; بعد عام من الانتفاضة | مجلة المجتمع

العنوان بعد عام من الانتفاضة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 06-ديسمبر-1988

مشاهدات 33

نشر في العدد 894

نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 06-ديسمبر-1988

مع حلول الثامن من شهر ديسمبر الحالي يكون قد مر عام على انتفاضة أبناء شعب فلسطين الرازحين تحت نير الاحتلال الصهيوني، تلك الانتفاضة التي فجرها الغضب الذي في الصدور على أعداء الله وأعداء الإنسانية، وفجرتها النقمة على الغاصب المحتل الذي لم يردعه رادع من شريعة أو قانون؛ فعاث في الأرض فسادًا، واعتقل، وشرد، وهدم المنازل، واقتلع الأشجار، وضم الممتلكات ظانًا أن بوسعه أن يفعل ما يشاء، وأن أبناء فلسطين لا حول لهم ولا قوة، لا سيما بعد أن أجلى نواة جيشهم العسكري من لبنان عام ۱۹۸۲، وأبعد الفدائيين إلى دول مختلفة في المشرق والمغرب العربيين، لكن الجيل الجديد من الأطفال والشبان الفلسطينيين سفه أحلامه، وقلب خططه، بل أقض مضجعه ومضجع جنوده الذين جربوا كل الطرق، واستنفذوا ما في جعبتهم لإيقاف انتفاضة الحجارة ففشلوا، إنهم يواجهون أطفالًا لا كالأطفال؛ لأن ذلك الاحتلال صنع منهم رجالًا وأبطالًا أشاوس، استهانوا بالموت في سبيل الحرية، وعقدوا العزم على مواصلة المقاومة، كلفهم ذلك ما كلفهم، ولقد سقط منهم القتلى والجرحى بالمئات، ولكنهم لا زالوا على الدرب سائرين، لا تلين لهم قناة، ولا تخبو لهم جذوة، ومن هنا ظهرت الحيرة حيرة الصهاينة أولًا؛ حيث كانوا يرددون مع بداية هذه الانتفاضة المباركة أن الأمر لا يعد أن يكون شغب أطفال، وأنهم سيعرفون كيف ينهوه. 

ولكن ماذا تراهم يقولون الآن بعد أن أعيتهم الحيلة في إيقاف انتفاضة الحجارة، ثم أن هذه الحيرة لم تتملك الصهاينة وحدهم، بل تملكت كثيرًا من العرب والمسلمين، وحتى شمل الفلسطينيين الذين ما كانوا يتوقعون انفجار هذه الثورة بهذا العنف واستمراريتها بهذا الشكل، وإصرار أبنائها على التضحية والفداء دون كلل أو ملل، ولم تمر أسابيع قليلة حتى ركب الموجة من ركب، ولحق بها من الحق، وصارت انتفاضة الحجارة على كل لسان، وصدرت الدعوات الصادقة لمد يد العون والمساعدة، وشد الأزر، ولكننا نتساءل هل قام كل العرب وكل المسلمين بواجبهم إزاء نضال الرازحين تحت الاحتلال الصهيوني البغيض؟ هل قمنا بواجبنا حتى تبرئة للذمة أمام ضمائرنا وأمام خالقنا، وكما يطلبه منا ديننا الإسلامي الحنيف؟ 

إننا نطرح هذا التساؤل من منطلق إيماننا بأن القضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، بل هي قضية المسلمين جميعًا وفلسطين جزء من الأراضي الإسلامية، والمسجد الأقصى في القدس الشريف الذي تدنسه أقدام الصهاينة تهفو إليه قلوب كل المسلمين، وبالتالي فإن مسؤولية تحريره في أعناق كل المسلمين، وإذا كان بعضنا اليوم يؤاخذ بعض القيادات الفلسطينية على تعاملها مع هذه القضية، ويتهم بعضًا آخر بالتخاذل والتفريط والرضوخ لمطالب الأعداء فإنه أولى بهؤلاء وبنا جميعًا أن نسأل أنفسنا ماذا قدمنا لحل هذه القضية حلًا إسلاميًا؟ وماذا فعلنا لتخفيف الوطأة عن إخواننا الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، والذين يذوقون العذاب ألوانًا على أيدي الصهاينة الدخلاء؟ أين نحن من الجهاد بالمال والنفس الذي فرضهما علينا ديننا؟ إن هذا العام المنصرم هو -بلا شك- عام الانتفاضة، ولعله لن يكون العام الوحيد؛ ولذا لا بد لنا أن نقرأ أحداثه ومستجداته بدقة؛ من أجل غاية واحدة، ألا وهي دعم مسيرة المقاومة والنضال من أجل التحرير الحقيقي للعباد والبلاد، ويمكن القول بإيجاز ودون إطالة إن أهم تلك المستجدات تتمثل فيما يلي:

على المستوى الدولي: عرت الانتفاضة الفلسطينية الصهاينة، وأبرزت حقيقتهم العنصرية، وتبين للعالم من يضرب من، ومن يهدد أمن من، وشاهد العالم أجمع كيف يكسر الجنود المدججون بالسلاح عظام الشبان العزل من السلاح، وسقطت معظم الادعاءات الصهيونية السابقة التي طالما خدعوا بها من لا يعرفهم على حقيقتهم، وعلى هذا الأساس وجد تعاطف أكبر في العالم مع قضية الشعب الفلسطيني، وصوتت الجمعية العامة على قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية، لكن الموقف الأمريكي المتحيز لم يتغير، ولا زالت الإدارة الأمريكية تصر على وصم الفلسطينيين بالإرهاب والعنف، ويبدو أن الإدارة الأمريكية بقيادة بوش لن تكون أفضل من سابقتها بقيادة ريغان؛ فالتحالف بين الأمريكان وبين الصهاينة وصل إلى مرحلة التحالف العضوي الاستراتيجي.

 •على المستوى الإسرائيلي: أحدثت الانتفاضة هزة في المجتمع اليهودي، انعكست في الأزمة السياسية والتحالفات الجديدة والانقسامات داخل الحزب الواحد، وقد رجحت في النهاية كفة المتصلبين بزعامة شامير الذي لا توجد كلمة فلسطين في قاموسه كما صرح بذلك، لكن كل ما تشهده الساحة السياسية الصهيونية من توتر لا يعكس الخوف من الخارج بقدر ما يعكس الخوف من تجذر الانتفاضة واستمراريتها وحيرة الصهاينة حول كيفية التعامل معها.

على المستوى العربي: ساهمت الانتفاضة -إلى جانب عوامل أخرى- في تقريب شقة الخلافات بين العديد من الدول العربية، فانعقد مؤتمر القمة العربي في الجزائر الذي أطلق عليه مؤتمر الانتفاضة، لكنه في الحقيقة كان مؤتمر عودة العلاقات بين الدول العربية ومصر التي قطعت على إثر معاهدة كامب ديفيد، ورغم ذلك المؤتمر الذي قدم دعمًا معنويًا للمنتفضين، فإن العرب ظلوا في موقف المتفرج المنتظر، في حين كان المنتفضون هم الذين ينتظرون. 

على المستوى الفلسطيني: كان أبرز حدث هو انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، والذي تمخض عن إعلان الدولة الفلسطينية، والقبول بالقرارين (۲٤٢ و ۱۸۱)، وقد قيل الكثير حول هذا المؤتمر، وحول قراراته، ومن أبرز ما قيل إن ذلك المؤتمر إنما كان استثمارًا لعام من الجهاد، وتتويجًا له، ونحن من منطلق إسلامي لسنا ضد إعلان الدولة الفلسطينية إذا كان ذلك مرحلة من مراحل النضال من أجل التحرير الشامل، ولكننا -ومن منطلق إسلامي أيضًا- ضد التفريط في الحقوق، وضد التفريط في الأرض؛ فالأراضي الفلسطينية هي للفلسطينيين، ولكنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الإسلامية، ولا يحق لفئة أو جماعة تحت أي عنوان أن تحتكر لنفسها حق التصرف في تلك الأرض، لقد ذكر تاريخنا القديم، وسجل قرآننا العظيم أن الذين يناصبوننا العداء منذ القدم هم اليهود؛ قال الله -تعالى-: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ(سورة المائدة: ٨٢)، فهل يؤمل أن تنقلب العداوة من هؤلاء إلى صداقة اليوم؟ أو حتى بعد مئات السنين؟

إن أشد ما يحز في نفوس المسلمين اليوم أن يكون الصهاينة وهم المخرجون لقرار التقسيم، والمنادون به منذ أربعين سنة، وإذا بنا ـوسبحان مقلب الأحوال- نحن الذين نجري وراء هذا القرار، ونطالب الصهاينة بقبوله، إن ما اعتبرناه بالأمس مشؤومًا، كيف يصبح اليوم مصدر عزة وكرامة وافتخار، حتى لو فرضنا أن اليهود رضوا بتطبيقه؟ فهل تعبنا من الجهاد حتى تحولت المطالب اليهودية عام ٤٨ إلى مطالب عربية عام ١٩٨٨؟ إنه برأينا لا حل لهذه المعضلة إلا بعقد لواء الجهاد، ومتى عقد هذا اللواء بصدق وإخلاص نية فإنه لا يبقى مجال للتنازلات أو التهكم من الذين يرضون بأنصاف الحلول على رأي البعض القائل: «إن الأمل الباقي لنا يكمن في التعصب الصهيوني الذي أفسد على المتنازلين كل تنازلاتهم».

الرابط المختصر :