; بعد مرور ١٠ سنوات: كامب ديفيد واقتصاد مصر | مجلة المجتمع

العنوان بعد مرور ١٠ سنوات: كامب ديفيد واقتصاد مصر

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 22-سبتمبر-1987

مشاهدات 74

نشر في العدد 835

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 22-سبتمبر-1987

عندما سأل مندوب التلفزيون البريطاني إحدى المصريات المثقفات في أحد شوارع القاهرة في ديسمبر ۱۹۷۷: «لماذا تريدين السلام؟» ردت قائلة: «لأننا بعد السلام سنستطيع ان نشرب علب الكولا»... وكانت تقصد بذلك علب المشروبات الغازية المصنوعة من المعدن، والتي كان يصل سعرها في ذلك الوقت إلى ٧٥ قرشًا مصريًا، أي ما يمثل 2% من راتب الموظف العادي في ذلك الوقت للعلبة الواحدة. فقد كانت ترمز للرخاء واليسر والرفاهية.. هكذا كانوا يتخيلون السلام. 

فقد نجح السادات في إيهام شعبه حين خطا نحو الصلح المنفرد في «كامب ديفيد» مع اليهود، أن هذا الصلح والسلام سيحقق الرخاء للشعب المصري، وضرب العام ۱۹۸۰ موعدًا لذلك، إذ إنه صور للجميع أن تقليص حجم الجيش والإنفاق العسكري، وافتتاح قناة السويس، وإقامة علاقات طبيعية مع دول الغرب وخاصة أمريكا، ثم إسرائيل، سيتيح الفرصة للاقتصاد المصري أن ينتعش، ويستورد البضائع الأمريكية واليابانية، والتي لم يكن يحلم برؤيتها سوى فئات محدودة جدًا من الشعب المصري، وتوهم المواطن العادي أنه بعد كامب ديفيد سيتمكن من امتلاك شقة وسيارة، والزواج في سن مبكرة، وأن اللحم والدجاج سيكون ضمن قائمة طعامه اليومي، بدلًا من الطعام الشعبي المشهور «الفول».

إلا أنه- وبعد مرور عشر سنوات من السلام والانفتاح- يبدو الاقتصاد المصري في أزمة شديدة؛ فأسعار السلع في ارتفاع مستمر، والدعم الحكومي قد رفع عن معظم المواد الغذائية، كما أن أزمات السكن لم تحل، وكذلك المواصلات والتوظيف، في حين أن الأجور بقيت ثابتة لم تتغير إلا تغيرًا طفيفًا، وخلال السبع سنوات التي تلت عام الرخاء الموعود «۱۹۸۰» ارتفعت أسعار معظم السلع خمسة أضعاف.

وتزداد حدة المعاناة لدى الفئات التي لم تستوعب التغيرات الحاصلة، ولم تعد قادرة على ركوب الموجة السائدة كما فعل الانفتاحيون، والتي لا تتمتع بأي دعم من خارج مصر، مما جعلها في أزمة مادية حادة، وفي ظل هذا الوضع يزداد الأغنياء غنى، ويزداد الفقراء فقرًا ومعاناة.

والحقيقة أن «مصر السادات» والذي تسلم رئاسة مصر وديونها لا تزيد على ٤٠٠ مليون دولار، ورحل عنها وديونها تزيد على ۱۲۰۰۰ مليون دولار كان عصرًا سيئًا، فقد تضاعفت ديون مصر ٣٠ مرة خلال ١٠ سنوات! وقد دمرت البنية الصناعية الإنتاجية المصرية لصالح الانفتاح الاستهلاكي، في حين هجر معظم الفلاحين أراضيهم وباعوها لبناء المساكن، أو صناعة الطوب، مما جعل مصر الآن تستورد أكثر من 50% من حاجتها اليومية للقمح من أمريكا وأستراليا.

كما أن ارتباط الجنيه المصري بالدولار والبنك الدولي قد قلل من قيمة الجنيه، وهز الثقة به حتى داخل مصر، فبعد أن كان الدولار لا يزيد عن ٨٠ قرشًا في السوق السوداء عام ١٩٨٠، صار الآن يزيد على ٢ جنيه في السوق الرسمية، وأصبح من النادر أن تتم الصفقات التجارية الكبرى بالجنيه المصري.

إن السياسات السابقة قد رفعت رقم الديون المصرية إلى ٤٠ ألف مليون دولار مصري، بواقع ٧٥٠ دولار دين لكل مواطن مصري، وجعل مصر تلجأ إلى «نادي باريس» لحل مشكلة الديون ومحاولة إعادة جدولتها.

ويبدو الوضع الاقتصادي الآن محيرًا أكثر من ذي قبل، يجسده قول أحدهم في مناقشة اقتصادية: «أرجوك لا تحدثني عن مشاكلنا الاقتصادية، حتى الأطفال صاروا يعرفونها، ويتابعون سعر الدولار في البنوك، ولكن أعطني حلًا.. نريد حلًا...»!

وفي الوقت الذي تحاول فيه مصر الحصول على المزيد من الهبات والمساعدات، والإعفاء من الفوائد المركبة، يبدو جليًا أن السلام المزعوم في كامب ديفيد لم يجلب الرخاء، وأن الحرب ضد اليهود لم ترهق ميزانية مصر بقدر ما أرهقها السلام!!

الوحدة الوطنية وأقباط مصر

عندما يمر الماشي قرب كنيسة كليوباترا في مصر الجديدة بمدينة القاهرة، وخاصة أيام الجمع والآحاد والثلاثاء، سيدهش للنشاط غير العادي الذي يمارسه شبان وشابات الأقلية القبطية في مصر.

ويبدو أن الجالية القبطية لا تعيش بمعزل عن النشاط الكنسي النصراني العالمي، فقبل مدة وجيزة وبالتحديد ما بين ۱۰ و۲۳ أغسطس ۱۹۸۷، استضافت الكنيسة القبطية المصرية في القاهرة مؤتمرًا كنسيًا عالميًا، اشترك فيه ممثلون من أفريقيا وأوروبا والأمريكيتين، وتحت إشراف أمريكي، وأحيط بسرية شديدة، وحراسة أمنية حكومية مشددة، وبقيت مقرراته طي الكتمان.

وبالرغم من اختلاف الكنيسة القبطية الشرقية مع الكنيسة الغربية حول طبيعة المسيح والعذراء والأناجيل الأربعة وطبيعة الإيمان المسيحي، واختلاف مواعيد الأعياد كميلاد المسيح اختلافًا شديدًا يصل إلى حد تكفير بعضهم بعضًا، إلا أنهم يشتركون معًا في الآمال والمخططات.

ومنذ أن تسلم «الأنبا شنودة» منصبه في أوائل السبعينيات، وتسلم كرسي البابوية القبطية، فرض على أتباعه حضور «مدارس الجمعة»، والتي تتفق مع موعد صلاة الجمعة لدى المسلمين، لتجنيبهم الآثار التي يمكن أن تنجم عن استماعهم لخطبة الجمعة من مكبرات الصوت، ولفرض تميز وحماية ثقافية للأقلية القبطية من الذوبان في المجتمع المسلم، وخاصة بعد ازدياد إشهار الإسلام بين عدد كبير من الأقباط، كما أن هناك منعًا مشددًا يصل إلى درجة التحريم والخطيئة لشراء الأشرطة الدينية الإسلامية، أو سماعها من أجهزة الإعلام، وبالأخص تلك التي تخص مشاهير علماء المسلمين وخطبائهم كالشعراوي وكشك. 

وتحرص الأقلية القبطية على الترويج لنفوذها بالرغم من قلة عدد أفرادها، والتي لا تتجاوز6% من مجموع الشعب المصري، كما تحرص على الظهور بمظهر الحرص على المصلحة الوطنية رغم اعتقادهم الداخلي بأن الوجود الإسلامي في مصر وجود طارئ، ورغم المعونات الضخمة التي قدمها أقباط مصر لحزب الكتائب في لبنان منذ بداية الحرب الأهلية اللبنانية وحتى الآن. 

وقد ازداد نشاط الكنيسة المصرية بصورة أكبر بعد الانفتاح المصري على الولايات المتحدة الأمريكية، واللقاءات المتعددة للأنبا شنودة مع الرؤساء الأمريكيين، وبالأخص «کارتر» الذي كان يتبنى قضايا أقليات النصارى في العالم. 

ويحرص زعيم الطائفة القبطية وساسة الطائفة المحليون على حضور اللقاءات الرسمية وخطابات الرئاسة، وإلقاء الخطب والتصريحات التي تظهره كرجل وطني، في سبيل الحفاظ على حرية أبناء الطائفة، وحماية مكتسباتهم في مصر، رغم علاقاتها الدولية المتشابكة والمشبوهة، وخاصة الضغوط الأمريكية لصالح أقباط مصر؛ فبسبب هذه الضغوط تتمتع الطائفة القبطية بنشاط وحرية كبيرتين بما فيها حرية إصدار صحف خاصة، وهي حرية يحسدها عليها أعضاء الجماعات الإسلامية في مصر.

 ولعل ظروف الاقتصاد المصري وارتباطه الوثيق بالدولار الأمريكي تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل العاطفة الرسمية تجاه الجالية القبطية المدعومة خارجيًا، إذ لا زالت أبراج الكنائس المسيحية في قلب القاهرة وفي ميدان رمسيس وبالقرب من التحرير تعلو فوق أي مئذنة..

الرابط المختصر :