; بطرس.. وبنو عمومته | مجلة المجتمع

العنوان بطرس.. وبنو عمومته

الكاتب أحمد منصور

تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1992

مشاهدات 9

نشر في العدد 1028

نشر في الصفحة 29

الثلاثاء 08-ديسمبر-1992

لقد قدم بطرس غالي للكيان الصهيوني خلال عام واحد من أعوام ولايته الخمسة، ما لم يقدمه أي أمين عام سابق للأمم المتحدة طوال فترة ولايته

هديتين ثمينتين قدمهما بطرس غالي للكيان الصهيوني في الأسبوع الماضي وصدم بهما في نفس الوقت الرأي العام العالمي الذي يدرك جرائم الصهيونية وممارساتها القذرة التي تعرض ليل نهار على شاشات التلفزيونات العالمية من داخل فلسطين المحتلة، وصدم بهما أكثر من دعموه وصفقوا له واعتقدوا أن وصوله إلى هذا المنصب نصر مبين للعرب المستضعفين.

أما الهدية الأولى التي حيرت المراقبين فهي طلب بطرس غالي من الكياني الصهيوني أن يقدم للأمم المتحدة خبراء صهيونيين لمساعدة المنظمة العالمية على تنظيم انتخابات ديمقراطية حول العالم، وقد تساءل البعض فور نشر الخبر بدهشة وحسرة قائلين: هل وصل أمر غسيل دماغ بطرس غالي بالنسبة لإسرائيل وديمقراطيتها المزعومة إلى هذا الحد؟ أم أن هناك ضغوطًا عليه جعلته يدرج الكيان الصهيوني ضمن قائمة الدول الأكثر ديمقراطية على مستوى العالم؟ وقبل أن يفيق المراقبون من تساؤلاتهم وتحليلاتهم حول دوافع بطرس غالي من وراء هذا الطلب أعلن متحدث باسم الخارجية الإسرائيلية أن إسرائيل قد وافقت لأول مرةعلى الانضمام لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وذلك تلبية لدعوة الدكتور بطرس غالي السكرتير العام للأمم المتحدة، وبهذا تتحول دولة الكيان الصهيوني على يد بطرس غالي خلال أسبوع واحد إلى واحدة من أهم الدول الديمقراطية والمحبة للسلام على مستوى العالم، دون وضع أي اعتبار للممارسات الصهيونية اليومية التي تمارس في فلسطين المحتلة وجنوب لبنان: إن ما فعله بطرس غالي يحسن صورة الكيان الصهيوني دوليًا دون شك في المحافل الدولية ويمحو عنه بشهادة الأمم المتحدة كل ما يمكن أن يوصف به من اتهامات.

ولم يكن ما قدمه بطرس غالي للكيان الصهيوني في الأسبوع الماضي هو أول أو آخر هداياه إلى بني عمومته، بل إن البشائر والهدايا جاءت على يد بطرس غالي لليهود حتى قبل أن يتولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة رسميًا، فقبيل أيام من توليه منصبه كأمين عام للأمم المتحدة وفي السابع عشر من ديسمبر الماضي ۱۹۹۱ مني العمل الدبلوماسي العربي في الأمم المتحدة بهزيمة تاريخية ساحقة، حينما ألفت الجمعية العامة قرارها الشهير رقم ٣٣٧٩ لعام ١٩٧٥ والذي اعتبر الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية، وكان هذا أول بشائر لليهود بمجيء بطرس غالي سكرتيرًا عامًا للأمم المتحدة، أما على يديه ففي أول مؤتمر صحفي عقده بعد توليه المنصب بتسعة وسبعين يومًا، أعلن أن القرار ٢٤٢ الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في أعقاب هزيمة ١٩٦٧ والخاص بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة ليس ملزمًا، ففجع بطرس غالي في أول تصريح له الرأي العام العربي حيث كان كثيرًا ممن لم يعرفوا حقيقة غالي يعولون عليه الكثير، وتتابعت القرارات بعد ذلك تباعًا لتصب جميعها في صالح الدول الكبرى ضد مصالح العرب والمسلمين، وفي الوقت الذي كانت تعقد الدهشة ألسنة كثير ممن خدعوا ببطرس غالي كان الذين عرفوه يعلمون جيدًا أن هذا غير مستبعد على الرجل الذي تعود طوال حياته أن يقول ويقوم بما يريده رؤساؤه لا أن يقول أو يقوم بما ينبغي قوله أو القيام به والذين عرفوه أكثر يعرفون أنه أرثوذكسي متزوج من يهودية مصرية من عائلة نادلر ولعل هذا ما يفسر دعمه وحرصه على مصالح اليهود التي ظهرت واضحة مع زيارته التي قام بها مع السادات للقدس المحتلة عام ١٩٧٧ وأبدى فيها تجاوبًا كبيرًا مع موشى ديان حينما التقى به وتحدثا في مطالب اليهود مع العرب حتى أن ديان ذكر في مذكراته أنه دهش لتجاوب غالي السريع معه.

إننا مع كل هذا لا نلوم بطرس غالي على هداياه المتلاحقة التي قدمها ويقدمها سواء لبني عمومته من اليهود أو بني جلدته من الصرب لأن الإنسان لا يلام على خدمته لعقيدته ومبادئه أيًا كانت وبطرس غالي أثبت أنه قدم ويقدم في سبيل ولائه لبني جلدته وبني عمومته من خلال هذا المنصب ما لم يقدمه غيره طوال تاريخ الأمم المتحدة. لكننا نلوم هؤلاء الذين هللوا له في البداية وما زال بعضهم ينتظر أن يصيب العرب والمسلمون خير على يديه.

 لقد قدم بطرس غالي للكيان الصهيوني خلال عام واحد من أعوام ولايته الخمسة ما لم يقدمه أي أمين عام سابق للأمم المتحدة طوال مدة ولايته، فيا ترى ماذا سيقدم بطرس لبني عمومته خلال سنواته الأربع الباقية؟

الرابط المختصر :