; انتحار الإنترنت.. الحصاد المُر لـ«العلم بلا دين» | مجلة المجتمع

العنوان انتحار الإنترنت.. الحصاد المُر لـ«العلم بلا دين»

الكاتب صلاح الصيفي

تاريخ النشر السبت 07-أبريل-2007

مشاهدات 13

نشر في العدد 1746

نشر في الصفحة 34

السبت 07-أبريل-2007

  • الرفاهية وانعدام الطموح والشعور بالفراغ يودي بحياة ١٥٠٠ شاب هولندي سنويًا..٦٠% منهم تحت سن الثلاثين

  • المعهد الوطني للصحة في مقاطعة كيبيك الكندية: نسبة الانتحار في المقاطعة تحتل المرتبة الثالثة عالميًا

وبقراءة السجلات الاجتماعية في عدد من البلدان الغربية، تتبدى أرقام مفزعة.. تهدد مصير العالم الصناعي المتقدم الذي وصل إلى قمة العلم والتكنولوجيا..

وقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة من نوعها في الدول الغربية واليابان وهي ظاهرة الانتحار عبر الإنترنت، حيث سجلت اليابان وحدها عدة حالات انتحار، معظمها بين الشباب الذين تعارفوا من خلال برامج المحادثة أو غرف الدردشة، حيث انتشرت ظاهرة الانتحار عبر الإنترنت من خلال دعوات يبعث بها الشباب يحثون فيها الآخرين على الإقدام على الانتحار. وقد اتضح أن عددًا من اليابانيين الذين يعانون من الاكتئاب والذين يتراسلون عبر الإنترنت قد قرروا أن يضعوا حدًا لمشاكلهم النفسية وذلك بالتخلص من حياتهم بالانتحار الجماعي.

وقد دفعت هذه الظاهرة عددًا من شركات الإعلانات والدعاية إلى تقديم العديد من النصائح والإرشادات والمساعدات للشباب الذين يدخلون إلى المواقع الموجودة على شبكة الإنترنت. وتشجيع الشباب على عدم الاشتراك في حفلات الانتحار الجماعي.

 وعلى أثر الضجة التي أثارها انتشار ظاهرة الانتحار عبر الإنترنت في اليابان اقترح أطباء نفسيون أن يكتب الشباب الذي يعاني من الاكتئاب مذكراتهم وتجاربهم الفاشلة التي دفعتهم إلى التفكير في الانتحار. ولقد وجد الأطباء بعد تحليلهم لبعض هذه المذكرات والتجارب الفاشلة أنه من المنتظر أن يتزايد عدد حالات الانتحار الجماعي عبر الإنترنت في الأعوام التالية نتيجة ارتباط التقنية بالمشاكل التي يعاني منها الشباب.

أرقام مفزعة

في هولندا: أكد بحث صادر عن المكتب الرسمي للإحصاء، أن ارتفاع مستوى المعيشة الاقتصادي في هولندا لم يمنع الهولنديين من الشعور بالرغبة في الانتحار أو السقوط في حالات نفسية تدفعهم إلى التفكير في الموت، بل لعل الرفاهية أحيانًا تكون دافعًا لهذا لانعدام الطموح والشعور بالفراغ وغياب الهدف الذي يمكن أن يعيش الشاب الهولندي لأجله ويحب الحياة.

 كما أكد البحث تزايد حالات الانتحار في الأعوام الأخيرة، حيث سجلت في المتوسط ١٥٠٠ حالة انتحار بنسبة تزيد على 20% عن خمسة أعوام مضت. وكشف أن الرجال سجلوا نسب انتحار أكثر من السيدات، في حين جاءت أعمار المنتحرين تحت سن الثلاثين بالدرجة الأولى لتمثل 60% من النسبة، و40% من المنتحرين نفذوا موتهم بأنفسهم، والنسبة الباقية بمساعدة آخرين..

وتمثلت وسائل الانتحار في ابتلاع الأقراص، تناول خمور ثقيلة بكميات ضخمة، القفز من القطارات أثناء سيرها وأخيرًا الانتحار غرقًا. وتوقع البحث أن تتزايد أعداد المنتحرين حتى عام ٢٠١٠م بنسبة تصل ٢٥٪.

وفي السويد: وبعد أن زادت معدلات الانتحار بصورة كبيرة، قامت الحكومة السويدية بدراسات وأبحاث لمعرفة أسباب الانتحار، أسفرت الدراسات عن أن الخواء الروحي والبعد عن الدين هو السبب الحقيقي وراء الانتحار فقامت الحكومة بدعم الجمعيات الدينية على مختلف أنواعها: إسلامية أو مسيحية أو يهودية وخصصت لها مبالغ سنوية، لإيمانها بدور الدين في الراحة النفسية للأفراد.

وتشير إحصاءات المعهد الوطني للصحة في مقاطعة كيبيك الكندية، إلى أن نسبة الانتحار في المقاطعة تحتل المرتبة الثالثة في سلم الانتحار العالمي للذكور والمرتبة السادسة للإناث، وأن معدل الانتحار تزايد في المقاطعة بين العامين ۱۹۷٦ و۲۰۰۱ من ١٤.٨ حالة انتحار لكل ألف مواطن إلى 19.1.

وفي بريطانيا: أشارت بعض التقارير إلى أن حالات الانتحار بين الشباب قد بلغت درجة الأزمة، فقد ارتفع عدد المنتحرين بين الشباب الذكور من ٥٥ في المليون في عام ١٩٧٠م إلى ١٠٠ في المليون..

وفي أمريكا: ورد في إحصائية منظمة الصحة العالمية لعام ۲۰۰۰ أن ١٦ إنسانًا يموتون بالانتحار من كل ١٠٠ ألف إنسان أي بمعدل إنسان واحد في كل أربعين ثانية، وأن الذين يموتون بسبب الانتحار في أمريكا أكثر ممن يموتون بسبب القتل، وأن الانتحار هو ثالث ثلاثة أسباب للموت فيمن يموتون بين ١٥- ٢٤ من عمرهم، على الرغم من أن الذين يموتون فعلًا بمحاولة الانتحار هم ٢٠/١ فقط ممن يحاولون الانتحار.

موقف الكنيسة

وبنظرة إلى الوراء في ترسخ ثقافة الانتحار عند الغرب نجد أنه قبل عصر النهضة الأوروبية، أي قبل القرن الميلادي الخامس عشر كان موقف الكنيسة والدولة واضحًا تجاه ظاهرة الانتحار، ولكن النهضة أعادت إلى الذهان مناقشة الوجود والعدم بمنطق آخر غير المنطق الديني، وبدأت بشائر القلق من سطوة السلطة السياسية في يد الملك والسلطة الاقتصادية في يد الإقطاعي، والسلطة الدينية في يد الكنيسة، وجدوى مواجهة الضغوط أو الهروب بالانتحار.

وبظهور عصر الفلاسفة أو منطق العقل، ترددت كلمات الحرية بتنويعات مختلفة تنشد جميعًا احترام حرية الإنسان وإرادته في أن يبقى على حياته أو ينهيها بطريقته الخاصة، حيث وجد «شبنهور» أن الانتحار هو الدواء الوحيد لمواجهة لعنات الحياة، وانتحر «فيرتر» الرومانسي بعد أن عانى الآلام على يد مؤلفه «غوته»، وكتب «فولتير» و«روسو»، وغيرهما بحماس حول هذا المنطق عشقًا أو تطرفًا في البحث عن حرية الإنسان وحقه في تحديد مصيره.

وهذا الاتجاه كان يعني أن عصر العقل قد سحب سلطان وسيرة الكنيسة على العقول بلا رجعة، دون أن يقدم بديلًا يكفي أو يحمي الفرد بإجابة شافية، في تساؤله عن جدوى الوجود ومعنى العدم، في تساؤله على مستوى آخر عن جدوى النضال أو مواجهة عصر الصناعة، وسيطرة القلة وتشرد الكثرة. فالكل من وجهة نظره باطل أو بلا معنى لا الفرد، ولا الأسرة، ولا الجماعة، ولا الدولة، ولا العقل بمستطيع أن يمنع ضربات القدر.

من هنا فقد انتهى الغربي إلى أحد طريقين: إما أن يطرح جانبًا هذه التساؤلات، ويكتفي بالمقياس المادي أو العلمي كما فعلت الكثرة، وإما الانتحار كما فعلت القلة، وربما انتحار لا أخلاقي.

 ولقد أخذ النصارى الأوائل أيضًا بمفهوم الانتحار، وكان اختيارهم هذا نوعًا من الانتحار يسعى إليه المسيحي بإرادة خالصة واعتقاد راسخ، وأعلنت الكنيسة الكاثوليكية قداسة بعض الأشخاص الذين قاموا بدور الجلاد لأنفسهم..

 فالقديس «فرانسوا» مثلًا فرش الأرض بالفحم المشتعل ونام فوقه والقديس «راديجون» سكب سيًلا من الزيت المغلي على جروحه، أما القديس «مارتينيان» فوضع أقدامه في النار، والقديس «دومينيك» غرس أسنانًا معدنية في جلده، في حين وطئ القديس «باخوم» الأشواك بأقدام عارية وهناك جماعات من النصارى الأوائل كانوا يثقبون أقدامهم وأيديهم بمسامير كبيرة من الحديد، ويتركون أنفسهم للموت اقتداء بالسيد المسيح الذي قدم في نظرهم التضحية الكبرى.

ويذكر العارفون بالنصرانية أن الانتحار لم يأت له تحريم قاطع لا في العهد القديم ولا الجديد والقديس «أوغسطين» نفسه يعترف بهذه الحقيقة ضمنًا، في محاولة استبعادها فيقول: «إذا كان الانتحار مباحًا للتخلص من الخطايا، فالأمر يحتاج أن نعد صفًا بكل من يتم تعميده حديثًا»...

وقد بدأ القديس أوغسطين في القرن الرابع الميلادي يعارض ظاهرة الانتحار وأعلن أن الحياة منحة من الله، وأن محاولة ردها خطيئة والقتل هو القتل، وأعلنت الكنيسة أن الانتحار جريمة، وبين القرنين الرابع والخامس الميلاديين قلت ظاهرة الانتحار النصراني، ولكنها انتشرت داخل الأديرة بسبب الاضطراب والبؤس والكبت وفقد الإيمان. وفي العصور الوسطى ظهر انتحار آخر لأسباب إلحادية تعتقد أن الشيطان يتلبس بعض الناس، وأن الخلاص لا يكون إلا بالهروب إلى العالم الآخر.

 

الرابط المختصر :