العنوان الوحدة بين مصر وليبيا ما لها.. وما عليها
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 08-أغسطس-1972
مشاهدات 11
نشر في العدد 112
نشر في الصفحة 3
الثلاثاء 08-أغسطس-1972
بعد إعلان الوحدة الشاملة بين مصر وليبيا توالت التعليقات، وتشعبت، واستفاضت حول خطوة الوحدة هذه.
ويتوقع أن تتناول التعليقات كل حدث جديد بالتحليل والتقييم ودراسة الأسباب والأهداف.
لكن يبدو أن كل شيء في العالم العربي -تقريبًا- لا يسير بطريقة صحيحة، ولا يتم بأسلوب رشيد.
إن التعليقات على هذه الخطوة -كما هو الحال في التعليقات على الأحداث الأخرى- كشفت عن عيب رئيسي في «طريقة التفكير» العربية.. ومن مظاهر هذا العيب مثلًا: الرفض المطلق.. والقبول المطلق.. والتبرير.. والنظرة المتعجلة.. والمبالغة.. و... و...
وفي التعليقات التي دارت حول وحدة مصر وليبيا وضحت هذه المظاهر بشكل عجيب.
ومن الخير لقيمنا وأمتنا أن يأخذ التفكير مسلكًا آخر، ويتجه نحو غاية أخرى.
إن قضية الوحدة بالنسبة للمسلمين قضية مرتبطة بالعقيدة والإيمان.. وبالخلوص للإسلام والتعاون على خدمته ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: ٩٢).
والمسلم -بحكم عقيدته وتصوره ورحابة معاني الإخاء في نفسه- إنسان عالمي يتخطى كل الحواجز ليتحد مع إخوانه في الإسلام. والعالم الإسلامي كان –فعلًا- أمة واحدة.. انعدمت بين أبنائه كلمات الأجنبي والغريب.. فهم جميعًا -على تفاوت أجناسهم- إخوة داخل أمة واحدة.
والتفتيت الذي حدث إنما تم في غيبة الإسلام.. نعم.. فقد ظهرت عوامل التفرقة في العالم الإسلامي حين ضعفت شوكة الإسلام.. وهذه هي بعض العوامل:
• الحكام الذين وقفوا في طريق الشعوب الإسلامية ومنعوها من أن تلتقي وتتحد.
فالوحدة بين المسلمين -كشعوب- قائمة أمس، واليوم، وغدًا.. أما الحواجز التي تحول دون تحويل هذه الوحدة إلى لقاء عملي.. فهم الحكام.
• بعث العنصريات والنعرات القومية من مرقدها.. والدأب على تغذيتها بوقود الحمية العصبية، حتى تصبح هي أساس العلاقات.. ومعيار القرب.. والبعد!
• الاستعمار الذي استغل هذه العوامل، ثم عمد إلى تمزيق العالم الإسلامي جغرافيًّا.. وتحويله إلى أجناس متناكرة متناحرة.
وحين تقوم وحدة «صحيحة راشدة» بين قطرين أو أكثر من أقطار العالم الإسلامي فإن ذلك لا يعني سوى إزالة حواجز مصطنعة وضعت بافتعال متعمد بين بلدان العالم الإسلامي.
إن الوحدة هدف عزيز.. جد عزيز.
ومن هنا فإن الوفاء لهذه الأمة يلزم من يريد أن يعمل للوحدة بإخلاص أن يوفر لها كل عوامل الاستقرار.. والثبات.. والأصالة.
وهذه العوامل أو الشروط وردت في آيات سورة (آل عمران) في سياق الحديث عن الاعتصام بحبل الله -سبحانه.
ولنقرأ نص الآيات: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. (آل عمران: ١٠٢ - ١٠٣).
والواضح من هذه الآيات أن الوحدة بين المسلمين لها ركائز وشروط أهمها:
١- أن ترتكز على الإيمان بالله سبحانه.. وقضية الإيمان بالله تعني تحمل كل التبعات المترتبة على هذا الإيمان.
۲- وتبييت النية وتوطيد العزم على الاستمرار في طريق الإيمان والتقوى حتى الموت.. ومن هنا فإن الوحدة في الإسلام ليست مسألة تدور -وجودًا أو عدمًا- مع مشاريع مؤقتة أو ظروف طارئة.. أو عواطف متغيرة.. وتعبير ﴿وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ يتضمن بداهة معنى: ولا تحيون إلا وأنتم مسلمون.
٣- والرباط في الوحدة بين المسلمين هو حبل الله.. لا هذا الشعار.. ولا ذاك.. وحبل الله هو الإسلام؛ عقيدة، وشريعة، والتزامًا، وسلوكًا.
٤- وأن الوحدة بين المسلمين إنما هي نعمة من الله وحده.. وهذه النعمة لا توهب إلا لمن يستحقها ويوفيها حقها من الشكر والطاعة.. وهذا المعنى يؤكد أن كل المحاولات التي تتم من أجل الوحدة لا بد فاشلة إذا جرت بعيدًا عن هدى الله وبركته: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: 103).
ولسنا من أنصار رفع الشعارات الخلابة التي تستنفر الخصوم وتكبر أحجامنا في أعينهم.. وفي الوقت نفسه لا تحقق لنا هدفًا ولا تنجح لنا خطة.
لكن التخلي عن الشعارات التي تستنفر الخصوم شيء.. والصدق في العمل من أجل وحدة قوية شيء آخر.. بمعنى أن الزهد في رفع مثل تلك الشعارات لا ينبغي أن يكون زهدًا في «جوهر» قضيتنا.. وأصالة رسالتنا.
والخصوم أقوياء.. نعم.. ولكنهم ليسوا قدرًا لا يرد.. فهناك أقوى الأقوياء الذي بيده ملكوت السموات والأرض؛ هذا من ناحية القيم والمبادئ.
أما من حيث التطبيق والتنفيذ فإن هناك ضمانات ضرورية في أي خطوة تحاول أن تقرب أبناء الأمة من بعضهم البعض.
إن القضايا الكبيرة -والوحدة قضية كبيرة- ينبغي أن توكل إلى الأمناء والمخلصين لهذه الأمة ولدينها.
إن العنصريين وضيقي الأفق وأسرى الإقليميات الضيقة في البلدين يمكن أن يحطموا أي وحدة بتعمد إثارة الحساسيات.. وتأجيج نيران الإقليميات.. وفي تاريخنا القريب والبعيد أمثال حية تدل على خطورة هذه التصرفات.. وآثارها الفادحة في التفريق والتفتيت.
إن تشريعًا عامًّا سيصدر باتفاق بين مصر وليبيا، وينص على حق رعايا كل قطر في أن يعتبروا مواطنين في القطر الآخر.. ولهم نفس الحقوق في التملك ومزاولة المهن.
إلى آخر ما يتمتع به مواطنو كل إقليم.
من يطبق هذا.. ومن يؤتمن عليه؟
طبعًا أهل النزعات العنصرية والإقليميات الضيقة لا يخطر على بال أحد أن يوكل إليهم هذا الأمـــــر -وإن كانوا بوسائلهم الخاصة يحاولون الإثارة والتفتيت-
وللإجابة على السؤال الآنف يقولون: إن الذي يؤتمن على تطبيق مبادئ الوحـــدة هم القوميون.. وهؤلاء أيضًا لا يصلحون!! لأن القومية العامة ينظر إليها كل شعب من خلال عصبيته الإقليمية المحدودة، وذلك شيء طبيعي لأن القومية لا تملك تصورًا شاملًا ولا معيارًا راقيًا.. يستطيع أن يتخطى بأصحابها تخوم العنصريات والإقليميات.
وربما قيل: إن هؤلاء القوميين يعتمدون «المحتوى الإسلامي» لقوميتهم ومن ثم فهم يملكون تصورًا شاملًا.. ومعيارًا راقيًا.
والجواب: إن هذا التصرف وضع للجواهر في قوالب صفيح!! واستخفاء بالإسلام لا يتقبل من أناس جادين في أخذ المحتوى الإسلامي.
ومرة أخرى نحن لسنا من أنصار الشعارات التي تستفز الخصوم.. بيد أن الروح الإسلامي يجب أن يســـــــود العمل.. ويهيمن على الخطوات المتواضعة -بدون دوى- في التشريع، والتربية، والتوجيه.
وكما يخشى من خطر إثارة العنصريات.. يخشى من نزعة التفاخر بالإمكانات.
إن الذين يملكون المال يجب ألا يعتبروا ذلك تفوقًا على الآخرين يجعلهم -أي أصحاب المال- أعلى مقامًا ممن لا يملكون.. فالمال بين الإخوة لا يثير هذه النعرة.
والذين يملكون العلم والخبرة يجب ألا يعتبروا ذلك تفوقًا على الآخرين يجعلهم -أي أصحاب العلم- أعلى مقامًا ممن هم في حاجة إلى العلم.. فالعلم بين الإخوة لا يثير هذه النزعة.
وحين يتم ذلك تختفي من قاموس الناس كلمات.. «أنتم جئتم لأخذ أموالنا».. «لا بل نحن جئنا لنعلمكم، وننقذكم من الجهل».
والشيء المؤكد أن الأمور لن تسير على النحو الذي يؤدي إلى مزيد من الترابط والالتحـــــــــام.. إلا بوجود الضمانات الحقيقية.. وهي «العناصر الإسلامية» فهذه العناصر تؤمن -عقيدةً- بقضية الوحدة.
وهذه العناصر قد نقى الإسلام مشاعرها من العنصريات والإقليمات.. وهذه العناصر تتورع من التفاخر بإمكانات العلم أو المال؛ لأن هذا التفاخر لا يليق بمسلم صاحب رسالة كبيرة وخلق رفيع.
• ولم تكد خطوة الوحدة تُعلن حتى رأينا تعليقات تقول: إن هذه الوحدة إنما قامت لتبرير عمل آخر.. وستنتهي بانتهاء هذا العمل؛ وبذلك تجهض قضية الوحدة.
وبغض النظر عن التعليق على هذا الكلام، فإن أخشى ما يخشاه المخلصون لقضية الوحدة الصحيحة بين البلدان الإسلامية.. هو طول خيبة أمل الشعوب في تجارب الوحدة.
إن محاولات تشويه الوحدة لا تأتي من خصومها فقط.. ولكنها تأتي كذلك من سوء التطبيق.
وتكرار سوء التطبيق يرسخ في ضمائر الجماهير سلبيات ضارة تجاه قضية الوحدة.
كذلك فإن الشعوب قد تعبت -إلى درجة الإرهاق- من بطء معرفتها للأمور إلا في وقت متأخر.. وبعد فوات الأوان.
والخطوات المقبلة في إجراء تطبيق الوحدة كفيل بإتمام الصورة الماضية.. أو بوضع صورة جديدة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل