; انتخابات الأردن.. الأحزاب تراجعت بعد تحويل القبائل لكيانات سياسية مؤقتة | مجلة المجتمع

العنوان انتخابات الأردن.. الأحزاب تراجعت بعد تحويل القبائل لكيانات سياسية مؤقتة

الكاتب محمد العودات

تاريخ النشر الثلاثاء 01-ديسمبر-2020

مشاهدات 18

نشر في العدد 2150

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 01-ديسمبر-2020

  • البيئة الحزبية تعاني رغم وجود وزارة للتنمية السياسية وقانون ينظم عمل الأحزاب ويدعمها مادياً
  • حصة الأحزاب بالمجلس الأخير تراجعت 60% مقارنة بالمقاعد المحصلة بانتخابات عام 2016م
  • الكتلة السياسية الحرجة تآكلت في أوقات الأزمات والانفجارات المجتمعية
  • يجب تعديل قانوني الانتخاب والأحزاب لنحصل على مجلس حزبي يمارس الرقابة والتشريع

انتهت، في العاشر من نوفمبر الماضي، الانتخابات البرلمانية الأردنية، حيث انتخب الشعب الأردني الغرفة الأولى للمجلس التشريعي (الذي يتألف من غرفتين؛ مجلس النواب المكون من 130 نائباً منتخباً من الشعب، ومجلس الأعيان المكون من 70 عضواً يعينهم الملك، ويتم اختيارهم من الكفاءات السياسية والمهنية من وزراء ورؤساء وزراء سابقين وقيادات عسكرية متقاعدة وشخصيات تشريعية ورجال أعمال).

جرت الانتخابات البرلمانية الأردنية وفقاً لقانون القائمة النسبية المفتوحة، إذ تم تصميم القانون ليفرز نفس نتائج قانون الصوت الواحد الذي استخدمه النظام الأردني منذ عام 1993 إلى عام 2016م، الذي أدى بالنهاية إلى تجريف الحياة السياسية، وتفريغ مجلس النواب من مضمونه، فتحول من مجلس رقابة وتشريع إلى مجلس خدمات للمناطق المهمشة ومجلس رجال الأعمال وإدارة المصالح.

وضع الأردن في عام 2016م قانون الانتخابات البرلمانية وفقاً لقانون النسبية المفتوحة، إذ لا يمكن الترشح إلا من خلال القائمة، والتصويت يتم للقائمة، ويتم أيضاً الاختيار من داخل القائمة، إلا أن القانون لم يضع عتبة انتخابية؛ فترتب على هذا القانون نتائج قانون الصوت الواحد نفسها؛ فمثلاً دائرة مخصص لها 4 مقاعد يتم أخذ أعلى 4 قوائم في التصويت حتى لو لم تحقق الرقم الصحيح.

يوجد في الأردن أكثر من 50 حزباً مرخصاً ينتظم بها أكثر من 55 ألف شخص بنسبة تقل عن 0.5% من الشعب الأردني؛ حيث تعاني البيئة الحزبية أشد المعاناة، في الوقت الذي توجد فيه وزارة للتنمية السياسية، ويوجد قانون ينظم عمل الأحزاب ويخصص لها الدعم المادي، لكن في الحقيقة ينظر تيار داخل السلطة إلى الأحزاب بعين الريبة، ويتهم الكثير منها بأن لها ولاءات خارجية، وأجندتها ليست وطنية، وإن لم يصرح بذلك علانية، ويتم التعامل مع الأشخاص المنضوين تحت العمل الحزبي كطابور خامس، ويتم استهدافهم بشكل ناعم في أرزاقهم وحياتهم المعاشية دون استخدام السجون أو المطاردات الأمنية أو القضائية لكونه عملاً مشروعاً بنص القانون.

في الانتخابات التي جرت قبل أسابيع، تراجعت حصة الأحزاب في هذا المجلس ليصل 12 نائباً من 4 أحزاب من أصل 47 حزباً شارك في الانتخابات، وبتراجع يصل إلى 60% في المقاعد المحصلة، إذ حصلت الأحزاب على 34 مقعداً في انتخابات عام 2016م، ووصل للقبة 11 حزباً سياسياً. 

ويرجع هذا النكوص للأحزاب في الانتخابات النيابية الحالية إلى عدة عوامل، منها: 

- تحويل العشائر والقبائل الأردنية من مكونات اجتماعية قبلية تمارس أعمال التضامن الاجتماعي وفقاً لرابطة الدم والأصول، إلى كيانات سياسية مؤقتة تمارس العمل السياسي في المواسم الانتخابية ثم تعود إلى طبيعتها الاجتماعية؛ إذ سمحت السلطات الأردنية بإجراء الانتخابات الداخلية للعشائر لتحقيق توافقات للقبائل قبل الذهاب للصناديق لضمان وصولها للقبة.

- السلوك الدائم للحكومات المتعاقبة في إضعاف الأحزاب والتعامل معها بريبة وتجريفها من محيطها الاجتماعي، من خلال الضغط على البيئة الحاضنة لتلك الأحزاب، واستخدام سياسة العقاب الجماعي للعضو الحزبي؛ إذ يتم حرمانه وأصوله وفروعه وأقاربه حتى الدرجة الثانية والثالثة أحياناً من بعض الحقوق المدنية، خصوصاً الوظائف الحكومية (عسكرية ومدنية)؛ مما يخلق بيئات اجتماعية رافضة للعمل الحزبي وتحاول التبرؤ منه لتُبقي على مكاسبها الريعية.

- افتقار الأحزاب للنظرية السياسية البرامجية، وإغراقها في الأيديولوجيا القديمة المنقسمة بين أيديولوجيا إسلامية، وأيديولوجيا يسارية تحاول أن تستنسخ تجارب عهود الاستبداد العربي اليساري مثل النموذج الصدامي في العراق، والأسدي في سورية، والناصري في مصر، وأحزاب وطنية تحاول أن تقدم نفسها كأحزاب ممثلة للسلطة، بينما الأخيرة لا ترغب في أن يكون لها حزب يمثلها، فهي لا تحتاج لمثل تلك الأحزاب في ظل سيطرتها الكاملة على كل السلطات.

- قناعة تيار الأمنوقراط المسيطر على كثير من مفاصل الدولة بأن المشكلة في الأردن اقتصادية، ويرون أن حل المشكلة الاقتصادية يكون بجذب الاستثمار وتحسين البيئة الجاذبة له وتدفق مزيد من المساعدات الدولية، كما أن هذا التيار يرى أن التداول السلمي للسلطة متحقق في الأردن من خلال تكليف الحكومات من قبل رأس النظام حسب ما تفرضه طبيعة المرحلة السياسية في كل فترة زمنية، إذ يعتبرون تدوير المناصب مناطقياً وعشائرياً تداولاً للسلطة، وهذا ما جاء على لسان وزيرة الإعلام في حكومة د. عمر الرزاز، منكرين وجهة النظر التي ترى أن الأزمة الاقتصادية هي عرَض لمرض حالة اللاديمقراطية التي يعيشها الأردن، وأن الحل لن يكون اقتصادياً إلا بالحل السياسي، لتخرج الديمقراطية الحقيقية وحكم الشعب لنفسه أفضل ما لدى المجتمع من إمكانات بشرية لإدارة الدولة والمال العام.

القبائل كيانات سياسية

إن تجريف الأحزاب وتهميشها واستخدام القبائل والعشائر الأردنية كأحزاب سياسية موسمية مؤقتة تمارس العمل الانتخابي فقط سيترك آثاراً كارثية على الحياة السياسية، تتمثل في: 

- إضعاف اللحمة الوطنية، وتعزيز الروح الجهوية والمناطقية؛ مما يُضعف بنية الدولة وتماسكها في المنعطفات السياسية الحادة.

- تحويل مجلس النواب من مجلس يمارس الرقابة والتشريع وبوابة للتداول السلمي للسلطة وفقاً لنموذج الحكومات البرلمانية، إلى مجلس خدمي يطلب الأعطيات والحقوق لقواعده القبلية من الحكومات المعينة.

- إضعاف النخب وتهميش الكفاءات السياسية، إذ تعتبر الأحزاب بيوت خبرة سياسية كبيرة، وبها خزانات بشرية مقتدرة قادرة على إدارة المراحل الصعبة والأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تثقل كاهل الدولة.

- تآكل الكتلة السياسية الحرجة التي يمكن أن تكون وسيطاً بين السلطة والشعب في أوقات الأزمات والانفجارات المجتمعية من اضطرابات وثورات؛ مما يعرض مستقبل البلاد للخطر عند أول منعطف سياسي.

- تفاقم أزمة الدولة الاقتصادية من خلال استمرارها في النظام الريعي لضمان استمرار الحالة السياسية الراهنة، إذ لا يمكن لأي نظام الاستمرار في القدرة على الإنفاق الريعي مهما كانت قوته الاقتصادية؛ فما بالنا بنظام اقتصادي يعاني الكثير، ويمثل الدعم الخارجي 25% من ميزانيته السنوية، والربع الآخر يكون ديوناً داخلية وخارجية!

أين الحل؟

تصويت الناس للعشائر شيء تفرضه طبائع الأشياء في المناخ السياسي السائد في الأردن، كما لا ينتقص ذلك من وعي الناس وغيرتهم على بلدهم، فلا يمكن لقانون مصمم لإخراج نواب الخدمات أن ينتخب الناس بموجبه نواب أحزاب؛ فالناس تبحث عن أقصر الطرق للحصول على حقوقها في ظل نقص الموارد والتزاحم عليها.

للخروج من حالة اللاديمقراطية التي تضرب الأردن منذ عام 1957م وحل الحكومة البرلمانية الوحيدة إلى وقتنا الحالي نحتاج إلى تعديل قانون الانتخاب وقانون الأحزاب؛ لنحصل على مجلس حزبي يمارس الرقابة والتشريع في المرات القادمة تكون معالم هذا الإصلاح كالتالي:

- تعديل قانون الأحزاب ليكون عدد الأشخاص المؤسسين للحزب لا يقل عن 15 ألف فرد؛ وهو ما سوف يجبر الأحزاب الخمسين على الاندماج في حزبين أو ثلاثة أحزاب فقط، ومن لا يندمج يلزم بزيادة عدد أفراده ليبلغ الرقم المطلوب أو يحل قانوناً.

- تعديل قانون الانتخاب ليكون القانون المختلط (الفردي والقوائم الحزبية المغلقة والقوائم الحزبية المفتوحة)، وتكون معالم هذا القانون:

أ- تخصيص 40 مقعداً للنظام الفردي؛ لإفراز نواب الخدمات، ويخصص العدد لمدن الأطراف الأقل تنمية وخصوصاً مدن الجنوب والمخيمات.

ب-  يتم تخصيص 40 مقعداً وفقاً لنظام القائمة الحزبية المغلقة على مستوى الوطن؛ بحيث يكون التصويت للقائمة فقط دون التصويت لأحد داخلها، ويتم تنجيح من داخل القائمة على الترتيب الرقمي من داخلها من كان ترتيبه الرقمي في القائمة 1، 2، 3.. إلخ، مع وجود العتبة الانتخابية 5 - 10%، وهكذا نحصل في البرلمان على شخصيات من قامات حزبية عريقة ذات خبرات سياسية كبيرة.

جـ- تخصيص 40 مقعداً وفقاً لنظام القائمة الحزبية المفتوحة على مستوى المحافظة، بحيث يكون التصويت للقائمة والتصويت داخلها أيضاً كما هو معمول به حالياً، ويتم توزيع المقاعد على المحافظات حسب الكثافة السكانية للمحافظات مع وجود عتبة انتخابية 5 - 10%، وهكذا نحصل على طبقات وعقول حزبية من جميع المحافظات.

بهذا القانون نحقق كل المعايير الدولية لوضع قانون انتخابي عصري، وفقاً لمعيار الجغرافيا، والديمغرافيا، والتنمية، وبذلك نكون قد خرجنا من الأزمة السياسية الأردنية التي يزيد عمرها على 63 عاماً، لتدير النخب القادمة من رحم الصندوق ومن بيوت الأحزاب عملية تفكيك مشكلات الأردن المعقدة المتراكمة على مر العقود الماضية.

الرابط المختصر :