العنوان اهتمامات جيل.. وتبعات مستقبل!
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 01-أغسطس-1972
مشاهدات 52
نشر في العدد 111
نشر في الصفحة 2
الثلاثاء 01-أغسطس-1972
مساء الأحد الماضي -أول أمس- افتتح المؤتمر العام للاتحاد الوطني لطلبة الكويت وهذه مناسبة جديرة بالاهتمام، وتجمع حقيق بلفتة إيجابية، تمرن الوطن كله على الاهتمام بقضايا الطلبة ومشكلاتهم وتطلعاتهم ومبررات الموقف الإيجابي من الكفاح والنشاط الطلابي مستفيضة وقوية ووجيهة.
• فالطلبة هم أبناء هذا الوطن، وندر-إلى درجة تقترب من العدم- أن تجد أسرة في الكويت ليس لها أبناء طلبة، وبحكم هذا الرابط -على الأقل- يفد إلى الإحساس والعقل اهتمام بالنشاط الطلابي.
• والطلبة هم الذين سيتحملون مسؤولية هذا الوطن في المستقبل بصفة أكثر إلزامًا وأثقل تبعة، هم الذين يتولون إدارة مرافق وأجهزة ومؤسسات البلاد، والاهتمام بهم اليوم يعني الاهتمام بمستقبل البلاد غدًا.
• والطلبة -خاصة في البلاد التي تعاني فقرًا علميًا- هم فجر أمة طال ليل تخلفها، ويقظة الأمل في أمة طال نعاسها ونومها، فالدورة القادمة من تاريخ هذه الأمة ستكون أكثر علمًا ومعرفة، وفي هذه النقطة يتضح أن الفرق الكيفي بين أجيال مولية، وأجيال قادمة، جد عميق، وإدراك هذا الفرق يقتضي اهتمامًا ذهنيًا و شعوريًا بحركة الطلبة، فالذين فاتهم الاشتراك الفعلي في العمل الطلابي أمس يمكن ألا يفوتهم الاهتمام به اليوم.
• والطلبة نزاعون إلى التغيير والتجديد، ولا سبيل إلى كبت هذه النزعة داخل صدورهم، وليس من المصلحة كبتها، وباستبعاد الكبت والمصادرة يتعين التعاون مع هذا القطاع الهام في المجتمع على اختيار أصوب الطرق، وأسلم الوسائل التي يمارس بها العمل الشاب ويندفع في مجرى أمين، يروي ولا يغرق.
• ونحن نعيش في عصر أطلق عليه بعض المعلقين العالميين وصف «عصر الطلبة»، نسبة للحركات الطلابية المتتابعة التي ماج بها العالم، واهتزت عواصمه، نعم لكل بلد أسباب أدت إلى تزايد النشاط الطلابي فيه وليس من الرشد نقل مظاهر ذلك النشاط إلى أوطان أخرى لا توجد فيها أسباب تلك الظواهر، لكن لأن العالم أصبح «قرية كبيرة!» فلابد من تأثر شبابنا بما يجري في العالم، والمهم هنا هو التفاعل مع الطلبة حتى تندفع حركتهم النزاعة إلى التغيير والتجديد نحو أهداف تنفع الحياة والناس.
إن من حق الطلبة أن يظفروا بكل هذا الاهتمام وهذه النظرة الإيجابية بید أن «كل حق يقابله واجب».
والواجب المناط بالحركة الطلابية في بلادنا هو الحرص البالغ على أصالة حركتهم واستقلالها، والوعي بضرورة الحفاظ على «هيبة» تجمعاتهم واتحاداتهم دومًا، والاهتمام بالقضايا الجوهرية حسب الترتيب المنطقي المعقول لأسبقيات القضايا وأهميتها.
• إن أضخم معوق يقف في طريق النشاط الطلابي و يعرقل مسيرته هو: الانجراف مع شعارات معينة تحشر النشاط والعمل الطلابي في معسكر ما، وتصبغه بلون ما، ويوم يحدث ذلك يصنف القطاع الطلابي تصنيفات ليس من صالح الطلبة ولا من طبيعتهم الوقوف تحت لافتاتها.
إن ابتعاد الطلبة عن تيارات الميمنة والميسرة هو أقوى ضمان لدوران نشاطهم في دائرة الأصالة والوعي والاستقلال، والحديث عن الاستقلال ليس تجريديًا، وإنما هو مضمون حي لمفهوم انتماء الكويت الحضاري والثقافي والفكري.
وفي خضم الصراعات العالمية الضخمة التي تحاول ربط الشعوب الأخرى بها وفك انتماء هذه الشعوب، وإبداله بانتماء آخر يأخذ طابع التبعية المباشرة أو غير المباشرة في هذه الظروف تبدو مسؤولية الطلبة في ثقلها الحقيقي، ومفهومها الواضح، ولئن تقرر من قبل أن مسؤولية البلاد ستكون مستقبلًا في أيدي أبنائها الطلبة فإنه تقرر في نفس اللحظة مسؤولية هذا الجيل من الشباب في التمسك القوي بالانتماء الحضاري والثقافي والفكري، والاستقلال من الآن يعين على أداء هذه المهام الكبيرة في المستقبل ثم إن الاستقلال -في جانب التوازن الاجتماعي الضروري- يعني «الاعتدال».
إن الشطط ليس تقدمًا، وليس من التفكير العلمي في شيء، وإن التطرف ليس ثقافة ولا تغييرًا، فالثقافة تطبع الإنسان بالرزانة والاعتدال، والتغيير الصحيح عمل ذكي رشيد من خلال معادلات معقدة.
الاعتدال في النظرة وتقييم الأمور، الاعتدال في الموقف والتصرف، الاعتدال في التحصيل العلمي مع المشاركة في النشاط العام، كل ذلك من شأنه أن يعين الحركة الطلابية على التزام جانب الاستقلال.
وهناك اعتبار آخر هو أن أمتنا العربية في جملتها قد ذاقت وبال أمرها من جرّاءِ الشطط والتطرف والغلو وهي ليست في حاجة إلى المزيد من هذا العناء، وإنما هي في أمس الحاجة إلى روح جديد -يتمثل في شبابها!- يبعث فيها التعقل، والتفكير السوي، ويعلمها السلوك المعتدل، وحين يكون النشاط الطلابي مستقلًا معتدلًا، عصيًا على الاستغلال، هنالك يحتفظ «بهيبة» دائمة في نفوس الناس.
• ومما يعين على الاحتفاظ بتوازن استقلالي دائم تركيز النشاط الطلابي في خدمـة القضايا الطلابية في الدرجة الأولى، وهي قضايا من التشعب والأهمية بحيث لا تسمح بتبديد الجهود في مسائل ثانوية بالنسبة لها.
في ضوء هذا المعنى يصبح شعار ضم النقابات العمالية إلى اتحادات الطلبة غير معقول وغير عملي.
غير معقول لأن العمال لهم نقابتهم المشروعة، ومن خلالها يستطيعون تحقيق مطالبهم ورفع شكاياتهم، أما أن يكون الأمر مجرد تقليد لما حدث في فرنسا -مثلا- بين فصائل اليسار في النقابات العمالية، فهو تقليد أقرب إلى الشعارات السياسية منه إلى النشاط المطلبي المعقول، وغير عملي لأن ضم الطلابي إلى نقابات ما ـفي تكتل عضوي ثابت أو في تنسيق موقفي متحركـ هذا الاتجاه لا تفسير له إلا تكوين حزب سياسي يغرق الطلبة في دوامته التي لا تنتهي.
• ومن الواجبات المناطة بمسؤولية طلبة البلاد الاهتمام بالقضايا الجوهرية في الوطن، ولكن ما هي أهم هذه القضايا؟
لا خلاف في أن أهم قضية تشغل الطلبة أو ينبغي أن تشغلهم هي قضية «التقدم العلمي».
فبالنظر إلى الجانب السلبي منها تتضح قيمة الاهتمام الكبير بها، ونعني بالجانب السلبي: انخفاض مستوى التعليم في البلاد.
ترى من يهتم بهذه القضية إذا لم يهتم بها الطلبة؟؟ إنها قضية يتعلق بها مستقبلهم ومصيرهم، وهذه وحدها حرية بأن تجعل الطلبة يؤجلون جميع القضايا الأخرى، وينصرفون إلى معالجتها والاستغراق في دراستها بغية الخروج من معوقاتها، أما الجانب الإيجابي في النظرة الموضوعية لمستقبل الكويت في ضوء الدراسات التي تدور حول نضوب النفط فمن أبرز الظواهر الدراسية في عالم اليوم -خاصة في السنوات الأخيرة- ظاهرة «الدراسات المستقبلية»، أي دراسة المشكلة قبل أن تقع بعشرين أو خمسين عامًا مثلًا.
والنفط -طال عمره أم قصر- لن يدوم أبد الدهر، هذه حقيقة ينبغي أن تواجه بجرأة، ووعي، وبعد نظر.
والكويت ليس بلدًا زراعيًا يمكن لسكانها أن يعيشوا من الموارد الزراعية طبيعية أو مصنعة.
إزاء هذه الحقائق، ما هو الحل أمام الشباب في المستقبل؟
بإيجاز لا حل إلا التصنيع، والتصنيع اليوم لا يقوم إلا على العلم والتكنولوجيا المتفوقة، إذ أنه من غير المعقول أن تبدأ الصناعات في الكويت من حيث بدأ الآخرون، وإنما ينبغي أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون، وهذا يتطلب جهدًا مضاعفًا من الشباب، فالقضية إذن ليست أفكارًا رجعية أو غير رجعية، وإنما المشكلة هي «التخلف العلمي العام» وترتبط بهذه القضية مسائل أخرى ارتباطًا وثيقًا.
• فالحركة الطلابية ينبغي أن يتركز نشاطها في المطالبة بإحداث تغيير جذري في مناهج جامعة الكويت، خاصة في مجال البحث العلمي بحيث تتيح للطلبة مناخًا علميًا مناسبًا، وأجهزة علمية تحبب إليهم البحث العلمي وتجعلهم وهم يقبلون عليه كأنها يمارسون هِواية محببة لطيفة.
• والوقت المهدر في مشكلات جانبية ينبغي أن يوفره الطلبة أجل التحصيل العلمي، انكبابًا مخلصًا وعبا بغير حدود وتفوقًا ونبوغًا.
• وإذا كان العلم أساسًا «طريقة تفكير» تتسم بالدقة والعمق والتقنين فإن تركيز الجهود على قضية «التقدم العلمي» يحدث تغييرًا حقيقيًا في طريقة التفكير العامة وفي نوع الاهتمامات، وهذا هو التجديد الحقيقي والمطلوب، وهو مسؤولية طلبتنا هنا وفي الخارج .
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل