصورة دائمة ومتجددة كشأن المصلحين المخلصين لأحسنا الظن بهم، ولكن نقدهم موجه إلى القلب النابض للصحوة مستخدمين في ذلك الفاظاً ومصطلحات تسخر بالعاطفة والحماس رافعين بدلاً منها لواء العقلانية المجردة بعيداً عن الانفعالات بحيث يكون المسلم- كما يريدون له- ذا أعصاب باردة لا تسخنها حرارة الإيمان ولا تحركها مشاعر الإخلاص وعليه أن يكبت عواطفه وأن يكتم غضبه عندما يسمع آيات الله يستهزأ بها من قبل العلمانيين والملحدين كما أن عليه أن يستقبل ببلادة حس ما يرى أو يسمع من مآسي المسلمين التي تلهب المشاعر إن كان في القلب إيمان وإسلام.

وكثير من أولئك يقف من الآخرين موقف الموجه والمرشد متوهماً أنه وصل إلى النضج الفكري أو العقلي الفائق المستند إلى أسس علمية أو واقع عملي مستخدمين في تعليلاتهم وتحليلاتهم مصطلحات أجنبية لا تمت بصلة إلى ما عندنا من تراث أصيل وحضارة عريقة لا تحتاج بأي حال للاستعارة من الآخرين أو التتلمذ على أيديهم في هذا المجال بالذات.

هذا المنهج له خطورته على مشاعر وأحاسيس شباب صحوتنا الذين تملأ قلوبهم الحماسة وتحتشد في وجدانهم الروح الفياضة.

 فهو يمثل تياراً فكرياً معاكساً، ناسخاً بل هادماً لتلكم العواطف الجياشة التي يحملها أولئك الفتية المؤمنون، المركوزة في وجدانهم الناهض وفي ضميرهم اليقظ.

 وأعتقد جازماً أن هذه الأمور من أهم صفات المؤمن حيث يجب على المؤمن بحق أن يكون متعصباً لدينه ولأبناء دينه ومناصراً لهم و لقضاياهم قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ ﴾ [سورة التوبة: 71]، وقال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [سورة الأنفال: 72].  إلى أن قال: ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [سورة الأنفال: 73].   

وقال النبي ﷺ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى والإ فما معنى الولاء وما معنى الولي في مثل هذه الآيات والأحاديث؟

على المؤمن أن يكون عاطفياً حماسياً يخالط عقله وقلبه لهيب الإيمان ومشاعر الحب فمن علامات صدق الإيمان البغض لله والغيرة على محارم الله قال إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه.

 إن هذا النهج قد أودى بكثير من أصحابه وأخرجهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون من دائرة الإسلاميين ومن رحاب الصحوة الإسلامية وجعلوا أنفسهم في مصاف أعداء الإسلام من العلمانيين أتباع الغرب الذين يعيشون بيننا بعقول غربية قال تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ [سورة البقرة: 120]  وقال: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 18] وهؤلاء يشكلون خليطاً من:

1- الانتهازيين الذين اندسوا في صفوف الصحوة الإسلامية لأغراض ومارب شخصية، وهذا الصنف من الناس لا يفتا يركب الموجات كلما سنحت الفرصة لهم بذلك سواء كان ذلك في أوساط الصحوة أو خارجها مادام يحقق لهم مطامعهم الذاتية ومصالحهم الشخصية.

٢- العملاء الذين اندسوا في الصحوة بغرض الاستيعاب أو الاحتضان أو بغرض صرفها عن منهجها الأصيل والذهاب بها إلى أفكار وفلسفات قد تكون مطعمة أو مصبوغة بإسلاميات ولكنها في جوهرها تخالف الصراط المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [سورة الأنعام: 153] وتلك غاية كبرى من غايات اسيادهم الذين يعملون من أجلهم.

قوم من اصلاء ورجالات الصحوة إلا أنهم لشعورهم بالنقص وخوفهم من التهمة الدروشة، ونحوها من أساليب الصنف الأول والثاني وتحت تأثير الدعاية المنظمة التي يمارسها الاثنان بالإضافة إلى الدعايات المغرضة التي تبثها وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية في كثير من البلدان وكذلك ما تشيعه وسائل العلمانيين ضد رجالات الدعوة من تهم باطلة إلا أنها مخرجة ومزينة بزخرف القول: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ﴾ [سورة الأنعام: 112:113] ولشعورهم بالنقص تحت تأثير ما سبق قلدوا أساليب الصنفين الآخرين وكرروا أقوالهم.

 وهذا الأسلوب أصبح سيفاً مصلتاً على رقاب أبناء الدعوة الصادقين بل أصبح موضة في الخطاب يتسابق إليها كثيرون من مفكري الصحوة وشبابها.

ولإيقاف هذا الانحراف يجب أن يقوم تيار من داخل الصحوة المقاومة هذا التوجه البغيض معلناً للناس انحراف هذا النهج وأهدافه السيئة وتأثيراته السلب في الوسط الإسلامي ولا سيما الشبابي وإلا فسيقودنا هذا التيار الثلاثي إلى التبعية المتدرجة للغرب وهذه التبعية لو بدأت فإن مسلسلها لا يتوقف حتى تصل إلى نهايتها المرسومة فتصبح الصحوة أشكالاً مفرغة من مضامينها وأحزاباً لا تختلف عن الأحزاب الأخرى إلا بأسمائها ربما، لتتَّبعنَّ سَننَ من كانَ قبلَكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ حتَّى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه. 

الرابط المختصر :