العنوان الإيرانيون يزيفون العقائد من أجل تصدير الثورة
الكاتب محمد عبد الهادي
تاريخ النشر الثلاثاء 12-يوليو-1988
مشاهدات 13
نشر في العدد 874
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 12-يوليو-1988
- تسخير العقائد أو المفاهيم الدينية الصحيحة أو المزورة لتصدير الثورة الإيرانية.
يلجأ أنصار إیران إلى اتخاذ أساليب شتی لترويج فكرتهم القائمة على استراتيجية تصدير الثورة الإيرانية إلى أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي، ومن أغرب تلك الأساليب جعل العقائد.. أو لنقل بعض العقائد التي يبتدعها أنصار إيران في خدمة إستراتيجية الثورة ومحاولات تصديرها اليائسة، وبين يدينا واحد من الكتب التي تكشف عن أسلوب تسخير العقائد أو المفاهيم الدينية الصحيحة أو المزورة؛ لتبرير أساليب الشعب السلوكي الذي هو مرحلة من مراحل تصدير الثورة كما يعتقد أنصار إيران.
الكتاب:
اسم الكتاب «الممهدون للمهدي عليه السلام» لمؤلفه على الكوراني المازندراني، طبع عام «١٤٠٥» هجرية، وصدر عن مركز النشر في مكتب الإعلام الإسلامي في مدينة «قم» بإيران، ويضم الكتاب «٢٩٤» صفحة من القطع المتوسط، وفيه ثلاثة فصول، اشتركت في توزيع الكتاب مكتبة مكتب الإعلام الإسلامي في قم، والدار الإسلامية في بيروت، ومكتبتا الفقيه والألفين في الكويت.
الفكرة:
ينطلق مؤلف الكتاب من فكرة المهدي وممهدات ظهوره؛ ليفسر كافة الأحداث الجارية على رقعة العالم الإسلامي، ولا سيما الخليج والجزيرة العربية وبلاد الشام بما فيها فلسطين كما في صفحة «٤٥» على أساس التبشير بالثورة الإيرانية وانتصاراتها التي ستشمل المنطقة بأسرها على مراحل متعددة، ويستشهد الكاتب بجملة من الأحاديث الموضوعة، ويربطها ببعض الآثار؛ ليدلل على فكرته القائمة على أساس التبشير بالثورة الإيرانية من وراء التمهيد الظهور المهدي كما يدعي، والعجيب أن هذا الكتاب يعتبر مظاهر الشغب أيام الحج في حرم الله الشريف من الأمور الممهدة لظهور المهدي، وبذلك يحرض أنصار إیران على الإدمان على الشغب وإيذاء المسلمين في الحرم والمشاعر المقدسة أيام الحج، وبذلك يكشف ويدلل على أن أحداث الشغب التي يمارسها الإيرانيون وأنصارهم عادة أيام الحج، إنما هي أسلوب يندرج في إستراتيجية إيرانية مدبرة، ترتبط أساسًا بالفكر الإيراني السياسي الذي يعمل على تصدير الثورة مهما كانت الوسيلة.
على أن العجيب أيضًا أن الكاتب يعتبر العنصر العربي زائلًا... لم تعد له أي فاعلية، وأن المستقبل للعنصر الإيراني في المنطقة الإسلامية، وبذلك يكشف عن شعوبية الإيرانيين وأنصارهم، وحقدهم على العرب والمسلمين!!
وسوف تناقش ونستعرض ما أورده المؤلف من تزوير وافتراء، وذلك وفق ما يلي:
أولًا- الشغب في الحج:
يسوق المؤلف جملة من النصوص المزورة، وينسبها للنبي- صلى الله عليه وسلم- ثم يفسرها تفسيرًا يخدم الأسلوب الإيراني؛ فهو يتحدث عن مكة المكرمة، ويزعم أن مسيرة ستنطلق منها لتكون هي التأويل الحضاري- كما يزعم - لإسراء النبي- صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ويتجرأ الكاتب على الله- سبحانه وتعالى- فيستشهد متهمًا المسلمين بعدم الفهم بالآية الكريمة: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ (یونس: ۳۹).
واستمرارًا في أسلوب تحريض أنصار الإيرانيين السذج على الاستجابة لأعمال الشغب الإيرانية المدبرة يقول الكاتب: «إن مستقبل العالم يتقرر في الانطلاق من المسجد الحرام» ص ٤٨، ويرسم الكاتب صورة كاريكاتورية لحركة الأحداث في قلب المنطقة الإسلامية؛ فيزعم أن هدف الانطلاق والمسيرات هو القدس، ويربط ذلك بالثورة الإيرانية التي قال عنها في الصفحة نفسها بأنها في هذا التوجه «مصرة على إزالة العقبات التي تعترض طريقها» صفحة ٥٤.. ثم يدعي أن هناك أحاديث عن الإيرانيين في مدحهم، وبيان دورهم في التمهيد للمهدي، ويذكر أن بعض هذه الأحاديث تتحدث عن مرحلة هاشمي وشعيب، ويصف تحركاتهما وأوضاعهما» صفحة ٥٥؛ ليتوهم القارئ كما يقصد المؤلف أن هاشمي رفسنجاني رئيس البرلمان الإيراني هو ذلك الرجل المقصود!! ويدعي المؤلف علم الغيب عندما يقول: إن «الفترة من ظهور هاشمي إلى المهدي» محددة بـ «اثنين وسبعين شهرًا»!
وهكذا يزور المؤلف أحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويؤول بعض الآي الكريم في كتاب الله ليهيئ للقارئ فكرتين:
الأولى: أن التخبط الإيراني ما هو إلا تخطيط مرتبط بأمور العقيدة الإسلامية، وأن الطرح السياسي للإيرانيين هو نفسه الطرح النبوي- والعياذ بالله- فالمؤلف يفسر كل ما يورده من أقوال على أنها لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالأحداث الإيرانية... والتي تقوم بها إيران.
الثانية: أن فكرة الشغب أيام الحج تنطلق من العقائد الإيمانية عند الإيرانيين وأنصارهم، ويترتب على ذلك تبرير الآثام والفسوق الذي يقوم به الإيرانيون في الحج بمنطق ديني قد يؤمن به بعض الإيرانيين وأنصارهم... ولكنه منطق زائف مرفوض؛ لأنه قائم على حجج وأقوال مزورة، ليس لها سند سوى البهتان والافتراء، والعياذ بالله.
على أن المؤلف يربط الشعب الإيراني في الحج بموت رجل من آل العباس، ويكذب على رسول الله؛ حيث يورد عنه «يموت رجل من آل العباس»، ثم يقرر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقصد «حدثًا في الحجاز يكون مدخلًا لسلسلة الأحداث»، ويتمادى الكاتب في التنفيس عن حقده على الحجاز المقدس؛ فيدعي أن بعد موت «رجل آل العباس» سيحصل فراغ سياسي، ثم يحمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- افتراءاته؛ فيقول بعد أن بورد شواهده: «ويفهم من هذه الأحاديث أن المحاولات المتتابعة لتثبيت النظام في الحجاز تفشل» صفحة «٥٩».
وإذا كانت خرافات وافتراءات المؤلف أكثر من هذا بكثير؛ بل إننا لا نريد ذكرها بسبب مستواها الدنيء... إلا أننا نسأل سؤالًا واحدًا: ما حكم الإسلام بمن يسخر فتوى الهوى للمسلمين مدعيًا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه يذكر آل العباس ومشاكلهم السياسية، ولكنه يقصد بذلك أرض الحجار.. ومكة المكرمة وأهلها الكرام وضيوف الرحمن فيها؟!!
مقاصد المؤلف:
إن مؤلف الكتاب الذي يكشف عن إيمانه المطلق «بالخميني» وإستراتيجية الثورة الإيرانية، يكشف عن مقاصده التي يمكن حصرها بما يلي:
1- تزوير عقائد المسلمين من خلال الافتراء على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتأويل آيات القرآن الكريم وفق ما يخدم الهوى السياسي للإيرانيين.
٢- تحريض الإيرانيين وأنصارهم في العالم على الانخراط في الفتن التي يخطط لها الإيرانيون لتعكير أداء المسلمين لفريضة الحج المقدسة.
3- ربط الأحداث التي يحاول الكاتب إيهام الناس بحدوثها بثورة إيران.
ولكن.. من يصدق هذا الذي يخاطب سذاج العقول بأساليب الافتراء والتأويل هذه؟ وأين بنو العباس الذين مضت عليهم القرون من سياسات هاشمي رفسنجاني والخميني وأنصارهما؟
ثانيًا- الحرب العراقية الإيرانية:
يسهب المؤلف في الحديث عن حرب الإيرانيين مع العراق، وينقل عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما يفيد بأنه «بعد دخول جيش... الإيرانيين إلى العراق «ستحصل خسائر» كبيرة جدًا، تبلغ في بعض الأحاديث- كما يزعم- الثلثين من سكان الأرض وأكثر»، ويستخف الكاتب بعقول الناس؛ فيدعي أن عدد النفوس المقتولة في هذه الحرب سيبلغ «۳» مليارات نسمة، حيث ينص على عبارة «ثلاثة آلاف ألف» صفحة «٥١»، ويحمل الأحاديث ما لم تحمله؛ فيزعم في صفحة «٥٨» أن القوات الإيرانية ستدخل البصرة وبغداد والكوفة، ويتمادى في تحميل الأحاديث النبوية فكرته الإيرانية؛ فيقول:
«تتركز الأحاديث على وصف معارك الإيرانيين خارج إيران في العراق وبلاد الشام وفلسطين، مما يدل على استقرار وضعهم السياسي» صفحة «55».
وعن موقف الغرب بعد انتصار إيران الموهوم على العراق وتوحدهما يقول: «يظهر أن الغربيين عندما يشعرون بخطورة التهديد الإيراني العراقي لإسرائيل يعتمدون أسلوبًا جديدًا غير أسلوب التمزيق في المنطقة المحيطة بفلسطين؛ فيقومون بمساندة السفياني لكي يسيطر على سوريا والأردن، ويحول توجه الأمة عن القدس إلى العراق وإيران»! صفحة «٥١».
وبعد ذلك يدعي العلم بالغيب فيقول: «إن العراق سيكون عاصمة العالم بأجمعه» صفحة «٥٧»، وهكذا يدعي هذا المبشر بالفكر الإيراني العلم بالغيب من خلال تأويلاته الباطلة!!
ثالثًا: تمجيد العنصر الإيراني الفارسي:
يمجد المؤلف العنصر الإيراني، وينسب ذلك إلى الأحاديث النبوية؛ فيزعم أن «الأحاديث عن الإيرانيين فيها أحاديث عامة في مدحهم وأحاديث في دورهم» صفحة «٥٤».
ويشير إلى الخميني وقم، فيقول عن شخص يصفه بالسيد الثائر: «المرجح أن يكون السيد الأكبر والثائر من قم» صفحة «٢٦».
وعن مدينة «قم» يقول: «وتمتدح الأحاديث بلدة قم التي يظهر فيها العلم ويفيض على أهل المشرق والمغرب، وتكون حجة على الناس، وأنه يخرج منها رجل يدعو الناس إلى الحق»، وواضح أن الخميني ودعوته هو مقصود المؤلف مما ينسبه إلى أحاديث النبي- صلى الله عليه وسلم- كما حصل في صفحة «۱۰۳» وما بعدها من «الكتاب».
ويفرد الكاتب لمدينة قم صفحات عديدة، ويمجدها ويمجد الإيرانيين فيها وفيما حولها من مدن، كما في صفحة «۲۰۰» وما يليها، ولا ندري من أين يأتي بالأحاديث النبوية ليضفي ثوب القداسة على الإيرانيين ومدنهم، حتى إنه يقول: «من عجائب قم في تاريخها الحديث أنها استطاعت أن تجعل إيران استثناءً نسبيًا من الخضوع العام لموجة الغزو الحضاري» صفحة «٢٠٤»، وإلى جانب هذا يمجد العنصر الفارسي فيقول: «إن طبيعة الفرس في مواجهة الموجات تختلف عن طبيعة الشعوب الأخرى، فالفرس من أوائل الشعوب التي تجيد التعامل مع الموجة»!! صفحة «٣٠٥».
بعد ذلك يفرد الكاتب صفحات طويلة ليوهم أن الله استبدل في هذا العصر العنصر الفارسي بدلًا من العنصر العربي، ويستشهد بعدد من الأقوال ينسبها لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما في صفحة «٢٤٥» وما بعدها، ويضع لسيادة العنصر الفارسي على العنصر العربي عوامل فيقول:
«في اعتقادي أن عوامل الحالة الإسلامية… خمسة: سلمان الفارسي، والقضاء على الكسروية، ومدينة قم، وهجرة الهاشميين إلى إيران، وقابلية الإيرانيين.. وإن هذه العوامل أشبهت أن تكون خطة تلاقت نتائجها وتفاعلت في شخصية الإيرانيين في التاريخ- البعيد والقريب- تفاعلًا هادئًا وعميقًا، ولم نشعر بها إلا عندما حصل في تراكمها الكمي تطور نوعي، وفاجأنا الإيرانيون بثورتهم».
ومن نتائج هذا يزعم الكاتب أن عملية استبدال العنصر العربي تكون على أساس أن «الفرس ينهضون بالإسلام في آخر الزمان، ويقاتلون العرب عليه عودًا كما قاتلهم العرب عليه بدءًا» صفحة «٢٤٧».
ثم يزعم قائلًا: «إن مجموعة الأحاديث المتواترة.. تدل على حتمية وقوع هذا «الاستبدال» الصفحة نفسها.
وهكذا يمتلئ الكتاب بالأكاذيب التي تحاول تنفير المسلمين من العرب؛ لتشد الانتباه إلى دور فارسي مزعوم.
وبعد:
يبقى أن نقول بأن أي قارئ لهذا الكتاب سيعرف حقيقة أن الفكرة التي قام عليها اختلطت بالتزوير والتأويل والفسق.. وذلك لتبرير هوى مؤلفه، وترويج الفكرة الإيرانية لا غير.
ولكن.. هل يصدق القارئ ما أراده المؤلف؟ نعتقد أن أشد الناس سذاجة سيصف ما أورده المؤلف بأنه مجموعة من الأوهام الإيرانية التي تثبت اليوم مسيرة التاريخ وزيفها وبطلانها.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل