; انقلاب باكستان سببه كشمير والفساد | مجلة المجتمع

العنوان انقلاب باكستان سببه كشمير والفساد

الكاتب عدنان بو مطيع

تاريخ النشر الثلاثاء 26-أكتوبر-1999

مشاهدات 9

نشر في العدد 1373

نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 26-أكتوبر-1999

من 140 مليون باكستاني لم تخرج مظاهرة تعارض حركة الجيش لإسقاط حكومة نواز شريف، بل إن التقارير تؤكد أن الشارع الباكستاني بعد الانقلاب بيوم سادته أجواء من الارتياح والبهجة لزوال حكم شريف في تعبير قد يكون الأول من نوعه في تاريخ المنطقة، إذ قلما ترحب الشعوب بالحكم العسكري، نظرًا لما يمثله ذلك من تعد واضح على الحكم المدني، ومن خروج على مهمة الجيش المحددة في مواجهة الأخطار الخارجية.

باستثناء 30 أو 40 متظاهرًا مؤيدًا لنواز شريف خرجوا في اليوم الثاني ثم ما لبثوا أن اختفوا، فإن الشعب بكافة فئاته وطوائفه وأحزابه وصحفه وجد في حركة الجيش إنقاذًا حقيقيًا للبلاد، بالرغم من الاختلافات السياسية والعرقية والطائفية التي تتسم بها الساحة الباكستانية، فما الذي دفع الباكستانيين للإجماع على قبول حكم عسكري بدلًا من حكومة مدنية منتخبة؟

يؤكد العسكريون أصحاب الانقلاب أن حركتهم ضد شريف جاءت من باب الضربة الوقائية لمخطط كان شريف قد بدأه لتصفية معارضيه في الجيش، ربما بدأت برأس الجيش الجنرال برويز مشرف الذي أقيل فعلًا صباح يوم الانقلاب، الأمر الذي دعاه إلى إصدار أوامر التحرك للجيش لعزل شريف قبل أن تطير رؤوس جنرالات أخرى.

وفي كلمته المقتضبة التي وجهها للأمة الباكستانية أكد مشرف أن البلاد كانت في عهد نواز تعيش كارثة حقيقية، وهو لم يحتج إلى براهين لإثبات ذلك، فواقع الأمر يثبت للباكستانيين هذا الكلام، لذلك قبعوا في بيوتهم مرحبين بقدوم العسكر.

أمران لم يحسن نواز التعامل معهما، وسببا هذه النتيجة الحتمية: الأول: عدم معرفة وتقدير تأثير الجيش على الساحة السياسية، وهو أمر ارتبط كثيرًا بفشل سياسة شريف في أزمة كارجيل الكشميرية، والأمر الثاني: استفحال مظاهر الفساد الذي أدى بالتالي إلى كساد اقتصادي وثورة اجتماعية مكبوتة.

فمعروف أن الجيش الباكستاني انسحب من كارجيل الكشميرية بأمر من نواز شريف عندما كان في واشنطن، وذلك بعد لحظات من توقيع اتفاق مع الرئيس الأمريكي يقضي بانسحاب المقاتلين الكشميريين من القمة.

هذا الأمر أزعج العسكريين الباكستانيين الذين وجدوا في انصياع شريف للضغط الأمريكي خذلانًا لهم في ساحة المعركة والتي حققوا فيها تقدمًا كبيرًا، كما أنه خذلان واضح للمجاهدين الكشميريين الذين يصارعون القوات الهندية منذ أكثر من عشر سنوات.

حتى بعد عودة الجيش إلى ثكناته ظل الجدال محتدمًا بين قادة الجيش ونواز متهمين إياه بالتسبب في هزيمة عسكرية رابعة لباكستان في مواجهة الهند، الأمر الذي حدا به إلى البدء في تصفية قادة الجيش الذين اتهموه بأنه وراء هذا التراجع، وهذا قرار خاطئ لشريف جعل ساعة الصفر للانقلاب تبدو قريبة.

أخطاء التعامل مع الجيش لم تكن المسبب الوحيد لإنجاح الانقلاب، بل جاء الفساد ليكون قاصمة الظهر لهذه الحكومة التي استمرت نحو عامين ونصف العام.

خلال هذه الفترة تكدست الديون على الخزينة الباكستانية «42 مليار دولار دين خارجي، وأكثر من 70 مليار دولار ديون داخلية»، كما أن انتشار المحسوبية والفساد ورشوة المسؤولين الكبار وضع البذرة الصالحة لأي تغيير قادم حتى لو كان انقلابًا.

وتؤكد التقارير أن 200 مليار روبية باكستانية «4 مليارات دولار» هي حجم الديون المستحقة على كبار المسؤولين في حكومة نواز شريف وأركان حزبه «الرابطة الإسلامية»، كما أن الضرائب المحتسبة لا يدفع منها إلا 1 % فقط، وتتحكم خمسون عائلة ثرية باقتصاد البلاد ومنها عائلة شريف، وهذا ما جعل البناء الاجتماعي الداخلي على فوهة بركان، إذ تتحكم مجموعة ثرية صغيرة جدًا بثروات ملايين البشر، هم سكان البلاد.

ومع سكوت شريف على الفساد المستشري إضافة إلى خذلان قضية كشمير التي يعتبرها الباكستانيون قضية مبدئية وجد العسكر الطريق أمامهم معبدًا كي يقدموا أنفسهم بديلًا إنقاذيًا يحمي البلاد من المزيد من الانهيار.

الأيام القادمة مهمة في تاريخ باكستان، وأمام العسكر الآن مهمة تاريخية للحفاظ على مكتسبات البلاد، وخصوصًا أن العواصم العالمية والإقليمية في قلق بالغ من سيطرة الجيش على مقاليد الحكم في بلد مثل باكستان، حيث يتضاعف هذا القلق مع كون البلاد دولة نووية.

يا جبل ما يهزك ريح

مقولة قديمة كان يرددها ياسر عرفات «الذي أصبح يهتز كثيرًا» عندما كان يريد أن يبين قوة منظمة التحرير الفلسطينية، لقد كان لسان حال نواز شريف يردد هذه المقولة عندما تتحرك المعارضة ضده وهو في حكومته والمستشارون ينفخون في سلطانه، فكل الإدارات أصبحت تحت أمره، والوزراء رهن إشارته، حتى القضاة كانوا يبصمون على كلمته!! فلم يعر أي اهتمام لنصح المخلصين ولم يضع بالاعتبار احترام المؤسسات ومصلحة البلاد، وإنما كان همه التفرد بالسلطة وأن يكون الآمر الناهي في بلد أسس على الشورى والديمقراطية، فخضع للأمريكان وذل للهند وصافح الأعداء حتى يساعدوه على الحفاظ على سلطته والدفاع عن حكومته في الخارج والداخل، فبدأ مستشاروه والمقربون منه بنهب خزينة الدولة وتقسيم القروض - التي تحصل عليها الحكومة - بينهم وتوزيع الفتات على الشعب، وكان لا بد أن يبعدوا المخلصين عن تقلد زمام الأمور ويسكتوا الناصحين بالإغراء أو التخويف، فأصبحت الإدارات والمؤسسات الحكومية مقصوصة الجناح والحكومة في واد والشعب في واد آخر، أحاط الإحباط بالشارع الباكستاني وأدرك - بعد غفلة - كذب الحكومة وزيف شعاراتها، وأن الأحلام الوردية التي وعدهم بها نواز شريف في برنامجه الانتخابي لم تكن سوى السراب، فقد زاد الضغط الاقتصادي على كاهل الشعب وارتفعت الضرائب تصاعديًا مع ارتفاع فواتير الكهرباء والماء بينما لم يبق من الدخل ما يسد رمق العائلة، ناهيك عن أقساط المدارس وأجور المواصلات، لم يعد الشعب قادرًا على تحمل ما يرى من بذخ وإسراف للحكومة وأعوانها، بينما يطلب منه التضحية والصبر لحين وصول قرض جديد، فكان أن خرج الشعب عن صمته وبدأ التذمر بأخذ صورة علنية، وبدأ معظم الأحزاب والتنظيمات بالنزول إلى الشارع مطالبين الحكومة بالاستقالة بعد أن كانت الجماعة الإسلامية وحدها التي تحذر من الحكومة للعهد ومخالفتها للدستور، والتي كانت وحدها تخرج في مسيرات وتنظم مؤتمرات لكشف حقيقة نواز شريف وحزبه الحاكم، اتحد مؤخرًا تسعة عشر حزيًا وتنظيمًا وخرجت المظاهرات في مدن باكستان إلا أنها لم تكن بالقوة التي تحسب لها الحكومة حسابًا، ولم تجد التأييد الشعبي الكافي لأن رؤوسها أيضًا متهمون بالفساد وعدم الأهلية، فلم يجدوا بديلًا سوى الجماعة الإسلامية التي أعلنت في السابق رفضها للوضع وتعهدت بإسقاط حكومة نواز التي انحرفت عن الأهداف التأسيسية لباكستان، وكانت من أكبر المظاهرات مسيرة «عزم جهاد» التي نظمت على أبواب إسلام آباد بمدينة روالبندي، وكانت أكبر مسيرة شعبية ضد الحكومة أعلن فيها أمير الجماعة الإسلامية القاضي حسين أحمد إعطاء الحكومة آخر مهلة للاستقالة لأن الأوضاع ما عادت تحتمل الإصلاح وإلا فستقوم الجماعة الإسلامية بدخول إسلام آباد في نهاية شهر أكتوبر الجاري.

ولكن شاءت الأقدار أن تكلل جهود الجماعة الإسلامية بالنجاح ويذهب نواز غير مأسوف عليه قبل أن تقوم الجماعة بتوجيه ضربتها النهائية إلى حكومته، فقد أعلن قائد الجيش ورئيس هيئة أركان الحرب الجنرال برويز مشرف الاستيلاء على السلطة وفرض الأحكام العرفية، لأن نواز شريف عزله من منصبه دون سبب وحاول قتله وقتل أكثر من مائتين وأربعين شخصًا من ركاب الطائرة المدنية التي كانت تقلهم، ونزل الخبر نزول الصاعقة على حزب الرابطة وزعيمها نواز شريف الذي لم يكن يظن أن يهتز الجبل فكيف بسقوطه!..

بشير بلوج- لاهور – باکستان

الرابط المختصر :