الثلاثاء 30-أبريل-1974
ترددت طويلا قبل أن أكتب..
فما قيمة الكلام.. في زمن قلّ فيه الفعل وصارت كل البضاعة خطبًا تُلقى وتصريحات تُهدر.. بل ما قيمة المقالات وسيل الصحف والمجلات تزحم السوق بنتاج أحسن ما يوصف به أنه معطل للطاقة مضيع للوقت مثير للغريزة.. القصد منه الهدم لا البناء والإثارة لا الإفادة والتشويه لا التوجيه.
في مطلع الستينات كنت أكتب في مجلة طلابية في بلد غير بلدي... كنت أكتب بطلاقة وانشراح.. كتابة تمس الواقع لتعدل فيه أو تنتقده وكنت أجد الأثر واضحًا في نفسي وفي نفوس من يقرأون..
يومها قلت إن الكتابة الهادفة الملتزمة سلاح كبير من أسلحة الإصلاح.. وكنت أتمنى أن تتاح لي الفرصة من جديد بإمكانات أوسع وظروف أطيب.. وعدت بعدها.. فماذا رأيت؟..
رأيت الكلمة المسموح بها في بلادي هي الكلمة الخانقة التي تصفق للطغيان وتشارك في ارتكاب الجريمة..
وهكذا وبهذا الأسلوب قامت أنظمة.. وصعدت زعامات.. واتخذت مواقف ملأت الدنيا صراخًا وادعاء وكانت نتيجتها ما نسمع اليوم ونرى..
بهذا الأسلوب حلّت الجماعات الخيرة العاملة التي اتهمت بتهم أقلها الخيانة والعمالة.. ونمت في نفس الوقت الجماعات والأحزاب المشبوهة التي أتقنت فن التزلف واستغلال الفرص.
بهذا الأسلوب حرمت الأمة من خيرة أبنائها «رهبان الليل فرسان النهار» ليحل محلهم نفر من الشريرين..
بهذا الأسلوب منع الكتاب الهادف والفكر الأصيل ليحل محله الفكر المستورد والكتاب الهدام.
وبهذا الأسلوب أيضا حلّت الكلمة الميتة الخانعة مكان الكلمة المبدعة المؤمنة الحية المتحركة..
ترددت طويلا قبل أن أكتب..
فهل سيسمع أحد كلمتي هذه.. وإذا سمعها .. فهل سيفيد منها..
وقناعتي أن الكلمة الصادقة لا بد أن تجد لها إنسانًا صادقًا.. والكلمة الطيبة مثل الزهرة الطيبة لا بد أن تتحول إلى ثمرة طيبة.
ولست وحدي في الميدان.. فهناك إلى جانبي إخوان مخلصون .. وإن كانوا قلة إلا أنهم يسيرون في طريق الآلام.. فلا بد من الوقوف إلى جانبهم.
ولن يكون لزاويتي هذه منحى معين.. أو إطار معين إلا إطار الحق..
وسأكتب كما كنت أكتب في مطلع الستينيات.. كتابة تمس الواقع لتعدل فيه أو تلغيه.. وأتمنى أن تثمر التجربة أثرًا واضحًا في نفسي وفي نفوس من يقرأون..
وإلى اللقاء.. في الحلقة الأولى.. من الوطن الكبير..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عبدالعالـي حسانـي: «مجتمع السلم» تتبنى مشروع الوحدة بين أبناء الحركة الإسلامية كافة بالجزائر
نشر في العدد 2182
32
الثلاثاء 01-أغسطس-2023
