العنوان الإعاقات الجسمية والصحة النفسية (2)
الكاتب أ. د. سمير يونس
تاريخ النشر السبت 27-مارس-2010
مشاهدات 19
نشر في العدد 1895
نشر في الصفحة 59
السبت 27-مارس-2010
تحدثنا إليك - عزيزي القارئ - في المقال السابق عن الإعاقات الجسمية وتأثيرها في الصحة النفسية.
وخلصت إلى أن الإنسان المعوق إن صبر ورضي وقويت عزيمته وهمته فإنه بذلك يحسن التعامل مع الحدث، ويحقق لذاته التكيف النفسي، وخاصة إن أحسن الناس من حوله التعامل معه.
وقد سقت في المقال السابق نموذجًا من حياة المعوقين، يؤكد ضرورة إحسان التعامل مع المعوقين وأثر ذلك في سلامتهم النفسية.
وفي المقال الحالي أتناول ثلاث حالات: الأوليان منها أسفرتا عن الانحراف والتشرد. والثالثة أدت إلى نتائج إيجابية، بفعل الصبر والرضا، والاحتواء الاجتماعي والنفسي من قبل الأسرة لابنها مما يؤكد ضرورة حسن التعامل مع المعوق.
أما الحالة الأولى فكانت لولد في سن الحادية عشرة من عمره، وسيم الوجه، يقظ نشط رشيق الحركة حاد العينين قوي الذكاء.. كان يعمل في محل وفقد ذراعة ذات يوم في حادث، فاستغنى عنه صاحب المحل. وأنهى عمله، وبعد الحادث أسرف أهل الفتى في العطف عليه وتدليله؛ حيث كان الذكر الوحيد وهو أخ لثلاث بنات وأغدقوا عليه الأموال، ثم مرض الأب وانقطع عنه عمله، وتدهورت الحالة الاقتصادية للأسرة، وبدأ الفتى يحترف التسول، ولم يستطع الآب أن يسيطر على ولده لضعفه ومرضه، فزاد جموح الفتى، وصار يمتلك قدرة فائقة في استدرار عطف الآخرين، مستخدما نيرات صوته ودموعه وإظهار إصابته، ومن العجيب أن هذا الفتى الحدث كان يحصل على مال كثير فينفقه كله على نفسه وأصحابه، يأكلون ويشربون ويدخنون ويدخلون السينما، ثم يبيت ليلا في الشارع، ليستأنف عمله في اليوم الجديد، وترك البيت دون مبالاة بأبيه المريض ولا بأسرته.
وبتحليل هذه الحالة يتضح أن فقدان الفتى ذراعه كان فاصلا بين حياتين، الأولى مستقيمة والثانية معوجة، وساعد على جموح سلوك الفتى الإفراط في العطف عليه وتدليله مما أدى إلى تغيير سلوك الطفل بعد أن اضطربت صحته النفسية.
أما الحالة الثانية، فكانت لشاب تجاوز العشرين عامًا، أصيب في رجله اليمنى وانتهت الإصابة إلى قصور في الرجل المصابة بدرجة واضحة.. كان هذا الصبي جذابًا، عذب الحديث، يفيض نشاطًا وحيوية، وكان منتظما ناجحًا في عمله قبل الإصابة. فلما أصيب اضطر إلى ترك العمل وفكر في الانحراف واتجه إلى السرقة، وبدأ يخطف الفاكهة، وكان الباعة يتركونه رأفة بحالته، ثم كثرت سرقاته، وزاد انحرافه، فلعب القمار وتشرد وتطورت جرائمه.
وببحث هذه الحالة، تبين أن والد الشاب كان يعامله بقسوة وشدة وخشونة، وكذلك أمه، فكانت إصابته عاملاً أساسيًّا في انحرافه وتشرده، وجاءت قسوة الأسرة لتؤجج الانحراف والتشرد.
وثمة حالة ثالثة، أصيب فيها فتى إصابة بالغة تركت عنده عاهة مستديمة وكانت الأسرة مسلمة ملتزمة صابرة راضية، وقد نجح الوالدان في تربية الفتى على هذه الأسس فصبر على الابتلاء راجيا الأجر والمثوبة، وساعدته الأسرة على اجتياز هذه الأزمة.
وصايا عملية لمن حول المعوق
1- ادع للمعوق بالصبر والرضا والسعادة.
2- ارحم الضعفاء تسعد، واحترمهم فربما يكونون عند الله أفضل.
3- على الوالدين أن يعتدلوا في معاملة الأولاد بوجه عام، ومع المعوق منهم على وجه التخصيص، حتى نساعده على التمتع بصحة نفسية جيدة.
4- لا تسخر من أحد، ولا تستهزئ فربما يكون عند الله أفضل منك و﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13).
5- راع مشاعر الناس، فجرحك لمشاعرهم ربما تظل آثاره معهم طوال حياتهم.
وصايا عملية للمعوق
1- أدم الدعاء يطمئن قلبك وتسعد نفسك.
2- تفاءل فالله معك ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ (يوسف: 87).
3- اصبر وارض بقدر الله؛ فالجنة بغير حساب تنتظرك.
4- امسح دموعك يحسن الظن بربك.
5- اطرد همومك بتذكر نعم الله عليك.
6- لا تظن أن الدنيا كملت لأحد، فليس على ظهر الأرض من حصل على كل ما يريد وسلم من كل كدر ومكروه.
7- كن كالنخلة عالية الهامة، لا تتأثر يمن يؤذيها، إذا رماها الناس بالحجر، أعطتهم الثمر.
8- الحزن لا يعيد ما فقدناه، بل يزيدنا همًّا وغمًّا.. فلا تحزن.
9- لا تعبأ بالجاهلين ولا بمن فقدوا الذوق والحكمة، فإنك بصبرك ورضاك سيكفيك ربك المستهزئين.
10- القرآن وسائر الذكر والاستغفار أدوية ناجحة لكل كدر وضيق وهم وغم.
11- إذا تنكر لك الناس.. فالجأ إلى رب الناس، قال تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ (النمل: 62).
12- لا تنس أدعية فك الكرب ومنها دعاء يونس عليه السلام ﴿لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (الأنبياء: 87)، ومن هذه الأدعية أيضًا ما رواه أبو داود أن رسول الله ﷺ قال: «دعوات المكروب، اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت»...
13- اعلم أنك إذا ناديت ربك نداء اللائذين الضعفاء إليه المحتاجين إلى عونه فإنه محالة سيجيبك قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ (الصافات: 75).
(*) أستاذ المناهج وأساليب التربية الإسلامية المساعد.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل