; بسبب الصراع على المياه الإقليمية: طبول الحرب تدق بين تركيا واليونان | مجلة المجتمع

العنوان بسبب الصراع على المياه الإقليمية: طبول الحرب تدق بين تركيا واليونان

الكاتب محمد العباسي

تاريخ النشر الثلاثاء 05-يوليو-1994

مشاهدات 10

نشر في العدد 1106

نشر في الصفحة 34

الثلاثاء 05-يوليو-1994

الاتحاد الأوروبي يدعم خطة اليونان بتسليح جزر غرب الأناضول رغم مخالفة ذلك للمعاهدات الدولية

واشنطن تعارض أثينا خشية أن تؤدي الحرب التركية- اليونانية إلى عودة الروح الجهادية إلى الأتراك، وتركيا إلى ذاتها الإسلامية

شهد شهر يونيو «حزيران» الماضي حالة من التوتر بين تركيا واليونان وصلت ذروتها بتهديد تانسو تشيللر رئيسة الوزراء التركية بضرب السفن اليونانية في حالة قيامها بمد المياه الإقليمية للجزر اليونانية إلى ۱۲ ميلا بدلًا من 6 أميال، وهو يشبه التحذير الذي وجهه الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال عندما كان رئيسًا للوزراء عام ۱۹۸۷م لليونان حينما أعطى أوامره للسفن التركية بالتصدي للسفن اليونانية في حالة تخطيها المياه الإقليمية مما أدى إلى تراجع أثينا عن نيتها.

وتظل جزر بحر إيجه عامل التوتر الدائم بين تركيا واليونان والذي قد يؤدي إلى حرب مدمرة بين الدولتين خاصة وأن كلا الحكومتين اليونانية والتركية في حاجة إلى قضية قومية لإلهاء شعبيهما عن المشاكل الداخلية، كما أن المناورات البحرية التركية المعروفة باسم أفس- ١٩٩٤م والتي أجريت خلال شهر يونيو حزيران الماضي تدخل في إطار الرد العملي التركي على الرغبة اليونانية التي تتأجل دائمًا بفعل الضغط الدولي علاوة على خشية الغضبالتركي الذي قد يأخذ طابعًا إسلاميًا وقوميًا في مواجهة اليونان الذي يصف الإعلام والساسة الأتراك شعبها بالروم في محاولة لإبقاء هذه الصفة التاريخية متوقدة في الوجدان التركي الإسلامي ليتم توظيفها عند اللزوم.

وهو الأمر الذي تعيه اليونان جيدًا والتي لم تخف قلقها عندما فاز حزب الرفاه الإسلامي في الانتخابات المحلية في مارس الماضي وارتفاع شعبية حزب الحركة القومية.

لعبة البوابة الشرقية ثانية:

وتهديدات اليونان بمد حدود مياهها الإقليمية في بحر إيجه تدعمها خطة عملية أوضحها كوستاس سكانداليس وزير إيجه اليوناني حيث وصفه إيجه بالبوابة الشرقية لأوروبا، ولذلك ستحصل اليونان على دعم مالي كبير لمشروع تسليح جزر إيجه والذي يتكلف حوالي ۸۰ تريليون ليرة حتى عام ٢٠٠٠ «الدولار يساوي ٣٠ ألف ليرة» حيث تعمل أثينا على أن يكون بحر إيجه مركز الاتصالات البحرية بين دول البحر الأسود والمضايق التركية مع البحر الأبيض المتوسط ولذلك تقوم اليونان بتحديث قواعدها وإقامة استحكامات جديدة وإنشاء موانئ جوية في جزر رودس إستانکوي، ميكونوس طهيرًا، كليملي، ميلوس باروس، ناقوس سيروس كيمولوس سريفوس، ينسيروس أنافي، طاهراس کاسوس تينوس ليبسي سومباك، وتبلغ تكلفةهذه المشروعات ٢٥ تريليون ليرة على حد قول سارانتوس وإلى منطقة جنوب إيجه ستحصل اليونان على ۱۲ تريليون ليرة من الاتحاد الأوروبي لتنفيذها، بينما ستسدد اليونان ۱۳ تريليون ليرة حيث من المقرر الانتهاء من تلك المشروعات خلال 5 سنوات.

كما أن وزير الخارجية اليوناني لم ينف نية بلاده بمد المياه الإقليمية في بحر إيجه إلى ١٢ میلا وذلك في رده على الصحفيين أثناء حضوره مؤتمر الناتو بإسطنبول في يونيو حزيران الماضي أيضًا، وإن كان قد نفى أن يكون موعد ذلك في أكتوبر المقبل كما رددت وسائل الإعلام.

علاوة على أن قيام أثينا باختيار جزيرة كورفو في بحر إيجه لعقد قمة الاتحاد الأوروبي برئاسة أندرياس باباندريو رئيس الوزراء اليوناني في الفترة من ٢٤- ٢٥ يونيو «حزيران» استهدف إبلاغ أنقرة رسالة مفادها أن بحر إيجه يجب أن يكون بحيرة يونانية، كما شاركت روسيا في الاجتماع للتوقيع على معاهدة تعاون مع الاتحاد الأوروبي وهو ما سيدعم الموقف اليوناني أيضًا.

أسباب المشكلة:

ومشكلة بحر إيجه تتضمن خمسة نقاط خلاف أولها: تسليح جزر بحر إيجه ذات الصفة غير العسكرية، وثانيها: الجرف القاري وثالثها المياه الإقليمية، ورابعها الأجواء الإقليمية، وآخرها تطبيق معاهدة روجرس.

وما يجعل المشكلة ساخنة أن جميع السواحل التركية على بحر إيجه محاطة بالعديد من الجزر اليونانية القريبة جدًا من الأراضي التركية، ابتداء من النقطة التي تنتهي عندها الحدود البرية التركية اليونانية حتى النقطة التي تبدأ عندها سواحل البحر المتوسط، ولهذه الجزر أهمية كبرى من الناحية الأمنية لتركيا وبالتالي يظل نزع سلاح جزر غرب الأناضول وبقاء المياه الإقليمية ٦ أميال يقابلها بنفس الاتساع حجم الأجواء الإقليمية، علاوة على تحديد الجرف القاري عن طريق المفاوضات مع حرية استخدام المياه للأجواء اليونانية في بحر إيجه هو الحل المعروض لنزع عناصر التوتر خاصة وأن اليونان كانت نجحت بتوسيع حدودها إلى مساحة ۱۳۱,۹۹٠ كيلومترًا مساحتها الحالية بعد أن كانت ٤٧,٥١١ كيلومترًا عندها حصلت اليونان على استقلالها عام ۱۸۳۲ كدولة مستقلة، ونجحت عبر الألاعيب الدبلوماسية في الحصول على كل هذه الأراضي حيث انتزعت من تركيا شبه جزيرة المورة والأراضي الواقعة بين شمال إيبر وتراقيا الغربية وجزيرة كريت وجزر غرب الأناضول وتحاول حاليًا إقامة دولة بنتوس اليونانية داخل الأراضي التركية نفسها في محاولة للانتقام التاريخي من الأتراك. 

والإصرار اليوناني على زيادة المياه الإقليمية إلى ۱۲ ميلًا يستهدف تحويل بحر إيجه إلى بحيرة يونانية تتحكم في المضايق التركية التي تصل البحرين الأسود والأبيض فإذا كان لليونان ٣٦٠٢ جزيرة في إيجه وتم إعطاء كل جزيرة ١٢ ميلاً حدود للمياه الإقليمية، فإن معنى ذلك أن تحصل اليونان على ٧١,٥٣ من مياه بحر إيجه ويضطر كل راغب في النزول من البحر الأسود إلى البحر المتوسط أو العكس أن يحصل على إذن مرور منها وهذه العملية أيضًا سترفع مساحة اليونان بزيادة ۱۸۰ ألف كيلومتر مربع لتصل مساحتها إلى ما يزيد عن ۳۰۰ ألف كيلو متر وسيكون حق تركيا في بحر إيجه ٨,٧٦.

الموقف القانوني:

وكانت حدود المياه الإقليمية خلال الفترة التي وقعت فيها معاهدة لوزان عام ۱۹۲۳ تبلغ أميال إلا أنها زادتها إلى ٦ أميال بقرار منفرد من جانبها عام ١٩٣٦ مما دفع تركيا هي الأخرى إلى تحديد نفس المسافة عام ١٩٦٤ مما أدى إلى ظهور الوضع الحالي في بحر إيجه، وحاليًا تشكل المياه الدولية ٤٨,٨٥ والمياه الإقليمية لليونان ٤٣,٦٨ والمياه الإقليمية التركية ٧,٤٧.

وتستند اليونان إلى المادة الثالثة من اتفاقية قانون البحار، والتي لم تدخل حيز التنفيذ بعد- وتتيح للدول حق من مياهها الإقليمية إلى ۱۲ میلًا، إلا أن ذلك يتناقض مع مبدأ عدم سوء استعمال الحق الذي نصت عليه المادة ٣٠٠ من اتفاقية قانون البحار كما يقلل مساحة المياه الدولية إلى درجة الصفر.

ورغم أن المادة ١٢ من معاهدة لوزان تنص على منح اليونان الجزر الخاصة بالأتراك في بحر إيجة بشرط أن تكون جزر ميديللي وساقز وسيسام وإيقاريا منزوعة السلاح ومنع الطائرات اليونانية من الطيران فوقها، علاوة على أن المادة الرابعة من نفس المعاهدة تنص على أن تظل جزر ماديرك وليمنو- وإصروز وبوزجه وأضنه وماوريون خالية من الجنود وفي مؤتمر السلام عام ١٩٤٦ تقرر منح جزر غرب الأناضول لليونان بشرط نزع سلاحها فإن اليونان لم تلتزم بذلك لتظل في حالة تهديد دائم لتركيا خاصة إذا عرفنا على سبيل المثال أن جزيرة بتدوز تبعد عن تركيا ۱۲ میلًا بحريًا وعن اليونان ۲۱۰ ميلًا وأستانكوس تبعد عن الشاطئ التركي ٣,٥ ميلًا بحريًا وعن اليونان ۱۰۰ ميل بحري وسيسام تبعد ميلين عن تركيا، و٩٥ ميلًا بحريًا عن اليونان... إلخ.

يأتي كل ذلك رغم أن الموسوعة الجغرافية اليونانية التي نشرها كوستاس روميوس عام ١٩٦٩م تؤكد أن الجزر الواقعة على مسافة عدة أميال من السواحل الغربية للأناضول إنما هي امتداد طبيعي لتلك السواحل، وتغطي هذه الجزر مساحة تقدر بـ٢٦٨٠ كيلومترًا مربعًا، ويبلغ عددها ۱۸ جزيرة أطلق عليها المؤرخون البيزنطيون أسم الجزر الاثنتا عشر، وعملية تسليح اليونان لتلك الجزر وقيام أثينا بمحاولات مد المياه الإقليمية إلى ۱۲ ميلًا يؤدي إلى خلق موقفًا خطيرًا في لغة القانون الدولي معروف باسم «سبب للحرب».

الموقف الروسي:

ويبدو أن العامل الروسي عند كل حدوث توتر حول إيجه بين تركيا واليونان ليس محض الصدفة ففي مؤتمر السلام وافق المفاوض الروسي بعد رفض على منح الجزر السابقة لليونان، كما أن أندرياس باباندريو رئيس الوزراء اليوناني الحالي حاول عام ١٩٨١م عندما وصل للمرة الأولى للحكم أن يكسب تأیید موسكو..

كما أوضح ديمتري ماريوداس المتحدث الرسمي باسم الحكومة لسنوات طويلة في مقال بجريدة Eleferoyipia حول نوايا اليونان جاء فيه: أن بحر إيجه هو مفتاح القفل الذي يحقق التوازن بين أمريكا وروسيا، وهو يضفي المزيد من القوة على الأسطول الروسي من حيث إنه يفتح لموسكو باب النزول إلى مياه البحر المتوسط ويعطي الفرصة لها أن تتحكم في آسيا وإفريقيا، ومخاوف اليونان لا تأتي من انفتاح الأسطول الروسي على المتوسط وإنما من التهديد التركي الموجه لجزرها اليونانية وسمائها ومياهها، وهناك إشارات أن أمريكا ودول الناتو ستقف على الحياد في حالة نشوب حرب تركية يونانية، والتصرف الوحيد الذي يضمن قوة اليونان في بحر إيجه هو أن تعلن على العالم أنها سوف تفتح المرور فيه لجميع السفن التي تعبره بقصد الحرب أو السلم، والاهتمام الذي أبدته روسيا إنما هو خطوة لصالحنا.

كان هذا الموقف أثناء الحرب الباردة والصراع بين القطبين فما بال الموقف اليوم في ظل خطة التحالف الأرثوذكسي الذي تسعى موسكو وأثينا وبلجراد من إقامته لتوحيد العالم الأرثوذكسي، بالطبع فإن موسكو تدعم بشكل كامل الموقف اليوناني وتخطط مع أثينا لشل حركة تركيا وتقييدها والدليل على ذلك الخطة الروسية لنقل البترول القوقازي والقادم من آسيا الوسطى عبر أنبوب نفط ينتهي في ميناء نوفور سيسك الروسي على البحر الأسود ثم نقله بعد ذلك بالناقلات إلى ميناء بورغاز البلغارية ثم تسييله عبر أنبوب طوله ۳۰۰ كيلو متر إلى ميناء داره إنماج اليونانية على بحر إيجه ليتم شحنه فيما بعد إلى الخارج، وبالتالي تفقد تركيا ورقة هامة يمكن من خلالها دعم دول القوقاز وآسيا الوسطى وإبعادها عن الهيمنة الروسية التي تريد الانفراد بتلك الدول من خلال إبعاد أنبوب النفط عن الأراضي التركية وتظل كافة أوراق الضغط في أيدي الحلف الأرثوذكسي الجديد لشل إدارة الجمهوريات الإسلامية.

كما أعلنت روسيا واليونان ورومانيا وبلغاريا أيضًا أنهم سيعارضون قواعد المرور الجديدة في المضايق التركية التي بدأت خلال شهر يوليو تموز الحالي وتستهدف المرور الأمني والحد من حركة السفن العملاقة والتي تحمل موادًا خطرة مثل البترول، وتم الاتفاق سريًا بينهم على تحريك موضوع مد المياه الإقليمية لـ ۱۲ ميلًا بهدف التحكم في المضايق يونانيًا ونزع من يد تركيا أية أوراق ضغط حيث ستكون اليونان في حالة المد للمياه الإقليمية هي المتحكمة أصلًا في المضايق وستحتاج السفن التركية نفسها إلى إذن يوناني للمرور.

وإذا كانت واشنطن قد نصحت أثينا بالتريث في اتخاذ قرارها الخاص بعد المياه الإقليمية في بحر إيجه إلا أنها رفضت مد المجال الجوي أيضًا إلى ١٠ أميال حيث تشير تقارير الاستخبارات الأمريكية أن دخول تركيا مع اليونان في أي نزاع مسلح سيساهم في دعم وتنامي الروح الإسلامية التي تعم تركيا حاليًا وتعيدها إلى الذات من جديد، ولذلك فإن الصراع التركي- اليوناني حاليًا كيفما ستكون نتائجه سيمثل خسارة على المستوى الاستراتيجي للولايات المتحدة وخططها لترويض العالم الإسلامي، لأن انبعاث الغضب الإسلامي المكبوت في صدور الأتراك منذ عام ١٩٢٤م كفيل بتغيير معادلات كبيرة كلفت واشنطن والغرب أكثر من ٥٠ سنة لتشكيلها وأنفقت عليها مليارات الدولارات.

والسؤال الحالي هو هل ستخضع أثينا لرغبة واشنطن وتؤجل مد مياهها الإقليمية أم تقوم بذلك بسب الموقف المتأزم اقتصاديًا داخليًا وتعتمد على روسيا في دعمها في مواجهة تركيا؟ الإجابة يصعب التنبؤ بها حاليًا إلا أنه من الأفضل لتركيا نفسها أن تكشر اليونان عن أنيابها لتستعيد تركيا ذاتها المسلمة ولتعرف حقيقة الموقف الغربي، وعمومًا فإن الموقف على وشك الانفجار حاليًا، والمحمديون- اسم الجيش التركي حتى الآن رسميًا- ينتظرون الإشارة لاستعادة الشرف الإسلامي العثماني.

الحشود العسكرية في الجزر القريبة من تركيا

القوات الموجودة فيها

بعدها عن اليونان

بعدها عن تركيا

اسم الجزيرة

فرقة عسكرية حوالي ١٠ آلاف جندي تتكون من فوجين مشاة و٧ كتائب مشاة وكتيبة من الحرس الوطني، و٣ كتائب دبابات و4 كتائب مدفعية، وكتيبة دفاع جوي و١٥ ألف جندي.

٨٥ ميلا بحريًا

٨ أميال بحرية

جزيرة ميديللي

لواء واحد يتكون من فوج مشاة و4 كتائب مشاة وكتيبتان آليتان، وكتيبة حرس وطني، وكتيبة دبابات وأخرى دفاع جوي و٧٥٠٠ جندي.

٦٢ ميلاً بحريًا

4 أميال بحرية

جزيرة ساقز

لواء واحد وكتيبة فوج مشاة و٤ كتائب مشاة وكتيبتان آلیتان وكتيبتان دبابات وكتيبتان من المدفعية، وكتيبة دفاع جوي، و٧٥٠٠ جندي.

٩٥ ميلا بحريًا

ميلان بحرية

جزيرة سيسام

فرقة عسكرية واحدة تتشكل من فوجين مشاة و٧ كتائب مشاة أيضًا، وكتيبة حرس وطني خاصة، و٣ كتائب مدفعية، وكتيبة كوماندوز، و١٥ ألف جندي.

۲۱۰ ميلا بحريًا

10 أميال بحرية

جزيرة رودس

لواء واحد تتبعه الوحدات العسكرية التالية: فوج مشاة و4 كتائب مشاة، وكتيبة حرس وطني خاصة، وكتيبتان من الدبابات، و٨٠٠ جندي.

١٠٠ ميل بحري

3.5 أميال بحرية

جزيرة إستانكوي

النتيجة: قيام اليونان بنشر جنودها وأسلحتها فوق بحر إيجه بالكامل.. فماذا تريد أن تفعل؟

الرابط المختصر :