; الإسلاميون وحرية الأحزاب | مجلة المجتمع

العنوان الإسلاميون وحرية الأحزاب

الكاتب يحيى البشري

تاريخ النشر الثلاثاء 27-فبراير-2001

مشاهدات 13

نشر في العدد 1440

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 27-فبراير-2001

  • يذكر التاريخ أن الإخوان أول من حلوا تنظيمهم استجابة لمقتضيات الوحدة مع مصر وأنهم كانوا الجهة الوحيدة التي رفضت التوقيع على وثيقة الانفصال

هل تتحول المنتديات الفكرية والسياسية والثقافية في سورية إلى أحزاب، كما تحولت المنابر في مصر إلى أحزاب في بداية حكم السادات؟

كثيرون يراهنون على ذلك، بل يؤكدونه، ودليلهم أن الظروف التي مر بها البلدان متشابهة إلى حد كبير.

فالأحزاب وحرية العمل السياسي غابا عن مصر كما غابا عن سورية في عهدي عبد الناصر وحافظ الأسد، والبلدان دخلا مرحلة جديدة على الرغم من وجود الحرس القديم، إلا أن الظروف كانت في تغير، ومتطلبات الوضع فرضت نفسها بشكل أو بآخر.

أحد المنتديات في دمشق طرح موضوع الحاجة إلى وجود أحزاب أخرى لتلعب دورها ضمن سياق عودة المجتمع المدني، وربط السماح لها بأمرين:

الأول: ألا تلجأ إلى العمل السري.

والآخر: ألا يكون لها ارتباط بجهة أجنبية. وهما شرطان وجيهان لا يجد الإسلاميون غضاضة في قبولهما، وإن كنت هنا لا أتحدث باسم أحد، ولست مكلفًا بذلك، وإنما هي ملاحظات وقرارات في تاريخ سورية المعاصر واجتهادات أذكرها لعدد من الإسلاميين تبرز وجهة نظرهم في الأحزاب وقيامها وعملها، وهذا يقتضينا أن نعود قليلًا إلى الوراء ونقلب صفحات التاريخ القريب لنتعرف مواقف الإسلاميين، ثم نوازنها بموقفهم وطروحاتهم الحاضرة.

يذكر د. عدنان زرزور في كتابه الصادر حديثًا عن الدكتور مصطفى السباعي- يرحمه الله- يذكر بالسباعي السياسي والبرلماني، وبقوله: «إن الإخوان المسلمين لن يتساهلوا أبدًا في محاربة كل حركة تقضي على الحكم الشعبي الجمهوري الدستوري في سورية» وهذا- فيما نرى- موقف جدير بالاهتمام والملاحظة، لأنه يعني أن الإخوان لا يؤمنون بسياسة الانقلابات والوصول إلى الحكم على ظهور الدبابات بل يعني أن الإخوان مستعدون للوقوف في وجه من يحاول ذلك، أو يحاول القضاء على الحياة الدستورية "ص 175- السباعي المجدد"، وعن اشتغال الإخوان بالسياسة وفهمهم للعمل الحزبي يورد قول السباعي: ليس الإخوان المسلمون حزبًا سياسيًّا بالمعنى المفهوم من كلمة "حزب" في عرف الناس، وإنما دعاة إسلام آمنوا به على أنه رسالة الإنقاذ والتحرر والقوة والحضارة، واعتنقوها على هذا الأساس ونادوا بها في الناس بهذا المفهوم، ونذروا أنفسهم لتحقيقها في المجتمع كرسالة سامية لأبناء الوطن جميعًا، وبذلك لم يسعهم إلا أن يشاركوا في الحركات السياسية، لا غاية يسعون إليها، بل وسيلة لتحقيق فكرة الإسلام التي آمنوا بهاء، بل إن السباعي يذهب إلى القول: إن هذا الفهم للإسلام هو جوهر المشكلة بين الإخوان والأحزاب السياسية جميعًا، وهذا النزاع ينحصر في نقطة جوهرية هي بالنسبة لدعوة الإخوان كالأساس في البناء، وكالعمود الفقري في جسم الإنسان وهي أن الإخوان يرون بحق أن الإسلام دين وسياسة وعبادة وقيادة، ومصحف وسيف، نظام شامل كامل يهيمن على جميع مرافق الحياة. وأما نظرة الإسلاميين إلى الآخرين، وحتى الذين يخالفونهم في توجهاتهم وأفكارهم فإنهم لا يعدونهم أعداء. ولا أطلقوا عليهم هذه التسميات، وقد وصف السباعي هذه الأطراف على اختلاف نزعاتها بالخصوم، ورفض أن يطلق على أي ممن اختلف معهم في نطاق الوطن بالأعداء، لأن هذا الوصف عنده خاص بالعدو الخارجي، الذي يهدد الوطن خارج الحدود، وكما يخاصم الولد أباه والأخ أخاه، في ساحة القضاء تحدث السباعي عن الخصومة التي قامت في ساحة الوطن بين دعوة الإخوان وسائر الأحزاب التي قلصت دور الدين في حياة المجتمع والدولة (ص ١٥٧)، وقد كان لتفريقه بين الخصوم والأعداء أثره في سعة صدره وتقبله للرأي الآخر في محاولة البحث عن الصيغ الوطنية الواحدة، أو التي يلتقي عليها جميع أبناء الوطن وبخاصة في الأزمات الكبرى والمفاصل التاريخية “السباعي المجدد ص ٢٧٤”.

وفي حديثه عن أعتى خصوم الإسلاميين سواء في سورية أو في غيرها يقول السباعي: وأما الشيوعية كفكرة وعقيدة فلسنا نخاف أن تطغى على فكرتنا وعقيدتنا، وإن لنا من مناعة الإسلام ما يحول بين طغيان الأفكار المخالفة له في الاتجاهات والأهداف (ص ٣٢٦).

دور رائد

وقد استمرت جماعة الإخوان من حين تأسيسها تلعب دورها الرائد في العمل السياسي، إلى أن قام أديب الشيشكلي بانقلابه عام ١٩٥٢م، فأصابها ما أصاب الأحزاب الأخرى وحتى عام ١٩٥٤م تقريبًا، حيث حل الشيشكلي الأحزاب، وأبعد السياسيين عن العمل، وخرج السباعي إلى لبنان، ولم يتوقف عمل الجماعة، ثم عادت كأقوى ما تكون العودة أوضح ما يكون العمل، وعندما قامت الوحدة بين سورية ومصر عام ١٩٥٨م، رحب بها الإخوان على ما بينهم وبين عبد الناصر، متجاوزين الجراحات في سبيل وحدة الأمة وتقوية صفوفها فقام الإخوان بحل تنظيمهم أسوة بباقي الأحزاب فی کتاب بعث به الأستاذ عصام العطار، وأذاعته إذاعة دمشق آنذاك ونشرته الصحف، ثم استأنفوا نشاطهم السياسي بعد الوحدة وخاضوا الانتخابات عام ١٩٦٢م، وفاز مرشحوهم الثلاث في مدينة دمشق، في الوقت الذي سقط فيه مرشحا حزب البعث صلاح البيطار ونذير النابلسي، على الرغم من المناصب التي شغلها البيطار أيام الوحدة "السباعي المجدد ص ٣٤٢".

ولابد أن يذكر التاريخ أن الإخوان كانوا هم الجهة الوحيدة تقريبًا التي رفضت التوقيع على وثيقة الانفصال، بينما وقعته أحزاب ترفع لواء الاشتراكية، ورايات الوحدة والقومية!!، غير أن الانقلاب الذي فاجأ به حزب البعث الجميع في ٨ مارس ١٩٦٣م، غير وجه العمل السياسي في سورية، وكان شأن البعث مع بقية الأحزاب كشأن قوم اعتادوا أن يذهبوا من طريق مشترك، ويعودوا منه كل يوم، فيسبق بعضهم مرة، ويتأخر مرة، وفي إحدى المرات تقدمت مجموعة منهم، وفاجأت الجميع بإقامة حاجز مسلح، وبدأت تطالبهم بالتعريف بأنفسهم، بعد أن أظهرت أنها تمتلك الطريق والقرية فأدخلت من تريد، وفتكت بمن تريد ؟! وهكذا كان شأن البعثيين بدأوا بالوحدويين على مختلف – فرقهم- ١٩٦٣م، ثم ثنوا برفاقهم ١٩٦٦م- ١٩٧٠ ۱۹۷۰م، وثلثوا أو أعادوا الكرة على الإسلاميين ١٩٦٤م- ١٩٦٥م- ١٩٦٧م- ١٩٧٣م. ١٩٧٩م، وفي عقد الثمانينيات وما بعد، وصار الآخر- أيًّا كان توجهه- عدوًّا يجب التخلص منه. تصفية وإبعادًا.

الغلبة للحق...

بينما كان موقف الإسلاميين. وكما جلاه السباعي في تصريحاته عام ١٩٥٥م. من الآخر مبدئيًّا، ولم يكن تكتيكًا كما يحلو لبعضهم أن يوهم نفسه والآخرين، وفي بيان للحركة الإسلامية تحدثت فيه عن رؤيتها ومنهاجها بطبعاته الثلاث ( ۱۹۸۰- ۱۹۸۲- ۱۹۸۸م) تتوقف عند فقرة بعنوان حرية تأليف الأحزاب السياسية، تقول ومن الحقوق الأساسية للمواطنين تأليف الأحزاب السياسية إذا لم تخالف الأمة في عقيدتها، ولم ترتبط بدولة أجنبية في ولائها، والفصل في ذلك، أو في أي اتهام يوجه لحزب من الأحزاب من حق القضاء المختص، كيلا تتحكم السلطة التنفيذية في هذا الحق، وفي الحريات السياسية الأخرى للتخلص من المنافسين والانفراد بالسلطة دون الآخرين.... ويمضي بيان الحركة- في ضوء ما تقدم- يعلن أنه ليس لديها تحفظ على أي حزب منطلقة في ذلك من قناعتها الراسخة أن الغلبة للحق، والعاقبة للتقوى وضمن مناخات الحرية الكاملة، فإن الحركة الإسلامية تسقط مسوغات وجودها إذا كانت تخشى على الإسلام من منافسة الأحزاب الأخرى (ص ۳۳).

وفي موقف الإسلاميين من الأحزاب نقع على ما ذكره د/ يوسف القرضاوي عن مشروعية تعدد الأحزاب في الدولة الإسلامية، حيث يقول: إن تعدد الأحزاب أشبه بتعدد المذاهب في الفقه، فكل مذهب له أصوله ورؤيته الخاصة التي قد تختلف مع أصول الآخرين ورؤيتهم، وهذا الاختلاف له أثره في القضايا والمواقف العملية ... إن الأحزاب إنما هي مذاهب في السياسة، كما أن المذاهب إنما هي أحزاب في الفقه، "ص ۱۲۹- الإخوان المسلمون ٧٠ عامًا في الدعوة"، هذا في الدولة الإسلامية فمن باب أولى أن يقبل الإسلاميون الآخرين، وهم يعيشون في ظل أنظمة هذا الوقت.

وخلاصة القول: فإن ما طرح في أحد المنتديات في دمشق يأتي ضمن سياقين، لابد من الحديث عنهما، أولهما: ألا يكون للأحزاب ارتباط بجهة أجنبية، وقد وجدنا أن الحركة الإسلامية منذ عام ١٩٨٠م، أي قبل عشرين عامًا فقط طرحت هذا الطرح وأما قبول الآخر، فقد أوضحه الإخوان منذ الخمسينيات، وتعاملوا مع الآخرين على هذا الأساس، وأما العمل السري فالحركة عملت. ولم تلجأ إلى في ضوء الشمس العمل السري إلا عندما تسلط المتسلطون. وحوصرت في فكرها ورجالها، وهي أيضًا لم تنشأ في الظلام، وإنما كانت موجودة في الساحة بشكل قانوني، ومن جهة أخرى، فإن العمل السري ليس سبة ولا منقصة للحركة، بل هو سبة ومنقصة بحق من ألجأها إلى سلوك تلك الطريق وقد وجدنا له تأصيلًا شرعيًّا، ولاسيما في ساعات الشدة، فقد ذكر الشيخ على الطنطاوي في كتابه أخبار عمر ص ١٥، عنوانًا باسم «أسر وحلقات تحدث فيه عن المرحلة السرية في حياة الدعوة فقال كان الرسول ﷺ قد جعل من المسلمين أسرًا، فكان يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند رجل به قوة وسعة من المال، فيكونان معًا ويصيبان من فضل طعامه، ويجعل منهم حلقات. فمن حفظ شيئًا من القرآن علم من لم يحفظ فيكون من هذه الجماعات أسر أخوة وحلقات تعليم، وكان اختفاء المسلمين في تلك الفترة اختفاء استعداد وتدريب لا اختفاء جبن وهرب، وكان اشتغالهم بالقرآن لا يقتصر منه على تجويد تلاوته وضبط مخارج حروفه، ولا على الاستكثار من سرده، والإسراع في قراءته بل كان همهم مدارسته وفهمه، ومعرفة أمره ونهيه والعمل به، وهي مرحلة مر بها المسلمون حتى إسلام عمر، وإن كان إعلان الدعوة قد سبق ذلك، فالأصل في الدعوة إلى الإسلام هو العلنية، وليس السرية، فالسرية في الدعوة فترة مرحلية وهي وسيلة وليست غاية، وإن الإفراط فيها يجر الدعوة إلى التقوقع والانعزال عن المحيط الذي جاءت لإصلاحه.

إن العمل السري ليس في صالح الحركة ولا من منهاجها لذلك فإن أتيح للحركة الإسلامية أن تعمل علانية، فعليها أن تعلن عن تنظيمها، وتكشف عن رجالها، ولقد أثبتت الأيام أن الحركة الإسلامية لا تتنفس إلا في ظل الحرية والعلنية كما أثبتت أمور كثيرة، ومنها الانتخابات النيابية والنقابية واتحادات الطلاب وغيرها أن الإسلام متأصل في جماهير أمتنا، وأن هذه الجماهير مع الإسلام، ومع الحركة الإسلامية، لأنها ترى فيها القدوة المباركة، والمنقذ المنشود "ص ١٦١- ١٦٢ الدعوة إلى الإسلام- حسني أدهم جرار"، ويقول الدكتور يوسف القرضاوي في الموضوع نفسه ليس لدى الإخوان المسلمين أية تنظيمات سرية أو النية لعمل تنظيمات تعمل تحت الأرض بعيدًا عن الأعين فليس هذا من منهاجهم أو توجههم. فضلًا عن أن العمل السري يضر بالدعوة.

ويضيف: إن العمل الدعوي في وضح النهار يكشف في وقت مبكر، وبدون عناء أي انحراف يصيب العقيدة أو الفكر، كما أنه يفضح أي سلوك يخالف تعاليم الإسلام وهديه وحتى لو حدث هذا، فإنه يمكن معالجته سريعًا وبشكل میسور، أو أن تنفي الدعوة عن نفسها الخبث فتتخلص مما يريد أن يعلق بهاء ص ۲۸۲" وما بعدها- الإخوان المسلمون ۷۰ عامًا".

إن أهداف العمل الإسلامي وأساليبه ووسائله علنية محدودة، لا مرية فيها ولا كتمان واضحة لا لبس فيها ولا غموض، ولكن هناك بعض الخصوصيات التي يحرص الفرد أو الجماعة أو المؤسسة أو الهيئة أو حتى الشركة والنقابة والنادي على الاحتفاظ بها في إطار من الهدوء الذي لا صخب فيه ولا إعلان "في آفاق العمل الإسلامي- يوسف العظم"، أفلا يكون بعد ذلك للمؤسسة التي تعمل في الحقل السياسي أسرار، وهي تعد الدراسة، وتطبق التجربة، وتمارس التحرك، وتبدي الرأي، وتسعى لإحداث التغيير نحو الأفضل؟ ولا تعني هذه الأسرار بحال إيقاع الأذى بالآخرين أو المؤامرة على أحد "ص ١٥٩- في آفاق العمل الإسلامي".

يبقى أن ما يطرح اليوم كأساس للعمل السياسي ضمن الأحزاب أن الحركة الإسلامية قد سبقت إليه من خلال أدبياتها ومناهجها وممارساتها سواء في الخمسينيات كما وجدنا عند السباعي البرلماني السياسي، أو في الثمانينيات كما وجدنا في بيان الحركة الإسلامية في سورية، أو التسعينيات كما وجدنا عند القرضاوي، وهي تضيف إلى الشرطين السابقين الذي يلتقي الأول منهما مع ما طرحته الحركة في عدم الارتباط بجهة أجنبية، ومع الثاني ضمن إيجاد مساحة من الحرية يعمل فيها الجميع، فلا يحتاجون بعد ذلك إلى العمل السري، وتضيف ثالثًا: ألا تخالف الأحزاب الأمة في عقيدتها، إذ ليس من المصلحة ولا من الحق ولا من العقل أن يهدم الإنسان ثوابته التي بها قوام وجوده من أجل الآخرين، ويجلب فكرًا ليس له ما يؤهله للحياة والبقاء.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الافتتاحية

نشر في العدد 1

1859

الثلاثاء 17-مارس-1970

لم كل هذه الحرب؟

نشر في العدد 2

38

الثلاثاء 24-مارس-1970