العنوان باكستان: مستقبل باكستان بعد إقالة حكومة بوتو
الكاتب نادر العزب
تاريخ النشر الثلاثاء 19-نوفمبر-1996
مشاهدات 739
نشر في العدد 1226
نشر في الصفحة 42

الثلاثاء 19-نوفمبر-1996
في خطوة كانت متوقعة، لكنها جاءت -حسب تقديرات العديد من المراقبين- مبكرة بعض الوقت، حل الرئيس الباكستاني فاروق ليغاري البرلمان القومي وأقصى حكومة بنازير بوتو في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء 5 نوفمبر الجاري، مستندًا في قراره إلى المادة الثامنة والخمسين من الدستور التي تخول له الصلاحيات القانونية بحل الحكومة والبرلمان، إذا ما تعرض الأمن القومي أو الجبهة الداخلية للخطر، ومنذ دخل قرار ليغاري حيز التنفيذ، طرحت علامات استفهام عديدة حول صلاحيات رئيس الدولة في باكستان وأثرها على العملية الديمقراطية، وهل كان الرئيس صائبًا في قراره، أم أن اعتبارات أخرى دفعته لاتخاذ هذا القرار؟، وكيف كان تجاوب الرأي العام الباكستاني والقوى السياسية المختلفة مع القرار؟، وأخيرًا أين تتجه الأحداث في بلد أصبحت التقلبات السياسية أحد أبرز مظاهره؟
ضياء الحق والمادة ٥٨:
كان الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال ضياء الحق هو الذي سن المادة ٥٨ من الدستور التي أتاحت له مزيدًا من الصلاحيات في الرقابة على الحكومة وربما كانت أجواء الحرب الباردة وما يتعلق بالحالة الأفغانية خصوصًا والأوضاع السياسية غير المستقرة في باكستان عقب انقلاب ضياء الحق، من بين الأسباب الجوهرية التي دفعت ضياء الحق في ذلك الوقت لسن هذه المادة من الدستور، وقد كان ضياء الحق أول من استخدم هذه المادة ضد حكومة جونيجو عام ۱۹۸۸ لخلافات تعلقت في جانب أساسي منها بالحالة الأفغانية، ومن بعد ضياء الحق، استخدم الرئيس الباكستاني غلام إسحاق المادة نفسها في إقصاء حكومة بوتو عام ۱۹۹۰م، وقد كانت تهم الفساد وخاصة ما يتعلق بدور زوجها فيها وجوانب أخرى تتعلق بسياسة البلاد الخارجية والبرنامج النووي كانت محورًا أساسيًّا في حيثيات قرار غلام إسحاق خان، ولقد استخدم نفس المادة ضد نواز شريف عندما اتسعت هوة الخلاف بين الجانبين في وقت حاول فيه نواز شريف التقليص من سلطات الرئيس، وتحجيم دور الجيش المتزايد في التأثير على العملية السياسية في باكستان، وقد استخدم الرئيس الحالي ليغاري المادة نفسها في حل البرلمان وإقصاء بنازير عن السلطة، والغريب في الأمر هذه المرة أن فاروق ليغاري الذي كان أحد قيادات حزب الشعب الباكستاني الذي ترأسه بنازير والذي لعبت دورًا أساسيًّا في وصوله إلى منصب رئيس الدولة من خلال دعم الحزب له والتحالفات التي نجحت بنازير في بنائها حتى يستأثر حزبها بهذه الصلاحيات، ومن ثم تأمين بقاء بنازير بوتو في السلطة لأطول فترة ممكنة، فرئيسة الوزراء ورئيس الدولة من نفس الحزب، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن: رئيس الدولة الذي كان من المفترض، حسب إستراتيجية بوتو أن يشكل غطاء قانونيًّا لسلوكها الذي وصفه المراقبون بانحرافه اقتصاديًّا وسياسيًّا وأمنيًّا لم يصبر على تصرفات بوتو الجائرة لفترة طويلة، فالأشهر العشرة الأخيرة من عمر حكومة بنازير بوتو كانت حافلة بالمخالفات والفضائح على كل الأصعدة، ولنبدأ أولًا بالشق الاقتصادي.
- تدهور قيمة العملة الباكستانية بصورة خطيرة أمام العملات الأجنبية الأخرى.
- انهيار العملية التصديرية في البلاد.
- تردي الصناعات الوطنية وخاصة في مجال النسيج.
- اتساع الهوة في الميزان التجاري.
- هروب رجال الأعمال من البلاد نتيجة عدم استقرار الأوضاع السياسية في البلاد.
- الإتاوات التي اعتاد زرداري زوج بنازير بوتو فرضها على رجال الأعمال والتي لم تقف عند حد كبار رجال الأعمال، بل امتدت حتى أصابت الصناعات والحرف المحدودة، بما يعكس اتساع رقعة الفساد التي جلس على عرشها زوج بنازير.
- الارتفاع الجنوني في الأسعار بصورة أرهقت كاهل المواطن العادي، بل والطبقات المتوسطة.
- الضرائب التي فرضتها بنازير على مختلف السلع الأساسية لتغطية فشلها الاقتصادي، في الوقت الذي أعفت فيه رجال الإقطاع من أي ضرائب.
- الظروف الضخمة التي سلبها أنصارها وحاشيتها من قيادات الحزب من البنوك الباكتسانية، مما أثر على مدخرات البلاد.
إهانة القضاء!
لم تحترم بنازير بوتو المؤسسات الدستورية أو التشريعية المختلفة في البلاد، فقد ضربت بالجميع عرض الحائط، غير عابئة بأي نتائج يمكن أن تترتب على ذلك، فرئيس الدولة في جيبها وهي تمثل التحالف مع بعض الأحزاب الأخرى الصغيرة أغلبية داخل البرلمان، وبالتالي لا مجال للقلق، فأهانت السلطة القضائية، وحاولت فرض قضاة موالين لها، واستهانت بالقرارات الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا، ولم تهتم بتطبيق قراراتها، واستهانت بكل الرموز والقوى السياسية الباكستانية، بدءًا من أقصى اليمين، إلى أقصى اليسار، واعتبرتهم جميعًا، إما أغبياء، أو حمقى، أو متطرفين، أو قوى تسلطية تتطلع للسلطة، كما لم تهتم بتحذيرات حلفائها التقليديين من الخارج، وخاصة الولايات المتحدة التي رأت في الفساد والمحسوبية والإتاوات التي يفرضها زوجها زرداري عنصرًا سلبيًّا في التأثير على استمرار بنازير بوتو في السلطة، وربما الإشارات التي صدرت عن الإدارة الأمريكية عقب حل حكومة بنازير بوتو توضح إلى أي مدى عدم اكتراثها بما حدث لبنازير.
انهيار أمني واسع النطاق:
الانهيار الأمني في باكستان في عهد بنازير بوتو، ربما لم تعرفه باكستان من قبل، بدأ من كراتشي جنوبًا، وحتى بوابة خيبر على الحدود الأفغانية الباكستانية، ففي عهد بنازير بوتو تحولت مدينة كراتشي عاصمة البلاد التجارية والصناعية إلى ساحة حرب واسعة بين بوليس بنازير وحزب المهاجرين القومي، وكانت النتيجة سقوط عدة آلاف من المدنيين على يد البوليس الباكستاني الذي تبنى سياسة تعسفية في قتل الكثير من الأبرياء وتعذيبهم دون محاكمة، وقد أسهم ذلك في خلق حالة من الفوضى الأمنية في المدينة، بحيث لم يعد من اليسير السير في العديد من ضواحي المدينة حتى في وضح النهار بعد أن تعذر وجود آمن أو سيطرة من جانب الدولة على هذه المناطق، وامتدت هذه الحالة إلى مقاطعات أخرى مثل لاهور وملتان والمناطق الحدودية الباكستانية المتاخمة لأفغانستان، حيث قتل المئات من الأبرياء من جراء السياسة الأمنية الفاشلة التي تبناها وزير الداخلية الباكستاني السابق الجنرال نصير الله بابر.
وبلغت هذه الحالة ذروتها في شهر سبتمبر الماضي عندما اغتيل شقيق بنازير بوتو مرتضی على يد البوليس الباكستاني، والغريب في الأمر أنه على الرغم من أن البوليس الباكستاني هو الذي قتل مرتضى، إلا أن بنازير بوتو اعتبرت الحادث مؤامرة للتخلص من عائلة بوتو، وربطت بنازير بين إقالتها وما جرى لشقيقها مرتضى، غير أن هذا التفسير التآمري لم يسمع له أحد حتى من أنصار حزبها، فقد كان واضحًا منذ وصول مرتضى إلى باكستان قبل ثلاثة أعوام، كراهية بنازير لشقيقها الذي اعتبرته منافسًا حقيقيًّا لها في الميراث السياسي لأسرة بوتو، وكذلك ساعدت في اعتقاله عقب وصوله البلاد، وعندما أفرج عنه وبدأ نشاطه السياسي حاولت التضييق عليه مستخدمة العصا والجزرة معه، غير أنه لم يهدأ وواصل انتقاداته الحادة لشقيقته مشكلًا جناحًا آخر لحزب الشعب، ووصلت العلاقة بين الجانبين إلى طريق مسدود قبل أيام قليلة من اغتيال مرتضى، وقد وصفت زوجة مرتضى في ذلك الوقت الأسلوب الذي كانت تسير عليه الأمور بين زوجها وشقيقته بنازير قائلة إنه تلقى تهديدات عديدة قبل اغتياله بأيام وحذرته هذه التهديدات من أن الاستمرار في مضايقة شقيقته قد ينهي حياته، هذه الخلفيات التي سبقت اغتيال مرتضى تحدد بشكل كبير تورط بنازير وزوجها في عملية الاغتيال كما يرى الكثير من المراقبين.
اتساع نطاق المواجهة بين الحكومة والمعارضة:
لم تهتم حكومة بوتو بملاحظات المعارضة وتحفظاتها على سلوك الحكومة، وبدلًا من فتح ملف القضايا المتحفظ عليها، عهدت الحكومة إلى تبنِّي سياسة القبضة الحديدية ضد معارضيها الذين حاولوا التعبير عن رفضهم واحتجاجهم على سياسات الحكومة بالأسلوب السلمي، وأبرز مظاهر ذلك كان في يوليو من هذا العام عندما لجأت شرطة نصر الله بابر إلى قتل في خمسة أشخاص من أنصار الجماعة الإسلامية.
وفي الشهر الماضي عندما حاول أنصار الجماعة الإسلامية الوصول إلى العاصمة إسلام آباد للاحتجاج على رفضهم لسياسات الحكومة أصاب البوليس أكثر من خمسين شخصًا من أنصار الجماعة، والأمر نفسه حدث مع أنصار نواز شريف في لاهور وكراتشي ومواقع أخرى.
رئيس الدولة يتحرك:
المعروف عن الرئيس الباكستاني فاروق ليغاري أنه صاحب خلق إسلامي، وإن كان غير محسوب على أي تيار إسلامي بعينه، ومما ذكر عنه أنه وهو طالب بالجامعة أعجب بأفكار الإمام المودودي أمير الجماعة الإسلامية، وفكر في الانضمام إلى الجماعة الإسلامية، غير أنه رأى أن ينضم إلى حزب ليبرالي آخر يمكن من خلاله أن يحقق تأثيرًا إيجابيًّا على المجتمع، هذه الخلفية ربما تفسر إلى أي مدى رفض الرئيس الباكستاني الإذعان لإستراتيجية بنازير التي سعت إلى توظيفه كغطاء يخفي سياساتها الفاشلة، ومع اتساع رقعة المخالفات السياسية والاقتصادية والأمنية وجه ليغاري ملاحظات عديدة إلى بنازير لإعادة النظر في سياستها، خاصة الانهيار الاقتصادي والسياسي والأمني في البلاد، والذي أصبحت بنازير رمزًا له، ويعني إقصاؤها عن السلطة تعطيل هذا الانهيار على الأقل، وهذا يعني في المدى المنظور تراجع شعبية بنازير بوتو إلى درجة كبيرة لدرجة أن قطاعًا معينًا من أنصارها اتخذ موقفًا عدائيًّا شابه موقف رئيس البلاد تجاه بنازير بوتو، كما أحدثت سياسة بنازير نفسها انشقاقًا داخل قيادات الحزب نفسه، ولجأ بعض هذه القيادات إلى طريق ليغاري الذي كان أمينًا عامًا لحزب الشعب الباكستاني، وعلى ما يبدو فإن الرئيس الباكستاني فاروق ليغاري يسعى في المرحلة الحالية لاستقطاب العناصر النظيفة من حزب الشعب التي جمدت نشاطها سابقًا، أو لا تزال تحافظ على مواقف معادية مع حزب الشعب الباكستاني، وعلى ما يبدو فإن ليغاري نجح نسبيًّا في استقطاب جانب من هذه العناصر وفي مقدمتها رئيس الوزراء الانتقالي نفسه معراج خالد الذي كان رئيسًا للبرلمان في عهد بنازير بوتو خلال حكمها عام ۱۹۹۰.
من المستفيد؟
إذا كانت بنازير بوتو هي الخاسر الوحيد من قرار ليغاري، فإن هناك فائزين كثيرين، وإذا استثنينا من الفائزين الشعب الباكستاني نفسه وقصَرنا الأمر على الأحزاب السياسية، فإن الجماعة الإسلامية تعد في مقدمة الفائزين، فقد أثمرت جهودها في إسقاط حكومة بوتو في تحقيق هدفها، حيث بذل قاضي حسين أحمد هذا العام جهودًا واضحة لإقصاء بنازير بوتو وقدم في سبيل ذلك عددًا من القتلى والجرحى، ولكن هذا لا يعنِي بالضرورة أن الجماعة الإسلامية أصبحت مؤهلة لتشكيل حكومة أو أن شعبيتها قد ارتفعت بشكل يتوازى مع ما حققته من مكاسب، فالجماعة الإسلامية بسياساتها وفي الإطار الاجتماعي الباكستاني الذي يتحرك من خلاله ستظل ولفترة طويلة على نفس المستوى من الشعبية التي لا تتجاوز خمسة مقاعد في البرلمان، لكن يمكن القول إن الجماعة ستصبح عاملًا مرجحًا إذا جاز التعبير في أي تحالف في العملية الانتخابية، كما ستنظر إليها القوى السياسية الأخرى على أنها طرف مهم في اللعبة السياسية، من هنا تكمن أهمية الجماعة الإسلامية على وجه الخصوص.
المستفيد الثاني هو نواز شريف الذي لم يبذل جهودًا تذكر مثلما بذلت الجماعة الإسلامية لإقصاء بنازير، لكن تبقى فكرة تحالف الجماعة الإسلامية ونواز شريف أمرًا حيويًّا في الوصول للسلطة، فقد كان غياب الجماعة عن نواز في انتخابات ۱۹۹۲ عاملًا سلبيًّا في سقوط نواز.
عامل آخر سوف يؤثر على شعبية نواز شريف هو بروز حزب عمران خان الذي استقطب عددًا معقولًا من الطبقة المتوسطة الباكستانية التي كانت تدعم نواز أساسًا، وبالتالي فإن جزءًا مهمًا من أنصار نواز ذهب إلى عمران خان الذي بدأ في بناء حزبه في الأشهر الأخيرة الماضية، وإن كان الأمر يتطلب بالنسبة له جهودًا كبيرة ووقتًا أطول ليثبت أركانه على المسرح السياسي الباكستاني، ويجب الإشارة هنا إلى أن عمران خان بحزبه الجديد يعد رمزًا للتمرد على النظام السياسي، وتمردًا كذلك على النظام الإقطاعي في البلاد الذي يؤثر بدور كبير على العملية السياسية، لكن يبقى تأثير عمران -كما أشرت- محدودًا على الأقل في المرحلة الراهنة.
الحكومة الانتقالية برئاسة معراج خالد:
يبدو من تركيبة الإدارة الانتقالية أنها حريصة على محاسبة كل القوى الباكستانية المتورطة في عمليات فساد أو رشوة إلخ، وبالتالي فإن هذه السياسة الحماسية سوف تؤثر حتمًا على كل من بنازير، ونواز المتهمين، ولكن بنسبة متفاوتة في الفساد، وهذا من شأنه أن يفسح المجال أمام قوى سياسية جديدة للاستفادة من هذه السياسة، كما سيؤثر حتمًا على توجيه إجراء الانتخابات المقرر لها يوم الثالث من فبراير المقبل، إذ يتشكك الكثير في أن تُجرى الانتخابات في موعدها في ظل البرنامج الحكومي الذي قد يستغرق عدة أشهر على الأقل.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
حَياة شودَري غلام محمد.. سيرة عَلم من أعلام الإسلام في بَاكستان
نشر في العدد 1
825
الثلاثاء 17-مارس-1970

