; الود والرحمة | مجلة المجتمع

العنوان الود والرحمة

الكاتب محمد أبو سيدو

تاريخ النشر الثلاثاء 18-يناير-1994

مشاهدات 17

نشر في العدد 1084

نشر في الصفحة 50

الثلاثاء 18-يناير-1994

﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (الأنعام: ٥٤)

وردت صفات الود والرحمة في القرآن الكريم في أكثر من موضع فهو الرحمان المنعم بجلائل النعم، والرحيم الرفيق بخلقه والسلام واهب السلام، والغفار أي كثير المغفرة وصفة الرزاق أي المتكفل بأرزاق العباد، واللطيف الذي اجتمع رفقه ولطفه في فعله وتدبيره، والشكور الذي يثني على من أطاعه، والكريم الذي لا يبخل ولا يبالي لأن خزائنه لا تنفد والمجيب الذي يقدر على تلبية كل من دعاء ولا يسأم من إلحاح الطالبين.

الله يغضب إن تركت سؤاله

  وبني آدم حين يُسأل يغضب

وهو التواب الذي يهب أسباب التوبة ويقبلها وهو سبحانه الودود الكثير الود لعباده يدني من تقرب إليه.

وأي تكريم بعد نعمة الإيمان بالله واليسر في الحساب والرحمة في الجزاء أن يجعل الله سبحانه وتعالى الرحمة كتابًا على نفسه للذين آمنوا بآياته وبأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغهم ما كتب ربهم على نفسه وحتى لتبلغ الرحمة أن تشمل العفو والمغفرة ويؤيد هذ الفهم النصوص الأخرى التي تجعل التوبة من الذنب أيًا كان والإصلاح بعده مستوجبة للمغفرة بما كتب الله على نفسه من الرحمة.

قال أبو جعفر الطبري حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو زيد عن أشعث عن الثعلبي عن ابن مسعود قال: مر الملأ من قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين فقالوا يا محمد: رضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا؟ أنحن نكون تبعًا لهؤلاء أطردهم فلعلك إن طردتهم أن نتبعك فنزل قول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ (الأنعام: ٥٢).

وجاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري فوجد النبي صلى الله عليه وسلم قاعدًا مع بلال وصهيب وعمار وخباب في أناس من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حقروهم فأتوه فقالوا: إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسًا تعرف لنا العرب به فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحى أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فأقعد معهم إن شئت قال نعم قالوا فاكتب لنا عليك بذلك كتابًا فدعا بالصحيفة ودعا عليًا ليكتب قال ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل بهذه الآية فألقى الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده ثم دعانا فأتيناه وهو يقول سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة فكنا نقعد معه فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه وذلك بعد أن نزل قول الله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (الكهف: ٢٨).

وكان صلى الله عليه وسلم بعدها إذا رأهم بدأهم بالسلام وقال الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني ربي أن أبدأهم بالسلام.

ونحن في حاجة إلى وقفة طويلة أمام هذه النصوص الكريمة، والبشرية بجملتها في حاجة إلى هذه الوقفة أن هذه النصوص لا تمثل مجرد مبادئ وقيم ونظريات في حقوق الإنسان إنها أكثر من ذلك بكثير. إنما تمثل شيئًا هائلًا تحقق في حياة البشرية فعلًا وتمثل نقلة واسعة نقلها هذا الدين للبشرية بجملتها، تمثل خطًا وضيئًا على الأفق بلغته البشرية ذات يوم في حياتها الحقيقية ومهما يكن من تراجع البشرية عن هذا الخط الذي صعدت إليه في خطو ثابت فإن هذا لا يقلل من عظمة تلك النقلة ومن ضخامة هذا الذي تحقق يومًا ومن أهمية هذا الخط الذي ارتسم في حياة البشر الواقعية.

أي شيء هائل هذا الذي تحقق في حياة البشرية أي نقلة واسعة هذه التي تمت في واقع الناس، أي تبدل في القيم والأوضاع وفي المشاعر والتصورات والأرض هي الأرض والناس هم الناس وكل شيء على ما كان إلا أن وحيًا نزل من السماء على رجل من البشر فيه من الله سلطان يخاطب فطرة البشر يدعوهم إلى القمة السامقة هنالك تحدى الإسلام. ثم تتراجع البشرية عن هذه القمة وتنحدر مرة أخرى وتقوم تلك العصبيات النتنة عصبيات الجنس واللون وتقوم هنا وهناك عصبيات وطنية وقومية وطبقية لا تقل شيئًا عن تلك العصبيات ويبقى الإسلام هناك على القمة رحمة من الله للبشرية فيه العلاج فيه الشفاء ويملك الإسلام والإسلام وحده أن يقود خطى البشرية إلى الخير والسعادة بعد أن فشلت جميع التجارب وجميع المذاهب وجميع الأوضاع وجميع الأنظمة وجميع الأفكار وجميع التصورات التي ابتدعها البشر لأنفسهم بعيدًا عن منهج الله وهداه.

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ (الكهف: ٢٨).

الرابط المختصر :