; باكستان بعد ضياء الحق | مجلة المجتمع

العنوان باكستان بعد ضياء الحق

الكاتب عبيد الأمين

تاريخ النشر الثلاثاء 30-أغسطس-1988

مشاهدات 16

نشر في العدد 880

نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 30-أغسطس-1988

أثار الغياب المفاجئ للرئيس الراحل ضياء الحق العديد من التساؤلات القلقة بشأن المستقبل السياسي في باكستان، لا سيما وأن حادث الوفاة تزامن مع مرحلة إعادة ترتيب البيت الباكستاني، والتي بدأت بحل البرلمان وإقالة حكومة خان جونيجو وإعلان موعد الانتخابات العامة، والإعلان عن عزم ضياء الحق تطبيق الشريعة الإسلامية مما نتج معه افتقاد البديل المعد لإكمال النهج المتفق عليه سلفًا، وبالرغم من ذلك فقد تم-مؤقتا-تحويل السلطة إلى رئيس مجلس الشيوخ وفقًا لأحكام الدستور-بهدوء وسرعة قياسية ودونما أي إشكالات سياسية. وكالعادة فقد تعهد الرئيس بالوكالة غلام إسحق خان بالمضي قدمًا في تنفيذ سياسة ونهج الرئيس الراحل ضياء الحق مع الالتزام الكامل بإجراء الانتخابات في الموعد المحدد ١٦ نوفمبر القادم، ولم يشر الرئيس بالوكالة ما إذا كانت حكومته ستجري الانتخابات على أساس حزبي أو على نظام الانتخاب الفردي، وأيا كان نوع الانتخابات فإن الحقيقة المرة لدى الرأي العام الباكستاني قد تجسدت في غياب قيادة ضياء الحق المقتدرة والمدركة لطبيعة الأوضاع المتفجرة على المستويين الداخلي والخارجي.

البحث عن القائد:

أسفرت المرحلة السابقة والتي قاد فيها الرئيس الراحل ضياء الحق دفة السفينة الباكستانية عن باكستان ذات الثقل والوزن الدولي المحسوب وتجاوزت بذلك مرحلة الكم البشري الهائل ذات الصدى المتضائل، ولعبت بذلك دورا حاسما وقويا في منطقة شبه القارة الهندية وفي الإقليم الأوسط لدول آسيا وأضحت ندا لدودا لجارتها الهند-الطامعة في السيطرة الإقليمية وما كان لباكستان أن تكسب تلك المكانة المرموقة لو أنها نهجت كما يريد الآخرون، ولكنها تفردت ونفضت عنها تراكمات الماضي بألوانه وشعاراته المختلفة لتبني وسط الاضطراب المحلي والإقليمي وحدة وطنية وقوة اقتصادية وعسكرية.

وبذهاب ضياء الحق بدأت الأوساط الإعلامية في الغرب تعزف على وتر «بنازير بوتو» وقليلا تدعو العودة خان جونيجو، فالمسألة في إطار الفهم الغربي تتعلق بالبديل المحبذ من قبل الغرب، وليس المرغوب فيه من قبل الشعب. لذلك فإن «بنازير بوتو» والتي كل رصيدها السياسي أنها الوريثة لوالدها-علي بوتو والذي حكم عليه قضائيًا في قضية جنائية!!! وليست سياسية وأعدم من أجلها فبنازير هذه ما زالت حصان الرهان الأوحد في العقل السياسي والإعلامي الغربي خلافًا لمسوغات الغرب ذاته في معادلة الكسب السياسي.

و بنازير هذه ليست أقوى من والدها وقد كان يساريًا وهي الآن تخلت عن الاشتراكية وقد كان ميالا إلى التأميم وتوجيه الاقتصاد وهي الآن متزوجة من أحد أكبر الإقطاعيين الباكستانيين وبالرغم من أن والدها هو عمدة حركتها السياسية ورصيدها السياسي الأكبر إلا أنه لم ينل ثقة الجماهير الباكستانية عام ١٩٧٦-١٩٧٧ ولذا قام باتباع أساليب فاسدة من التزوير في الانتخابات والآن لو أن الانتخابات أجريت في باكستان فلن تنال أكثر من (۸%) وفقًا لدراسة ميدانية أجريت أخيرًا في باكستان، وفي الوقت الذي يمكن أن يحرز فيه تحالف الجماعات الدينية على ٣٥% من الأصوات ومع ذلك فإن الوهم الغربي ما زال يرشح بنازير وهناك معادلة بسيطة قد لا يفهمها الغرب بحسب عقليته الثقافية تتلخص في أن الثقافة الإسلامية تحتم قوامة الرجال على النساء، وأن الولاية الكبرى لا تتولاها النساء، وهذا فلن يرى الغرب في باكستان أكينو أخرى، ولن يعطي الشعب الباكستاني المسلم أية ثقة لبنازير هذه.

حليف ضياء الحق:

الجيش الباكستاني يعد أحد الأركان الرئيسية في التركيبة السياسية لباكستان وهو دائم الحضور في الساحة السياسية، وقد اكتسب مكانته من خلال مواقفه الوطنية وانتصاراته في سنوات 1955، 1965 وإبراز عدة قيادات ناضجة، وقد كان الجيش وما زال يعتد بموقفه الأصيل تجاه الوطنية الباكستانية ذات المضمون الإسلامي فعقب استشهاد الرئيس ضياء الحق أصدرت القيادة العامة بيانا في ٢٦ من الشهر الجاري وفقًا لأنباء كونا- دعا فيه القائد الجديد- الجنرال ميرزا أسلم إلى ضرورة اعتصام الجيش بأخلاقياته العسكرية وعدم استخدامه سياسيا وتعهد بأن يظل الجيش وفيًا لالتزاماته ومساعدًا على حفظ الأمن في البلاد وفي ذات الوقت كشف الجنرال أسلم عن أن الجيش اتخذ توصياته وأرسلها للرئيس الباكستاني بالوكالة غلام إسحق وتتلخص التوصيات في دعم برنامج الحكومة الحالية وتأييد الحكومة في معالجتها للقضية الأفغانية والتأكيد على عودة الديمقراطية مع تطبيق القوانين لتحقيق العدالة في ظل النظام الإسلامي. ولعل حرص الجيش الباكستاني على إبراز الهوية الإسلامية وتأكيدها في الحياة الاجتماعية والسياسية أمر لا يحتاج إلى إثبات ولذا كان دائما لا يتوافق مع التوجهات العلمانية كما فعل عندما أبعد يحيى خان وأبعد علي بوتو. وهو بهذه العقلية المدركة يقي باكستان شر الالتواء الشيوعي والانحراف العلماني.

الجماعة الإسلامية:

تحالف الجماعات الإسلامية يعد سياسيًا أكبر تجمع حزبي في باكستان، وهو يشمل الجماعة الإسلامية والحزب الإسلامي وجماعة مفتي محمود وبعض الجماعات الإسلامية المحدودة، وقد تميزت قوى التحالف بشعبية متجانسة نسبيا، كما أنها تغطي حيزا بشريًا ضخمًا يضم جميع الفئات المنظمة من نقابات عمالية وطلابية وغيرها بحكم تكوين جماعاته المؤسسة وخاصة الجماعة الإسلامية ذات الثقل النقابي والسياسي العريق والتي تنضوي تحت رايتها جماعة واسعة من الشرائح المثقفة للأجيال الباكستانية الحديثة فهي الوارث الشرعي للطبقة المستنيرة بعد أن انحسرت قوى الشيوعية والتيارات العلمانية في الجامعات الباكستانية، كما أن النقابات في كثير من المصانع الضخمة تدين بالولاء للجماعة الإسلامية وإن كانت قد أحجمت عن العمل السياسي فترات طويلة في السابق إلا أنها تملك رصيدا متناميا خاصة إذا ما سعت إلى توسيع العمل السياسي الإسلامي على دائرة قاعدية تتسع لذوي التوجهات الإسلامية عموما مما يكسبها رضا الفئات الإسلامية غير المنظمة ويمكن للجماعة الإسلامية أن تلعب دورا سياسيًا بارزًا في المرحلة القادمة سواء كان ذلك ضمن التحالف الإسلامي أو بدونه فالأرضية التي أرستها الجماعة والإصلاحات التي تبنتها قيادة ضياء الحق تعتبر كسبا مباشرا لبرنامج الجماعة الإسلامية وإن كانت قواها لا تستطيع حاليا أن تكون البديل إلا أنها تبقى قوة سياسية يعد لها وزنها ولا تبرم الأمور السياسية دون رضاها.

هموم التركة:

باكستان ضياء الحق القوى السياسية الدولية وذات الثقل الإقليمي كانت في سياستها الخارجية شديدة الحضور معتصمة بالحياد الإيجابي ومتمسكة بالتوازن وفقا للعقيدة الإسلامية فهي في قضايا العالم الإسلامي نموذج مدرك للقضايا وقوى قادرة على الفعل وإجبار الآخرين على احترام تلك-النتائج الفعلية وكانت عونا مباشرًا للقضية الأفغانية وكانت مشاركًا أساسيا في القضية الفلسطينية وكانت في لجنة المساعي الإسلامية لإنهاء الحرب العراقية-الإيرانية والسياسة القادمة لباكستان لا بد أن تأخذ في الحسبان كل ذلك الهم الكبير الذي حملته باكستان وعالجت قضاياه بعقلية متفتحة والخوف أن تغرق باكستان في القضايا الداخلية وتترك الساحة السياسية لتقتسمها القوى المعادية، وبالطبع إذا جاء البديل المتمسك بالعقيدة الإسلامية والحريص على إجراء العدالة الدولية وسط أجواء الاحتواء والاستقطاب المحوري فإن باكستان لن تتقزم وإلا فإن القضايا الداخلية كفيلة بإغراق ذوي التوجهات العلمانية الغربية التقليدية وقد صرح قادة الجيش-جنرال ميرزا أسلم كما صرح كثير من القادة السياسيين بأن باكستان سوف تظل تنتهج طريق ضياء الحق في السياسة الخارجية والداخلية، والمستقبل بيد الله.

الرابط المختصر :