; الإخوان المسلمون.. والتعديلات الدستورية في مصر | مجلة المجتمع

العنوان الإخوان المسلمون.. والتعديلات الدستورية في مصر

الكاتب د. عصام العريان

تاريخ النشر السبت 07-أبريل-2007

مشاهدات 20

نشر في العدد 1746

نشر في الصفحة 27

السبت 07-أبريل-2007

  • الإصلاح السياسي يجب أن يتقدم على أي إصلاح دستوري.. لأن الدستور في جوهره يعكس توازن القوى في المجتمع ويرسخ المقومات الأساسية له

  •  التعديلات تعكس الرؤية الأحادية لنظام يكرس الاستبداد والفساد ويجمع بين السلطة والثروة في يد نخبة ضيقة.. بينما يهدر حقوق المواطنين ويزيد من حرمان الطبقات الوسطى والفقيرة

  • الإخوان دعوا لتفعيل الجبهة الوطنية من أجل التغيير لمجابهة انعكاسات التعديلات في المرحلة المقبلة

  • تعديل المادة ١٧٩ قننت الاستثناءات الممنوحة للأجهزة الأمنية في حالة الطوارئ.. وجعلتها أوضاعًا طبيعية في ظل قانون الإرهاب

كانت مواقف الإخوان المسلمين من التعديلات الدستورية الأخيرة الأكثر وضوحًا بين مواقف القوى السياسية المعارضة، لذلك كان التركيز الإعلامي عليها شديدًا. وقد انطلق الإخوان في رؤيتهم للتعديلات الدستورية من خلال عدد من النقاط الواضحة..

بداية يرى الإخوان أنه لا بد للأمة من دستور مكتوب يحدد سلطات الدولة، والعلاقة فيما بينها، ويحقق التوازن بين السلطات ويحمي الحريات العامة والحقوق الشخصية، وأن نصوص هذا الدستور يجب أن تكون واضحة ومحددة وغير متناقضة، وأن يتم تطبيقها في الواقع تطبيقًا سليمًا، وهذا موقفهم منذ ثلاثينيات القرن العشرين.

الإصلاح السياسي قبل الدستوري

عندما طُرحت فكرة الإصلاح الدستوري وتغيير الدستور، كان رأي الإخوان أن الإصلاح السياسي يجب أن يتقدم على أي إصلاح دستوري، ذلك لأن الدستور في جوهره يعكس توازن القوى في المجتمع والاتجاهات الرئيسة فيه ويرسخ المقومات الأساسية لذلك المجتمع.

وفي ظل غياب الحريات وفرض حالة الطوارئ والقيود المفروضة على الأحزاب والقوى السياسية، فإن أي تعديلات دستورية سوف تعكس الرؤية الأحادية للنظام، ويكرس الاستبداد والفساد ويجمع بين السلطة والثروة في يد نخبة ضيقة بينما يهدر حقوق المواطنين ويزيد من حرمان الطبقات الوسطى والفقيرة.

العام الماضي وفي الدورة الأولى للبرلمان الجديد الذي مثل الإخوان فيه 20% من النواب، وعندما طالب الرئيس مبارك نواب الشعب باقتراحات يرونها في الإصلاح الدستوري، كان نواب الإخوان- وحدهم تقريبًا هم الذين تقدموا برؤية- متكاملة. وقد واءموا بين رؤيتهم الأصلية في ضرورة الإصلاح السياسي وأولويته وبين ما طالب به الرئيس بحيث قدموا تعديلات على نصوص تحقق الانفتاح السياسي وحرية الأحزاب وتقليص تركيز السلطة وزيادة صلاحيات البرلمان، وإنهاء حالة الطوارئ وفرض قيود شديدة على إعادتها مرة أخرى، مع الحفاظ على المقومات الأساسية للمجتمع المصري وحقوق الإنسان والحريات العامة والعدالة الاجتماعية.

طبعًا لم يهتم أحد بما طرحه الإخوان وكانت المواد التي طرحوها للتعديلات في مقدمتها المادة ٧٧ بحيث لا يمدد للرئيس إلا مدتين فقط، والمادة الخامسة التي طرحوا فيها إطلاق حرية تشكيل الأحزاب بمجرد الإخطار، بل قدموا مشروع قانون جديد ينظم عمل الأحزاب، وجددوا تقديمه هذا العام أيضًا.

وعندما طرح الرئيس مبارك ٢٠٠٥م، تعديل المادة ٧٦ كان موقف الإخوان واضحًا، وهو قبول التعديل من حيث المبدأ الذي حول الاستفتاء على اسم واحد مطروح شغل موقع الرئيس إلى انتخابات بين أكثر من مرشح، وقدموا صياغة مختصرة تحقق الغرض بحيث تنص على أنه: «تجرى انتخابات رئاسة الجمهورية بين أكثر من مرشح بالاقتراع السري المباشر وينظم ذلك القانون»، وعارضوا بشدة الصياغة المطروحة وصوتوا ضدها في البرلمان، ومع ذلك قرروا المشاركة الإيجابية في أول انتخابات رئاسية لتشجيع الشعب على المشاركة، وكان هذا محل انتقاد البعض.

تكريس الانغلاق السياسي

كان طرح الرئيس في خطابه ٢٠٠٦/١٢/٢٦م، طلب تعديل ٣٤ مادة مرة واحدة، مؤشرًا خطيرًا على نية النظام تكريس الأوضاع القائمة حيث جاءت المواد المطلوب تعديلها بعيدة عما تطالب المعارضة بتعديله، وكان خطر ذلك يتمثل في غلق الباب أمام أي انفتاح سياسي في النظام، سواء من قمة الهرم بإعادة النظر في الضوابط الشديدة التي تغلق الطريق أمام أي تنافس جاد على كرسي الرئاسة بتعديل شكلي مؤقت يتيح لبعض الأحزاب أن تترشح مرة أخرى أمام المرشح الفائز سلفًا، والذي تطرحه نخبة النظام الضيقة دون أي مشاركة شعبية، أو بإغلاق الأمل في الانتخابات الحرة النزيهة بتعديل المادة 88 التي فسرتها المحكمة الدستورية العليا. عندما قالت في حكمها إن الإشراف القضائي يعني: «قاض لكل صندوق»، وبذلك ستعود الأوضاع إلى ما كانت عليه من تزوير فاضح، وسينصرف الشعب عن الانتخابات كوسيلة للتغيير، وتبقى الحياة السياسية مواتًا وخرابًا، وتظل الأحزاب والقوى السياسية في حالة هزال تام كما هي، خاصة مع تعديل المادة «5» التي تحظر أي نشاط سياسي، ليس فقط أي تشكيل حزبي على أساس ديني، أضافوا أيضًا استنادًا إلى أي مرجعية دينية، وكأن الدستور ليس به المادة الثانية التي تنص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع!

 وعندما صرح شيخ الأزهر مؤخرًا- في مواجهة إجماع المعارضة على مقاطعة الاستفتاء على التعديلات ودعوة الشعب إلى مقاطعة الاستفتاء التي يقاطعها بالفعل- واستشهد بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ﴾ (البقرة: 283)، فإنه بذلك يقع تحت طائلة هذه المادة العجيبة، ومن الغريب أنه لا يقوم بنفس المهمة لفضح التزوير الذي تقوم به الحكومة، ووزارة الداخلية ولا تخفيه. كما صرح بذلك رئيس الوزراء في تعليقه لمجلة الـ«نيوزويك» الأمريكية بأن التدخلات الأمنية حرمت الإخوان من الفوز بـ ٤٠ مقعدًا إضافيًا في انتخابات ٢٠٠٥م.

قانون الإرهاب وقضم الحريات العامة والشخصية 

إذن نية النظام، تكريس الأوضاع المأساوية القائمة وتقنينها يظهر من المادة المقترحة ۱۷۹ التي تجعل الاستثناءات المعطاة للبوليس في حالة الطوارئ أوضاعًا طبيعية في ظل قانون الإرهاب، وبذلك تتعطل- إلى أن يشاء الله- كل ضمانات الحريات العامة والشخصية في حرمة المسكن والاتصالات والتنقل وحتى حرية التظاهر والتجمع، بحجة منع الترويع الذي يتضمنه نص المادة ٨٦ مكرر من قانون العقوبات الحالي الذي يعرف الإرهاب ولا يقصره على استخدام القوة أو التهديد بها.

جهود الإخوان لمواجهة التعديات الدستورية: رغم تقدير الإخوان لخطورة التعديلات المقترحة إلا أنهم قيامًا بواجبهم الشرعي والوطني تعاملوا معها بما يتناسب مع أهميتها وتأثيرها على مستقبل مصر، وكان ذلك على النحو التالي:

۱- عقدوا عدة ورش للنقاش الهادئ مع بقية النواب المستقلين والمعارضين، ودعوا إليها مفكرين وأساتذة قانون دستوري وباحثين.

2- خلصوا إلى إعداد صياغة بديلة مقترحة للمواد الـ ٣٤ المقترحة كان هدفها:

  • تقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن أو تقديم البديل الأفضل.

  • فضح الممارسات الاستبدادية أحادية الجانب للنخبة الحاكمة.

  • التنسيق مع كل قوى المعارضة.

  • الإعذار إلى الله سبحانه وتعالى بأداء الواجب.

  • التقدم إلى الرأي العام بالتوضيحات اللازمة حول الصياغة المقترحة.

3- كما رفضوا التعديلات المقترحة من حيث المبدأ في جلسات النقاش الأولى بمجلس الشعب للأسباب التالية:

  • عدم استجابة الرئيس للرأي العام المطالب بتعديلات أخرى جوهرية.

  • المناخ السياسي الرديء وغير الصحي الذي تطلبه حالة الطوارئ وضعف الأحزاب وهيمنة البوليس على مفاصل الدولة، وعدم التوافق العام وطنيًا مع كل القوى السياسية في حوار شامل حول الطريقة الأمثل للتعامل مع التعديلات المقترحة.

  • سلوك النظام الذي لا يحترم الدستور ولا يضع نصوصه موضع التطبيق، بل يهددها دون أي شعور بالمسؤولية، وليس أدل على ذلك من صدور عدة أحكام من المحكمة الدستورية بعدم دستورية قوانين الانتخابات وغيرها.

4- وكذلك حرصوا على حضور جلسات الاستماع كلها وهي التي أكد خلالها معظم أساتذة القانون الدستوري خطورة التعديلات المقترحة، واعترضوا عليها، وبينوا أن المقترحات لا تقدم جديدًا فيما يتصل بالمزايا المقترحة، ولكنها تهدر حقوقًا منصوصًا عليها في الدستور الحالي، وتتناقض فيما بينها وتقدم صياغة ركيكة كما حدث مع المادة ٠٧٦

5- حضور جلسات اللجنة التشريعية المكلفة بالصياغة، وتقدموا بطلب المشاركة في لجنة الصياغة المصغرة ليضعوا الصياغة المقترحة من جانبها على الطاولة أثناء إعداد التقرير، فتم إقصاؤهم عن اللجنة المصغرة.

٦- قرروا في النهاية مقاطعة جلسات اللجنة التشريعية ثم مقاطعة جلسات المجلس العامة- التي يتم التصويت خلالها على الإملاءات التي أعدتها لجنة مصغرة خارج المجلس اغتصبت صلاحيات النواب بمن فيهم نواب الحزب الحاكم، إن كان هذا اسمًا على مسمى- وأعلنوا موقفًا موحدًا مع غالبية المعارضة والمستقلين، خلاصته أن ما حدث هو بمثابة انقلاب دستوري وإعلان وفاة للحريات الشخصية والعامة وإعلان نهاية الانتخابات الحرة والنزيهة.

7- ودعا الإخوان الشعب كله إلى مقاطعة الاستفتاء الذي أجري في ٣/٢٦ والذي تم تعجيله بصورة مريبة دلت على أن الذين أعدوا التعديلات وطبخوها يخشون أن يتم ضبطهم متلبسين بسرقة إرادة الشعب وتزوير الاستفتاء كما هي عادتهم باستمرار ذلك لأن النتيجة معروفة سلفًا. وقد رأينا جميعًا ضعف الإقبال عليه «تراوحت التقديرات المحايدة بين 3 و5%»، ناهيك عما شابها من تزوير وتجاوزات خطيرة نقلتها وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني.

8- تفعيل الجبهة الوطنية من أجل التغيير: ختامًا دعا الإخوان القوى السياسية كأحزاب رسمية أو أحزاب تحت التأسيس أو حركات شعبية إلى ضرورة اللقاء لمواجهة أعباء المرحلة الجديدة. ولعل تفعيل الجبهة الوطنية من أجل التغيير يكون هو السبيل الأمثل في تلك الظروف.

كيف نفهم موقف الإخوان؟

ينطلق موقف الإخوان المسلمين في هذه القضية من مفاهيم مستقرة منذ نشأة الجماعة، تحتاج إلى تأكيد في ظل الالتباس الواضح بين الجماعات الإسلامية..

أولًا: يؤمن الإخوان بأن النظام الدستوري النيابي هو أقرب نظم الحكم الحالية في العالم، إلى النظام الإسلامي وهم لا يعدلون به بديلًا.

ثانيًا: يؤمن الإخوان بأنه ومع هتافهم الدائم وشعارهم المستقر «القرآن دستورنا»، و«القرآن شرعتنا»، إلا أنه لا بد من أن يكون للأمة دستور مكتوب يحدد السلطات ووظائفها والعلاقة فيما بينهما ويحمي الحريات العامة والشخصية، وأن هذا الدستور يعكس المقومات الأساسية لأي مجتمع، وتظهر فيه شخصية الدولة ومرجعيتها الأصلية.

ثالثًا: يعتقد الإخوان أنه مع أهمية وجود دستور مكتوب إلا أن عدم تطبيق هذا الدستور في الواقع. بحيث تنعكس في القوانين روح ونصوص الدستور- سيقلل من أهمية احترام الأمة للدستور، كما أن التناقض بين نصوص الدستور يجعله غير قابل للتطبيق ومحلًا لتفسيرات متناقضة وقد يعمق الانقسام في الأمة..

رابعًا: يؤمن الإخوان بأن الأعراف الدستورية المستقرة والتي يحيا بها الشعب قد تكون أحيانًا أقوى من نصوص دستورية لا يتم احترامها أو لا تعكس المقومات الأساسية للمجتمع، وهناك دول عريقة في الممارسة الديمقراطية النيابية مثل إنجلترا لا يوجد لديها دستور مكتوب حتى الآن.

خامسًا: يؤمن الإخوان بأهمية التوافق الوطني بين كل الفرقاء السياسيين على أسس الدستور أو أي تعديلات دستورية عبر الحوار الصريح.

سادسًا: يؤمن الإخوان بضرورة أن يتحلى المجتمع نوابًا وأفرادًا بروح إيجابية والتعامل مع القضايا بجدية، وأهمية طرح البدائل والوصول إلى الممكن إذا لم تستطع الوصول إلى الحد الأعلى من مطالبنا.

سابعًا: يلجأ الإخوان نادرًا إلى سلاح الانسحاب أو المقاطعة إذا تبين عدم جدية الأطراف الأخرى أو عدم جدوى المشاركة أو للإعذار والتنبيه لخطورة الموقف.

 ثامنًا: يعتمد الإخوان في مفاهيمهم السابقة على قواعد ومفاهيم وأصول فقهية وإسلامية مستقرة، تعتمد إرساء المصالح والمفاضلة بينها، ودرء المفاسد، وسد الذرائع..

 

 

الرابط المختصر :