العنوان الإسلام ينتشر في ألمانيا رغم تنامي الـ «إسلاموفوبيا».. جدران برلين الاجتماعية والثقافية «تنفتح» أمام سماحة الإسلام
الكاتب صلاح الصيفي
تاريخ النشر السبت 03-مايو-2008
مشاهدات 8
نشر في العدد 1800
نشر في الصفحة 30
السبت 03-مايو-2008
- أغلبية المسلمين الجدد نصارى من أوساط اجتماعية مختلفة انتهى بهم الأمر إلى الشك في دينهم
- الحملة الشرسة ضد الإسلام لم تتمكن من وقف المد الإسلامي في الغرب
رغم موجات العداء للإسلام «الإسلاموفوبيا» التي تنتشر حاليًا في الغرب، والتي بدأت عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما ترتب عليها من احتلال أفغانستان والعراق، ورغم «جدران برلين» الاجتماعية والثقافية والسياسية والأمنية والإستراتيجية المتعددة التي أقامها الغرب بينه وبين الإسلام منذ طرد المسلمين من الأندلس، ومرورًا بالحركات الاستعمارية، ثم الحرب الحديثة على عالمنا الإسلامي، إلا أن الإسلام استطاع أن يصل إلى جغرافيا الغرب تمامًا كما تمكن الغرب سابقًا وحاليًا من الوصول إلى مواقعنا على متن البوارج الحربية والطائرات والدبابات.
ولكن الفرق بين اختراق الغرب وقدومه لمواقعنا الجغرافية وذهاب الإسلام وانتشاره في مواقع الغرب الجغرافية تكمن في أن الغرب جاء إلى مواقعنا بقوة السلاح، أما الإسلام فقد اخترق الخارطة الغربية بقوته الذاتية، وتعاليمه، ومبادئه العظيمة، وقيمه السامية وسط الشباب والفتيات والأكاديميين الغربيين حتى أصبحت ظاهرة في حد ذاتها ما زال الغربيون يبحثون أمرها حتى اليوم.
وتفرغت مراكز الدراسات والمؤسسات الغربية لرصد هذه الظاهرة ومحاولة الوصول إلى الأسباب والدوافع وراء إقبال الآلاف من الشباب والفتيات وفئات مختلفة على الإسلام.
أغلبية من النساء
وتعد ألمانيا من أكبر الدول الأوروبية التي توجد بها جالية إسلامية، حيث يقدر تعدادهم -حسب بعض الإحصاءات- بحوالي أربعة ملايين مسلم ووفق إحصاءات أرشيف المعهد المركزي للشؤون الإسلامية الموجود بمدينة «سوست» الألمانية، يوجد ١٢٤٠٠ مسلم من ذوي الأصل الألماني من مجمل حوالي ۷۳۲ ألف مسلم من حاملي الجنسية الألمانية.
وتقول المعطيات: إن أغلب المعتنقين الألمان هم من النساء اللواتي يقررن طواعية الدخول في الإسلام سواء عن قناعة ذاتية أو نتيجة ارتباط بزوج مسلم، وأغلبهن منتظمات داخل جمعيات المساجد ويمارسن العديد من الأنشطة الدينية باللغة الألمانية، ولا غرابة في هذا الأمر، ما دامت المسلمات الألمانيات يتمتعن بمستوى تعليمي رفيع وحاصلات على العديد من الشهادات الجامعية.
وقد حاولت مجلة «دير شبيجل» الألمانية تقصي أسباب هذا الإقبال غير المسبوق على اعتناق الإسلام بين الألمان، مستعينة بدراسة أصدرها مركز الوثائق الإسلامية في ألمانيا، يؤكد فيها أن أحداث 11 سبتمبر عام ٢٠٠١م، والحملة الهوجاء التي قادتها الصحافة في الغرب ضد الإسلام، وما أعقبها من رسوم كاريكاتيرية مسيئة للرسول ﷺ نشرتها صحف دنماركية، ثم آراء بابا الفاتيكان «بنديكت السادس عشر» غير المنصفة حول الإسلام، لم تستطع وقف انتشار الدين الإسلامي في ألمانيا وأوروبا: بل أصبح هذا الدين أكثر قبولًا من غيره من الأديان في هذا البلد .
ونقلت المجلة عن المتحدث باسم المركز سالم عبد الله أن معظم المعتنقين الجدد للإسلام هم من المسيحيين «النصارى» من مختلف الأوساط الاجتماعية، ممن انتهى بهم الأمر إلى الشك في دينهم، أو من النساء اللاتي يتزوجن من مسلمين، ويقررن بعد ذلك اعتناق الإسلام بكامل حريتهن.
ويشير عبد الله إلى أن الجالية الإسلامية الموجودة في ألمانيا تعد مصدرًا لاجتذاب الكثيرين إلى الإسلام بفضل روح الإخاء التي يتمتع بها أفرادها.
زيادة مستمرة
الشيخ عبد الكريم البازي -إمام مسجد في المركز الإسلامي بمدينة «بيلفيلد» الألمانية- يؤكد أن انتشار الإسلام بين الألمان في زيادة مستمرة وخاصة بين النساء، فقد بلغ عدد الذين اعتنقوا الإسلام عام ٢٠٠٦م حوالي ٦٠٠٠ شخص ويتوقع اتحاد المسلمين في ألمانيا واتحاد الأئمة أن تتزايد النسبة في إحصائية عام ٢٠٠٧م، التي ستصدر في القريب العاجل كما من المتوقع أيضًا أن تتضاعف هذا النسبة في السنوات القادمة.
ويقول الشيخ البازي: «يوميًا نفاجًا بالعديد من الألمان الذين يأتون إلى المركز الإسلامي للتعرف على الدين الإسلامي واستعارة بعض الكتب عن الإسلام».
ويضيف: «إن المسلمين الجدد في ألمانيا هم خير من يمثل الإسلام ويعمل على انتشاره بصورة كبيرة بين الألمان، فمعظم معتنقي الإسلام من الألمان يعملون في مجال الدعوة الإسلامية، وهذا من أهم أسباب انتشار الإسلام بين الألمان، فهناك على سبيل المثال أكاديمي ألماني اعتنق الإسلام منذ عدة سنوات، ومنذ ذلك الحين وهو يعمل في مجال الدعوة الإسلامية، ويلقي محاضرات ولقاءات بين شباب الجامعات الألمانية بصورة شبه يومية، وبعد كل مرة يلقي فيها محاضرة عن الإسلام يدخل ما بين ثلاثة أو أربعة من الألمان إلى الإسلام، وهناك غيره من المسلمين الجدد الناشطين في مجال الدعوة الإسلامية».
نماذج نسائية
ما زالت «بيأته محمد» تذكر ذلك اليوم العظيم الذي شهد دخولها الإسلام وغير مجرى حياتها بالكامل: بدأت حين تعرفت على شاب مسلم من أصل سوري، وتم زواجهما بالرغم من معارضة الأهل، وبعد سنة من الزواج جاء مولودها الأول «مهدي» لكن بسبب خطأ فني طبي أصيبت الأم الشابة بالتهاب تعفني شديد استوجب إجراء عمليات جراحية متكررة عليها، وذات مرة سألها الطبيب الذي كان يباشر علاجها «هل تؤمنين بالله؟»، ولما أجابت بالنفي قال لها :«بل كان ينبغي عليك»، ذلك أنها كانت مصابة بتقيح في الصفاق لم تنج منه إلا بأعجوبة.
وبعد عودتها إلى البيت قدمت لزيارتها مجموعة من النساء التركيات يسكن في نفس البناية، وفي أيديهن باقات زهور وملابس أطفال وحلويات، وتقول «بيأته» متذكرة: «كنت أسأل نفسي آنذاك: من أين لهن بكل هذا الدفء الإنساني وهذا التضامن النسائي؟».
ولم يكن من العسير عليها أن تضع نفسها في موضع هؤلاء النساء وأن تحس بما يشعرن به، وتقول: «أنا أيضًا أشعر بنفسي غريبة في بلدي»، بعدها أخذتها جارتها إلى المسجد، ومنذ ذلك الحين شرعت تهتم بجدية بالإسلام، وكانت تقرأ كل ما يقع بين يديها حول هذا الموضوع، وخلال السنة نفسها أعلنت إسلامها في أحد مساجد برلين، وأصبحت مسلمة.
أما «إليزابيث مسوي» فتقول: إنها تعرفت على الإسلام واعتنقته منذ ١٥ عامًا، بعد ظروف نفسية شخصية عصفت بها وعمرها لا يتجاوز العشرين عامًا وهذه المرحلة المتوترة دفعتها إلى البحث والتأمل في الطبيعة، وأمام منظر غروب الشمس أحست إليزابيث يومًا بشعور الحب وأدركت أن الله قريب منها، وكانت لديها الرغبة في السجود وممارسة الشعائر الدينية كما يقوم بها المسلمون، وكل ما درسته من قبل عن الإسلام تجسد أمامها في تلك اللحظة.
وعن رؤيتها للإسلام وعلاقة الدين بالسياسة في حياتها، قالت إليزابيث: «لم أكن حقيقة كائنًا سياسيًا: لأني أرى أن الشخص المتدين يوجه قناعته السياسية والقواعد الموجودة في القرآن تسهل الحياة الشخصية لأنها مرنة وقابلة للتأويل».
أسباب متنوعة
وعن الأسباب التي تدفع الألمان إلى اعتناق الإسلام. تؤكد «مونيكا فريتاج» الباحثة المتخصصة في السوسيولوجيا الثقافية أن الأسباب كثيرة ومتنوعة، في مقدمتها الزواج من مسلم بشكل أساس ، وهناك أسباب أخرى تتعلق بدوافع الألمان ورغبتهم في تغيير نمط حياتهم من خلال بناء نظام أخلاقي جديد هذا إضافة إلى الهجرة الرمزية التي يمارسها العديد منهم بحثًا عن انتماء مغاير يجدونه في الإسلام بعيدًا عن الوطن والعرق الألماني، كما أن هناك العديد من الألمان دخلوا الإسلام متخذين المسلمين المقيمين بألمانيا نماذج للاقتداء، وهناك فئة أخرى من الألمان قررت السفر والعيش في البلدان الإسلامية مما سمح لها باكتشاف الدين الإسلامي من ناحية، وساعدها على تبني ثقافة هذه البلدان من ناحية أخرى .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل